ناقش عدد من المثقفين العرب والمصريين أوضاع الثقافة العربية في جلسة الصالون الثقافي العربي الدورية التي تعقد شهريًا بإدارة السفير قيس العزاوي الأمين العام للصالون بحضور وزراء عرب مثل: وزير الثقافة السوري الأسبق رياض نعسان اغا ووزير الشئون البرلمانية المغربي محمد سعيد العلمي والوكيل الاقدم السابق للخارجية العراقية لبيد عباوي وعدد من الفنانين أبرزهم سمير صبري ولبنى عبد العزيز وكتاب مؤرخين وشعراء. وافتتح الجلسة السفير قيس العزاوي قائلا: بداية لم يعد للعرب خيمة سياسية واحدة وان مثلت الجامعة العربية ذلك، ولم يتحقق التكامل الاقتصادي العربي المنشود وتدهور الأمن في الدول العربية واضطرب، ولم يبقى لنا سوى المرجعية الثقافية الواحدة التي ما زالت تجمعنا والحمد لله ولا تفرقنا.. والثقافة مصطلح جديد عربيا وغربيًا، ولد مع رسالة اميل زولا " إني أتهم" إلى رئيس الجمهورية الفرنسية عام 1898 مستنكرًا فيها العنصرية وقد نحت وللمرة الأولى كلمة مثقف وهو المفكر الذي يتدخل في الشئون العامة، وكلمة مثقف في اللغة العربية بمعناها الفكري جديدة.. عرف ادورد تايلور الثقافة بأنها تشمل المعرفة والفنون والاعراف والعقائد والقانون وهناك تداخل بين الثقافة والحضارة.. ومن المؤسف أن تتردى ثقافتنا العربية بعد أن ساهمت في اثراء الثقافات الأخرى ولنا في فرنسا مثال صارخ على دور الفكر العربي الفلسفي والعلمي والثقافي في تطور جامعة السوربون التي كانت جامعة دينية وتطورت إلى جامعة علمانية على مذهب ابن رشد. نعيش اليوم في تراجع كبير ونلاحظ غياب الفكر النقدي وغياب ثقافة الحوار وندرة الابداع وتردي عملية التربية والتعليم وتغييب حقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق الاقليات.. وذلك لأن دولنا لا تنفق على التربية والتعليم والبحوث العلمية والابداعية ألا بقدر ضئيل للغاية فإسرائيل مثلًا تنفق 4، 2 بالمائة من دخلها القومي الإجمالي في حين لا تنفق الدول العربية سوى 3و. بالمائة فقط.. نلاحظ اذن تدهور في التربية والتعليم وتدهور في الثقافة والابداع وتدهور في الإعلام حيث لا تساهم 1294 قناة فضائية عربية الا في تراجع الذوق العام وبث الفرقة بين العرب، فلا نستغرب اذن أن ظهرت القاعدة والنصرة وداعش فقد وفرنا البيئة المتخلفة المتطرفة للإرهاب بين ظهرانينا.. الناقد والمفكر العربي صلاح فضل تحدث عن أوضاع الثقافة العربية حاليًا وعن وحدة الثقافة العربية وقال أن هناك فرق بين الاحادية والوحدة وعندما نتحدث عن وحدة الثقافة العربية لا يمكن أن نقصد احاديتها أي انها تقتصر على تيار واحد ناتج عن احادية المنظور أو الجنس أو غيرها بل الوحدة، وهي وحدة التنوع، مشيرا إلى أن الاديب توفيق الحكيم كان له مصطلح مشهور وضعه في كتاب عودة الروح وهو( الكل واحد ) كما أن منظمة اليونسكو اطلقت فكرة التنوع الخلاق لذلك فان الثقافة يجب أن تنطلق من فكرة التنوع الشامل الخصب وليس من منطلق آحاديتها. من جهته أكد الاديب والكاتب الموسوعي محمد الخولي أن الخطر اصبح يسكن في وجداننا بوجود المنظمات الإرهابية مثل داعش والنصرة والقاعدة وغيرها، واصبح الخطر داهم ولا يهدد جودة الحياة بل الحياة ذاتهة، لذلك فإن الثقافة لم تعد حديث الصالونات وانما باتت خط الدفاع الأخير وهو ( اما أن نكون أو لا نكون ) وبنظرة نقدية لأوضاع المثقفين ذكر الخولي أن لقب الدكتوراه هو اعلى شيء يصل اليه الإنسان من العلم والمعرفة يبنبغي أن يساهم في اغناء الإطار المعرفي لثقافتنا، وبخاصة بعد أن شوهت وسائل الإعلام هذه ثقافة وشتت تكاملها عربيًا، كما ساهمت بعض التيارات الدينية التراجعية المتخلفة في تدهور الثقافة العربية وأشار إلى أن الدين هو جزء من الثقافة وليس العكس كما هو معروف ولابد لنا من الانتباه اليه. وأكد البروفيسور حسن حنفي من ناحيته على أن وحدة الثقافة العربية هي أمنية عربية ونحن نسال هنا عن الفرق بين الثقافة العربية واللغة العربية وانا اعتقد أن اللغة العربية اوسع كثيرا من الثقافة العربية ولابد من التنوع في الثقافات، والثقافة العربية جزء من الثقافة الإسلامية، ولو تأملنا في العلماء والفقهاء والمفكرين واللغويين الذين ساهموا في بناء الثقافة العربية لوجدناهم من المسلمين غير العرب اذن فالثقافة التي نقول عنها عربية هي بالاحرى إسلامية. ومن جانبها اعتبرت الاستاذة فريدة النقاش رئيسة تحرير جريدة الأهالي اننا نتحدث كثيرا عن وحدة الثقافة العربية ونطالب بالتنوع نظريًا ولكننا ننفي هذا التنوع ولا نعترف به بل نهمشه واقعًا.. ونعرف أن منابع الثقافة العربية الإسلامية متنوعة جدا.. ولا ننسى الدور الذي قام به كل من المسيحيين واليهود في التاريخ الفكري والعلمي العربي والإسلامي، لقد كان لهم دور مهم وهم جزء من تاريخينا وان القضية الاهم في الوقت الحاضر هي تجديد الفكر الديني، فالانتماءات الدينية والطائفية اليوم همشت المسيحيين واليهود والنساء وانا اعاتب بعض الحضور اللذين تطرقوا للحركات الثقافية ولم يذكروا دور المرأة. وقد اعتبر وزير الثقافة السوري السابق الدكتور رياض نعسان الاغا أن الحديث عن وحدة الثقافة العربية يبدأ ولا ينتهي وبصفتي عشت عمري كله اتزود من الثقافة العربية فانا اليوم اشعر بالاسى إلى ما وصلت اليه اللغة العربية التي تعتبر الحامل الموضوعي لثقافتنا ونحن نعيش في مرحلة حرجة جدا، فنحن سنرى الاجيال الجديدة التي تغرب حديثها ولم تعد تتقن لغة ثقافتنا لا يمكنها اليوم أن تعقد مثل هذه الجلسات الثقافية، فالجيل الجديد له أفكار ومرئيات ثقافية تختلف عن جيلنا الحالي.. كما انني اشعر بالحزن عندما اجد شخصيات اجتماعية وسياسية كبيرة لا تجيد الكتابة باللغة العربية الفصحى وترتكب اخطاء كبيرة، فاللغة هي أساس للثقافة.. وقد عرف تاريخنا مساهمات مثقفين ليسوا عرب ولكنهم يكتبون باللغة العربية، لذلك انا اعتبرهم عرب فكل من تكلم اللغة العربية فهو عربي وانا فرحت جدا ذات يوم عندما شاهدت عملة نقدية في كازاخستان منقوش عليها صورة الفارابي، فقد بات هذا العالم والفيلسوف العربي الإسلامي شخصية وطنية كازاخستانية يفتخر بها في بلاده. وقد كان لمداخلة المفكر السياسي المرموق الدكتور مصطفى الفقي الاثر الكبير في الحضور.. فقد تحدث عن تجربته كسفير سابق في الهند والنمسا وأشار إلى الدور المركزي للثقافة في هذه العوالم، وعرج على تدهورها في بلداننا العربية حاليًا، فبعد أن كانت الأفكار الكبرى العلمية والسياسية والثقافية والأعمال الفنية والموسيقية والغنائية تنتقل من بلد عربي إلى آخر بنحو انسيابي ويتفاعل معها العربي في كل مكان اصبحت اليوم الأفكار المتطرفة والقاتلة للفكر الإرهابي عابرة للحدود.. وخلص للقول: إذا كانت الثقافة صناعة الحياة فالإرهاب هو صناعة الموت. اثرت المداخلات المتنوعة من الحضور موضوع الجلسة وتعددت الرؤى فيما يخص اللغة العربية والثقافة العربية وما وصلت اليه في ظل الظروف الحالية التي انتشرت فيها وسائل التواصل الاجتماعي إضافة إلى وجود المتطرفين والجماعات الإرهابية مثل داعش واخواتها وتاثيرها في المجتمع العربي وحتى الاوربي وكيفية نشر الثقافة وتجديد الخطاب الديني، وقد اعتاد القائمون على إدارة الصالون الثقافي العربي على جمع المساهمات والتدخلات والنقاشات وتحريرها ونشرها في كتب خاصة، ونحن بانتظار أن يتم ذلك تعميمًا للفائدة .