لعبت الموسيقى وما تزال دورًا كبيرًا فى العبادة على مدار التاريخ وفى جميع الأديان إذ تخاطب وجدان الإنسان مثلما يخاطب الطقس جسده. وقد عرفت الموسيقى أول ما عرفت من خلال العبادة حيث كانت أول موسيقى هى الموسيقى الدينية فكانت المشاعر الدينية ملهما قويًا فىتأليف الألحان والصلاة بها ويصف القديس كليمندس السكندرى من أباء القرن الثانى الطقوس الوثنية فى المعابد وأهمية الموسيقى والغناء الدينى فى المعابد. ولشعف قدماء المصريين بالموسيقى فقد جعلوها من فرائض عبادتهم وكان الكهنة يشتركون مع المغنين كما كانت الموسيقى ضمن أسرار المعبد الفرعونى بحيث يقسم الكاهن الجديد على ألا يبوح بسرها. وبينما تستخدم الموسيقى الآن فى بعض الكنائس غير الارثوذكسية كمقدمة للاجتماعات والخدمات فيها مثل الترانيم فى الفقرات الافتتاحية في اجتماعات الشباب وخدمات البروتستانت نجد أن الموسيقى فى الكنيسة القبطية تحتل أكثر من سبعين بالمائة من مادة الخدمة والعبادة فيها ليست الفقرات الملحنة فى القداس فقط بل حتى الكتاب المقدس نفسه يقرأ مرتلًا وقد استخدمت الكنيسة الألحان فى البداية حتى يتسنى للمصلى التأمل فيما يقرأ لاسيما عندما تتعلق الكلمة بفكرة لاهوتية أو قيمة روحية كبيرة. وعن أسباب استعمال المسيحيين للألحان فى الكنيسة فيقول المؤتمن بن العسال:- 1) قال الله على لسان داود النبى سبحوا الله بأصوات عالية سبحوه بصلاصل شجية الصوت. 2) إنه لما كانت الالحان تسمعها الآذان فتدخل القلوب بلا استئذان فتهيج بكاء المؤمنين المنتصبين على أقدام التوبة على ما ارتكبوه من المعاصى والذنوب. 3) حزقيال النبى لما أراه الله شبه وقاره سبحانه ومناظر الملائكة قال " رأيت يدًا امتدت إلىّ ماسكة صحيفة مطوية فنشرها أمامى وإذا هي مكتوبة ظاهرًا وباطنًا وفيها ألحان وخشيات ومراثى وقال كل هذه الصفيحة وكلم بنى إسرائيل ". وقد عدد بن العسال العديد من الاسباب الاخرى. وبالإجمال فقد دعين الموسيقى بالفن الإلهى وكذلك الفن الذى يقودنا إلى حافة العالم اللانهائى ويدعنا نتأمل فيه للحظات ووصفها " بروتنج" بأنها وميض من الإرادة الكامنة وراء جميع القوانين وقيل أيضا ليس حقيقة يدركها الإنسان كتلك التى تأتى عن طريق الموسيقى
أن أول تسبيحة وصلت إلينا من التراث الكنسى ذات وزن شعرى محكم من وضع القديس كليمندس السكندرى من أباء القرن الثانىالميلادى وقد ألف كثيرًا من الترانيم الكنسية للدفاع عن الإيمان ضد الغنوسيين وأشهرها تسبيحة المسيح المخلص وقد جاءت فى نهاية كتابالمربى الذى كتبه.
ومن التسابيح الثمينة أيضا التى ورثتها الكنيسة تسبيحة للشهيد بوليكاربوس أسقف سيمرنا سنة 156 م التى قالها قبل استشهاده. ومن صلوات القرن الثانى التى وصلتنا ولازالت الكنيسة اليونانية تسبح بها فى خدمة المساء والقداس حتى اليوم وهى تسبيحة النور البهي ومطلعها يا نورًا بهيا وهى تتلى وقت إشعال المصابيح وهى تنسب إلى القديس أثينوجينس. ومن المعروف أن التسابيح الأولى فى الكنيسة لم تتبع وزنًا شعريًا خاصًا لانها كانت مقتبسة من المزامير المترجمة وبعض مقتطفات محددة من قانون الإيمان فى ذلك الوقت. وينسب كذلك تأليف بعض الألحان إلى القديس أثناسيوس الرسولى مثل لحن أومونوجنيس والذى يعد من أروع الالحان التى صاغ فيها المؤلف قطعة لاهوتية رائعة ومؤثرة فى حين نسبته الكنيسة اليونانية إلى الامبراطور جوستنيان الاول بينما تنسبه الكنيسة السريانية إلى القديس ساويروس الانطاكى. بينما دافع القديس باسيليوس الكبير عن الترتيل بالمزامير بالمناوبة وذلك بعد قراءة جزء من الكتاب المقدس وهو نظام مايزال متبعا فى بلاد كثيرة مثل مصر وفلسطين وسوريا. ومن الاعمال الخالدة التى اخصبت الكنيسة بالاشعار أعمال اغريغوريوس النيزينزى الذى ألف 400 قصيدة شعرية موزونة بعضها مهيأللتسبيح ولكن معظمها لم يأخذ طريقه للاستعمال فى الكنيسة وذلك بسبب عمقها وصعوبة أوزانها. ومن قبل القديس اغريغوريوس جاء سينوسبوسى أسقف الخمس مدن الغربية (المولود سنة 370م ) الذى ألف اشعارًا وألحان كثيرة لميحتفظ لنا التاريخ سوى ب 10 منها فقط وهى تتكلم عن الثالوث والتثليث والتوحيد وعن ابن الله المولود من العذراء وعن زيارة المجوس وعننزول المسيح إلى الهاوية.... ويذكر بافتخار فى أحد الحانه انه أول من وضع لحنا عن المسيح ينشد على القيثارة. وهناك أيضا القديس هيلارى أسقف بواتيه (350م) فهو يعد أول مؤلف رسمى للالحان اللاتينية، والقديس أمبروسيوس (340م-397م) ويدعى أمير اللحن اللاتينى فهو الذى أثرى اللحن اللاتيتى ويعد من أبرز كتاب الترانيم الاوائل ويصل عدد ألحانه إلى 100 لحن وبسبب ماألفه من الالحان التى استخدمت فى الليتورجيات الكنسية وجد ما عرف بالطقوس الامبروسية وقد شهد بذلك القديس أغسطينوس تلميذه
وبظهور القديس أفرام السريانى المسمى بقيثارة الروح القدس دخلت الالحان الكنسية فى جميع الشرق عصرًا جديدا من الخصب الروحي ويذكر عنه سوزومين المؤرخ أنه وضع 30 ألف من المقطوعات الشعرية موزونة فى مجالات شتى إضافة إلى أشعار تاريخية مثل الاناشيد الأربعة ضد يوليانوس الجاحد وأناشيد نصيبين ولكونه موسيقيًا بارعًا فقد كان يلحن أشعاره بنفسه كما أن له بعض الخطب والاناشيد ذات الطابع السياسى.
وهناك أيضا الشاعر برودنتيوس وهو شاعر أسبانى وأديب ونؤلف ألحان وأناطوليوس وهو شاعر يونانى من القرن الخامس الميلادى وله أكثر من 100 لحن وإسحق السريانى الذى خلف مار أفرام السريانى فى نظم الشعر والالحان ويقول السريان إنه خصم عنيد للنساطرة وأيضا مار يعقوب السروجى ويسميه السريان مزمار الروح القدس وقيثارة الكنيسة الارثوذكسية. ومن أكبر مؤلفى الاناشيد الدينية فى الكنيسة البيزنطية القديمة هو المرنم رومانوس الذى تنيح سنة 560م وجدير بالذكر انه مرلف لحن " إىبارثينوس " الشهير الذى تترنم به الكنائس البيزنطية والقبطية فى عيد الميلاد وقد ألفه بوحى إلهى بعد أن ظهرت له والدة الإله ليلة عيد الميلاد.
أما بالنسبة للاقباط فقد جاءت أغلب نصوص الالحان خالية من أسماء مؤلفيها لأنها تعبر عن إيمان الجماعة المسيحية كلها بينما بدأت كتابة أسماء المؤلف والملحن بعد ظهور الهرطقات وبالتحديد مجمع خلقيدونية 451م حيث أصبح اللحن ينسب إلى واضعه لتحديد هوية اللحن من خلال هوية الشخص الذى وضعه.
أما عن مصادر الموسيقى القبطية نستطيع ان نحصرها فى 3مصادر الاول ) موسيقى قدماء المصريين وهى تشكل الجانب الاكبر من الألحان الكنسية لاسيما المسترسل منها أى غير السريع الايقاع او قصير الجمل الموسيقية فقد تأسست موسيقى الكنائس على الموسيقى الوطنية للبلد مثل الموسيقى السريانية واليونانية والروسية والحبشية وهكذا. الثانية ) التسبيح بالمزامير والذى ورثته الكنيسة المسيحية عمومًا من الهيكل اليهودى فقد كان هناك العديد من اليهود فى الاسكندرية الذين قبلوا الايمان المسيحى والذين كانوا يستخدمون المزامير المرتلة فى صلاتهم ولم تكن الكنيسة متشددة تجاههم بل رحبت بهم حتى انها لحنت بعض المزامير فى الابصلمودية.
وقد أثرت الاوزان العبرية فى الالحان على كل من الاوزان القبطية والسريانية فالطريقة العبرية فى الترتيل تقوم على التوازى المعنوى اى تردالفكرة على الفكرة وهو نفس المتبع فى التسابيح القبطية فى الابصلمودية حتى انه فى تذاكية الاحد تقوم شطرة بإيراد فكرة من العهد القديم تشير إلى السيدة العذراء بينما تقدم شطرة أخرى الشرح للفكرة. الثالث )فهو الاقباط أنفسهم حيث انسكبت موهبة التلحين عليهم بغزارة فى العصور الاولى مثل القديس كليمندس السكندرى والقديس ديديموس الضرير وغيرهم.
وأغلب الظن أن معظم تسابيح الكنيسة قد كتبت بداية باللغة اليونانية ثم ترجمت بعد ذلك إلى القبطية وأما التسابيح التى كتبت فى القبطيةفتوجد فى الكتابات الطقسية للقديس مكاريوس الكبير والقديس سيرابيون. لقد تأثرت كنيستنا القبطية باللغة اليونانية وذلك لان اللغة اليونانية كانت اللغة الرسمية منذ سنة 200 ق.م ولكن لم تتأثر الكنيسة القبطية باللحن اليونانى ربما تكون الموسيقى القبطية قد استعارت بعض النصوص عن اليونانية ولكنها لم تستعر اللحن نفسه وتقدر عدد الكلمات اليونانية فى القداس الالهى بحوالى 150 كلمة وكما هناك أيضا بعض المصطلحات المستخدمة فى الكنيسة والتسبحة يونانية أما عن التطور التاريخى للموسيقى القبطية