أما أن هناك اعتقادًا بين الناس في الشرق بأن الرخاء يأتي مع الشتاء فأنا أصدقه، ولا يمكن أن يكون مجرد ملاحظة عابرة للأرض التي تزهر فيها الحقول في الشتاء أو تظهر فيها نباتات كما كان الإنسان القديم في الصحاري ينتظر ويري ، في ديننا الحنيف صلاة هي صلاة الاستسقاء تطلب من الله الواحد القدير أن يمن علينا بنعمته وتمطر الأرض . وتطلب من الكون الكبير الواسع أن يترفق بالناس من تحته، ولمن لديهم ذاكرة من جيلنا والأجيال الأقرب بعده يتذكر كيف غاب الشتاء عن مصر طويلا ثم عاد إلينا قبل عام 2011 مبشرا بعام جديد، من يقرأني الآن قد يقول إن هذا الرجل فقد عقله لكني كسكندري الأصل أراقب ذلك جيدا، انقطع الشتاء عن مصر طويلا وتبارت الصحف والدراسات في الحديث عن الاحتباس الحراري الذي يحدث في العالم، وكتبت أنا يومًا أنه بالإضافة للاحتباس الحراري تغير الجو في مصر بسبب ردم معظم البحيرات الكبرى، أو أجزاء رهيبة منها، بحيرات مريوط وإدكو والمنزلة والبرلس مما ساعد على هذا التغير في المناخ . هذه الأيام وفدت على البلاد نوّة الفيضة الصغري، موعدها عادة اليوم الثاني عشر من شهر ديسمبر ولقد جاء ت تقريبا في موعدها، هي تستمر يومين من المطر ويمكن ان تزيد يوما لكنها لم تأت بهذه القوة من قبل أو منذ سنوات، إذن هو خير قادم لا شك، أمل قادم لاشك، لكن ما يفقع المرارة هو أن أحدًا من المسئولين لا يعرف تاريخ النوّات وأيام هبوبها ومن ثم نفاجأ بكل شيء معطلًا ، الصرف الصحي ومنازل ومطالع الطرق مملوءة بالمياه والكباري فضلا عن انسداد البالوعات أو سرقتها، بل يمكن لا يعرفون أن هناك فصلًا يتكرر اسمه فصل الشتاء كما يعرفون أن هناك فصلًا يتكرر اسمه فصل الصيف يهاجرون فيه إلى منتجعاتهم السياحية تاركين الناس للنار، أجل، من زمان يتكرر ذلك. كانت هذه المشاهد قوية أيام الرئيس السادات وقامت الدولة بعد ذلك بمجهود كبير في السيطرة على مياه المطر إلا أن كل شيء تدهور في العشر سنوات الاخيرة من حكم مبارك رغم أنه في سنوات حكمه الأولى تمت معالجة الأمر الى حد كبير، استرخت الدولة للكسل وربما لعدم اعتبار الشعب موجودًا مما وصل بنا إلى الثورة، ارتبك المسئولون في الثورة لكن الوظائف ما زالت مشغولة بمن عليه أن يعالج ذلك ولا يعالجه، جاء عام محمد مرسي فتم إهمال كل شيء وتفرغ للبحث عن أهله وعشيرته يوليهم المناصب كأننا في محل بقالة وظل كل شيء كما هو، ذهب مرسي وجاءت حكومة جديدة تواجه الإرهاب نعم وتجهز دستورًا نعم لكن الموظفين في وظائفهم لا علاقة لهم بمقاومة الإرهاب ولا تجهيز الدستور ولا أي شيء إلا وظائفهم التي أهملوها، وهكذا تحول الشتاء الي كارثة، يوم الجمعة الماضي في عز المطر ذهبت إلى نص البلد الساعة الثالثة بعد الظهر، أخذت الطريق الدائري فوجدت كل مصابيحه مضاءة، عدت في السادسة فوجدتها كلها مطفأة ، أى كتب علىّ ومئات غيري أن نعاني من المطبات والمياه الراكدة في كل مكان وسط الظلام ، يعني موظفون في محافظة الجيزة أو القاهرة فلا فرق , لايعرفون الشتاء من الصيف ولا النهار من الليل .