فجر فوز الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة الأسبق اليوم، بجائزة العنقاء الدولية عن كتابه "مارك شاجال: فنان الإبداعات الراقصة" بعد وفاته بعامين شجونًا كثيرة لدى المثقفين والمتابعين للحركة الثقافية في مصر. فقد رشحت الهيئة المصرية العامة للكتاب هذا الكتاب للفوز بأجمل كتاب لعام 2013، وهو ما حدث بالفعل ليفجر هذا الفوز كثيرا من المناقشات حول دور الراحل في الحياة الثقافية، وكيفية الاستفادة من تاريخه وتجربته، خاصة أن الحديث عن عكاشة متشعب وثري ومليء بالتفاصيل والأحداث والمراحل، فنحن هنا بإزاء رائد من رواد الثقافة والسياسة في الوقت ذاته. إنه ثروت عكاشة، زميل الرئيس جمال عبد الناصر، وأحد الضباط الأحرار الذين ثاروا فأيد الشعب ثورتهم، وهو الكاتب والمترجم وباعث النهضة الثقافية بمرحلة الستينات من القرن الماضي. لا أحد من أعضاء النخبة المثقفة يمكنه أن ينسى الدور الفاعل الذي قام به عكاشة لخدمة الفن والثقافة، لقد جعل هذا الرجل من الثقافة المصرية كيانا كبيرا متماسكا، وأنشأ معظم مؤسساتها التي ما زالت تعمل حتى الآن ومنها أكاديمية الفنون، ومن خلال مطبوعات وزارة الثقافة ذات الأسعار الرمزية استطاع الشباب أن يكونوا خلفياتهم المعرفية من قراءتهم لكتب ذات أهمية بالغة وبأسعار زهيدة في متناول يد كل الطبقات دونما استثناء. ولا أحد يمكنه أن ينسى أيضا اهتمامه بالفن على المستوى العام والفن التشكيلي بوجه خاص، ومن أبرز مؤلفاته في هذا المجال سلسلة "العين تسمع والأذن ترى" والتي تناول من خلالها المراحل التاريخية المختلفة لتطور الفنون، ولديه أيضا العديد من المؤلفات الأخرى منها "مذكراتي في السياسة والثقافة" و"الفن والحياة" و"إعصار من الشرق" و"القيم الجمالية في العمارة الإسلامية". ولد ثروت عكاشة عام 1921 في القاهرة، وتمتع بمشوار طويل تولى خلاله العديد من المناصب السياسية والثقافية في المرحلة الناصرية، وهو شقيق الطبيب النفسي "أحمد عكاشة". بدأ ثروت عكاشة حياته العملية ضابطا في القوات المسلحة، حيث تخرج من الكلية الحربية سنة 1939، كما درس في كلية أركان الحرب خلال الفترة (1945 – 1948)، ثم حصل علي دبلوم الصحافة من كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1951، وعلي درجة الدكتوراه في الآداب من جامعة السوربون بباريس عام 1960. وعقب ثورة يوليو عام 1952 تم تعيينه كملحق عسكري بالسفارات المصرية في ألمانياالغربية وفرنسا وإيطاليا، وإلى جانب المناصب العسكرية التي اشتغل بها تميز الراحل أيضاً في من خلال عطاءه الثقافي، فقد ترأس تحرير مجلة "التحرير" لمدة عام وأصبح وزيراً الثقافة والإرشاد القومي منذ عام 1958 وحتى عام 1962 ثم رئيساً للمجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية في نفس العام. في عام 1966 شغل "عكاشة" منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الثقافة، كما كان نائب رئيس اللجنة الدولية لإنقاذ مدينة البندقية، ثم مساعد رئيس الجمهورية للشئون الثقافية عام 1970، بالإضافة إلي عضويته في العديد من الهيئات الأخرى منها المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو بباريس والمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية. كما أن الراحل كان أستاذاً زائراً بالكوليج دو فرانس بباريس عام 1973، وانتخب زميلاً مراسلاً بالأكاديمية البريطانية الملكية عام 1975، ورئيسا للجنة الثقافة الاستشارية بمعهد العالم العربي بباريس منذ 1990 وحتى 1993. وقد حصل الراحل خلال مشواره الحافل على العديد من الجوائز سواء علي المستوى الثقافي أو السياسي، حيث حصل علي وسام الفنون والآداب الفرنسي عام 1965، ووسام "جوقة الشرف" الفرنسي بدرجة كوماندور عام 1968،كما حصل على الميدالية الفضية لليونسكو تتويجا لإنقاذ معبدَي أبو سمبل وآثار النوبة، والميدالية الذهبية لليونسكو لجهوده من أجل إنقاذ معابد فيلة وآثار النوبة عام 1970، بالإضافة إلي الدكتوراه الفخرية في العلوم الإنسانية من الجامعة الأمريكيةبالقاهرة عام 1995، وجائزة مبارك في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام 2002.