سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تقرير: دور تركيا في التحالف الدولي ضد "داعش" يتسم بالغموض.. تعقد الحسابات التركية تجاه العراق وسوريا تؤثر على موقفها.. وتخوف تركي من توجيه ضربات دولية على "داعش" في سوريا
تتجه الأنظار إلى الاجتماع الذي يعقد اليوم الخميس، في جدة بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وعدد من وزراء الخارجية العرب، إضافة إلى الجانب التركي، والذي يأتي في إطار الحشد الأمريكي لتأييد مبادرتها بحرب داعش، عقب إعلان التحالف الدولي لحرب التنظيم الإرهابي والذي جرى خلال اجتماع قادة دول الناتو والذي جرى الأسبوع الماضي في ويلز. وقد تكون "تركيا" جانبًا إقليميًا مهمًا في هذا التحالف الذي لم تعلن عن موقفها منه بصورة مباشرة، وفي محاولة لفهم الدور التركي في العملية أصدرت وحدة العلاقات السياسية الإقليمية بالمركز الإقليمي للدراسات تقريرا حول ذلك مؤكدة على أنه برغم من أن تركيا من أكثر الدول المتضررة من خروج الوضع في العراقوسوريا عن السيطرة، إلا أن موقفها من الحرب الدولية التي يمهد لها حاليًا على تنظيم "داعش"، لا يزال يتسم بالغموض. وأوضح التقرير أنه لايزال طبيعة الدور الذي يمكن أن تقوم به تركيا في هذه الحرب، غير واضح، سواء استهدفت "داعش" في العراق أو في سوريا، وهو ما يمكن تفسيره بتعقد الحسابات التركية تجاه العراقوسوريا بصورة رئيسية. وقال التقرير إنه ومنذ بدء "داعش" يستولي على مدينة الموصل في 10 يونيو الماضي، لم تتخذ تركيا أية إجراءات للتحرك ضده، بل ولم تصدر تصريحات قوية من المسئولين الأتراك، مما يثير التساؤل عن طبيعة الدور الذي تقوم به تركيا لمواجهة خطر "داعش"، وحدود المصالح، ودور تركيا في التحالف الدولي الذي سيتشكل للقضاء عليه. ولفت التقرير إلى أن تركيا أحد الدول المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة داعش، الذي أعلنته إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في قمة حلف الناتو، ورغم ذلك تدرك واشنطن تعقد الحسابات التركية تجاه المشاركة في هذا التحالف، حيث قال وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيجل، أمس بأن تركيا لديها "حدود فيما يتعلق بما يمكن أن تؤديه من دور في قتال مسلحي داعش في العراق". وأشار التقرير إلى أن هذه الحسابات المعقدة ترتبط بصورة رئيسية بحجم المصالح التركية التي يمكن أن تخدمها هذه المشاركة، وتأثيرات ذلك على الوضع داخل تركيا، وهو ما يجعل الحسابات التركية مختلفة عن الحسابات الأمريكيةوالغربية بصفة عامة. ويلفت التقرير إلى ثلاثة متغيرات رئيسية، يتمثل أولها في "الموقف من نظام الرئيس السوري بشار الأسد"، مشيرا إلى أن هذا المتغير مهم في حال توسيع العمليات لتشمل سوريا، إذ لا تمتلك الدول الغربية رؤية لحل الأزمة في سوريا أو إرغام الأسد على التنحي عن الحكم، وهو موقف مغاير لتركيا، حيث يصر الرئيس رجب طيب أردوغان على إسقاط النظام السوري، وكان ذلك هو الهدف الرئيسي لكافة الجهود التركية الخاصة بدعم المعارضة السورية المسلحة، وبالطبع فإن ضرب "داعش" فقط في سوريا سيعني من الناحية العملية تدعيم موقف النظام السوري على الأرض. ويوضح التقرير أن المتغير الثاني يتمثل في مدى تهديد "داعش" للمصالح التركية في العراق، خاصة أزمة الرهائن التركية، وما تبعها من احتلال قنصلية أنقرة العامة في الموصل، وخطف نحو 4۸ من الدبلوماسيين والعاملين فيها، بمن فيهم القنصل العام، إضافة إلى نحو ۳۰ تركيا، والتي تعد مثالا على حجم الأضرار التي يمكن أن يلحقها "داعش العراق" بأنقرة، وهو ما دفع تركيا لعدم تقديم أي مساعدات عسكرية للأكراد في مواجهتهم ل"داعش". وأشار رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان العراق، فؤاد حسين، إلى أن الحكومة التركية رفضت طلبًا حمله من الإقليم لتسليح "البشمركة" لمحاربة "داعش"، وعللت ذلك بالخوف على حياة الرهائن الأتراك وتأثير ذلك على الانتخابات الرئاسية. المتغير الثالث وفقا للتقرير فيتعلق بفرص الأكراد لتعزيز وضعهم السياسي سواء في العراق أو سوريا، نتيجة هذه العملية، لا سيما وأنهم برزوا في حالة العراق تحديدًا كشريك حقيقي في الحرب على "داعش"، حيث توجد تصورات في تركيا تشير إلى أن التحركات الدولية ضد داعش" قد تسرع من مشروع تقسيم العراق، وتضفي أهمية وزخمًا خاصًا على الحديث عن مشروع الدولة الكردية الكبرى، وتزيد من خطر حزب العمال الكردستاني. ويشير التقرير إلى تحذيرات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، قبل يومين من احتمال وقوع الأسلحة التي يجري تسليمها إلى القوات الكردية والعراقية لمحاربة تنظيم "داعش في أيدي مقاتلي الحزب. ويتحدث التقرير عن قضية أخرى تثار في الحديث عن دور تركيا في محاربة "داعش"، وهي ترتبط بوجود تصورات في عدة دوائر غربية بأنها تدعم الإرهاب لاسيما في ظل عدم اتخاذ الحكومة التركية لإجراءات لضبط الحدود مع العراق أو سوريا، التي يستفيد منها التنظيم، وهو ما يرتبط بسياسة "انتظر وشاهد" التي تتبعها أنقرة، حيث إن نجاح داعش في السيطرة على مناطق متصلة في العراق قد يمهد لقيام دولة سنية على حدودها الجنوبية الشرقية، وفي حال تمكن التنظيم من مد هذه الدولة إلى سوريا، فستكون هذه الدولة محاذية للحدود الجنوبية الشرقية لها، وهو ما قد يزيد من نفوذها في العراق، ويمثل خصمًا من النفوذ الإيراني. ويذهب التقرير إلى القول بأن ذلك هو ما دفع اتجاهات عديدة في تركيا إلى الحديث عن أن "داعش" لم يعد يمثل مصدر تهديد للأمن التركي، وهو ما يفسر تساهل تركيا مع حركة المجاهدين الأجانب المتجهين إلى سوريا أو العراق عبر أراضيها، خاصة المنضمين إلى "داعش". ويشير التقرير إلى أن بعض مناطق تركيا تحولت إلى بيئة حاضنة لقادة التنظيم، وذلك بالإشارة إلى حوار أجرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، عشية صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم ۲۱۷۰ حول "داعش" مع أبي يوسف، أحد قادة "داعش"، في منطقة الأسكندرون التركية. ورغم ذلك لم تسلم تركيا من تهديدات "داعش"، حيث طالب أبو بكر البغدادي، في أبريل، رئيس الوزراء التركي آنذاك رجب طيب أردوغان، "بمبايعته قبل فوات الأوان"، وقال إنه "لا يوجد أشهى من لحوم الأتراك"، بل وشهدت تركيا تفجيرات في بلدة الريحانية الحدودية، أودت بحياة نحو 5۳ قتيلا، ورغم أن أنقرة اتهمت نظام الأسد بالوقوف وراء التفجيرات، إلا أن الشكوك لا تزال تحوم حول مسئولية "داعش" عنها. وفيما يتعلق بحدود الدور التركي يشير التقرير إلى أنها تحظى بأهمية كبيرة عند الحديث عن أي تحالف دولي في إطار حلف الناتو لمواجهة تنظيم "داعش"، حيث إنها تستضيف على أراضيها قوات من حلف الناتو، ومعظمها في قاعدة إنجيرليك الجوية، كما تستضيف رادارات الرصد المبكر في كل من كورجيك وملاطيا. ويقول التقرير بأن صمت تركيا تجاه تحركات "داعش" على الحدود العراقية-التركية لا يعتبر مؤشرًا على عدم النية في المشاركة في أي عمل عسكري ضد التنظيم من خلال حلف الناتو، وإلا فإن نطاق المشاركة سيظل يتأثر بالعلاقة بين تركيا والدول الغربية والتي ترتبط بعدة قضايا إشكالية، فمن ناحية، هناك قضية التجسس من قبل أجهزة استخبارات بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة على تركيا، كما أشارت لذلك صحيفة "دير شبيجل" الألمانية، إلى جانب التمثيل الضعيف للولايات المتحدة والدول الأوروبية، في حفل تنصيب الرئيس أردوغان بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة، وهو ما يعكس، وفق عدة تقديرات، كون تركيا "حليفًا استراتيجيًا"، ولكن ليست "صديقًا يؤتمن". كما لا تبدو أنقرة راضية عن الدعم العسكري الذي بدأت الدول الغربية بتقديمه لقوات "البشمركة" التابعة لإقليم كردستان العراق، حيث تتوجس من إمكانية وصول هذا الدعم إلى حزب العمال الكردستاني. ويؤكد التقرير على أن فشل تركيا في الضغط على الدول الغربية، منذ تحول الثورة في سوريا إلى صراع مسلح، من أجل التدخل العسكري لإسقاط نظام الأسد، جعلها أكثر "حذرًا" في التعاطي مع أزمات المنطقة، ورغم أن التحالف الجديد يعيد لتركيا دورها كحليف مهم لا يمكن الاستغناء عنه، إلا أنه من المتوقع أن يستمر الحذر التركي فيما يتعلق بمشاركة أنقرة في الحرب على "داعش"، دون أن تتخلى عن لعب دور فعال في العمليات الحربية، حيث إنها تخشى العواقب المحتملة من مواجهة تنظيم "داعش".