تشكلت في إسرائيل أخيرًا الحكومة الثالثة والثلاثون منذ نشأة دولة إسرائيل، وهذه الحكومة هي ثالث حكومة إسرائيلية يرأسها بنيامين نيتانياهو، تشكلت هذه الحكومة الائتلافية مع حزب يوجد مستقبل، وحزب البيت اليهودي، وحزب الحركة، وتحالف الليكود- بيتنا، وهذه الحكومة أقل ما توصف به أنها حكومة يمينية متطرفة بعيدة كل البعد عن السلام والعملية السياسية بين إسرائيل والشعب الفلسطيني. ولا شك أن الدلائل على يمينية وتطرف هذه الحكومة أكثر من أن تحصى، ولكننا نكتفي هنا باستخلاص بعض الدلالات الرئيسية من واقع الاتفاقيات الائتلافية التي عقدها نيتانياهو مع الأحزاب التي شاركت في تشكيل هذه الحكومة، ويجئ في مقدمة هذه الدلالات أن العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين لم يرد ذكرها أصلا في الاتفاق الائتلافي مع حزب البيت اليهودي حزب اليمين المتطرف، واحتلت هذه العملية مكانًا هامشيًا في الاتفاق مع حزب يوجد مستقبل لم يتجاوز السطور الثلاثة، في حين أن الاتفاق مع حزب الحركة لتسيبي ليفني شغلت عملية السلام مكانًا مركزيًا فيه. وفي تقديري فإن ذكر عملية السلام في الاتفاق مع ليفني وإغفال ذكرها مع الحزبين الآخرين، يمثلان استراتيجيتين مختلفتين لتحقيق ذات الهدف، أي تجاهل وإغفال استحقاقات عملية السلام، وإسقاطها من الاعتبار، ذلك أن اختيار ليفني لاستئناف هذه العملية يتم تحت مراقبة ومحاسبة تحالف الليكود- بيتنا وبقية الأحزاب المشكلة للحكومة، وكذلك فإن إسناد هذه المهمة لليفني يستهدف إبراز واجهة دعائية للعالم حول نية إسرائيل لاستئناف عملية السلام بالمعني الإسرائيلي، أي التفاوض من أجل التفاوض ودون وجود جدول زمني للانتهاء من عملية التفاوض، أو وجود أجندة واضحة للقضايا المتفاوض حولها، وبعبارة أخرى استمرار نفس النهج الذي سارت فيه إسرائيل إزاء التفاوض منذ عقد اتفاقيات أوسلو وحتى الآن. أما الدلالة الثانية فهي تتمثل في أن أي اتفاق مع الفلسطينيين سيطرح على الحكومة والكنيست، وهو أمر مفهوم ولكنه أيضًا سيطرح لاستفتاء شعبي بموجب القانون، وأفادت صحيفة “,”هاآرتس“,” بأن ثمة بندًا من الاتفاق الائتلافي مع البيت اليهودي يلزم الحكومة بأن تقوم خلال 90 يومًا، بسن قانون بإجراء مثل هذا الاستفتاء الشعبي حول انسحاب إسرائيل من بعض المناطق، وخطورة هذا البند تتمثل في فتح الباب مجددًا أمام المزايدات والشحن والتحريض والدعاية لجميع الأحزاب اليمينية والمتطرفة قوميًا ودينيًا لحمل الناخبين الإسرائيليين على رفض أي اتفاق. من ناحية أخرى، فإن الاتفاق مع الحزب المتطرف، أي البيت اليهودي، تضمن تعهد نيتانياهو بأن تعمل الحكومة على سن قانون يتعلق بأن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، واعتبار هذا القانون قانونًا دستوريًا ويسمى رسميًا قانون أساسي: إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي، ويعتبر هذا القانون قانونًا عنصريًا ومعاديًا للديمقراطية، وسبق طرح هذا القانون قبل ذلك وتم رفضه، ومن بين بنود هذا القانون عندما تنظر المحكمة العليا الإسرائيلية في قضية تنطوي على تناقض بين المبادئ الديمقراطية والطابع اليهودي للدولة فإن على المحكمة أن تحسم القضية بموجب منح الأولوية ليهودية الدولة. اتجهت هذه الحكومة نحو الوسط الإسرائيلي وتجنبت التحالف والائتلاف مع الأحزاب الدينية المتطرفة (شاس - ويهدوت - هاتوراه) ولكن تبقى التوجهات الرئيسية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والدولة الفلسطينية كما هي، فقد استبدلت هذه الحكومة التحالف مع اليمين الديني المتطرف بالتحالف مع اليمين العلماني، ولكنه المتطرف أيضًا. جاءت زيارة باراك أوباما لإسرائيل والأراضي الفلسطينية والأردن عقب تشكيل هذه الحكومة الإسرائيلية وتوقع العديد من المحللين أن يقوم أوباما برد الصفعة التي وجهها له نيتانياهو برفض تجميد الاستيطان، ووقوفه علنًا وعلى رءوس الأشهاد إلى جانب المرشح الجمهوري رومني، وتفاءل بعض المحللين بتعيين جون كيري، للشئون الخارجية، الذي يوصف بأنه من أنصار العملية السلمية وكذلك تعيين شاك هاجل، وزيرًا للدفاع، الذي حظي بانتقاد الأوساط الإسرائيلية، يضاف إلى ذلك فوز أوباما بولاية ثانية مما يجعله - هكذا يفترض هؤلاء - في حل من الانصياع للضغوط الصهيونية، ومع ذلك فإن أوباما قد تغير ما بين عام 2009 و2013، ففي 2009 عندما خاطب المسلمين من قاعة المؤتمرات الكبرى في جامعة القاهرة وتحدث عن فتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي وعن حق الفلسطينيين في الكرامة والدولة، نجد أن أوباما منذ عام2013 وهو يؤيد يهودية دولة إسرائيل، وفي عام2013 يؤكد دعم أمن إسرائيل القومي، ويصف التحالف بين بلاده وبين إسرائيل بأنه أبدي، ويُظهر قدرًا كبيرًا من التعاطف مع المخاطر التي تحيط بإسرائيل في هذه الآونة. استهدفت زيارة أوباما دعم الدور الإقليمي لإسرائيل في استراتيجية الولاياتالمتحدةالأمريكية، ومواجهة تداعيات الملف النووي الإيراني والموقف في سوريا، والحرص على أن تظل إسرائيل بمنأى عن الدخول كطرف في هذين الملفين قبل أن يحين الأوان، وفضلا عن ذلك حرص أوباما على التأكد من فاعلية نظام القبة الحديدية في مواجهة صواريخ المقاومة، وأكد عزمه على الاستمرار في تمويل استكمال شبكة القبة الحديدية، رغم صعوبات الميزانية الأمريكية. لن يكسب العرب ولن تكسب القضية الفلسطينية الكثير من التعويل على نوايا أوباما، تمامًا كما لم يكسبوا شيئًا من التعويل على اليسار الإسرائيلي، ولن يفيدهم أو يفيد الفلسطينيين سوى التعويل على القدرة الذاتية وتغيير الواقع، وما لم يغادر العرب والفلسطينيون موقع الانتظار والترقب لما سيأتي من هنا أو هناك أو من هذا الطرف أو ذاك إلى موقع المبادرة والفاعلية وتغيير الواقع والتأثير في مجريات الأمور، فلن يكسبوا شيئًا وستظل القضية الفلسطينية كما هي، بل ستخسر أكثر مما خسرت حتى الآن. تمعن إسرائيل في تجاهل عملية السلام وحقوق الشعب الفلسطيني، ربما أكثر من ذي قبل، لأنها باختصار وفيما يبدو، قد اطمأنت لحصاد الثورات العربية عمومًا والثورة المصرية خصوصًا، بعد تولي الإسلام السياسي مقاليد الحكم، ولأنها تعلم أن القضية الفلسطينية لم تعد تشغل ذات المكانة في الخطاب الإسلامي التي كانت تشغلها قبل الثورة، ولأن الولاياتالمتحدةالأمريكية قد أمنت استمرار العلاقات “,”المصرية الإسرائيلية“,”، كما كانت عليه وحالت دون وصول رياح التغيير إليها.