لم تترك له الحياة فرصة في الاختيار، حياته كانت كثمرة خضراء وسط حقول من الأشواك يحرسها «أب» قلبه أشد قسوة من الحجارة، قتل أحلامه بأن يعيش كباقى أقرانه، وغلب حياته الشخصية على مصلحة نجله من أجل زوجته الجديدة. لحظات قاسية عاشها الشاب «عمران - 20 عامًا»، عقب وفاة والدته في الثامنة من عمره، بدأت بوضعه في غرفة مظلمة أعلى سطح العقار، وانتهت بقتله بطريقة وحشية على يد والده في مشهد مأساوى أضحى حديث الساعة داخل منطقة المطرية، لتبدأ بعدها سلسلة من الأحداث تكشفت عنها العديد من المفاجآت. تفاصيل الجريمة المأساوية كما سردها «وليد صبري» أحد سكان المنطقة التى شهدت الجريمة وصديق الضحية ل«البوابة»: «منذ ما يقرب من 12 عامًا، توفيت والدة الضحية وتركته في كنف والده الذى يعمل «حلاق» بذات المنطقة، لكنها لم تدر أنها كانت تعيش مع رجل بلا قلب فقبل مرور أقل من 40 يوميًا على وفاتها تزوج بأخرى، وأعتقد الجميع حينها أن الرجل تزوج من أجل نجله الصغير حتى يجد من تقوم على رعايته والاهتمام به، حتى وقعت المفاجأة التى صدمت الجميع، إذ قام الأب بتجهيز غرفة موجودة أعلى سطح العقار، كانت تستخدمها أسرته في تربية الدواجن والطيور، ووضع بها مرتبة على الأرض، وأجبر صاحب ال 8 سنوات، بالإقامة فيها منفردًا لإرضاء العروس الجديدة، مستطردًا: «عاش غلبان ومات ضحية». وأضاف: «جرت الأمور بين الابن والأب، إلا أن الزواج الثانى لم يدم وانفصلت عنه السيدة التى تزوج بها، وظل «عمران»، داخل غرفته الكائنه أعلى سطح العقار يقضى النهار في الشارع مع أبناء المنطقة ويجفف دموعه طوال الليل حزنًا على فراق والدته التى حرمه القدر منها، بينما انغمس والده مع رفقاء السوء حيث سكة الإدمان وارتكاب جرائم السرقة». وتابع: «مع مرور الوقت اشتد ساعد الطفل يتيم الأم، وأصبح يعمل «مبلط سراميك»، ورغم مرور تلك السنوات فكان لايستطيع الدخول لشقة أسرة والده خوفا منهم، وبعض الأحيان كان يضعون له الطعام على السلم حتى لا يدخل الشقة، فضلا عن قيام والده بارساله لشراء العقاقير المخدرة له من «دولاب المخدرات»، حتى عرف الابن طريق «الكيف»، ومن هنا بدأ ينجرف نحو عالم الإجرام والمخدرات برفقة والده». وزاد: يوم الواقعة كان عقارب الساعة تشير نحو السادسة صباحا، حيث نشبت مشادة كلامية تطورت لمشاجرة بين المجنى عليه وأحد أصدقائه من ذوى النشاط الإجرامى بالمنطقة، فلم يهتم أحد فهو أمر يحدث بينهما من حين لآخر يستخدم كلا منهما سلاحا أبيض لتهويش الآخر، لكن لا تحدث إصابات لأى منهما، واستمرت المشاجرة الأخيرة نحو 4 ساعات شد وجذب في الشارع، وهنا حضر والد الضحية لفضها، ليقوم «عمران»، بالهروب منه في أحد الشوارع، الأمر الذى أغضب الأب فصعد لمنزله واستل سكينا، ونزل بها للشارع وظل يبحث عن نجله حتى عثر عليه وطلب منه العودة معه للمنزل فرفض الابن طلبه، ليقوم بتسديد طعنة له في القدم، وأخرى في منطقة البطن، ليسقط على الأرض غارقا في دمائه، وبعد تنفيذ الجريمة وقف على جثمان نجله، ثم وضع السكين داخل طيات ملابسه ولاذا بالفرار. قبل وصول عقارب الساعة للعاشرة صباح الاثنين قبل الماضى، كان المقدم كريم البحيرى، رئيس مباحث قسم شرطة المطرية، وصل، بعد ليلة عمل شاقة من المرور على الكمائن والنقاط الأمنية بدائرة القسم، خلال فترة حظر التجوال التى فرضها مجلس الوزراء للحد من انتشار فيروس «كورونا» المستجد، يقطع انهماكه في العمل صوت جهاز اللاسلكى القابع أمامه معلنا بداية ساخنة ليوم عمل جديد «مقتل شاب عشرينى على يد والده في أحد شوارع بدائرة القسم، اعتدل الضابط في جلسته وأمسك هاتفه ليخطر اللواء نبيل سليم، مدير مباحث العاصمة بالواقعة، ليأمر بسرعة الانتقال وفحص البلاغ والوقوف على ملابساته». خلال دقائق معدودة انتقلت قوة أمنية من وحدة المباحث، على رأسها المقدم كريم البحيرى، والرواد معتز الصاوى، وأيمن فؤاد، معاونى مباحث القسم، لمسرح الجريمة، وفور وصوله عاين الضابط الشاب مسرح الجريمة، وأطلع مدير المباحث على ما يدور بمسرح الجريمة، وأن الجثة لشاب عشرينى، وبها عدد من الطعنات، ليوجهه بسماع أقوال شهود العيان ومراجعة كاميرات المراقبة بمحيط الجريمة. أول خيوط القضية كانت أقوال جيران الضحية، والذين أخبروا رئيس المباحث بتفاصيل الواقعة، وأن مرتكب الجريمة هو والد القتيل بعد رفض المجنى عليه العودة معه للمنزل، بعد أقوال الجيران، بدت الصورة جلية أمام رجال المباحث، وأصبحت الصورة أكثر وضوحًا، وبات فريق البحث الجنائى يطارد شخصًا معلومًا وليس مجهول الهوية، فكانت الخطوة التالية هى تكثيف التحريات وجمع المعلومات عن المتهم وضبطه في أسرع وقت. خلال وقت قصير توصلت جهود البحث والتحرى لرئيس مباحث المطرية عن اختباء المجنى داخل أحد الأماكن في منطقة الخانكة التابعة لمحافظة القليوبية، وعقب تقنين الإجراءات واستصدار إذن من النيابة العامة، انطلقت مأمورية قادها المقدم كريم البحيرى، ونجحت في ضبط المتهم وتم اقتياده إلى القسم للتحقيق، وبمواجهته اعترف بارتكاب الواقعة، وتحرر المحضر اللازم عن الواقعة، وتمت إحالته للنيابة العامة لمباشرة التحقيقات.