حذر المركز الإقليمى للدراسات الاستراتيجية، في دراسة حديثة، صادرة اليوم، من المردود السلبي لغياب دور الطبقة الوسطى على الاستقرار السياسي، وعلاقات الدولة والمجتمع معًا، فضلا عن زيادة الفجوة الطبقية بسبب تآكل تلك الطبقة الأساسية في المجتمع. وأرجعت الدراسة التي أعدها برنامج الدراسات المصرية بالمركز الإقليمى، بعنوان "الحراك الهابط.. تداعيات تراجع دور الطبقة الوسطى على استقرار مصر" تراجع دور الطبقة الوسطى المصرية إلى عدة عوامل أبرزها تراجع دور التعليم وجودته في ظل ضعف الإنفاق الحكومي وخفوت مجانية التعليم، وحصول فئات جديدة على مزايا متعددة، منهم على سبيل المثال لاعبو كرة القدم، ونجوم الفن، وبعض الإعلاميين، والسياسات الاقتصادية التي عمَّقت معاناة الطبقة الوسطى، لا سيما مع تبنّي الدولة فلسفة آليات السوق الحرة، والاتجاه نحو الخصخصة الذي تبعه تخلّي الدولة عن القيام ببعض وظائفها الأساسية واقتصار دورها على مفهوم الدولة الحارسة، وارتفاع تكاليف المعيشة وأزمة البطالة وغياب القدوة. من ظهور خلل واضح في الهرم الاجتماعي بين أقلية تستأثر بالسلطة والثروة وأغلبية مهمشة، وربما يؤدي هذا الوضع إلى استمرار قابلية المجتمع للثورة، وعدم تحقيق الاستقرار السياسي على المدى المتوسط أو البعيد، وسيكون لعدم استقرار مؤشراته المتصاعدة المرتبطة بتنامي العنف بأشكاله المتنوعة، سواء كان قبليًّا أو سياسيًّا أو حتى أسريًّا في ظل تزايد ضغوط الحياة المعيشية. ونوّهت الدراسة إلى ضرورة إعادة دور الطبقة الوسطى بمنظومة من الإصلاحات الاقتصادية تراعي العدالة الاجتماعية، وينعكس مردودها على القطاع العريض من المجتمع المصري، وفي القلب منه شرائح الطبقة الوسطى (العليا، الوسطى، الدنيا) التي تشكل ما يقرب من 60% من التركيبة السكانية، فضلًا عن إصلاح منظومة التعليم وربطه بسوق العمل واحتياجات ودعم مجانيته للفئات غير القادرة. وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز دور الطبقة الوسطى كأساس للاستقرار المجتمعي، وهو ما سينعكس بطبيعة الحال على الاستقرار السياسي ويعيد الاعتبار إلى قيم المواطنة والتسامح والتعايش وقبول الآخر، مما يحفظ السلام الاجتماعي ويصون التماسك المجتمعي. وأظهرت أن العلاقة الارتباطية بين اتساع قاعدة الطبقة الوسطى والاستقرار السياسي هي التي شكَّلت الملمح الأهم الذي حافظ على التماسك المجتمعي الذي بدا في الآونة الأخيرة يشهد تهديدًا مباشرًا انعكس في تزايد العنف بشقَّيْه القبلي والسياسي، وما صاحبه من بوادر تغير واضح في طبيعة الشخصية المصرية التي طالما اتسمت بالتسامح وتقبُّل الآخر، عمَّقه تدهور الأوضاع الاقتصادية، وهو ما دفع الكثيرين إلى تبرير ذلك العنف المتنامي والانقسام المجتمعي وحتى التدهور القيمي بتراجع دور وأهمية الطبقة الوسطى.