تعد المهرجانات الوطنية للتراث والثقافة التي ينظمها الحرس الوطني السعودي في مهرجان الجنادرية كل عام مناسبة وطنية تاريخية في مجال الثقافة العربية، يمتزج في نشاطاتها عبق تاريخ المملكة المجيد بنتاج حاضرها الزاهر، وبالمثل أيضا هي مؤشر عميق للدلالة على اهتمام القيادة السعودية الحكيمة بالتراث والثقافة والتقاليد والقيم العربية الأصيلة. وتؤكد الرعاية الملكية للمهرجان الأهمية القصوى التي توليها قيادة المملكة العربية السعودية لعملية ربط التكوين الثقافي المعاصر للإنسان السعودي بالميراث الإنساني الكبير الذي يشكّل جزءا كبيرا من تاريخ المملكة. ولدت الجنادرية في 1985م بعد أن كانت مجرد فكرة شغلت ذهن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ أن كان وليا للعهد، والهدف كان الحفاظ على المعالم التراثية وإبرازها، وتوسيع دائرة الثقافة، عبر تنظيم احتفالية ثقافية كبرى يشارك فيها كبار المثقفين والمفكرين العرب، تهتم بالتراث الشعبي العربي وجميع تفرعاته وعلاقته بالفنون الأخرى، على أن تخصص الندوة كل عام موضوعا معينا يقدم فيه الباحثون والمفكرون أوراق عمل ودراسات علمية متخصصة. وعام وراء آخر، كان المسئولون السعوديون ينظرون بعين المراقب والناقد لفعاليات المهرجان، فجرى إضافة بعض الإنشاءات الجديدة، وأدخلت بعض التعديلات والتحسينات ليس على موقع المهرجان فقط، ولكن على محتوياته وأنشطته أيضا، حيث تمت توسعة السوق الشعبية بمساحة قدرها ألفا متر مربع من أجل استيعاب أكبر عدد ممكن من المعارض، وتم إنشاء صالة للنشاطات الثقافية بمساحة ألفى متر مربع، يقام فيها معرض للوثائق يضم عددا من الوثائق السياسية والاجتماعية والتاريخية تبرز بوضوح تاريخ المملكة وكفاح جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله. كما شهد دور المرأة تطورا ملموسا، حيث لم يقتصر الأمر على مشاركة المرأة التراثية والفلكلورية خلال هذا المهرجان، بل تطور دورها حتى أصبح لها نشاطا ثقافيا تشرف عليه، وتعده اللجنة الثقافية في المهرجان شمل الندوات والمحاضرات المختلفة. يهدف مهرجان الجنادرية إلى تأكيد القيم الدينية والاجتماعية التي تمتد جذورها في أعماق التاريخ لتصور البطولات الإسلامية لاسترجاع العادات والتقاليد الحميدة التي حث عليها الدين الإسلامي الحنيف، وإيجاد صيغة للتلاحم بين الموروث الشعبي بجميع جوانبه، والإنجازات الحضارية التي تعيشها المملكة العربية السعودية، والعمل على إزالة الحواجز الوهمية بين الإبداع الأدبي والفني وبين الموروث الشعبي، والتشجيع على اكتشاف التراث الشعبي وبلورته والاهتمام فيه ورعايته. كما يعمل المهرجان أيضا على صقل قيم الموروث الشعبي ليدفع برموزه إلى واجهة المخيلة الإبداعية ليكون في متناول المبدعين خيارات من موروثاتهم الفنية بألوان الفن والأدب، فضلا عن تشجيع دراسة التراث. الجنادرية 29.. ملتقى الثقافات العربية وفي ال12 فبراير الجاري تدق ساعة الصفر في العاصمة السعودية الرياض لبدء العرس الثقافي العربي السنوي "الجنادرية 29"، والتي دأبت على احتضانه كل عام، لتقدم من خلاله فصولًا من التظاهرات الثقافية المحلية والخليجية والعربية والتراث الوطني العريق. ويواصل المهرجان في هذا العام تفاعله مع قضايا الأمة الثقافية والفكرية بعد أن أثبت خلال دوراته الماضية نجاحه ووجوده كواحد من أهم المهرجانات الثقافية العربية، بعد أن طرح على منبره عدد من القضايا الثقافية المهمة التي ميزت فعالياته وأعطته بعدا عالميا يضاف إلى أبعاده المحلية والعربية. وتبدأ فعاليات "الجنادرية.. 29" بحفل الافتتاح الرئيسي، وبعدها تتنوع الفعاليات المقامة والتي يأتي على رأسها سباق الهجن، وهو أحد أبرز المنافسات الرياضية التي يشهدها المهرجان، وهو الأكبر بالمنطقة العربية بجانب عروض الفروسية التي يؤديها فرسان الحرس الوطني السعودي. ويشارك في السباق أكثر من 400 مشارك، ويتكون من 4 أشواط موزعة على 4 أيام، وتبلغ قيمة الجوائز النقدية والعينية لجميع الأشواط أكثر من مليوني وخمسمائة ألف ريال سعودي. كما تمثل "العرضة السعودية" أحد أهم نشاطات المهرجان، حيث تحظى برعاية ملكية خاصة من خادم الحرمين الشريفين، بوصفها نموذجا معبرا عن وحدة الوطن السعودي واتحاد الشعب والقيادة، وتجسيدا لعزة الأمه وقوتها وتماسكها. وتبقى "العرضة" حاضرة في كل المناسبات بطابعها المميز، حيث يشارك الملك والأمراء المواطنين فيها على أصوات الطبول، ويجدون فيها تعبيرا عن الفرح والسلام، وهي أشبه بتجديد الولاء للملك، لأنها كانت رقصة الحرب في زمن الحروب. ولأن الفن جزء أصيل من ثقافة الشعب السعودي فإن أوبريت الجنادرية بات علامة مميزة في فعاليات المهرجان السنوية، حيث يتبارى الشعراء والملحنون والمطربون في تقديم أفضل ما لديهم لتجسيد ذكرى تبقى حاضرة في تاريخ ووجدان الأمة العربية على مر السنين. وفي هذا العام يقدم الشاعر عبد الله أبو راس، والملحن ناصر الصالح، ملحمة غنائية تحت عنوان "كوكب الأرض"، ويؤديها أربعة من أعلام الغناء السعودي وهم: محمد عبده، راشد الماجد، عبد المجيد عبد الله، ماجد المهندس. الإمارات.. ضيف شرف ومن أجل إعطاء المهرجان طابعه العربي والدولي، حرصت إدارته على استضافة دول بعينها للمشاركة في المهرجان منذ أربع سنوات، بدأت بمشاركة الجمهورية الفرنسية في "الجنادرية.. 25" وتبعتها اليابان، ثم كوريا الجنوبية، ومن بعدها الصين، أما هذا العام فقد استضافت المملكة العربية السعودية دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة للمشاركة في المهرجان العربي الأهم في منطقة الخليج.