أثار فوز المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو بجائزة نوبل للسلام لعام 2025، موجة من الجدل السياسي والإعلامي، بعدما اعتبر مراقبون أن اختيارها يعكس توجهًا سياسيًا منحازًا أكثر من كونه تكريمًا لنشاط إنساني مستقل. وقالت لجنة نوبل في بيانها إن الجائزة منحت لماتشادو "تقديرًا لعملها في تعزيز الديمقراطية في فنزويلا وسعيها لتحقيق انتقال سلمي من الدكتاتورية إلى الديمقراطية". لكن خلف هذه الصورة التقليدية، تُخفي مسيرة ماتشادو شبكة من العلاقات المعلنة وغير المعلنة مع اللوبي الصهيوني في أمريكا اللاتينية، واتصالات مباشرة مع جهات إسرائيلية وأمريكية نافذة، ما يطرح علامات استفهام حول طبيعة هذا التكريم ودلالاته السياسية. اتفاق رسمي مع حزب الليكود الإسرائيلي تعود أولى الإشارات الموثقة إلى يوليو 2020، حين وقّع حزب فينتي فنزويلا الذي تتزعمه ماريا كورينا ماتشادو اتفاق تعاون سياسي واستراتيجي مع حزب الليكود الإسرائيلي، وهو الحزب الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وجاء في نص الوثيقة الرسمية التي نُشرت على موقع الحزب الفنزويلي: يهدف الاتفاق إلى تقريب الشعبين الفنزويلي والإسرائيلي، وتعزيز القيم الغربية مثل الحرية واقتصاد السوق، والتعاون في القضايا ذات البعد الجيوسياسي والدفاعي." ويؤكد هذا الاتفاق، الذي وقّعه عن الليكود إيلي فيريد حزان مدير الشؤون الخارجية، وعن الحزب الفنزويلي ماريا كورينا ماتشادو، وجود تحالف سياسي منظم يتجاوز العلاقات الدبلوماسية، ليصل إلى تنسيق في الملفات الأمنية والاستراتيجية. وعود علنية بإعادة العلاقات مع إسرائيل ونقل السفارة إلى القدس في تصريحات منشورة بموقع Venezuelan Voices عام 2021، أعلنت ماتشادو صراحة أنها "في حال توليها السلطة، ستعيد العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين فنزويلا وإسرائيل، وستنقل السفارة الفنزويلية إلى القدس". هذا التصريح لم يكن مجرد إعلان نوايا دبلوماسية، بل يُقرأ في سياق محاولات إعادة تموضع فنزويلا سياسيًا ضمن محور واشنطن – تل أبيب، بعد سنوات من القطيعة التي فرضها الرئيس الراحل هوغو تشافيز تضامنًا مع الشعب الفلسطيني. تنسيق سياسي مع مبعوث إدارة ترامب كشفت صحيفة El País الإسبانية أن ماريا كورينا ماتشادو أجرت لقاءات مع ريتشارد جرينيل، مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال زيارته لكاراكاس، حيث ناقشا "سبل دعم واشنطن للمعارضة الفنزويلية، وإمكانية تنسيق الخطوات المقبلة لإسقاط النظام القائم". ويُعرف جرينيل بعلاقاته الوثيقة بالحكومة الإسرائيلية وباللوبي الصهيوني داخل الولاياتالمتحدة، إذ شغل مناصب في إدارة ترامب كانت مرتبطة مباشرة بملف التطبيع العربي – الإسرائيلي، وهو ما يُظهر عمق التقاطع بين التحرك السياسي لماتشادو ومصالح اللوبي الإسرائيلي في المنطقة. جائزة نوبل في خدمة أجندة غربية – إسرائيلية يرى الكاتب الصحفي عبد الرحيم علي، رئيس مجلسي إدارة وتحرير البوابة نيوز ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في باريس، أن فوز ماريا كورينا ماتشادو بجائزة نوبل للسلام "ليس تكريمًا بريئًا، بل تتويج لمسار سياسي يتماهى مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية في أمريكا اللاتينية" ويضيف علي: "ماتشادو لم تُكرّم لنشاط إنساني أو جهود سلام حقيقية، بل لأنها تبنّت خطابًا غربيًا بالكامل، وتحالفت مع الليكود، وأعلنت دعمها لنقل السفارة إلى القدس، وباركت الحرب على غزة، ما يجعل الجائزة جزءًا من مشروع سياسي واضح المعالم". ويشير مراقبون إلى أن ما جرى مع ماتشادو يشبه حالات سابقة استُخدمت فيها الجائزة لتلميع شخصيات متحالفة مع التيار الصهيوني أو الموالي لواشنطن، في إطار ما يُعرف ب"دبلوماسية الجوائز" التي تستهدف إعادة تشكيل المشهد السياسي في دول الجنوب. فوز ماريا كورينا ماتشادو بجائزة نوبل للسلام يفتح الباب مجددًا أمام التساؤلات حول استقلالية الجائزة، ومدى خضوعها للتوجهات الغربية والإسرائيلية... فمن اتفاقها مع الليكود، إلى وعودها بنقل السفارة إلى القدس، إلى تحالفها مع إدارة ترامب، تتكشف ملامح ارتباط وثيق بين ماتشادو واللوبي الصهيوني، ما يجعل الجائزة أقرب إلى رسالة سياسية منها إلى تكريم إنساني.