قرية "المعابدة" تقع على بُعد 50 كيلومترًا شرق النيل بمحافظة أسيوط، تحت سفح الجبل الشرقي، يقطنها أكثر من 10 آلاف نسمة، وبسبب الطبيعة القبلية التي تعيشها القرية، وتفشي الغلظة والقسوة في التعامل، فقد ارتفع معدل جرائم الثأر، مقارنة بباقي القرى المجاورة، فضلًا عن اتخاذ البدو بها بعض الكهوف بالجبل الشرقي كمأوى للخارجين على القانون. وتنتشر في المعابدة صناعة الأسلحة غير المرخصة والتي جعلت حظر التجوال بها يفرض نفسه بعد أذان المغرب وحتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، حكومات تعاقبت وثورتان، وما زال الوضع على حاله، لا أحد يسعى لتطويرها أو تحسين المستويين الثقافي والاجتماعي لأهالي القرية للحد من المذابح. تعاني الفقر والجوع والجهل والمرض، هذا هو حال القرية، ورغم ذلك فالمباني الحكومية فيها تتواجد بكثرة، لكن من دون أي مردود، فأسطح المنازل تحولت إلى منصات لاستهداف الخصوم، والمستشفى القروي تسكنه الأشباح بعد أن فر منه الأطباء خوفًا. يقول حسن محمد نصا، من أهالي القرية: إن المشكلة التي تعيشها القرية حتى الآن الثأر، حيث يوجد بها عدد كبير من جرائم الثأر، مما جعلنا نخشى على أنفسنا، خاصة بعد انتشار الأسلحة غير المرخصة بين الفلاحين بالقرية ومن بعد أذان المغرب لا نخرج من منازلنا بسبب هذه الجرائم، ولأسباب أخرى، منها ما يؤويه الجبل من ذئاب. وأشار عمر فودة - يقطن بالقرية- إلى انعدام الخدمات بالقرية، حتى إن مركز الشباب يحتاج لملعب كرة قدم، حيث تم تخصيص قطعة أرض له بأملاك الدولة، لكن لم يتم شيء حتى الآن فيها، ونحن في أمسِّ الحاجة إليها؛ حتى نستطيع التغلب على العادات السيئة التي توارثها الأجيال، كما نحتاج إلى مدرسة ابتدائية حيث إن المدرسة الموجودة تعمل فترتين، والتأمين الصحي خارج نطاق الخدمة؛ لا يوجد تأمين لتلاميذ ولا موظفين ولا معاشات. وفى طريقى إلى مدرسة المعابدة الابتدائية التي لا تَبعد عن المستشفى سوى عدة أمتار، وهناك كان العجب فور دخولنا وجدنا الماعز في انتظارنا وتوجهنا إلى غرفة مدير المدرسة الذي حكى لنا عن مآسي تلاميذ المعابدة والذين اغتالت البيئة طفولتهم، وعندما نظر إلى الماعز الذي بات يتحرك بحُرّيّة في المدرسة، وقبل أن أسأل بادرني مدير المدرسة قائلًا: هنا دمار شامل في كل شيء، فهذه المدرسة تخدم المعابدة بأكملها، وبها 5000 تلميذ غير منظمين ولا مرتَّبين، ماذا يحدث لهم في الدخول والخروج، ودائمًا ما يسقط جرحى وقتلى، وينتقل الصراع من المدرسة إلى الآباء. ويضيف طلعت عبدالناصر، مدير المدرسة: ناهيك عن أنه في حال حدوث أي خصومة تكون النتيجة إغلاق المدرسة لأجلٍ غير مسمَّى، حتى الحيوانات لو قام العامل بإخراجها قد يؤدي هذا إلى معارك، ويلتقط خيط الحديث سيد عبداللطيف وكيل المدرسة المسائية: وهذا ما تَرتَّب عليه تسرُّب 25% من طلبة المدارس ليصبحوا قنبلة موقوتة للجهل والضياع. وعند مغادرتي القرية استوقفني عم طلعت الذي أكلته الأيام وقال لي: يا أستاذ انت رايح فين، مش تبص في الأول على العبّارة وقوارب الموت، ونظرت لأجد مكانًا مميزًا أعلى الجبل، دعاني فضولي للسؤال عنه: فقال لي رفيقي إنه دير الشهيد مارمينا العجايبي المعروف بالدير المعلق، حيث يرجع تاريخه إلى القرن الرابع الميلادي ويقع على ارتفاع 170 مترًا من سطح الأرض، لذلك اشتُهر بالدير المعلق نظرًا لأنه معلق في حِضن الجبل وقد قال عنه المؤرخ المقريزي: إنه دير لطيفٍ معلق في الجبل، وكتب عن موقع الدير والوصول إليه ونواحي الحياة فيه. ويُعتبر هذا الدير من أهم الآثار القبطية حيث يأتيه السياح من كل مكان ولكنهم يسلكون طريق منفلوط بعيدًا عن المعابدة نهائيًّا. كما شكا أطفال القرية من عدم وجود أماكن للتنزه وهو ما أوضحه الطفل محمد عبدالرحمن الطالب بالمدرسة الابتدائية، والذي أشار إلى أن والده يمنعه من الخروج من المنزل بسبب الخوف من المشاجرات التي تشهدها شوارع القرية بصفة مستمرة، فضلًا عن أن مركز الشباب فقير جدًّا، وقصر الثقافة لا يوجد به أي كتب، وفى معظم الوقت مغلق. ونوّه جرجس طلعت "مُزارع" بأنه رغم أن قرية المعابدة تَشتهر بزراعة النباتات العطرية مثل الريحان والينسون وغيرهما من البقوليات بفضل طبيعة التربة الرملية، لكن نتيجة أعمال العنف أهمل أهالي القرية الزراعة وأصبحت الأرض بورًا، مطالبًا بإدراج القرية في خطط التطوير ونظرة من المسئولين إليهم، خاصة بعد الثورة التي وصفها بأنها بارقة الأمل لهم. وأضاف:عدم وجود اهتمام من قِبل المسئولين بأهل القرية يُشعرهم بأنهم فئة مجهولة في المجتمع، واصفًا حالهم: "نحن أموات".