تتعلق أنظار العالم أجمع هذه الساعات، إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، خاصة بعد فوز دونالد ترامب، لأن اهتمام العالم بهذه الانتخابات لم يأتِ من فراغ، فالرئيس الأمريكي أهم قائد سياسي في العالم. والسبب بسيط، فهو يحكم دولة تشكل سياساتها الاقتصادية والعسكرية حياة الناس في كل بلد، وفي كل قارة، وبإمكانه أن يأمر بالعفو والحظر والعقوبات وهو يفعل ذلك سوف يكون للسياسات الاقتصادية التي يضعها أصداؤها على مليارات الأنفس، وربما على مدى أجيال عديدة. كما أن الولاياتالمتحدةالأمريكية "إمبراطورية" تتحكم في توزيع موازين الثقل الدولية في كل أرجاء العالم، تستميل أطرافا بالجزرة لذيذة الطعم والمغرية المشهد وتلوح لأطراف أخرى بعصا غليظة ثقيلة الوطأة وغير قابلة لاحتمال أو المواجهة. ولمعرفة ملامح الفترة المقبلة وكيفية تعامل الرئيس الأمريكي المقبل –بغض النظر عن اسمه- مع المعطيات الموجودة، أصدر المركز القومي للترجمة كتابا هاما للغاية في هذه المسأله يحمل عنوان "الإمبراطورية والجمهورية في عالم متغير" للكاتب جورج فريدمان رئيس مجلس إدارة شركة ستراتفور الرائدة في مجال الاستخبارات العالمية، ونقله للعربية المترجم أحمد محمود. ويتعلق الكتاب بالمدى القصير للعشر سنوات المقبلة، الواقع المحدد الذي يجب مواجهته والقرارات المحددة الواجب اتخاذها والنتائج المحتملة لتلك القرارات، حيث يتناول الكتاب مفهوم العلاقة بين "الإمبراطورية" و"الجمهورية"وممارسة السلطة في العشر سنوات المقبلة وهل يمكن أن تقضي قوة أمريكا في العلام على مفهوم الجمهورية؟ وكيف ينبغي لأمريكا أن تتصرف في العالم وهي تمارس قوتها وتحافظ على الجمهورية في الوقت ذاته. ويرى المؤلف أن أمريكا أصبحت إمبراطورية ليس لأنها تعمدت ذلك، بل لأن التاريخ سار على هذا النحو، وبالتالي يناقش المؤلف القضية الثانية المترتبة على ذلك وهي كيفية إدارة هذه الإمبراطورية بعد أن تم تأسيسها على خلفية الإمبريالية البريطانية، وإن كان للجمهورية أن تبقى فالمؤسسة الوحيدة التي يمكنها إنقاذها من مصير الإمبراطوريات هي الرئاسة الأمريكية باعتبارها المؤسسة الوحيدة التي يجسدها شخص واحد، ضاربا المثل بثلاثة من الرؤساء الذين انتهجوا الميكيافيلية، لتحقيق غاياتهم وهم: إبرام لنكولن الذي أنقذ الجمهورية وفرانكلين روزفلت الذي أعطى الولاياتالمتحدة محيطات العالم، أما ثالثهما فهو رونالد ريجان الذي قوَض الاتحاد السوفيتي وأعد المسرح للإمبراطورية. أما عن أكبر تحد لإدارة إمبراطورية على مدى العقد المقبل سيكون التحدي نفسه الذي واجهته إمبراطورية روما وهو كيف يمكن الحفاظ على الجمهورية بعد ان اصبحت إمبراطورية، خاصة أن الرؤساء يختلفون عن الكثير من الناس لكونهم يستمتعون بالسلطة فهم يضعون الاستحواذ عليها واستخدامها قبل كل شيء آخر وهم يكرسون جزءا كبيرا من حياتهم سعيا وراءها، ومن المحتم أن درجة السلطة التي يحققها الرؤساء الأمريكيون المحدثون وحجمها تجعلهم يرون العالم بشكل مختلف حتى بالمقارنة مع رؤساء الدول الأخرى؛ إذ لا يجب أن يواجه قائد آخر هذا القدر الكبير من العالم بهذه الطرق المختلفة الكثيرة ففي الديمقراطية الأمريكية لابد أن يصل الرئيس إلى مكانته وهو يتظاهر بأنه مميز عن أبناء وطنه والخطر هو أنه عندما تصبح تحديات الإمبراطورية أكبر والتهديدات أكثر سيظهر القادة بدرجة من السلطة تتجتوز القيود التي يفرضها الدستور عليهم. وعلى مدى العقد المقبل لن يكون للرئيس الأمريكي نرف تجاهل النماذج المثالية أو الواقع، بل لابد له من اختيار التركيبة غير المريحة من الاثنتين اللتين أوصى بهما ميكافيللي. ولابد للرئيس الأمريكي من التركيز فقط على مراكمة القوة واستعمالها وإنما على حدودها كذلك فالنظام الجيد الذي تسانده القوة والقادة الذين يفهمون فضيلة النظام وفضيلة القوة هو المطلوب، وليست الحزمة الأيديولوجية المرتبة هي التي توضح كل شيء وتختزله إلى صيغ مبسطة، بل إن الموقف الوجودي من السياسة هو الذي يؤكد الحقائق الأخلاقية في السياسة دون أن يصبح أسيرها الأحمق وهو الذي يستعمل القوة دون أن يعبدها.وقد أكد المؤلف أن هناك حدثان عالميان سيصوغان العقد المقبل وهما رد الرئيس بوش على الحادي من سبتمبر، والذعر المالي من عام 2008، اللذين بدا أنهما حدثين أمريكيين داخليين ابتلعا العالم كله، حيث انتهى انتعاش كلينتون عام 2000 عندما انهارت الشركات الدوت كوم، وانتهى انتعاش ريجان في الثمانينات بطريقة مذهلة بانهيار المدخرات والقروض. على جانب آخر أكد فريدمان أن أمريكا لا تواجه علاقة أكثر تعقيدا من العلاقة التي تريد الحفاظ عليها مع إسرائيل، لأن العلاقة بينهما تثير الجدل بين الواقعيين والمثاليين في السياسة الخارجية، وتعد مصر هي العنصر الأهم في هذه العلاقة باعتبارها كانت تمثل في يوم من الأيام أكبر تهديد استراتيجي لإسرائيل وأدى قرار المصريين في السبعينيات بعدم مواصلة العداء لإسرائيل إلى تأمين الأخيرة بشكل كبير رغم أن السلام بينهما مائعا وفي هذا الإطار يشير فريدمان إلى أنه لا يمكن لإسرائيل هزيمة مصر كما لا يمكنهم تحمل حرب استنزاف مطولة فلكي يفوزوا لا بد أن يفوزوا بسرعة؛ لأن إسرائيل لديها جيش دائم صغير، ولابد أن تسحب القوة البشرية من احتياطيها من المدنيين الأمر الذي لا يمكن استدامته لفترة ممتدة.