حيثيات «الإدارية العليا» لإلغاء الانتخابات بدائرة الدقي    وزيرتا التنمية المحلية والتضامن ومحافظ الغربية يتفقدون محطة طنطا لإنتاج البيض    تعرف على مشروع تطوير منظومة الصرف الصحي بمدينة دهب بتكلفة 400 مليون جنيه    نائب محافظ الجيزة وسكرتير عام المحافظة يتابعان تنفيذ الخطة الاستثمارية وملف تقنين أراضي الدولة    إما الاستسلام أو الاعتقال.. حماس تكشف سبب رفضها لمقترحات الاحتلال حول التعامل مع عناصر المقاومة في أنفاق رفح    الجامعة العربية تحتفى باليوم العالمى للتضامن مع الشعب الفلسطينى    شبكة بي بي سي: هل بدأ ليفربول حياة جديدة بدون محمد صلاح؟    إبراهيم حسن يكشف برنامج إعداد منتخب مصر لأمم أفريقيا 2025    وادى دجلة يواجه الطلائع ومودرن سبورت وديا خلال التوقف الدولى    الأهلي أمام اختبار صعب.. تفاصيل مصير أليو ديانج قبل الانتقالات الشتوية    أحمد موسى: حماية الطفل المصري يحمي مستقبل مصر    حكم قضائي يلزم محافظة الجيزة بالموافقة على استكمال مشروع سكني بالدقي    خطوات تسجيل البيانات في استمارة الصف الثالث الإعدادي والأوراق المطلوبة    الثقافة تُكرم خالد جلال في احتفالية بالمسرح القومي بحضور نجوم الفن.. الأربعاء    مبادرة تستحق الاهتمام    مدير وحدة الدراسات بالمتحدة: إلغاء انتخابات النواب في 30 دائرة سابقة تاريخية    انطلاق فعاليات «المواجهة والتجوال» في الشرقية وكفر الشيخ والغربية غدًا    جامعة دمنهور تطلق مبادرة "جيل بلا تبغ" لتعزيز الوعي الصحي ومكافحة التدخين    أسباب زيادة دهون البطن أسرع من باقى الجسم    مصطفى محمد بديلا في تشكيل نانت لمواجهة ليون في الدوري الفرنسي    رئيس الوزراء يبحث مع "أنجلوجولد أشانتي" خطط زيادة إنتاج منجم السكري ودعم قطاع الذهب    هل تجوز الصدقة على الأقارب غير المقتدرين؟.. أمين الفتوى يجيب    "وزير الصحة" يرفض بشكل قاطع فرض رسوم كشف على مرضى نفقة الدولة والتأمين بمستشفى جوستاف روسي مصر    محافظ جنوب سيناء يشيد بنجاح بطولة أفريقيا المفتوحة للبليارد الصيني    أمينة الفتوى: الوظيفة التي تشترط خلع الحجاب ليست باب رزق    وزير العدل يعتمد حركة ترقيات كُبرى    «بيت جن» المقاومة عنوان الوطنية    بعد تجارب التشغيل التجريبي.. موعد تشغيل مونوريل العاصمة الإدارية    عبد المعز: الإيمان الحقّ حين يتحوّل من أُمنيات إلى أفعال    استعدادًا لمواجهة أخرى مع إسرائيل.. إيران تتجه لشراء مقاتلات وصواريخ متطورة    دور الجامعات في القضاء على العنف الرقمي.. ندوة بكلية علوم الرياضة بالمنصورة    الإحصاء: 3.1% زيادة في عدد حالات الطلاق عام 2024    الصحة العالمية: تطعيم الأنفلونزا يمنع شدة المرض ودخول المستشفى    الرئيس السيسي يوجه بالعمل على زيادة الاستثمارات الخاصة لدفع النمو والتنمية    وزير التعليم يفاجئ مدارس دمياط ويشيد بانضباطها    من أول يناير 2026.. رفع الحدين الأدنى والأقصى لأجر الاشتراك التأميني | إنفوجراف    وزير الخارجية يسلم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى نظيره الباكستاني    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لتطوير المناطق المحيطة بهضبة الأهرامات    إعلان الكشوف الأولية لمرشحي نقابة المحامين بشمال القليوبية    موعد شهر رمضان 2026 فلكيًا.. 80 يومًا تفصلنا عن أول أيامه    وزير الثقافة يهنئ الكاتبة سلوى بكر لحصولها على جائزة البريكس الأدبية    رئيس جامعة القاهرة يستقبل وفد جودة التعليم لاعتماد المعهد القومي للأورام    الإسماعيلية تستضيف بطولة الرماية للجامعات    وزير الإسكان يتابع تجهيزات واستعدادات فصل الشتاء والتعامل مع الأمطار بالمدن الجديدة    دانيلو: عمتي توفت ليلة نهائي كوبا ليبرتادوريس.. وكنت ألعب بمساعدة من الله    ضبط 846 مخالفة مرورية بأسوان خلال حملات أسبوع    تيسير للمواطنين كبار السن والمرضى.. الجوازات والهجرة تسرع إنهاء الإجراءات    مصطفى غريب: كنت بسرق القصب وابن الأبلة شهرتى فى المدرسة    شرارة الحرب فى الكاريبى.. أمريكا اللاتينية بين مطرقة واشنطن وسندان فنزويلا    صندوق التنمية الحضرية : جراج متعدد الطوابق لخدمة زوار القاهرة التاريخية    وزير الخارجية يلتقي أعضاء الجالية المصرية بإسلام آباد    صراع الصدارة يشتعل.. روما يختبر قوته أمام نابولي بالدوري الإيطالي    إطلاق قافلة زاد العزة ال83 إلى غزة بنحو 10 آلاف و500 طن مساعدات إنسانية    اتحاد الأطباء العرب يكشف تفاصيل دعم الأطفال ذوي الإعاقة    تعليم القاهرة تعلن خطة شاملة لحماية الطلاب من فيروسات الشتاء.. وتشدد على إجراءات وقائية صارمة    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 30نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا.... اعرف مواعيد صلاتك بدقه    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للتدريب المشترك « ميدوزا - 14»    مركز المناخ يعلن بدء الشتاء.. الليلة الماضية تسجل أدنى حرارة منذ الموسم الماضى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منير أديب يكتب: رؤية استشرافية.. صفقة القرن الأمريكى أم صدمة القرن؟
نشر في البوابة يوم 17 - 02 - 2025

«الرئيس عبد الفتاح السيسى يضع خطًا أحمر لواشنطن وتل أبيب ويسير على خط المواجهة للدفاع عن الحق الفلسطينى والحقوق العربية» «يمكن استقبال الفلسطينيين فى صحراء النقب أو مدينة حيفا، فهؤلاء هم أصحاب الأرض الحقيقيون، حتى يتم الانتهاء من عمليّة الإعمار بصورة كاملة»
الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي
لا أحد يستطيع أنّ يُزايد على الموقف المصرى فى دعم القضية الفلسطينية خلال العقود الماضية، فمصر كانت حاضرة فى دعم هذه القضية منذ اللحظة الأولى للنكبة الأولى فى العام 1948؛ صور وأشكال الدعم مختلفة ومتنوعة ما بين الدعم العسكرى والسياسى والدبلوماسى والاقتصادي.
لم يقتصر الدعم المصرى على مرحلة تاريخية دون أخرى، ولم يقتصر على صورة للدعم دون أخرى أيضًا، هناك من زايد على الموقف المصري، ورغم ذلك ظلت القاهرة على مواقفها الداعمة والمساندة للقضية الفلسطينية على المستوى الإستراتيجي، ومازالت تضغط فى اتجاه مستوى إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
القاهرة لديها رؤية متكاملة إزاء عملية الدعم لاعتبارات منها، أنّ القاهرة كانت حاضرة منذ اللحظة الأولى فى نكبات فلسطين المختلفة على مدار أكثر من سبعين عامًا، واعتبار آخر مرتبط بأننا نمتلك حدودًا جغرافية مشتركة مع فلسطين، ومع هذه الحدود هناك وشائج مشتركة أيضًا ليس على المستوى السياسى فقط ولكن على المستوى الشعبى أيضًا.
تحملت مصر عبء دعمها للقضية الفلسطينية وتحدت فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وتل أبيب؛ فرفضت أى إجراءات من شأنها تصفية القضية أو تهجير الشعب الفلسطينى عن أرضه، كما أنها أفشلت كل المحاولات الداعية إلى ذلك عبر مراحل التاريخ.
الموقف السياسى لمصر موقف سيادى لم تتنازل عنه ولا يمكن المساس به، موقف سياسى واحد عبر المراحل والحقب التاريخية المختلفة، لأنه ببساطة يتعلق بالأمن القومى المصرى والفلسطينى والعربي، ولذلك قضية الدعم ليست طرفًا ولن تكون، وسوف تظل مصر شوكة فى حلق إسرائيل حتى يحصل الفلسطينيون على كامل حقوقهم المشروعة.
القاهرة رفضت تهجير الفلسطينيين فى عهد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عندما كان فى السلطة عام 2016، كما أنها جددت رفضها لأى إجراءات ترتبط بتهجير الفلسطينيين سواء إلى الأراضى المصرية أو غيرها عندما عاد إليها ثانية فى العام 2025، انطلاقًا من رفضها لتصفية القضية الفلسطينية.
القاهرة واجهت الولايات المتحدة الأمريكية بخطة بديلة تقف أمام تهجير الفلسطينيين، هذه الخطة هى الأكثر واقعية لحالات الدمار الذى شهدته غزة، كما أنها تناسب جغرافيا المكان وتاريخه، وهناك إجماع عربى عليها.
صفقة أم صدمة القرن؟
فى البداية لابد أنّ نؤكد أنّ ما ورد على لسان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بخصوص التهجير، هى مجرد تصريحات، وواشنطن ليس لديها مشروع متكامل سواء قبل تصربحات ترامب أو بعدها.
صحيح هناك إصرار من قبل دونالد ترامب على تهجير الفلسطينيين، يمكن أنّ نقرأه فى سياق التصريحات العفوية، بديل تراجعه عن بعض منها، وهذا لا يمنع أنه يضغط من أجل تنفيذها.
ترامب معروف بتصريحاته العفوية الكثيرة والتى تراجع عنها سواء فى ولايته الحالية أو السابقة، ومن أبرز ما تراجع عنه قولة،: إنه سوف يشترى غزة، تعامل معها كعقار، وتراجعه عن تهجير الفلسطينيين إلى القاهرة والأردن، حيث قال هناك دول أخرى.
وصدمة القرن ليست فيما قاله أو صرح به الرئيس الأمريكي، ولكن فى مصير مشروعه؛ خاصة وأنّ الموقف العربى والأوروبى يرفض ما طرحه دونالد ترامب، كما أنّ المؤسسات الأمريكية مختلفة معه ولا ترى منطقية ما طرحه.
لا يوجد تعبير ربما يُجسد المشهد الحالى غير هذا السؤال، هل الرئيس الأمريكى عازم بشكل حقيقى نحو تطبيق صفقة القرن؟ وهل هى صفقة بمفهوم الصفقة أم أنها سوف تتحول فى النهاية إلى صدمة لواشنطن وتل أبيب؟ فى ظل رفض القاهرة والأردن لأى محاولات من شأنها تصفية القضية الفلسطينية.
ويبدو أنّ الرئيس الأمريكى لا يُدرك أبعاد القرارات التى أخذها بحق الشعب الفلسطيني، كما لم يُدرك حجم دعمه وتأييده غير المحدود لدولة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطينى والمقررات الدولية والشرعية، كما أنه لا يُدرك حجم قراراته هذه على أمن وسيادة الدولة المجاورة ومنها القاهرة والأردن، ولذلك صفقة القرن التى أعدها سوف تتحول إلى صدمة القرن لإدارته وللصهاينة فى كل مكان.
أمريكا لن تستطيع أنّ تفرض إرادتها على الفلسطينيين، كما أنها لن تستطيع أنّ تفرض إرادتها على القاهرة بأى صورة، ليس هذا فحسب، بل القاهرة سوف تفرض تصوراتها فى النهاية إزاء حل القضية الفلسطينية على أساس المبادرة العربية التى تعترف بإقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
القاهرة أكثر الدول العربية التى خاضت حروبًا مع إسرائيل، كما أنها أكثر الدول العربية إدراكًا للعقل الإسرائيلى (السياسى والأمني)، ومن هذا المنطلق تتعامل مع تهديدات إسرائيل وتواجهها على قدر خطرها.
مواجهة أمريكا قادمة حتى مع وجود علاقات استراتيجية بين واشنطن والقاهرة، ووقوف الأخيرة أمام الحلم الإسرائيلى التوسعى لا يمكن أنّ تتنصل منه، لأنه قدرها الذى لا يمكن أنّ تفك منه، كما أنه استشعار ورؤية مستقبلية للخطر لا يمكن التراخى إزاءها.
فأمريكا التى تعتبر إسرائيل الولاية الواحدة والخمسين تضرب بالمصالح العربية عرض الحائط، ليست المصالح فقط ولكن إسرائيل تضرب أمن الدول العربية فى مقتل؛ هذه قد تكون مبررات الصدام المتوقع ما بين الإدارة الأمريكية والبلدان العربية.
صحيح الدول العربية لديها علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، الدول العربية حريصه على أنّ تستمر هذه العلاقة على نفس قوتها، ولكن الصدام يأتى من قبل واشنطن فى تهديد أمن المنطقة العربية.
لا يمكن أنّ تُحقق إسرائيل أمنها إلا بعد إقامة الأرض الفلسطينية، الأرض مقابل السلام، ما دون ذلك هو امتداد للصراع واستمرار للحرب، وسوف تُدرك إسرائيل وواشنطن الحقيقة فى النهاية لتتفاوض على إقامة الدولة الفلسطينية.
إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وكاملة السيادة هو الحل الوحيد والسريع لتحقيق أمن إسرائيل، فهذا الأمن لن يتحقق بالأحلام ولن يتحقق من خلال عطرسة القوة، ولكن بالتفاوض وعودة الحقوق الفلسطينية وإقامة الدولة، وهذه ليست منحه تُعطيها إسرائيل للشعب الفلسطينى وإنما هذا حق غاب عن أصحابها لعقود طويلة، حق لابد أنّ يعود يومًا ما.
تهجير أم تصفية للقضية؟
فى الحقيقة موقف الإدارة الأمريكية من تهجير الفلسطينيين هو تصفية هذه القضية لاعتبارات يمكن رصدها فى هذا السياق، أولها أنّ فكرة التهجير طرحها الرئيس الأمريكى الحالي، دونالد ترامب، عندما كان فى البيت الأبيض فى ولايته الأولى فى العام 2016، وهنا يبدو واضحًا أنّ قرار نقلهم لم يكن إنسانيًا.
الأمر الثاني، عندما سئل الرئيس الأمريكى عما إذا كان التهجير دائما أم مؤقتا، كان رده قد يكون مؤقتا وقد يكون دائما، بما يُعنى أنّ النية مبيتة لديه فى تهجير كل الشعب الفلسطينى من أرضة؛ فإذا أعطت بريطانيا من لا يملك لمن لا يستحق، فإنّ ترامب سوف يُهجر أصحاب الأرض ويُبقى ضيوفها، يُريد أنّ يتيم فى التاريخ الإسرائيلي.
الأمر الثالث الذى يمكن ذكره فى هذا السياق، إصرار الرئيس الأمريكى على التهجير رغم رفض القاهرة والأردن، هذا الإصرار يُعنى أنّ هناك نية مبيتة فى تصفية القضية الفلسطينية، خروج لا عودة من ورائه للأرض أو الوطن.
الولايات المتحدة الأمريكية بانحيازها لإسرائيل فإنما تخلق بيئة ومناخا حاضنا للإرهاب والتطرف فى المنطقة العربية، لأنها تمنع الحق الفلسطينى وهو ما سوف ينعكس بصورة كبيرة على الأمن والاستقرار فى المنطقة العربية بأكملها، فضلًا عن الانحياز الكامل والصريح للإرهاب الصهيوني.
البعد الإنسانى الذى طرحه ترامب إزاء تهجير الفلسطينيين يمكن التعامل معها، بحيث يتم تهجير الغزويين إلى صحراء النقب أو إلى حيفا، فهم أصحاب الأرض، ثم يعودون مره أخرى إلى وطنهم بعد أنّ يتم إعماره بصورة كاملة.
تلاحم سياسى وشعبى وعربي
هناك تلاحم سياسى وشعبي؛ فالمصريون يؤيدون القيادة السياسية فى موقفها الرافض للتهجير، كما يُعبر الموقف السياسى عن الموقف الشعبي؛ وكل منهما انعكاس للآخر، ومن هنا يأتى التلاحم الشعبى والسياسى فى أبهى صورة.
كما أنّ هناك موقفا عربيا نجحت القاهرة فى حشده، يرفض تصريحات دونالد ترامب، ويطرح مشاريع بديلة لمواجهة التهجير، ومنها خطة القاهرة لإعمار غزة، تلك التى كشفت عنها بعض وسائل الإعلام.
تأييد المصريين للقيادة المصرية بدا بصورة غير محدودة فى موقفه من رفض تهجير الفلسطينين، ولعله أشبه بصورة الدعم السابق فى محاربته ومجابهته للإرهاب فى العام 2013؛ فالشعب المصرى لديه قرون استشعار لأى خطر وهو ما يدفعها للتلاحم مع القيادة السياسية، سواء كان هذا الخطر داخليا أو خارجيا.
سبق واستدعت القيادة السياسية وتحديدًا الرئيس عبد الفتاح السيسى الشعب وطالبه بالخروج من أجل مواجهة ما سماه وقتها الإرهاب المحتمل، وكان ذلك فى العام 2013، فخروج مئات الالوف على مستوى المحافظات المصرية، نفس هذه الجموع تنتظر إشارة الاستدعاء نفسها.
حالة التلاحم الشعبى حاليًا، تُشبه ما حدث فى العام 1973 عندما توحدت الجبهة الداخلية مع الرئيس الأسبق محمد أنور السادات وتم تحرير الأراضى المصرية المحتلة، وتم إعطاء إسرائيل درسًا لم تنساه، ولعل القاهره تُذكرها كلما نست أو تناست.
وهنا الجبهة الداخلية أعلنت تأييدها اللا متناهى للقيادة السياسية فيما أخذته من مواقف فى الماضي، وفيما سوف تأخذه فى المستقبل من موقف إزاء التصعيد الأمريكى والإسرائيلى ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية والاعتداء على الحدود المصرية عبر عمليات تهجير الفلسطينيين الممنهجة والمتوقع حدوثها خلال الفترة المقبلة.
صفقة القرن الأمريكى سوف تكون صدمة القرن إزاء موقف القاهرة الصامد والدعم للقضية الفلسطينية، فالقاهرة لم تتخل ولن تتخلى عن الفلسطينيين فى كل محنهم، ولن ترضى بأى حلول خلاف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
القاهرة وآليات التعامل
القاهرة علقت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى واشنطن حتى إشعار آخر، كما أنّ المعلومات تُشير إلى أنّ الرئيس لن يذهب إلى واشنطن طالما موضوع تهجير الفلسطينيين على جدول الأعمال، بما يعنى الإصرار على الموقف المصرى من رفض التهجير.
مصر استبقت التصريحات الأمريكية بمواقف حقيقية على أرض الواقع، حيث طرحت مبادرة واقعية عليها إجماع عربى وأوروبي، كما أنها قامت بتنفيذ الجزء الأول من هذه الاتفاقية والذى يتعلق بإزالة الركام وإدخال البيوت المتنقلة (الكرفانات)، وتواصلت مع مكاتب استشارية وشركات تتولى عملية الإعمار.
وعلى كل الأحوال هناك حالة من التصعيد فى الموقف الأمريكي، سوف يقابله تصعيد مضاد من قبل القيادة السياسية فى كل من القاهرة والأردن؛ حتى أحد يستطيع أنّ يتنبأ بما سوف تنتهى إليه الأمور، ولكن كل الاحتمالات ورادة.
أولًا، التصعيد المتوقع من قبل الإدارة الأمريكية يؤكد موقف مصر القوى والمتوازن تجاه دعم القضية الفلسطينية، ودليل على قوة النظام السياسى فى كلتا الدولتين، فمواجهة الإرادة الأمريكية وحكومة تل أبيب هو انعكاس لقوة الدولة، وقوة الدولة هو انعكاس لشعبيته فى الداخل، وهذا ما لا يمكن التشكيك فيه بأى حال من الأحوال.
قد يتم احتواء الصدام المتوقع لو تراجعت واشنطن عن موقفها، واحتمال تراجعها وارد بصورة كبيرة، خاصة. أنها لا تُريد أنّ تخسر القاهرة، على اعتبارها دولة كبيرة فى منطقة الشرق الأوسط، وهو ما قد يُؤثر على مصالح أمريكا، هذا السيناريو موجود ولا يمكن تجاهله.
كما أنّ واشنطن قد تستمر فى ضغطها من خلال منع المعونات العسكرية، وقد يكون الضغط اقتصاديًا من خلال توجيه صندوق النقد الدولى بحيث تضع القاهرة فى حرج اقتصادي، وقد تكون هناك ضغوط أخرى، وقد يكون التلويح بالضغوط مجرد ورقة يتم استخدامها للضغط على القيادة السياسية فى القاهرة.
ولكن ما لا تُدركه واشنطن أنّ القاهرة عازمة على منع تصفية القضية الفلسطينية وعدم الاستجابة لمطالب واشنطن والتى تتعلق بالتهجير، بل سوف ترفض أى عمليات تهجير حتى ولو كان لدولة أخرى.
ما نستطيع قوله فى هذا الشأن أنّ القاهرة قادرة على المواجهة ومستعدة لها، رغم التحديات الكثيرة والمختلفة، القاهرة لا ترغب فى التصعيد ولكنها مستعدة لهذا التصعيد فى نفس الوقت، فضلًا على أنها توازن ما بين الخسائر إذا خاضت هذا الصراع وما بين الخسائر التى تلحق بها وبالقضية الفلسطينية لو أنّ القاهرة قبلت بالمقترح الأمريكي.
الحضور الشعبى فى دعم القيادة السياسى بالقاهرة بدأ منذ اللحظة الأولى التى أعلنت فيها القاهرة رفضها تصفية القضية الفلسطينية، وهناك حالة من الاستحضار لحالة 30 يونيه عام 2013 عندما استدعى الشعب المصرى الرئيس عبد الفتاح السيسى من أجل قيادة الوطن بعد ثورة شعبية أزاح المواطنون من خلالها الإخوان، حالة الاستدعاء حقيقية وصحيّة وتُعبر عن مدى التلاحم ما بين الشعب والقيادة السياسية.
هذه الحالة تدل على قوة القيادة السياسية وأنها لن تستجيب لأى ضغوط مهما كانت، لأنها أولًا تُدرك حجم هذه الضغوط، فضلًا على أنها قادرة على الإيفاء بكل التزامتها، وهذا ما تُدركه واشنطن، ولذلك احتمال أنّ تتراجع عن موقفها فى الأيام المقبلة وارد بصورة كبيرة.
سوف يتنازل الرئيس الأمريكى عن مشروعه ليس إيمانًا بالحق الفلسطيني، ولكن لأنه لا يجد من يُعينه على تنفيذ مخططه بعد رفض القاهرة والأردن لعملية التهجير، وهنا سوف يذهب ترامب إلى سيناريوهات أخرى ترتبط بالتهجير الداخلى من الضفة الغربية وتوسع تل أبيب فى بناء المستوطنات.
تغير الموقف الأمريكى مرتبط بعدم قدرة أمريكا على تنفيذ مخططهم فى ظل إصرار مصرى أردنى على مبدأ التهجير، كما ستفرض إجراءات من شأنها تحقيق الحلم الأمريكى الإسرائيلى على المدى البعيد، ولكن فى المقابل سوف تضغط الدول العربية من أجل إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما يغلق الباب تمامًا على أى محاولات تتعلق بالتهجير.
ولكن ما نود قوله فى النهاية، من قادر على التدخل فى غزة بدون إذن مصر؟ القاهرة هى مفتاح الحل فى غزة، وهى قادرة على فرض إرادتها، ولذلك طرحت خطة بديلة للإعمار عليها إجماع عربى وأوروبى وقامت بالبدء فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.