شكل إعلان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان عن إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة فى 24 يونيو المقبل، العديد من التساؤلات حول مستقبل النظام السياسى التركى وكيفية تمرير التعديلات الدستورية التى تم إجراء استفتاء عليها فى 17 أبريل 2017م، والتى تضمنت 18 مادة أبرزها: تولى الرئيس صلاحيات السلطة التنفيذية كاملة وقيادة الجيش وإلغاء منصب رئيس الوزراء، كما يحق للرئيس عدم قطع صلته بحزبه، ورفع عدد نواب البرلمان من 550 إلى 600 نائب. ولعل الفارق الضئيل بين الأصوات المعارضة والمؤيدة للتعديلات الدستورية كشف النقاب عن تراجع مكانة حزب العدالة والتنمية؛ حيث بلغت نسبة المؤيدين للتعديلات الدستورية (51.4 %)، وبين المصوتين ضد التعديل فى الاستفتاء (48.6%) وهو فارق يزيد فى عدد الأصوات عن مليون صوت، وهو بذلك يمثل انتصارًا «متواضعًا» بفارق ضئيل على معارضيه أو «انتصارًا بطعم الهزيمة»، خاصة فى ظل خسارة الحزب لأهم معقلين تصويتيين هما اسطنبولوأنقرة واللتان كانتا تصوتان لصالح الحزب من قبل. فى عام 2014م، أعلن المجلس العالى للتعليم تطبيق القانون المتعلق بإدخال مناهج لتعليم الإسلام السنى فى المدارس الحكومية رشاوى انتخابية للمعتقلين ومنح الجنسية للاجئين السوريين لتزوير الانتخابات الرئاسية المبكرة فى ظل إعلان أردوغان عن تقديم موعد الانتخابات التركية المقرر لها الانعقاد فى 3 نوفمبر 2019م، برزت العديد من التساؤلات حول الاستراتيجية الجديدة التى يتبعها أردوغان لمحاولة إقناع الناخب التركى به، خاصة فى الوقت الذى تشهد فيه الساحة الداخلية التركية جدلًا واسعًا على نتائج هذا الإعلان ونتائجه والتى أظهرت النتائج المتقاربة للاستفتاء انقسامًا داخل المجتمع التركي، كما شهدت الحملات المؤيدة والمعارضة للاستفتاء استقطابًا حادًا وصل إلى حد شيطنة الآخر. الاقتصاد مدخل التأثير شكل الاقتصاد وعلى مدار سنوات عديدة الحلقة الأولى فى سياسة أردوغان الدعائية ومدخل التأثير الأول فى توجهات الناخبين الأتراك، حيث نجحت تركيا تحت قيادة حزب العدالة والتنمية فى انتهاج سياسة مالية وبرنامج إصلاحى كركيزة أساسية للبرنامج الاقتصادى التركي، وقد أسفرت تلك السياسات عن نتائج إيجابية للاقتصاد التركى والتى عززت النمو المستدام على مدار السنوات العشر الأخيرة، وعليه أصبحت تركيا واحدة من أسرع النظم الاقتصادية الناجحة فى المنطقة. إلا أنه بالرغم من هذه النجاحات شهدت تركيا تراجعًا كبيرًا فى النمو الاقتصادي، ففى 2017م، أظهرت بيانات وزارة الجمارك والتجارة التركية أن العجز التجارى فى تركيا زاد من 37.5٪ إلى 77.06 مليار دولار، عوضًا عن تراجع قيمة الليرة التركية مقابل الدولار واليورو، وعليه تبقى حالة العملة التركية أحد أهم ملامح الوضع الحالى الذى يسيطر عليه كثير من الغموض والتضارب، فبالرغم من الحديث عن قفزة كبيرة فى النمو الاقتصادى والصادرات تواصل الليرة الهبوط على مدار الفترة الأخيرة. ويمكن إرجاء ذلك إلى حساسية سوق العملات وارتباطها بالأوضاع السياسية، لذلك نجد الليرة تتحرك صعودًا مع الاستقرار السياسي، وهبوطًا فى ظل وجود أى توترات سياسية، ولعل الفترة الأخيرة تشهد تركيا حالة من الانقسام المجتمعى على خلفية الاعتقالات السياسية والتضييق فى مساحات التعبير بعد محاولة الانقلاب الفاشل فى 15 يوليو 2016م. وعليه قام أردوغان وفق استراتيجيته الترويجية بالعديد من السياسات التى من شأنها إعادة الثقة فى الداخل التركي، ففى الأول من مايو 2018م، أقرت الحكومة التركية ما يسمى بحوافز الربيع بقيمة 100 مليون ليرة تركية، كما أقرت حزمة من العلاوات، ومن قرارات العفو عن الطلاب الجامعيين المحتجزين، والتى يمكن تفسيرها بأنها «استثمار لأصوات الناخبين»، قبل فترة قصيرة من بدء ماراثون الانتخابات الرئاسية المبكرة. كما أعلن رئيس الوزراء التركى بن على يلدريم فى تصريحات له جاء فيها «تعمل الدولة على حل كل الخلافات، وتمد يدها لجميع المواطنين»، ومن المتوقع أن أردوغان على الجانب الآخر، سيتبنى خطابًا أهدأ من ذى قبل قد يمكنه من احتواء شريحة من معارضى سياساته ولو لحين. فى هذه الأثناء، إلى موعد المواجهة الجديدة بين أردوغان ومعارضيه فى الانتخابات الرئاسية. وفى يوم الرابع من مايو 2018م، أعلن الرئيس التركى عن خطته المتعلقة بمنح اللاجئين السوريين الجنسية التركية، والتى يمكن استثمارها فى الحشد الشعبى له، خاصة فى ظل تراجع أسهمه الانتخابية بعد العديد من الاخفاقات الداخلية والخارجية. على المستوى الخارجي، تأتى استراتيجية أردوغان الإعلامية وفق عملية تقوم على كثافة الزيارات الدولية وتبادل الاتفاقيات الاقتصادية وذلك لطمأنة الرأى العام الداخلي، ففى 1 مايو 2018م، زار أردوغان دولة أوزباكستان وبصحبته وفد رفيع المستوى من رجال الأعمال، وجاء فى كلمة له أمام رجال أعمال من البلدين فى منتدى العمل التركي - الأوزبكى المنظم من قبل مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي، وأكد أن تركيا تعتبر سوقًا كبيرًا للغاية بفضل حجم تجارتها الخارجية البالغة 390 مليار دولار أمريكي، وعدد سكانها البالغ 81 مليون نسمة. لافتًا إلى وجود 46 شركة تركية فى قائمة أكبر 250 شركة مقاولات فى العالم عام 2016م، وتطرق الرئيس التركى إلى الإصلاحات المهمة فى المجال التجارى بأوزبكستان. وأوضح أن المنتجات التركية تلقى قبولًا لدى المستهلكين فى أوزباكستان، وأنهم شجعوا رجال الأعمال الأتراك من أجل الاستثمار فيها، وأضاف أردوغان: «إن التقارب الاقتصادى والتجارى بين بلدينا هدفه ليس الربح والمكاسب المادية فقط، ويجب ألا يكون كذلك، ولكن ينبغى أن نرى علاقاتنا التجارية والاقتصادية كنقطة انطلاق تعزز أواصر الأخوة بيننا»، وعليه أعلن الرئيس الأوزبكي، شوكت ميرضيايف، أن بلاده قررت رفع تأشيرة الدخول عن المواطنين الأتراك باعتبار أن قدومهم إلى أوزباكستان بتأشيرة لا يليق بعلاقات الأخوة التى تربط الشعبين. وسوف توقع كل من تركياوأوزباكستان 20 اتفاقية تعاون ثنائية، تتضمن مجالات عديدة مثل الطاقة، والمعادن، ومكافحة الإرهاب، وقوانين خاصة بحماية حقوق العمال الأوزبكيين فى تركيا، وذلك بموجب مباحثات رسمية على هامش زيارة أردوغان إلى أوزباكستان. وتبعت هذه الزيارة مباشرة، زيارة أردوغان إلى كوريا الجنوبية، والتى أكدت على نفس الطريقة التى يروج بها أردوغان نفسه، وأن تركيا تسعى لتوسيع دائرة الاستثمارات والتعاون الاقتصادى بين البلدين. وكما أوضح رئيس مجلس الأعمال الكوري - التركي، التابع لهيئة العلاقات الاقتصادية الخارجية التركية «تامر ساكا»، أنّ الاستثمارات الكورية الجنوبية فى تركيا تشكل أرضية صلبة للعلاقات الاقتصادية بين البلدين، عوضًا عن اتفاقية التجارة الحرة بين أنقرة وسول والتى تمتد منذ مايو 2013م، كما ألغت أنقرة وسول تأشيرة الدخول بينهما. لن يتوقف زخم جولات أردوغان الخارجية.. فمن المقرر أن يزور المملكة المتحدة ما بين 13 و15 مايو، حيث يلتقى الملكة إليزابيث، ورئيسة الوزراء تيريزا ماي، فى مسعى لإطلاق مرحلة جديدة من التعاون عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما أنه سيتوجه إلى البوسنة والهرسك يومى 20 و21 مايو من أجل لقاء الأتراك فى أوروبا.