سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الخارجية" ترد على مقال "ستيفن كوك": مصر ليست مريضة ب"هوس الثأر" من الإخوان.. الادعاء ب"وسطية الجماعة" كذبة.. والمصريون قالوا كلمتهم في 30 يونيو.. واتهام القاهرة بزعزعة استقرار ليبيا غير صحيح
رد المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية المستشار أحمد أبو زيد بحزم في مقال له باللغة الإنجليزية، على مقال للمحلل ستيفن كوك يحمل انتقادات للسياسة الداخلية والخارجية لمصر ونشر بدورية فورين أفيرز (الشئون الدولية)، مشيرا إلى أن محاولة تحليل وشرح السياسة الداخلية والخارجية لدولة بأسرها من زاوية ضيقة هو أمر شديد الصعوبة، بل قد يضحى عديم الجدوى، وينطبق هذا الأمر على المقال الأخير للمحلل المتخصص في شئون الشرق الأوسط ستيفن كوك". وأضاف أبوزيد «أن محاولة تحليل وشرح السياسة الداخلية والخارجية لدولة بأسرها من زاوية ضيقة هو أمر شديد الصعوبة، بل قد يضحى عديم الجدوى. وينطبق ذلك على المقال الأخير للمحلل المتخصص في شئون الشرق الأوسط ستيفن كوك بعنوان: «كابوس مصر.. حرب السيسى الخطيرة على الإرهاب»، الذي نُشر في العدد رقم 95 من مجلة فورين أفريز «الشئون الدولية». المقال يهدف إلى التأكيد على أن الدافع الوحيد وراء كل سياسات مصر كدولة هو هوس الثأر من جماعة الإخوان. ومن المؤسف أن يتبنى كوك وهو كاتب يحظى باحترام كبير في مجال تحليل شئون الشرق الأوسط، هذا النهج التبسيطى والسطحي. ودعما لحجته القائلة بأن الكراهية العمياء للإخوان هي حجر الزاوية في سياسة مصر، يتغاضى المقال - سواء عن عمد أو غير ذلك – عن عناصر أساسية فيما يتعلق بكل من الوضع في مصر والمنطقة ككل وكذلك تاريخ جماعة الإخوان. إن السعى لتبرئة الإخوان من التطرف، رغم وجود أدلة وافرة على هذا التطرف، هو منطق قد عفى عليه الزمن، لكنه يظهر في هذا المقال مرة أخرى، والأدهى أن يواكبه خطاب مستهلك فيما يتعلق بالوضع السياسي والاقتصادى الصعب في مصر. ومما هو جدير بالملاحظة حقا، هو تصوير مصر باعتبارها عامل عدم استقرار رئيسى في المنطقة، في تشويه صارخ للسياسة الخارجية المصرية، مع طمس تفاصيل مهمة بشأن الأزمات التي تعانى منها المنطقة. المؤلف يحاول جاهدا أن يرسم رابطا بين انتقاده للشئون الداخلية، وهجومه على سياسة مصر الخارجية، وجماعة الإخوان باعتبارها نقطة ارتكاز لحجته. على هذا النحو، يتأرجح المقال، ما أدى إلى خروجه على نحو ضعيف وغير متماسك. ورغم ذلك، سنحاول الرد على بعض المزاعم الواردة بالمقال لتدارك ما به من مغالطات. ويرتكز هذا الرد على التصدى لاثنين من العناصر الرئيسية لهذا المقال وهما: التصوير غير الدقيق للشئون السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر، فضلا عن التحليل الخاطئ للشئون الإقليمية ودور مصر فيها. يزعم المقال أن الحكومة المصرية لا تفعل شيئًا إلا «قمع المواطنين»، حيث يذكر أرقامًا وإحصاءات قد تم اجترارها كثيرا من قبل، كما فُضح زيفها لاحقا، ومن بين هذه المزاعم الادعاء أن مئات المصريين اختفوا قسرا، وهو ادعاء لا يتسق مع الحجة الأصلية للمقال، ويبدو أنه قد حُشر بهدف وحيد وهو الإساءة إلى الحكومة المصرية، حيث ثبت أن هذا الادعاء محض خيال، فقد كشف تقرير صدر مؤخرا عن المجلس القومى لحقوق الإنسان عن أن من بين 267 حالة، فإن 238 حالة تضمنت إما متهمين في انتظار المحاكمة أو أفرادا أٌفرج عنهم بالفعل، وفقا لوزارة الداخلية. ويشير المقال أيضا إلى العدد الذي يتم الاستشهاد به كثيرا وهو وجود 40 ألف معتقل، دون وجود أي قائمة أسماء، ولا أي دليل عملى يدفع لتصديق هذا الرقم. ويشجب الكاتب أيضا السياسات الاقتصادية، حيث يرسم صورة قاتمة بشأن الأفق المتاح، فضلا عن الإشارة إلى تدهور البنية التحتية والأنظمة الصحية. ومن هنا لا يتضح لنا كيف أن الهجوم على الأداء الاقتصادى للحكومة المصرية يخدم حجته حول هاجس الحكومة بالقضاء على جماعة الإخوان، وهو ما يجعله مجرد نقد انتقائى يتجاهل الكثير من الاعتبارات المهمة. صحيح أن مصر تواجه تحديات اقتصادية خطيرة، ولكن إلقاء اللوم بطريقة أو بأخرى على الحكومة الحالية هو بمثابة غض الطرف عما مرت به البلاد من تحديات اقتصادية على مدى ثلاثين عاما، وزادت حدتها خلال السنوات الخمس الأخيرة، إضافة إلى السياق الاقتصادى الإقليمى والدولى المعقد. لقد اتخذت الحكومة المصرية قرارا جريئا بمعالجة المشكلات الهيكلية طويلة الأجل بالتوازى مع الاختلالات الاقتصادية قصيرة الأجل التي نتجت عن خمس سنوات من عدم الاستقرار والتحول السياسي. إن الرؤية الطموح لمصر 2030 تشمل خططًا ومشاريع قطاعية من شأنها أن تسفر عن نتائج على المدى الطويل والقصير والمتوسط. لم تختر الحكومة المصرية الطريق الأسهل بانتهاج إصلاحات تجميلية، بل حشدت شعبها حول أجندة أوسع نطاقا ومن المتوقع أن تحقق نتائج مستدامة، كما أن الحكومة المصرية تدرك تماما المشكلات الاقتصادية الملحة واحتياجات شعبها لإيجاد حلول فورية لهمومهم اليومية، فكما تعمل على مواجهة التحديات الرئيسية مثل تراجع السياحة وأزمة العملة، فإنها نجحت في تحقيق عدد من الخطوات الجوهرية في عدة مجالات، فقد تم توسيع شبكة الطرق القومية، بزيادة 7000 كيلومتر وإضافة 200 نفق لتسهيل التجارة والنقل؛ كما استفادت 1.5 مليون أسرة فقيرة من مشاريع الإسكان الاقتصادي؛ إضافة إلى تصحيح العجز في الكهرباء إلى حد كبير بعد استثمار 400 مليار جنيه في هذا القطاع، كما وصلت مصر إلى أعلى خمس دول في العالم في تدفق الاستثمار الأجنبى المباشر خلال الأشهر السبعة الماضية. وانخفضت البطالة التي اختصها المقال بالذكر باعتبارها مشكلة متنامية، من 13.5٪ إلى 12.5٪ خلال العامين الماضيين. كذلك فإن الالتهاب الكبدى سي، وهو تحد آخر أبرزه المقال، قد تمت مواجهته بشفاء 800 ألف مريض منذ يناير 2016 على نفقة الدولة، وهو ما كان محل إشادة من المدير العام لمنظمة الصحة العالمية. كل هذه الحقائق قد تم تجاهلها عمدا، واختار المقال بدلا عنها تضخيم التحديات التي تواجه مصر، مهاجما مشروعات وطنية عملاقة مثل قناة السويس الجديدة بحجة عدم تحقيقها نتائج فورية، غافلا عن النتائج طويلة الأجل المتوقعة من هذه المشروعات والدوافع الحقيقية التي تقف وراءها. حقيقة التهديد العالمي كما عمد المقال، بعد أن تبنى نهجًا متسرعًا في الحكم على الأوضاع الاقتصادية، إلى تناول حيثيات فرضيته الأساسية بشأن الهواجس المزعومة التي تتملك الحكومة المصرية إزاء جماعة الإخوان، وتداعيات هذا الأمر على الأوضاع السياسية والاقتصادية الداخلية، بل وعلى المنطقة برمتها. فكاتب المقال يرى أن شعوب كل من غزةوسوريا وليبيا قد بدأت في دفع ثمن ما سماه «مساعى مصر للقضاء على جماعة الإخوان»، وهى الجماعة – على حد وصف الكاتب – التي تتمتع بجذور متأصلة في المجتمع المصري، وتتبنى مبادئ الأصالة والوطنية والإصلاح الدينى التي تروق لجموع المصريين. ويهدف المقال من هذا المنطلق إلى الترويج إلى أن مصر ألحقت الخراب بالمنطقة في خضم محاولتها استئصال جماعة سياسية مسالمة، الأمر الذي ينطوى في الواقع على مغالطات شديدة. ولعله من المفيد، وقبل أي شيء، التوصل إلى فهم واضح لحقيقة جماعة الإخوان وما تمثله، من أجل الوقوف على المثالب الواردة في التقييم بشأن السياسات المصرية في المنطقة، فبالرغم من الصورة التي يحرص المقال على نقلها لقرائه، إلا أن الإخوان في حقيقة الأمر جماعة إرهابية، تتبنى أيديولوجية وأفكارا متطرفة وتلعب دورًا محوريًا في نشر هذه الأفكار. لقد كان من المتصور أن تعدد وتوافر الأسس التاريخية حول نشأة وتطور هذه الجماعة سيغنينا عن سرد الأدلة الدامغة التي تؤكد هذه الحقيقة، إلا أن المقال وللأسف الشديد فرض علينا خلاف ذلك. فحسن البنا، مؤسس الجماعة، تماشى بل ولجأ للعنف منذ البداية بحثًا عن تحقيق غايته، كما أن عرّابها الأول سيد قطب تبنى مبدأه المعروف ب«التكفير»، معتبرًا أن من لا يتبنى هذا المبدأ مرتد. وأكد الخبير في شئون الشرق الأوسط إيريك تريجر في كتابه الأخير «الخريف العربى – كيف فاز الإخوان بحكم مصر وخسروه في 891 يوما» أن سيد قطب هو بمثابة الملهم لإرهابيى هذا العصر كأنور العواقلى وأيمن الظواهري. ومن المستغرب أن جماعة الإخوان لم تتبرأ قط من أفكار قطب رغم ادعائها الوسطية، بل إنها تتخفى خلف ستار من المسالمة في مخاطبتها للغرب في الوقت الذي تبث فيه أيديولوجيتها الكريهة داخل الشرق الأوسط. إن سياسة مصر في المنطقة لا ترتبط بجماعة الإخوان ولا تستهدفها، بل هي موجهة ضد أفكار التطرف والإرهاب.. تلك الأفكار التي تتعارض مع ما تعليه مصر من مبادئ وقيم على المستويين الداخلى والدولي. فحرب مصر ليست ضد الإخوان، بل ضد ظاهرة التطرف في عمومها وضد ظاهرة الإرهاب الذي زرعت بذوره هذه الجماعة. الاستقرار والتطرف إن قراءة كوك لسياسة مصر الإقليمية لم تول أدنى اعتبار لمقتضيات محاربة الإرهاب، حيث وجه سهام نقده لمحاولة مصر فرض حصار أحادى الجانب «يخنق» أبناء غزة لتدميرها الأنفاق، متجاهلًا في ذلك الحرب الضروس التي تخوضها ضد الإرهاب في شمال سيناء. فتدمير هذه الأنفاق لا يستهدف غزة بل هو ضرورة لأمن مصر القومي. ومن اللافت أن المقال تناسى الطبيعة غير القانونية والسرية لهذه الأنفاق، ومن المدهش أنه أقر بحقيقة استخدام الأنفاق لتهريب السلاح. وعليه، فإن الطرح المقدم بضرورة عدم إعاقة مصر لعمل هذه الأنفاق إنما يدعو إلى السخرية ويعد بمثابة موافقة على تسليح الإرهابيين على أرض مصر. حتى الحكومة الإسرائيلية، التي يثنى الكاتب على دورها المزعوم في توفير شريان الحياة الوحيد لأبناء غزة، تقر بما تشكله الأنفاق من تهديد لأمنها القومي.. والغريب أن كاتب المقال يسعى، في محاولة لتبرير منطقه، إلى محو الجهود المصرية المبذولة عبر عقود دعمًا لحقوق الشعب الفلسطينى ودفعًا لعملية السلام، وتواصلها المستمر مع كل الأطراف لهذا الغرض. كما أن المقال ملىء بالسقطات في تناوله لسياسة مصر إزاء ليبيا، فعلى النقيض من الادعاء المخزى الذي يتبناه بمساهمة مصر في «عدم استقرار ليبيا» و«الإسراع بوتيرة تفككها» جراء محاولتها تحجيم الإخوان، إلا أن سياسة مصر تولى الاعتبار الأول في حقيقة الأمر لحماية استقرار ليبيا ووحدتها الإقليمية. فموقف مصر يقوم على دعم اتفاق الصخيّرات لما يمثله من انعكاس لحالة التوافق بين الليبيين وكركيزة لاستقرار الدولة، حيث تساند مصر المؤسسات الوطنية التي أفرزها هذا الاتفاق كالمجلس الرئاسى ومجلس النواب وحكومة الوفاق الوطنى، فضلًا عن الجيش الليبي. ويصر كاتب المقال على الادعاء بأن مصر تحرص على الانتقاص من حكومة الوفاق الوطنى الحالية، متناسيًا أنها لم تحظ بثقة مجلس النواب بما أثر على شرعيتها. في حين أن مصر تؤكد أهمية تشكيل حكومة وحدة وطنية وتقر كغيرها من أعضاء المجتمع الدولى بأهمية حصول هذه الحكومة على ثقة مجلس النواب. وعلاوة على ذلك، جاء توصيف المقال المغلوط لسياسة مصر تجاه سوريا تأكيدًا لما يقدمه من أطروحات مريبة، حيث يدعى أن الحكومة المصرية تدعم الأسد «وتداوم على ترديد آرائه ومواقفه»، وذلك من أجل ضمان عدم حصول جماعة الإخوان على موطئ قدم في سوريا، وهو افتراض يستند بشكل كامل إلى اعتبارات واهية دون دليل. فالمقال يقر بأن مصر لم تدعم نظام الأسد بالسلاح أو المال أو الجنود، وإن كانت تكتفى بالدعم الرمزي، ولعل التساؤل الذي يطرح نفسه هو عن طبيعة هذا الدعم الرمزى في ظل عدم إصدار مصر أي بيان داعم للأسد، ناهيك عن استضافة القاهرة لاجتماعات المعارضة السورية. إن موقف مصر إزاء الأزمة السورية كان واضحًا من البداية، فمصر تؤكد على حتمية الحل السياسي الذي يضم كل الأطراف في ظل قناعتها باستحالة الحل العسكري. كما تطالب باتخاذ كل الإجراءات اللازمة للتخفيف من المعاناة الإنسانية للشعب السوري، ومحاربة الإرهاب، والحفاظ على وحدة الأراضى السورية ومؤسساتها الوطنية، وهى العناصر التي تشكل جوهر محددات مؤتمري جنيف كإطار عام للعملية الانتقالية. والظاهر أن كاتب المقال لم يلتفت إلى حجم وعظمة التحدى ضد الإرهاب، فجوهر نقده لسياسة مصر الخارجية يعد بمثابة دعوة إلى التساهل مع التطرف، التساهل مع تهريب الأسلحة في غزة، ومع الميليشيات في ليبيا بالرغم مما تشنه من حرب على الدولة، ومع المتطرفين في سوريا من أجل إسقاط الأسد. كما يدعو الكاتب إلى منح الإخوان فرصة أخرى في مصر رغم لفظ الشعب المصرى لهم ولطغيانهم ولحكمهم والذي كان وللطف الأقدار لفترة وجيزة». السعى لتبرئة الإخوان من التطرف، رغم وجود أدلة وافرة على هذا التطرف، هو منطق قد عفا عنه الزمن، لكنه يظهر في هذا المقال مرة أخرى، والأدهى أن يواكبه خطاب مستهلك فيما يتعلق بالوضع السياسي والاقتصادى الصعب في مصر.