التحرش الجنسي.. ارتفاع معدلات ختان الإناث.. زيادة العنف وصعود التيار الديني بعد انتفاضات الربيع العربي.. كلها عوامل جعلت من مصر أسوأ مكان بالعالم العربي يمكن أن تعيش فيه المرأة، هذا ما توصلت إليه دراسة أجرتها مؤسسة “,”تومسون رويترز“,” واستعانت فيها بخبراء متخصصين في مجال قضايا المرأة. أظهرت أيضًا الدراسة التي نشرت نتائجها اليوم الثلاثاء، أن القوانين التي تميز بين الجنسين وزيادة معدلات الإتجار بالنساء ساهمت أيضا في إنزال مصر إلى قاع قائمة تضم 22 دولة عربية. قال الخبراء إنه على رغم الآمال في أن تكون المرأة من أكبر المستفيدين من الربيع العربي، فإنها كانت من أكبر الخاسرين بعد اندلاع الصراعات وانعدام الاستقرار وموجات النزوح وظهور جماعات إسلامية في أجزاء كثيرة بالمنطقة. وقالت الصحفية المصرية منى الطحاوي “,”أزحنا (الرئيس المصري الأسبق حسني) مبارك من قصر الرئاسة لكن ما زال علينا أن نزيح مبارك الذي يعيش في عقولنا وبيوتنا “,” . وأضافت “,”نحن النسوة-كما يظهر من خلال نتائج الاستطلاع المأساوية- بحاجة إلى ثورة مزدوجة.. ثورة على المستبدين الذين حكموا بلداننا وأخرى على المزيج السام المكون من الموروث الثقافي والدين والذي يدمر حياتنا“,”. ويقدم الاستطلاع السنوي الثالث الذي تجريه “,”تومسون رويترز“,” في ما يتعلق بحقوق المرأة لمحة خاطفة عن وضع حقوق النساء في العالم العربي بعد مرور ثلاث سنوات على أحداث 2011 وفي وقت يهدد فيه الصراع السوري بمزيد من القلاقل في المنطقة. وفي المرتبة الثانية كأسوأ بلد عربي يمكن أن تعيش به المرأة يجيء العراق تليه السعودية ثم سوريا ثم اليمن. أما في صدارة أفضل الدول فتبرز جزر القمر حيث تشغل المرأة 20 في المئة من المناصب الوزارية وتحتفظ الزوجة عادة بالأرض أو المنزل في حالة الطلاق. وتلي جزر القمر سلطنة عمان ثم الكويت فالأردن وقطر. الاستطلاع الذي أجرته الذراع المعنية بالعمل الخيري في “,”تومسون رويترز“,” شمل 336 خبيرًا في مجال قضايا المرأة خلال شهري أغسطس وسبتمبر، في دول الجامعة العربية الإحدى والعشرين وسوريا التي علقت عضويتها عام 2011. واستندت الأسئلة المطروحة على بنود اتفاقية الأممالمتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي وقعت أو صدقت عليها 19 دولة عربية. وشمل الاستطلاع تقييما للعنف ضد المرأة وللحقوق الإنجابية ومعاملة المرأة داخل الأسرة واندماجها في المجتمع والمواقف تجاه دور المرأة في السياسة والاقتصاد. وطلب من الخبراء الرد على بيانات وتصنيف أهمية العوامل التي تؤثر في حقوق المرأة من خلال ست زوايا مختلفة. وتم تحويل الردود إلى درجات للوصول إلى تصنيف عام. - التحرش الجنسي.. كان أداء مصر سيئا في جميع هذه الزوايا تقريبا، لعبت النساء دورا محوريا في الثورة لكن نشطاء يقولون إن تأثير الإسلاميين المتزايد والذي بلغ أوجه بانتخاب محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان رئيسًا كان انتكاسة كبرى لحقوق المرأة. ويقول الخبراء إنه على رغم أن الجيش عزل مرسي في يوليو إثر احتجاجات حاشدة على حكمه، فإن الآمال في نيل حريات أكبر ضعفت مع المخاطر التي تواجهها المرأة في الشارع يوميًا. وأشار تقرير أصدرته الأممالمتحدة في أبريل إلى أن 99.3 في المئة من السيدات والفتيات يتعرضن للتحرش في مصر. ويقول بعض المحللين إن هذا يعكس ارتفاعا عاما في مستوى العنف في المجتمع المصري في السنوات الأخيرة. وقالت نورا فلنكمان المديرة بوحدة التسويق والاتصال بجماعة “,”خريطة التحرش“,” التي تعمل في مجال مكافحة التحرش الجنسي ومقرها القاهرة -إن “,”التقبل الاجتماعي لحالات التحرش التي تحدث يوميا يؤثر على كل امرأة في مصر بغض النظر عن سنها أو عملها أو مستواها المعيشي والاقتصادي أو حالتها الاجتماعية أو ملابسها أو سلوكها “,” . وأضافت “,”هذا يحد من مشاركة المرأة في الحياة العامة ويؤثر على شعورها بالأمن والأمان وإحساسها بأن لها قيمة كما يؤثر على ثقتها بالنفس وعلى حالتها الصحية “,” . وتحدث أيضًا المشاركون في الاستطلاع عن ارتفاع معدلات الإكراه على الزواج والإتجار بالنساء. وقالت زهرة رضوان مسؤولة برنامج الصندوق العالمي للمرأة -وهو جماعة حقوقية مقرها الولاياتالمتحدة- لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا “,”هناك قرى بأكملها على مشارف القاهرة وفي أماكن أخرى يقوم معظم النشاط الاقتصادي فيها على الإتجار بالنساء وإكراههن على الزواج “,” . وتفيد بيانات صندوق الأممالمتحدة للطفولة (يونيسيف) بأن ختان الإناث ظاهرة متفشية في مصر حيث تعرضت له 91 في المئة من الفتيات والسيدات أي 27.2 مليون أنثى. ولا يتجاوز مصر في هذه النسبة سوى جيبوتي حيث خضعت 93 في المئة من الفتيات والسيدات للختان. وفي العراق وجد الاستطلاع أن حرية المرأة تراجعت منذ الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة عام 2003 وأطاح بصدام حسين. وعلى مدى السنوات العشر التي أعقبت الغزو تأثرت المرأة العراقية بنسب متفاوتة بانعدام الاستقرار وبالصراعات وزاد العنف الأسري كما تفاقمت الدعارة والأمية، وأصبح ما يصل إلى عشرة في المئة من السيدات -أي 1.6 مليون سيدة- أرامل وفي مهب الريح وفقا لبيانات المنظمة الدولية للاجئين. وتقول مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين أن مئات الآلاف من النساء اللاتي اضطررن للنزوح سواء داخل بلدانهن أو خارجها عرضة للإتجار بهن وللخطف والاغتصاب. وفي السعودية ثالث أسوأ بلد عربي بالنسبة للمرأة أشار الخبراء إلى حدوث بعض التقدم. فعلى رغم أن المملكة لاتزال البلد الوحيد الذي يمنع نساءه من قيادة السيارات فإن الإصلاحات الحذرة التي استحدثها الملك عبد الله فتحت أمام المرأة فرص عمل وأعطتها صوتًا أعلى في الحياة العامة. ومنذ يناير تم تعيين 30 امرأة في مجلس الشورى الذي يضم 150 عضوًا وهو أقرب شيء في المملكة إلى البرلمان وأن كان يفتقر لسلطة سن التشريعات أو وضع الميزانيات. ولا تتمكن المرأة في السعودية من العمل أو السفر للخارج أو فتح حساب مصرفي أو تلقي تعليم عال إلا بإذن ولي أمرها. وقال مستشار قانوني سعودي يدافع عن ضحايا العنف الأسري إن “,”المجتمع السعودي مجتمع ذكوري وكل قوانينه منصبة على حقوق الرجل... أما المرأة فتعتبر من الدرجة الثانية.“,”-المرأة سلاح حرب قال الخبراء أن الحرب الأهلية في سوريا كان لها أثر مدمر على النساء سواء في الداخل أو في مخيمات اللاجئين عبر الحدود حيث يكن عرضة للإتجار بهن وللإكراه على الزواج ولتزويج القاصرات والعنف الجنسي. وتقول جماعات حقوقية أن القوات الموالية للرئيس بشار الأسد اغتصبت نساء وعذبت أخريات في حين جرد الإسلاميون المتشددون المرأة من حقوقها في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. وقالت إحدى المشاركات في حملة لحقوق المرأة السورية أن السوريات “,”سلاح حرب ويتعرضن للخطف والاغتصاب من جانب النظام والجماعات الأخرى.“,” وأعطى الاستطلاع صورًا متفاوتة لحقوق النساء في دول الربيع العربي الأخرى. ففي اليمن الذي جاء في المرتبة الخامسة كأسوأ بلد بالنسبة للمرأة في العالم العربي، شاركت النساء في الاحتجاجات خلال ثورة 2011 كما أن هناك نسبة 30 في المئة مخصصة للمرأة في مؤتمر للحوار الوطني انعقد لبحث الإصلاحات الدستورية. إلا أن المرأة اليمنية تخوض صراعًا ضاريًا لنيل حقوقها في بلد محافظ بقدر كبير ويشيع فيه زواج القاصرات في غياب الحد الأدنى لسن الزواج وتقول وزارة الخارجية الأمريكية أن 98.9 في المئة من نسائه يتعرضن للتحرش في الشوارع. وفي ليبيا التي جاءت في المرتبة الرابعة عشرة من حيث حقوق المرأة أعرب الخبراء عن قلقهم من انتشار الميليشيات المسلحة وارتفاع معدلات الخطف والابتزاز والاعتقال العشوائي والانتهاك البدني الذي تتعرض له النساء. وقالوا إن الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي قبل عامين فشلت في ضم حقوق المرأة للقانون. وفي البحرين التي شغلت المرتبة الثانية عشرة تشارك المرأة في الحياة السياسية بقدر أكبر مما يحدث في كثير من دول الخليج لكن الخبراء قالوا إن الطائفية تقف حائلاً في طريق الحقوق بعد أن سحق النظام الحاكم السني انتفاضة مطالبة بالديمقراطية قادتها الأغلبية الشيعية عام 2011. أما في تونس التي كانت الأفضل بين دول الربيع العربي، فتستحوذ المرأة على 27 في المئة من مقاعد البرلمان. لكن البلاد التي لم يكن تعدد الزوجات مسموحًا به فيها، شهدت بعد الثورة ووصول الإسلاميين إلى الحكم حالات زواج عرفي، كما أن قوانين الإرث منحازة للرجل. وإلى جانب سوريا قامت كل دول الجامعة العربية ماعدا الصومال والسودان إما بالتوقيع أو التصديق على اتفاقية الأممالمتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وصدقت السلطة الفلسطينية على الاتفاقية في لفتة رمزية لعدم تمتعها بوضع الدولة المعترف بها. لكن الخبراء قالوا أن الحماية التي توفرها اتفاقية الأممالمتحدة حماية سطحية، إذ إن الدول الموقعة قد تكون لها تحفظات على أي مادة تتناقض مع أحكام الشريعة أو مع الأعراف الأسرية أو قوانين الأحوال الشخصية أو أي جزء من التشريعات الوطنية. ووجد الاستطلاع أن جزر القمر -وهي أرخبيل يقع في المحيط الهندي- تسير في طليعة الدول العربية من حيث حقوق المرأة. فالمرأة في جزر القمر لا تعاني ضغوطًا لإنجاب الذكور دون الإناث كما أن تنظيم الأسرة مقبول على نطاق واسع وتدعمه حملات توعية تديرها الدولة في حين تحصل النساء عادة على أملاك لدى الطلاق أو الانفصال.