تشهد العاصمة الفرنسية باريس فى الثامن والعشرين من يناير الجاري أول اجتماعات دولية لتطوير عمليات مكافحة القرصنة في منطقة القرن الأفريقى وتقرير ما إذا كانت العملية الأوربية فى القرن الأفريقى لمكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال والمعروفة بالعملية (اتلانتا) سيتم تمديدها من عدمه وهى العملية التى من المقرر لها أن تنتهى بنهاية العام الجاري. وستنعقد اجتماعات باريس تحت رعاية الاتحاد الأوروبى لتكون الأولى فى سلسة اجتماعات ذات طابع دولي ؛ لمناقشة الموقف الأوروبي فى منطقة القرن الأفريقى من ظاهرة القرصنة والهجرة غير الشرعية ومتطلبات تعزيز النجاحات الأمنية التي حققتها العملية (اتلانتا) لمواجهة قراصنة الصومال. ومن المقرر، أن تناول اجتماعات باريس دراسة تنفيذ مقترحات أوروبية كشف النقاب عنها فى ديسمبر الماضي تقضى بالسماح بإنشاء شركات خاصة للأمن الملاحي يتم تسليح زوارقها وتدريب أطقم العمل فيها بمعرفة خبراء أوروبيين لمواجهة هجمات القراصنة وأنشطتهم توطئة إلى إسناد مهام العملية (اتلانتا) إلى مؤسسات خاصة للأمن البحري بدلا من قيام جيوش نظامية بها. ويفكر خبراء الأمن في الاتحاد الأوروبى في أن تتفرغ الدول الأوروبية لتنفيذ مهام الأمن على الأرض فى الصومال لمواجهة أنشطة تنظيم الشباب الذي يضم عناصر جهادية متطرفة تنتهج أساليب العنف وتتحالف مع منظمة القاعدة. وتحقيقا لهذا الهدف يسعى الاتحاد الأوروبى إلى تقديم العون التدريبي لقوات الجيش الوطني الصومالي ، بما يعزز من قدرته على ضبط الأمن فى البلاد ، ومواجهة التهديدات الإرهابية أخذا في الاعتبار تلك الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي للاتحاد الأوروبى التى عبر عنها قرار مجلس الشئون الخارجية للاتحاد الأوروبى فى ختام دور انعقاده فى نوفمبر 2011 من اعتبار القرن الأفريقى "منطقة مصالح استراتيجية" خاصة للاتحاد الأوروبى ، يجب الدفاع عنها وإنهاء حالة فراغ الحكم فيها. ويدرس الاتحاد الأوروبي حاليا جدوى تمديد مهمة مكافحة القرصنة فى مياه الصومال الإقليمية والمعروفة باسم العملية (اتلانتا) حتى العام 2016 ، وذلك بعد انتهاء الأجل المحدد لهذه العملية التي يتكلف تنفيذها ملايين الدولارات فى ديسمبر 2014. وذكر مصدر أمنى أوروبي أن هناك مؤشرات جيدة على أن الاتجاه الغالب لصناع السياسات فى بروكسيل هو تمديد أجل تنفيذ العملية لمدة عامين قادمين ينتهيا في 2016 حيث تنتفى أية أسباب تدفع دول الاتحاد الأوروبى المشاركة في العملية إلى اتخاذ قرار بعدم تمديد أجلها. وتصل الفاتورة الإجمالية السنوية لتنفيذ العملية (اتلانتا) لمكافحة القرصنة فى سواحل الصومال إلى 100 مليون يورو ، وهى العملية التي تشمل ضمان أمن الملاحة والتصدي لهجمات القراصنة ومراقبة أنشطة الصيد. ويتم سنويا عمل تقييم من جانب الاتحاد الأوروبى لسير تنفيذ العملية وما تحققه من إنجازات لتحقيق المستهدف منها ، ومن بين مهام العملية (اتلانتا) كذلك تدريب قوات الأمن وخفر السواحل الوطنية فى الصومال ودول جوارها. كما يسعى الاتحاد الأوروبى خلال فترة تمديد مهمة العملية لعامين قادمين إلى بناء شبكة سلام بحري فى القرن الأفريقى وربط المسارات الإغاثية الإنسانية والسياسية في هذا الجزء من العام برباط واحد يرى الاتحاد الأوروبي أهميته القصوى لخدمة مصالحه الاستراتيجية فى منطقة القرن الأفريقى ذات الارتباط المباشر بأمن الداخل الأوروبى. ويعد الجانب الأمريكى من المساهمين الحقيقيين فى العملية (اتلانتا) إلى جانب الاتحاد الأوروبي ، وفى هذا الصدد رصدت تقارير أمنية أمريكية نجاح العملية فى تحقيق أهدافها على صعيد مكافحة أنشطة القراصنة فى منطقة القرن الأفريقى خلال عام و نصف مضت لم تشهد فيها منطقة القرن الأفريقى حدوث عملية قرصنة ناجحة واحدة كما لم يستطع القراصنة فرض سيطرتهم على أية سفن تقع تحت قبضتهم بفضل سياسية التدخل السريع من جانب القطع البحرية والجوية العاملة في إطار العملية (اتلانتا). ويؤكد خبراء الأمن فى الاتحاد الأوروبي أن العملية (اتلانتا) قد نجحت فى تحقيق جانب الردع فى مواجهة قراصنة القرن الأفريقي ، ويستشهد الخبراء على ذلك بالتراجع الواضح فى أعداد الرهائن المحتجزين فى عمليات قرصنة فى القرن الأفريقى من 700 رهينة فى العام 2011 إلى 50 رهينة فقط بنهاية العام 2013 وهو الرقم الذى يعمل الاتحاد الأوروبى على إخفاضه إلى الصفر بأسرع ما يمكن من خلال إجراءات وقائية لردع قراصنة الصومال. وترى كاترين آشتون المفوضة العليا للشئون الخارجية وسياسات الأمن فى الاتحاد الأوروبي ، أن الحرب التي يشنها الاتحاد الأوروبى على القراصنة لم تنته بعد ، وأنه من الأفضل للمجتمع الدولى أن يحافظ على تماسك تحالفه لمواجهة القرصنة فى القرن الأفريقي إلى أن يتم القضاء عليها ، وبذلك تتعزز المكاسب التي تم إحرازها بالفعل خلال الأعوام الماضية منذ تنفيذ العملية (اتلانتا). وذكرت آشتون - فى تصريحات لها صدرت على هامش اجتماعات تقييمية للعملية (اتلانتا) شهدها مقر الاتحاد الأوروبى هذا الأسبوع - أن العملية (اتلانتا) لمكافحة القرصنة فى القرن الأفريقى يجب أن يتم تطويرها من خلال إشراك دول أخرى فى الإقليم بخلاف الصومال فيها وتقديم العون التدريبي لهذه الدول فى مجال مكافحة الجرائم البحرية بشتى صورها وبناء شراكات مع شركات الملاحة والصيد والنقل البحرى العاملة على مسارات القرن الأفريقى البحرية و مياهه العميقة. وإلى جانب التصدي لظاهرة القرصنة وما شابهها من جرائم الملاحة فى خليج عدن ، تكمن الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي بالنسبة للاتحاد الأوروبى ، كما تشكل الهجرة غير الشرعية لأبناء الإقليم إلى داخل الاتحاد الأوروبي بعدا مهما فيما يتعلق بمهددات الأمن الاستراتيجي لأوروبا من جهة أفريقيا ، فضلا عن تهديدات الإرهاب التي يصدرها هذا الإقليم الأفريقي الساخن إلى أوروبا والعالم ، بالإضافة إلى مسلسلات الحروب الأهلية والكوارث الطبيعية فيه والتي عادة ما تتعامل معها بسرعة وفعالية برامج الإغاثة والمساعدات الإنسانية الأوروبية الموجهة إلى أفريقيا. وتشهد أوروبا تدفقات مكثفة من المهاجرين غير الشرعيين القادمين من الصومال وايريتريا مستخدمين الزوارق قاصدين الشمال الأوروبى أو عبر أراضى إقليم الساحل و الصحراء ..مرورا بأراضى ليبيا وتشاد ، ومنها إلى سواحل الجنوب الأوروبي. وهى الظاهرة التي كانت ليبيا إبان حكم القذافي تتعاون مع الجانب الأوروبى فى التصدي لها ، وهو التعاون الذي بات بعد سقوط نظام القذافي أمرا صعبا يستوجب التدخل الأوروبي المباشر في المشكلة من خلال خطة إنمائية وأمنية يتعامل بها مع دول القرن الأفريقي. وتشير التقارير الأوروبية إلى أن 360 مهاجرا من القرن الأفريقي يلقون مصرعهم سنويا فى زوارق اللامبادوسا المتهالكة وهم فى طريق هجرتهم غير المشروعة إلى الأراضي الأوروبية. ومنذ العام 2008 يقدم الاتحاد الأوروبي مساعدات إنسانية وأمنية للصومال تقدر قيمتها بنحو 2ر1 مليار يورو ، وفى سبتمبر من العام 2013 ، قرر الاتحاد الأوروبى زيادة هذا الدعم بنحو 650 مليون يورو لمدة ثلاثة أعوام متتالية لتحسين الأوضاع الإنسانية والأمنية فى الصومال . كما ينفذ الاتحاد الأوروبى برامجا لتدريب كوادر الحكم الوطني فى الصومال فى إطار عملية شاملة لبناء مؤسسات الدولة و تطوير منظومة جيدة للتحصيل الضريبي وإنشاء أجهزة أمنية كفؤة وتهيئة مناخ العيش المقبول لأبناء الصومال وأريتريا بشكل يكفل الحد من محفزات هجرتهم غير المشروعة إلى أوروبا و يدفعهم إلى تفضيل العيش فى بلادهم. وكشف جون فلين مدير الشبكة الأوروبية لحقوق المهاجرين ومقرها لندن عن تطوير الاتحاد الأوروبى لمنظومة جمع معلومات استخبارية لمراقبة ورصد تحركات مهربي البشر فى منطقة القرن الأفريقى وإجهاض محاولات إدخال المهاجرين غير الشرعيين من أبناء الإقليم إلى أراضى دول الاتحاد الأوروبى. وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبى كان قد قرر فى اجتماعات مجلس شئون الخارجية والأمنية التى انعقدت فى العاصمة الفنلندية هلسنكى العام 1999 تبنى أول سياسة أوروبية لمواجهة هجرة الأفارقة إلى أراضيه وتطوير برامج للاستطلاع و المراقبة وجمع المعلومات حول أنشطة الإتجار فى البشر وتهريبهم من أفريقيا إلى الأراضى الأوروبية وبناء منظومات تعاون فى هذا الصدد من دول القارة ، وتطوير منظومات عالية الدقة والحذر الأمني لإجراءات استصدار تأشيرات السفر للأفارقة إلى الأراضي الأوروبية ، ومراقبة الوافدين تفاديا لظاهرة الإقامة غير المشروعة للأفارقة فى بلدان الاتحاد الأوروبي.