تابعنا جميعاً ما تشهده الحياة السياسية خاصة خلال الأيام القليلة الماضية، تتصاعد وتيرة الأحداث الانتخابية استعداداً لانتخابات مجلس النواب المقبلة، يشير المشهد إلى مفاجآت صادمة.. تكاد تزلزل قواعد المنافسة الانتخابية التقليدية، إن الزخم المتراكم منذ إعلان الجدول الزمني، ثم موجات تسريبات الأسماء والترويج الرقمى المدروس لها.. يوحى بأن الاستحقاق البرلمانى القادم ليس مجرد إجراء روتينى، بل مرحلة إعادة ترتيب لمنظومة السلطة والتأثير السياسى. زخم استثنائى.. منذ أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات فى 4 أكتوبر 2025 الجدول الزمني لعملية الاقتراع، والإعلان عن فتح باب الترشح.. تحركت الأحزاب للتفاوض والحوار لمحاولة الاتفاق على القوائم الانتخابية التي لم تكتمل حتى كتابة هذه الكلمات. تواكب مع هذا الزخم الانتخابى، بروز دور السوشيال ميديا من خلال الحسابات الشخصية أو من خلال حسابات تعبر عن بعض الأحزاب والقوى السياسية فى نشر قوائم مرشحين مبدئية.. سرعان ما انتشرت على مستوى النميمة السياسية لدرجة التعامل معها باعتبارها حقائق وليست مجرد توقعات فى أحسن تقدير. هذا المشهد بين تسريب وتداول وتحليل واستنتاج.. يمثل حلقة تشويش سياسى على المشهد، وأعطى فرصة لمن يأمل أو يطمح أو يرغب فى المشاركة فى المشهد الانتخابى أن يستعد.. ليبدو وكأن معركته بدأت بالفعل. بورصة الأسماء: حرق أم ترويج.. خلال الفترة الماضية، انتشر على نطاق واسع ما يمكن أن نطلق عليه «بورصة الأسماء» فى إشارة إلى القوائم الأولية المسربة المطروحة للترشح قبل الإعلان عنها رسمياً، وما ترتب عليها من الحديث عن تحالفات، ثم ثبت عدم صحتها. واستدعاء ذكريات من الماضى لربط اسم مرشح محدد بقيمة رمزية تاريخية أو بربطه بقضايا شبه مفتعلة. للمشهد السابق وسائل متنوعة لإضفاء شرعية الحقيقة عليه. ومنها: التسريب الموجه: من خلال الإفصاح عن أسماء محددة فى وقت متعمد.. بهدف إشعال الجدل العام، أو اختبار ردود فعل الشارع، أو كشف مواقف محتملة من الخصوم وغيرهم لبيان ما هو غير معلن. الحرق السياسى: من خلال فتح ملف أو إطلاق شائعة ترتبط باسم مرشح ما فى توقيت محدد.. بهدف تشويه فرصه، وإجباره على الرد أو الانسحاب. الترويج الاستباقى: لأسماء محددة باعتبارهم من النواب الجدد أو من ضمن منظومة التغيير.. فى قوائم أولية توحى بأنها اختيار مجتمعى من جانب، وشيطنة المنافسين من جانب آخر. بورصة النواب.. لا تعمل فى فراغ أو من عدم، فهى تنطلق من بيئة معلومات مشوشة وموجهة.. تتيح نشر التكهنات والشائعات لتتحول إلى مادة إعلامية للتداول على السوشيال ميديا.. بغض النظر عن مدى دقتها المعلوماتية. المفارقة أن الأسماء التي تطرح ليست محايدة فى غالبية الأحوال، بل غالباً ما تحمل إشارات لأسئلة سياسية متنوعة، منها من يدعمها أو من يريد إفشالها؟ ومن يريد حرقها أو من يريد الحفاظ عليها؟ ومع مراعاة أنه غالباً ما تتحول هذه الأسماء إلى رموز لهوية حزبية.. دون وجود لبرنامج حزبى. تأثير ومخاطر محتملة.. يمكن تحديد تأثير هذا الزخم والتسريبات فى: 1 - السيطرة على العملية الانتخابية: عن طريق أن من يملك السبق فى الترويج لمعلومة محددة.. يملك زمام الريادة فى تحديد وتوجيه أجندة هذا الزخم. 2 - فرض التفاوض: عن طرق تسريب أسماء محددة لتشكل ضغطاً غير مباشر سواء على الأحزاب التي ينتمون إليها، أو أحزاب أخرى منافسة للتفاوض والمساومة. 3 - اكتشاف ردود الفعل: عن طريق نشر اسم أو تحالف حزبى لتقييم مدى قبوله أو رفضه، وإعادة بناء التحالف إذا اقتضت الضرورة. 4 - استثمار القدرة الرقمية: عن طريق الاستفادة من وسائل التواصل الرقمى والاجتماعى للأحزاب التي تنتمى للقوائم المطروحة لرسم صورة ذهنية افتراضية للنفوذ والقوة والسيطرة أمام الناخبين. يترتب على تأثير هذا الزخم نوع من التشويش على الانتخابات طالما استمر هذا الضجيج الرقمى بلا ضوابط.. مما يصيب الناخب بالارتباك، واختلاط الاختيارات أمامه. كما أن التسريبات.. قد تستخدم كباب للاتهامات بالتزوير والتلاعب، ويترتب عليها الضغط على أسماء محددة قبل أن تبدأ العملية الانتخابية.. مما يدفع بعضهم للتراجع والانسحاب، وهو ما يحد من التنوع والتعددية فى القوائم. سيناريو الاستقرار المؤسسى.. أرى أن السيناريو الوحيد الأكثر منطقية هو سيناريو الاستقرار المؤسسى، والذي تتحدد ملامحه فى: -التزام الهيئة الوطنية للانتخابات بالجدول الزمني الثابت والواضح، وهو ما لا يحتمل التأخير أو التغيير العشوائى. -إقرار معايير لنشر أسماء المرشحين والقوائم الانتخابية، وتقنينها فى إطار من الشفافية.. بحيث تصبح القوائم النهائية هى المعتمدة فعلياً. -عرض القوائم والتحالفات فى إطار قانونى يشير إلى أن المشاركة والاختيار فى العملية الانتخابية.. يبدأ أمام صندوق الاقتراع، وليس فى كواليس وسائل التواصل الاجتماعى. -التركيز على المحتوى من خلال البرامج الحزبية، والسياسات المقترحة، والرؤى الجديدة.. لأن من يملك مشروعاً سياسياً هو الذي سيستمر بعد الانتخابات. هذا السيناريو يلبى طموحات ومصالح الأطراف المشاركة فى العملية الانتخابية.: يطمئن الشارع بوجود عدالة، ويمنح القوائم فرصة تنظيمية، ويحد من خسائر من تأثروا بالتسريبات العشوائية، ويجعل نتائج الانتخابات.. أقل عرضة للطعن على أساس المعلومات المضللة. أزمات داخلية وتوترات إقليمية.. أعتقد أن الجميع متفق على أهمية هذا البرلمان بغرفتيه فى الشيوخ والنواب. وأنه لن يكون مجرد هيئة تشريعية عادية، بل سيكون ضمن أدوات الدولة لمواجهة: 1 - الأزمات الاقتصادية والاجتماعية من خلال تشريع سريع لدعم الفئات المتضررة، وتيسير برامج الإصلاح، وحماية الطبقات المهمشة، ودعم كل ما سبق بتشريع لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية. 2 – المشروعات التنموية من خلال تنسيق تشريعى متكامل مع الحكومة التنفيذية لإزالة كافة العراقيل التي تواجه المشروعات القومية.. من بنية تحتية، وطاقة، ومياه، وتنمية محلية. 3 - التوازن الإقليمى والدولى حيث يمكن للبرلمان أن يقوم بدور تشريعى واستشارى فى القوانين المتعلقة بمشاركة الدولة فى المنظمات الدولية، أو مراقبة الاتفاقيات الخارجية، أو مناقشة التحديات المرتبطة بالأمن القومى. 4 - القوة الرمزية للبرلمان المكتسب شرعيته الشعبية عبر انتخابات نزيهة.. بحيث تصبح كلمة أعضائه تفوق مجرد التشريع؛ فهى تعكس موقف الدولة إزاء التحديات على المستويين الداخلى والخارجى. باختصار، فإن هذا البرلمان سيكون جزءاً أساسياً فى إدارة الدولة، وليس مجرد ديكور دستورى. الصخب الانتخابى.. الملاحظة المهمة هنا، أنه رغم ما قد يبدو من سلبيات بورصة الأسماء والتسريبات، فهناك مكاسب.. قد تتحقق إذا أحسن استثمارها، على غرار: - دعم مشاركة المواطن الرقمى: بتجنب الصخب الإعلامى لجذب الانتباه إلى العملية الانتخابية، ومنح فرصة للشباب والمواطنين لينشطوا على المنصات الرقمية. - رفع سقف الشفافية: مع كل تسريب يطال اسماً أو ملفاً، تنمو فى الناخبين.. المطالبة بمعايير نشر، والتحقق، ومساءلة المرشحين. - أدوات الحملة الرقمية: من خلال إدارة القوى السياسية لشبكة رقمية محترفة قادرة على التكيف والتأثير قبل وأثناء الحملة الانتخابية. - الاستعداد للمواجهة: فمن يخرج من هذا الاختبار قوياً، غالباً ستكون لديه قدرة أكبر على خوض المعارك والاشتباكات. هذه الإيجابيات لا يمكن اكتسابها تلقائياً، بل تحتاج إلى مراقبة وتنظيم ووعى يوجه الصخب.. نحو المنافسة، وليس الفوضى الخلاقة. نقطة ومن أول السطر.. نحن اليوم أمام فرصة نادرة أن تتحول مظاهر المفاجأة وتداعياتها.. إلى بداية حقيقية لمسار انتخابى يرتبط بالمضمون وليس بالزخم الإعلامى وحده. سيناريو الاستقرار المؤسسى.. يبدو الأكثر ترجيحاً، لأن النظام السياسى المصري.. يدرك أن الفوضى قد تقوض مصداقية العملية بأكملها، وتفتح الباب أمام تحديات ما بعد الإعلان عن النتائج. الصخب الانتخابى نفسه ليس هو ما أخشى عليه، بل أخشى على تلك الحالة من السيولة التي تفتقر إلى تحديد المعايير والضوابط.. سواء فى استبعاد من لهم شعبية، أو من لهم خبرة برلمانية متميزة سابقة، أو بنقل مرشحين ومرشحات لمحافظة ربما لم يزورها من قبل، أو من خلال تبادل النواب والنائبات بين مجلس الشيوخ ومجلس النواب. 1