تعجب كثير من الناس من السقوط المدوي لجماعة الإخوان المسلمين بعد وصولها للحكم ولمدة سنة واحدة، ولكن عددًا كبيرًا من المحللين المختصين بشئون هذه الجماعة وغيرها تنبأوا بسرعة السقوط، ومع ذلك لم يكن هذا التنبؤ بهذه السرعة المدوية، فأكثر المتفائلين بسقوط هذه الجماعة كان يرى أنها مع نهاية الفترة الرئاسية الأولى، ولكن الجماعة خيبت كل الظنون بسرعة انهيارها، ووقف العالم كله مشدوهًا بكم الكراهية التي حصلت عليها جماعة الإخوان من جموع الشعب المصري الذي فرض إرادته الحرة على إرادة جماعة الإخوان، وعلى إرادة الحكومة الأمريكية، التي أوصلتهم للحكم، وكانت منذ أكثر من عشر سنوات تُعِد هذه الجماعة لخلافة مبارك؛ لما قدمته الجماعة من خدمات جليلة للإدارة الأمريكية على مدار عشرين عامًا مضت. فربما لا يعرف أحد أن جماعة الإخوان كان لها دور كبير في تنفيذ المخطط الأمريكي لدفع صدام حسين الرئيس العراقي لغزو الكويت سنة 1991، عندما قامت مجموعة من قيادات الإخوان، على رأسهم وفد الإخوان من نقابة المحامين المصريين، والتقوا بصدام حسين قبل الغزو، وأعلنوا مباركتهم له في غزو الكويت، التي آوتهم من خوف وأطعمتهم من جوع زمن المطاردات الأمنية لهم، وطلبوا من صدام أن يضع كلمة “,”الله أكبر“,” على العلم العراقي؛ لأسلمة الغزو، واستجاب لهم. وحقيقة الأمر أن الكويت هي الطعم الذي ألقته المخابرات الأمريكية لصدام؛ حتى تتمكن من تدمير الجيش العراقي، والاستيلاء على نفط العراق، التي بها أكبر ثاني احتياطي نفط في العالم؛ فقام الإخوان بهذة الخدمة الجليلة للإدارة الأمريكية؛ من أجل أن تساعدهم الحكومة الأمريكية في أن يكونوا البديل لنظام مبارك. ولك أن تتخيل أيها القارئ الثمن الفادح الذي دفعه الإخوان في مقابل “,”خطة التمكين“,”، حتى أن الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية السعودي، صرح بأن الإخوان المسلمين هم أساس البلاء داخل المملكة. واستغل الإخوان أحداث 11 سبتمبر لتقديم فروض الولاء والطاعة للإدارة الأمريكية، والتقى الدكتور حسان حتحوت، رئيس أكبر المنظمات الإسلامية بأمريكا، والتابعة لجماعة الإخوان، بالرئيس جورج بوش بالمركز الإسلامي، وعرض عليه مساعدة الإخوان في تحويل غضب الشباب المسلم من أمريكا إلى نشاط إيجابي، مقابل دعم الولاياتالمتحده لهم. وتعاون الإخوان في العراق مع الحاكم العسكري “,”بول بريمر“,” تحت جناح التنظيم الدولي في العراق (الحزب الإسلامي العراقي بقيادة محسن عبد المجيد)، وعندما تعرض تنظيم الإخوان في مصر لأزمة 30 يونيو، وشعروا بكم الغضب الذي سوف ينفجر في وجوههم، أرسل عصام الحداد للإدارة الأمريكية يعرض عليهم استعداد الإخوان لإرسال بعض الجنود المصريين للمشاركة في الحرب ضد بشار الأسد، مقابل دعم الأمريكان لهم ضد غضب الشعب المصري. وبالفعل عرضوا ذلك على القيادة العسكرية المصرية، التي أفهمتهم أن أي قوات مصرية تعمل في الخارج لا بد من أن تكون تحت غطاء الأممالمتحدة، وإلا تعتبر هذة القوات مرتزقة ليس لهم أي حقوق، وعندما عرض الأمر على هيئة الأممالمتحدة رفضت ذلك. وقد أدى ذلك إلى استقالة وزير الخارجيه المصري. هكذا تجد السقوط الأخلاقي الداعم لجماعة الإخوان، وباستعداد هذه الجماعة لأن تضحي بأى شيء وكل شيء طالما في ذلك مصلحة للتنظيم، الذي هو عندهم بديل للدين والشعب والوطن. وكم الأسلحة التي ضبطت لدى الإخوان -رغم وصولهم للحكم- يدل دلالة واضحة على أنهم راهنوا على ترويع الشعب بعمليات قتل وذبح وإرهاب إذا خرج يطالبهم بالرحيل، وإن خطاب الرئيس المخلوع الثاني يدل دلالة واضحة على مدى الصفاقة والتحدي لإرادة شعب أبهرت العالم، حتى أن مؤشر جوجل يقول إنها أكبر مظاهرة منذ أن خلق الله الإنسان على وجه الأرض. هذه الإرادة الشعبية لهذا الشعب العبقري العظيم، ركعت أمامها الإدارة الأمريكية، وركعت رغمًا عنها إرادة الإخوان المسلمين، وفشل مخططهم في التمكين والسيطرة على مصر، وضاعت أوهامهم بسيادة العالم انطلاقًا من مصر؛ وذلك بسبب كثرة أخطائهم، التي سرعان ما اكتشفها المصريون العباقرة، بأن هذه الجماعة تعمل لحسابها الخاص، وأنها جماعة فوقية إقصائية، لديها من الغباء السياسي والأنانية الاجتماعية ما جعل الشعب يلفظها سريعًا. بدأت هذه الأخطاء باحتفالات حرب أكتوبر التي كان يحتفل بها كل المصريين، حتى فوجئوا بأن الرئيس الإخواني يحتفل وحده هو وعشيرته في إستاد القاهرة في معزل عن الشعب المصري، هنا استشعر الشعب بأن نصر أكتوبر العظيم سرق منه، وبعد ما كان هذا النصر العظيم ملكًا لكل المصريين (90 مليون إنسان) أصبح ملكًا ل50 ألفًا فقط، هم الذين احتشدوا في إستاد القاهرة، وهم أصحاب اتجاهات سياسة معينه معزولة عن باقي المجتمع. هذا الغباء السياسي الذي وقعت فيه جماعة الإخوان، تكرر مرة ثانية، وفي إستاد القاهرة أيضًا، عندما دخل الرئيس بصورة فكاهية يحمل علم مصر وعلم الجيش السوري الحر التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وهو جيش وثيق الصلة بالمخابرات الإسرائيلية؛ بحجة التنسيق لمرحلة فيما بعد بشار، وأخذ “,”يهذي“,” -أقصد يخطب- في أهله وعشيرته، الذين يهللون بدون وعي لكل ما يقوله الرئيس رغم تفاهته وخطورته على الأمن القومي المصري، وقام بقطع العلاقات مع دولة سوريا، وسط التهليل والتكبير من عشيرته، ولم يأخذ رأي الحربية المصرية، ولا الخارجية في مثل هذه القرارات الخطيرة، وللمرة الثانية أو الثالثة يشعر المصريون بأنهم في وادٍ وحكومة الإخوان في وادٍ آخر، وأن الشعب يشعر في كل مرة بأنه يعيش غريبًا في وطنه، وانطبق علينا قول الشاعر: كيف من جناتها يَجني المنى ونُرى في ظلها كالغرباء هذا الشعور العام هو الذي وحد المصريين جميعًا لرفض ولفظ هذه الجماعة، التي نظروا إليها نظرة المحتل الغاصب، فكانت غضبة 30 يونيو، التي لم يُر مثلها في تاريخ البشرية، غضبة أذهلت العالم، وسوف يستمر هذا الذهول سنوات طويلة، غضبة مدعومة بجيش وطني حر ينحاز دائمًا لشعبه، ولعل الذين بنوا أهرامات الجيزة التي أبهرت وما زالت تبهر العالم، بأن هنا في مصر عبقرية المكان، وهنا في مصر عبقرية الإنسان، وكأنهم أرادوا أن يقولوا للعالم أجمع: سوف يستمر انبهاركم بشعب وادي النيل منذ 5500 قبل الميلاد، وسوف يستمر أبد الدهر. نسأل الله السلامة والأمن والأمان لشعب مصر دائمًا... آمين