فى مقالٍ مهم، نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، اتهم جريج جراندين، أستاذ التاريخ في جامعة ييل الأمريكية، الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ب"إحياء عقيدة قديمة لعصرٍ جديدٍ مُتصدّع، تضع العالم على طريق الحرب العالمية الثالثة". جريج جراندين كتب الأستاذ الجامعى يقول: تعكس رؤية الرئيس دونالد ترامب للسياسة الخارجية، التي أُعيد إحياؤها وصقلها خلال الأشهر الإحدى عشر الأولى من ولايته الثانية، مفارقة تاريخية مقلقة. يبدو أن واضعي هذه الاستراتيجية على دراية واسعة بالروايات الكلاسيكية لكيفية انزلاق العالم إلى الحربين العالميتين في القرن العشرين، ومع ذلك يبدو أنهم مصممون على تكرار الأخطاء نفسها. من النظام العالمي إلى مناطق النفوذ خلال ولايته الأولى وعودته إلى البيت الأبيض، أوضح ترامب رفضه للتوافق الحزبي الذي ساد بعد الحرب الباردة. كان هذا الإطار يضع الولاياتالمتحدة في موقع الراعي لنظام عالمي متكامل اقتصاديًا تحكمه قواعد مشتركة في التجارة والملكية والصراع. وبدلًا من ذلك، تروج الإدارة الآن لرؤية عالم مجزأ مقسم إلى مناطق نفوذ متنافسة ذات طابع عسكري قوي. وقد تم إضفاء الطابع الرسمي على هذا التحول هذا الشهر مع إصدار استراتيجية الأمن القومي للإدارة، وهي وثيقة غارقة في النزعة القومية الأمريكية. يدين التقرير العولمة والتجارة الحرة والمساعدات الخارجية، ويرفض بناء الدول، ويضغط على حلفاء الناتو لزيادة الإنفاق الدفاعي. ويؤكد أن الولاياتالمتحدة لن "تتحمل إلى الأبد أعباءً عالمية" لا صلة لها بمصالحها الوطنية المحددة بدقة. جيمس مونرو إحياء مبدأ مونرو يُعدّ التعهد ب"إعادة تأكيد مبدأ مونرو وإنفاذه" جوهر هذه الاستراتيجية. وعلى عكس الاستشهادات السابقة، التي كانت في الغالب خطابية وروتينية، يلعب هذا المبدأ دورًا جوهريًا في تحديد النظام العالمي الذي يفضله ترامب. وقد صاغ الرئيس جيمس مونرو هذا المبدأ لأول مرة عام 1823، محذرًا القوى الأوروبية من الاستعمار في نصف الكرة الغربي. ومع مرور الوقت، تطور ليصبح مبررًا للتدخل الأمريكي. وبحلول أواخر القرن التاسع عشر، صاغ سكان أمريكا اللاتينية مصطلحًا لهذا النمط: "المونرويزمو". ويتوافق تبني الإدارة لهذا المبدأ مع اتجاه عالمي أوسع. مع تفكك النظام الدولي، تُعزز القوى الإقليمية سيطرتها على مناطق نفوذها التي تعتبرها حدودًا خارجية - روسيا في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، والصين في بحر الصين الجنوبي، والولاياتالمتحدة الآن في أمريكا اللاتينية. أمريكا اللاتينية كساحة تنافس لخص وزير الخارجية ماركو روبيو مؤخرًا فكر الإدارة الأمريكية قائلًا إن سياسة "أمريكا أولًا" تبدأ في نصف الكرة الغربي. وشهدت واشنطن في الأشهر الأخيرة تصاعدًا ملحوظًا في أنشطتها بالمنطقة، بدءًا من عمليات ضد تجار المخدرات المزعومين، مرورًا بالتدخل السياسي في البرازيل والأرجنتين وهندوراس، وصولًا إلى التهديدات الموجهة إلى كولومبيا والمكسيك، والضغط على كوبا ونيكاراجوا، وتوسيع النفوذ على قناة بنما، واحتجاز ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا. كما أطلق البنتاجون حشدًا عسكريًا غير مسبوق في منطقة الكاريبي، يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه يهدف إلى تغيير النظام في فنزويلا. ماركو روبيو أصداء تاريخية وسوابق خطيرة لطالما دافع القوميون المؤيدون لسياسة "أمريكا أولًا" عن مبدأ مونرو باعتباره درعًا واقيًا من التدخلات الدولية. بعد الحرب العالمية الأولى، استندت شخصيات مثل السيناتور هنري كابوت لودج إلى مبدأ مونرو لمعارضة انضمام الولاياتالمتحدة إلى عصبة الأمم، محذرةً من أن المشاركة ستؤدي إلى تآكل السيادة الوطنية. إلا أن منطق هذا المبدأ لم يقتصر على الولاياتالمتحدة وحدها. ففي فترة ما بين الحربين، أعلنت كل من اليابان وبريطانيا وألمانيا النازية نسخها الخاصة منه. ومع انزلاق العالم نحو الحرب العالمية الثانية، بررت القوى المتنافسة التوسع والعدوان بالاستناد إلى مناطق نفوذ حصرية. عولمة المبدأ يظهر مبدأ مونرو المُحدَّث الذي طرحه ترامب في لحظة مماثلة من الهشاشة. إذ تُصوِّر استراتيجية الأمن القومي أمريكا اللاتينية لا كمجموعة من الدول المتجاورة، بل كمنطقة تنافس - مكان لاستخراج الموارد، وتأمين سلاسل الإمداد، ومواجهة الصين، وكبح الهجرة، وبسط النفوذ. وتؤكد الوثيقة أن هيمنة الولاياتالمتحدة في نصف الكرة الغربي شرط أساسي للأمن القومي والازدهار، مانحةً واشنطن الحق في التصرف "أينما ومتى" تشاء. عمليًا، يشير هذا النهج إلى تشديد السيطرة الإقليمية وتهميش دور أمريكا اللاتينية. وبشكل أعم، لا تُبدي الإدارة أي نية للتخلي عن هيمنتها العالمية. بل يبدو أنها تُعمم مبدأ مونرو عالميًا، مؤكدةً حقها الأحادي في الاستيلاء على ما تعتبره تهديدًا خارج نطاقها الجغرافي، أو فرض عقوبات عليه، أو توجيه ضربات إليه، بمعزل عن أي رقابة أو مساءلة متعددة الأطراف. بذور صراع مستقبلي يُذكرنا هذا الموقف بفترات سابقة. فبعد الحرب العالمية الأولى، حذر الدبلوماسي البوليفي إسماعيل مونتيس من أن اتفاقية السلام نفسها تحمل "بذور حرب جديدة". وقد أثبت التاريخ صحة كلامه. اليوم، تُنذر رؤية ترامب لعالم تحكمه موازين قوى لا هوادة فيها - حيث تضغط الولاياتالمتحدة على الصينوروسيا، وتزرع الفتن في أوروبا، وتُحكم قبضتها على أمريكا اللاتينية - بتكرار النتيجة نفسها. وكما حذر الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، مؤخرًا، يجب أن يكون العالم مستعدًا لحربٍ على نطاقٍ يُذكّر بما عانته الأجيال السابقة. بإحياء عقيدة قديمة لعصرٍ جديدٍ مُتصدّع، قد تُوجّه إدارة ترامب السياسة العالمية نحو مزيدٍ من المواجهة، وسياسة حافة الهاوية، وفي نهاية المطاف، نحو الحرب.