لا أحد ينكر أن مُجمل قُراء القصة، ومن أقصى أطراف العالم إلى الأقرب، ممتنون لتلك الحكايات الخيالية التى منحت التراث الدافئ شأنًا فى سردها، فالإرث الذى يمر فى فكرة الحكاية ومغزاها، ويناغى أحداثها وحبكتها.. حتمًا يجعلها ذات قيمة، فمن جهة يمنح الموروث الشخوص المتخيلة بُعدها الثقافى والإنسانى قبل الوطنى، ومن جهة أخرى يَخرج التراث غير الملموس، نثرًا مكتوبًا ومقنعًا يتحقق عبر عينى القارئ. ورغم أن القصة تبقى سلعة مادية حسب نظريات دور النشر المجردة، لكنها تظهر بمظهر فنى وحسى ناهض إذا أحيت التراث فى نَصّها، متخذة لنفسها مثالًا أو طريقًا إبداعيًا نحو الإنتاج الرفيع، لتخرج تلك النصوص وبلا مغالاة ثروة قصصية. يحلو قول «البقاء لقصص التراث»، لأن للصناعات تراثًا، أى تلك الثقافة الصناعية لحدود الأوطان، وللطبيعة تراث، من حيوان ونبات وجيولوجيا ومناظر طبيعية وتضاريس توصف ضمن الأحداث ومنطقة الخيال، ومع بسط تراث الغناء والفنون، ودغدغة التراث اللغوى.. وانتهاءً بما لا نتوقعه من التراث الافتراضى من تكنولوجيا واتصالات ومعلومات، فإن البقاء لقصص التراث. فى يوم من الأيام كانت القصص الشفهية مهددة بالزوال، وتشعرنا بالضياع، وساذجة بعشوائية حضورها غير المكتوب.. واليوم أصبحت بعد كتابتها إضافة كبرى للأدب الإنسانى، لكن الأذكياء من المؤلفين لم يكتبوها كما هى بالطبع، بل دونوها بعناصر سردية، من شخصية، ومشهد، وحوار، ووصف، وعمل، وتوتر، وما إلى كل ذلك، حتى تم تعزيزها وتوثيقها أدبًا. والأمثلة كثيرة على استخدام التراث فى عالم القصص الخرافية، التى تجاوزت المكان فى شهرتها، بعد العمل على نضجها وحيويتها، لتتوافق مع حداثة الزمن، كقصة الروسى إلكسندر بوشكين «الأميرة الميتة والعمالقة السبعة» إلى الدنماركى هانز كريستيان أندرسن فى حكاياته الشعبية من «بائعة الكبريت» و«ملكة الثلج» و«عقلة الإصبع»، والفرنسى من خلال شارل بيرو الذى أحيا الخرافة مع التراث فى قصصه المعروفة «ذات القبعة الحمراء» والمشهورة لدينا ب«ليلى والذئب»، كما كتب قصة «سندريللا» و«الجمال النائم»، والتى تعد فخر الذاكرة الفرنسية وهويتها الأدبية الراسخة. ساعدت قصص التراث فى أن تتكون ذاكرة وطنية بعد أهميتها من التراث، وبعد دعم المؤلفين لها بالتسلسل المتماسك بالأحداث واللغة الجميلة، بهدف تحليلها بشكل جوهرى وحَرِجْ أحيانًا، وبغية أن يأخذ التراث القديم فى السرد مجراه. ولدى الشرق، كل الشرق، ومن خلال قصص ألف ليلة وليلة الممتعة والتى لا نعرف من كتبها، باتت الذاكرة الجمعية مشتركة بيننا جميعًا، إلى قصص التراث العربى والصينى والهندى.. فإنه يحق لنا إدخال المعالجات فيها كما فعل الغرب، لصناعتها سينمائيًا وتليفزيونيًا وإذاعيًا ومسرحيًا وتشكيليًا.. ومع الإعادة والتكرار فى بثها لتستمر فى أهميتها الإنسانية المشتركة. نقلًا عن «البيان» الإماراتية