سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"تعويم الجنيه" محاولة لكبح جنون الدولار.. اقتصاديون يشككون في قدرة الدولة على ضبط الأسواق ويؤكدون: كارثة.. ومصرفيون: الشعب لن يتحمل الغلاء.. وسيرتفع سقف التضخم.. واقتراحات بسياسات بديلة
الجنيه والدولار، لعبة أشبه بلعبة القط والفأر، دائما وأبدًا القط فيها الدولار والفأر، الجنيه المحتار، سنوات من اللعبة غير المتكافئة، والنتيجة كوارث اقتصادية وغلاء في الأسعار، مع مطالبات بتعويم العملة الوطنية تحت شعار "خسرانة خسرانة"، ويرى اقتصاديون أن تعويم الجنيه كارثة، وأكدوا أن الشعب لن يتحمله ونتائجه كارثية على التضخم مع اقتراحات بسياسية اقتصادية جديدة وبديلة، والتي وصفوها ب"الفاشلة". ويبدو أن عملية "تعويم الجنيه" باتت قريبة، حيث ترددت أنباء قوية عن اعتزام البنك المركزي تنفيذها خلال أيام، خاصة بعد لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي مع محافظ البنك المركزي طارق عامر. والتعويم بمفهوم مبسط، هو رفع البنك المركزي يده عن العملة بشكل كلي، بالإضافة لفك ارتباطها بأي عملة أخرى أو بالذهب وتركها عائمة، ترتفع وتنخفض وفقًا لآليات العرض والطلب، وعلى هذا الأساس يتحدد سعرها في السوق الرسمية بالبنوك العاملة في السوق المحلية، ويهدف تعويم الجنيه الذي يعتبر أداة من أدوات السياسة النقدية للدول، إلى السيطرة على سعر الدولار في السوق السوداء ومواجهة المضاربين وتجار الصرف على العملة وتكبيدهم خسائر كبيرة. وهناك نوعان لسياسة التعويم، أولها: «التعويم الموجه»، ويقصد به ترك سعر الصرف يتحدد وفقًا للعرض والطلب، مع تدخل البنك المركزى كلما دعت الحاجة إلى تعديل هذا السعر مقابل بقية العملات، وذلك استجابة للتطورات في أسواق سعر الصرف الموازية، ومؤشرات الفجوة بين العرض والطلب في سوق الصرف. أما النوع الثاني: يُعرف ب«التعويم الحر»، وفيه يقتصر تدخل البنك المركزي على التأثير في سرعة تغير سعر الصرف وليس الحد منه، حيث يترك سعر صرف العملة يتغير ويتحدد حسب قوى السوق، وهذا النوع لا يكون مجديًا في الدول التي يعاني اقتصادها من العديد من الأزمات مثل مصر. وتأتي احتمالية اللجوء لتعويم الجنيه في مصر، في ظل اتفاقها مع صندوق النقد الدولي بشأن الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار خلال 3 سنوات، مقابل التزامها بتنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي أحد بنوده تخفيض سعر العملة لتعكس قيمتها الحقيقية. وتعود سياسية تعويم الجنيه في مصر إلى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذي نفذها بطريقة غير مباشرة، من خلال السماح بعودة البطاقات الاستيرادية للقطاع الخاص، وبدء الاقتراض من الغرب. وظهر مصطلح «تعويم الجنيه» للمرة الأولى في 2003، عندما أعلنه عاطف عبيد، رئيس الوزراء وقتها، وهو ما تسبب في ارتفاع سعر الدولار إلى نحو 50 %، حيث ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه من 3.70 جنيه إلى 5.35 جنيه. من جانبه أعلن بنك الاستثمار «بلتون فاينانشال»، قبل ايام، أن البنك المركزي سيقدم على تعويم الجنيه في القريب العاجل، متوقعًا أن يصل سعر الدولار بعد التعويم إلى 11.5 أو 12.5 جنيه مقابل 8.88 جنيه حاليا. وفي هذا الصدد، أكد هشام إبراهيم، أستاذ البنوك والتمويل بجامعة القاهرة، أن الاقتصاد المصري ليس جاهزا أو ناضجًا لتعويم الجنيه في الوقت الحالي، مشيرًا إلى أنه لكى نقدم على تلك الخطوة، لابد أن تكون هناك خطة للاستفادة منها، وحتى يتم تعويم الجنيه وتخفيض سعره لابد من الاستفادة في هذا الأمر لخدمة الاقتصاد، موضحًا أنه يتشكك من قدرة الدولة في ضبط الأسواق وهو ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير. ورأى الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أنه آن الأوان لكي يحدث تدخل فوري من النظام المصري ضد سياسة الحكومة ومحافظ البنك المركزي التي أوصلت الجنيه المصري لهذا القدر من التدني، لافتا إلى أن المواطن لا ولن يحتمل حدوث تعويم الجنيه وما سيترتب على تلك الخطوة. وأوضح عبده أن تعويم الجنيه خطوة سيئة للغاية، ولا يجب بأي حال من الأحوال أن تتخذها الدولة في ظل وجود سياسات اقتصادية فاشلة أسفرت عن وصول الدولار إلى سعر أعلى من 15 جنيها، مؤكدا أنه إذا ما تم تطبيق تعويم الجنيه بصورة فعلية سيؤدي ذلك إلى وصول سعر الدولار ل20 جنيها، في الوقت الذي تستورد فيه مصر نحو 70% من منتجاتها الغذائية من الخارج، وهو ما سيؤدي إلى رفع أسعار السلع بصورة كبيرة، كما سيصل التضخم إلى 24 و25%، وهو ما سيصب ضد التنمية التي بدأنا أن نتحرك خطوات حاسمة تجاهها على حد وصفه ، مضيفا: حينما يحدث التضخم ويؤثر ذلك على المواطن فستكون هنا مشكلة حياة أو موت بالنسبة إليه، لأنه لا يجد مأكله ومشربه، وهو ما سيجعله ينجرف وراء دعوات مثل 11-11 وغيرها من الدعوات التي تطالب بالعيش والعدالة الاجتماعية. وأضاف: يجب على الرئيس أن يتحرك بشكل فوري ويعتمد في ذلك على مجموعة اقتصادية موثوق بها لإيقاف سياسة الحكومة ومحافظ البنك المركزي عند حدها. ولفت الدكتور أحمد حنفي الخبير والمحلل الاقتصادي، إلى أنه لا يمكن تعويم الجنيه المصري خلال تلك الفترة أو المرحلة التي تمر بها البلاد، لاسيما مع وجود السوق السوداء، وعدم استقرار الأوضاع في التعامل مع التجارة الخارجية، لافتا إلى أن تعويم الجنيه المصري بمثابة إعلان فشل البنك المركزي في محاولة السيطرة على العملة، واستنفاذ كل الادوات التي تجعله يسيطر عليها، وهو ما يجعله يتخذ هذا الإجراء، حيث يرفع يده عن العملة بشكل كلي ليحكمها قانون العرض والطلب. وأوضح حنفي أن تعويم الجنيه الذي من المقرر أن يحدث وفق حديث العديد من المصادر الإعلامية سيعود بالسلب على الاقتصاد المصري، حيث سيؤدي لارتفاع الأسعار بشكل كبير، وذلك لأن العملة المصرية ستفقد قيمتها، في الوقت الذي نعتمد فيه على الاستيراد من الخارج، مشيرا إلى أن الدولار للأسف تحول من وسيلة إلى سلعة تباع وتشترى داخل مصر، وهو أمر خطير تواجهه الدولة على الصعيد الاقتصادي، لافتا إلى أن ما يزيد الطين بله أنه في ظل تحول الدولار إلى سلعة هناك أكثر من 80% من تداول العملة يتم في الظلام بسبب السوق السوداء. وأضاف: حل مشكلة الدولار لن تتم الا بوجود أفكار من خارج الصندوق، مثل إصدار قرار جمهوري بمنع تداول العملات الصعبة التي في شكل سيولة نقدية بين الجمهور، مع ضرورة جعل البنوك المصرية بمثابة المنافذ الوحيدة التي يتم من خلالها تصريف وتغيير وتداول العملة، مع التنويه على المواطنين والشركات بوضع نقودهم داخل البنوك المصرية خلال مهلة معينة لا تزيد عن شهر واحد، لافتا إلى أن ذلك الاقتراح رغم أنه اقتراح ديكتاتوري بعض الشيء إلا إنه سيعمل على وصول سعر الدولار إلى 5 جنيهات، كما سيؤدي إلى ضرب السوق السوداء في مقتل، نظرا لقيام المواطنين بوضع الدولارات داخل البنوك وعدم استخدام السوق السوداء في تحويل العملة الصعبة، مضيفا: الطريقة نجحت مع الجنيه الورق المصري حينما طالبت البنوك من المواطنين بوضعه داخلها حينما كانت الدولة على وشك العمل بالجنيه المعدني، متسائلا: لماذا لا تقوم الدولة بإصدار حزم اجرائية وقانونية وتطبقها فيمن يتاجر بالعملة الصعبة إلى محاكمة عسكرية لإضراره بالاقتصاد المصري، لافتا إلى أنه إذا وجد التجار تطبيق ذلك سيصيبهم حالة من الخوف ويمتنعون عن المتاجرة في الدولار. وتابع: لابد من استغناء الدولة عن الصادرات التي تدخل البلاد مع وجود الرقابة على الجمارك، لافتا إلى وجود الكثير من السلع التافهة والتي يتم استيرادها بالعملة الصعبة وهو ما يؤدي إلى استنفاذ العملة الصعبة، متسائلا: ما الجدوى من استيراد اكسسوارات السيارات مثل الجيب والمرسيدس والبي ام دبليو، ولماذا لا تقوم الدولة بإنشاء مصانع لإنتاج تلك الإكسسوارات وتقليدها كمنتجات محلية، هذا إضافة إلى استيراد غذاء القطط والكلاب الذي يستورد من الخارج بالعملة الصعبة أيضا، لماذا لا يتم تقنينه، لافتا إلى أنه يقاس على ذلك كل السلع الاستفزازية الأخرى التي من الممكن أن يتم صناعتها داخل مصر وهو ما سيعمل على دعم الصناعة الوطنية وتعزيز فرص توفير العملة الصعبة. من جانبه أكد الدكتور مختار الشريف، أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة والخبير الاقتصادي، أن السبيل لمواجهة ارتفاع سعر الدولار يتمثل في زيادة الإنتاج وإعطاء مناخ جاذب لترويج السلع والمنتجات المصرية والعمل على تصديرها للخارج، خاصة أن مصر دولة مستوردة وهو الأمر الذي يؤدي إلى حدوث ارتفاع الأسعار، مضيفا أن ارتفاع الأسعار يعود إلى سببين الأول وهو نقص السلع بالسوق وهو ما يعمل على رفع الأسعار، والثاني يتمثل في جشع التجار وعدم وجود نظام رقابي يعمل على محاسبتهم، الأمر الذي يجعلهم يتمادون في رفع أسعار السلع والمنتجات، مطالبا بوجود جهاز رقابي قوي يحاسب التجار هذا إضافة إلى زيادة الإنتاج داخل مجتمعنا المصري وزيادة معدل التصدير للخارج، بدلا من الاستيراد وهو الأمر الذي سيعمل على إصلاح الميزان التجاري، وبالتالي ارتفاع قيمة العملة الوطنية على حد وصفه.