حين يسألك أحدهم، من هو شيخ كل المجموعات الجهادية الجديدة في مصر، فأجب ببساطة ودون تفكير، رفاعى سرور. وحين يسألك أحدهم من هو شيخ السلفية القاهرية، وفق تصنيف السلفيات جغرافيًا، فأجب بسرعة رفاعى سرور. وحين تريد أن تعرف من هو الامتداد الطبيعى والحقيقى لسيد قطب، فسأجيبك أنا وأقول لك إنه أيضًا رفاعى سرور. رفاعى سرور، هو شيخ الجبهة السلفية، التي يقودها خالد سعيد، ومؤسسها الحقيقى. قال عنه الكاتب الصحفى موسى صبرى «انتبهوا رفاعى سرور خارج السجون»، في مقدمة كتابه «السادات بين الحقيقة والأسطورة» حينما علم أن مفكر تنظيم الجهاد طليقًا خارج السجن. وقال عنه حازم أبوإسماعيل: كنت لا أعرف الشيخ رفاعى سرور حتى قرأت له كتابًا كان معروضًا على أحد الأرصفة!! فانبهرت بما فيه وانبهرت أكثر أن هذا الشيخ يعيش بيننا فتعرفت عليه فوجدت منه التواضع والرقى في الأخلاق والحكمة والذكاء ما ليس عند غيره. أيمن الظواهرى قال: «لقد استفدت من الشيخ رفاعى كثيرًا ومن علمه وأدبه وسماحة أخلاقه». أصّل رفاعى سرور لتكفير الحاكم، وجهر بذلك في خطابه الدعوى، كما اعتقد أن مظاهر المجتمعات الإسلامية كلها من أمر الجاهلية، فضلًا عن حرمة المشاركة في المجالس النيابية والبرلمانية لأنها تتحاكم إلى غير شرع الله. وصف رفاعى سرور سلفية الإسكندرية (برهامى)، والسلفية الإصلاحية، بمرجئة العصر، لأنهم يحصرون مفهوم الكفر في دائرة تكذيب الدين. سيد قطب المكون الأول لفكر رفاعى سرور، وكان هو الامتداد الصحيح له، وكان آخر ما كتبه، المواجهة الأخيرة ستكون بين حازم أبوإسماعيل والجيش، على أساس أن حازم هو الدعوة المباشرة للمشروع الإسلامى، وكان آخر ما كتبه قبل أن يموت لا بد أن نبايع لا على الجهاد بل على الموت. ولد (رفاعى سرور جمعة) في الإسكندرية عام 1947م، وهو في السابعة من عمره، تم القبض على أحد أعضاء الإخوان عام 1954م، فسأل أمه «لماذا أخذوا عم «عبده»؟ فقالت له لأنه كان على خلق، وكان يحب الأطفال، فسأل جاره عبدالرحمن عبدالصمد نفس السؤال، فقال له: لقد أخذوه يا بنى، لأنه يريد أن يحكم بالقرآن، ومنذ هذه الواقعة بدأ يتردد على مساجد أنصار السنة، وكانت هي الجمعية التي تمثل بديلًا طبيعيًا لجماعة الإخوان التي كانت موجودة في سجون ناصر في هذه الآونة، والتزم كل قيادات الجماعات الجهادية في مساجد أنصار السنة، بمن فيهم أيمن الظواهرى. بعد سنوات بدأ رفاعى سرور ينتقد جماعة أنصار السنة، ومنها اهتمامها بقضية الأضرحة والقبور، وتكفير الاستعانة بالأولياء، وتحريم زيارة الأضرحة، ومحاربة الصوفية، دون اهتمامها بتكفير الحكام (للعلم لأنصار السنة كتاب كبير في تكفير الحكام). يقول رفاعى سرور: كانت جماعة أنصار السنة متناقضة، اختزلت كل القضايا الشرعية في قضية شرك الأضرحة والقبور، فترسل التأييد لجمال عبدالناصر حين يعتقل الإخوان، بينما تعترض عليه حين يزور «ضريح الحسين» فتكتب في صدر مجلتها «لا يا سيادة الرئيس». بدأ رفاعى يدعو الجماعة للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ويدعوها لإقامة الحدود، وأثارت أسئلته إحراجًا لقيادات الجماعة، الذين فصلوه في النهاية، لكنه كان قد نجح في تكوين خلية، داخل مساجد أنصار السنة، وكان عمره ساعتها 18 عامًا. القيادى الإخوانى عبدالرحمن عبدالصمد، جار رفاعى سرور، دعاه أيضًا لجماعة الإخوان، وهو من أعطاه كتاب «معالم في الطريق» لسيد قطب، وكانت البداية التي جعلته يلتفت إلى فكر قطب، ويقرأه بالكامل. تأثر رفاعى سرور بإعدام شيخه سيد قطب، فكتب كتيبه الصغير «أصحاب الأخدود»، الذي حقق مبيعات عالية، وآخرها معرض القاهرة للكتاب عام 2015. يقول رفاعى: «عندما بلغنى خبر إعدام الشيخ سيد قطب أغلقت علىّ غرفتى وبكيت، وفى المساء سمعت جدتى بكائى فسألت والدتى عن السبب فأخبرتها أن أحد أصدقائى مات، فعلقت بكلمة صغيرة لكنها أثرت فىّ بشدة، قالت جدتى «وهل سيعيد البكاء من مات؟» فقمت أبحث عن شيء أفعله ووجدت أمامى القلم فكتبت «أصحاب الأخدود». في هذه الآونة كانت أول مجموعة جهادية مسلحة قد تم تشكيلها بقيادة وكيل النيابة يحيى هاشم، الذي قرأ كتاب سرور، وذهب للناشر ليعرف عنوان المؤلف، حتى وصل له، لكى يدعوه للانضمام إلى مجموعته التي كان من أعضائها علوى مصطفى، وإسماعيل طنطاوى، ونبيل البرعى، وكلهم كانوا يؤمنون بحرب العصابات، وأنها الوسيلة الأنجح لإسقاط النظام. خرج يحيى هاشم في مظاهرات ضد عبدالناصر، بعد هزيمة 67، فقبض عليه، ثم أفرج عنه لما علموا أنه معاون بالنيابة، وانفجرت خلافات حول أنه عرّض التنظيم للخطر، وفى النهاية انشق ومعه رفاعى سرور، وكونوا تنظيمًا مستقلًا. انضم رفاعى سرور بعد يحيى هاشم إلى تنظيم الفنية العسكرية الذي أسسه صالح سرية، وقد انكشفت علاقة الشيخ رفاعى بهذه المجموعة مصادفة، إذ كان أحد المتهمين قد أرسل رسالة خطية إلى زوجته يطلب فيها أن تبلغ سلامه إلى (ى، ر، م) فتم ضبط الرسالة وبالضغط على الزوجة أفادت بأن «ى» هو يحيى هاشم، وأن «ر» هو رفاعى سرور وأن «م» هو محمد حجازى. انكشف بذلك التنظيم بالرغم من سريته الشديدة حتى إن مذكرة الدفاع التي قدمها المحامى في القضية كان قد شارك في إعدادها يحيى هاشم، رئيس النيابة، قبل أن يكتشف كونه أحد المتهمين بالقضية. حاصرت قوات الأمن أغلب أعضاء التنظيم في منطقة جبلية بأسيوط عام 1975 وجرى اشتباك عنيف بالأسلحة النارية قتل خلاله يحيى هاشم في حين تمكن رفاعى سرور من الهرب إلى القاهرة وتحديدًا في حى (بين السرايات) ثم إلى (المطرية). لما ظهر شكرى مصطفى زعيم (التكفير والهجرة) عمل رفاعى سرور المستحيل أن يضم جماعته إليه، ويصبحا جماعة واحدة، إلا أنه فشل، يقول: أدركت نتيجة أنه لما تكون مع جماعة يشعر الفرد فيها أن هذا هو الحق، وهكذا مع الجماعة الأخرى، فاتضح أن السبب غياب مفهوم الحكمة، لأنه واضح الاتجاه النظرى عندنا، وليس عملًا مبنيًا على واقع مدروس، أما الحكمة تضع حق التطبيق في الواقع من الناحية العملية، وهنا فهمنا أن الإثبات النظرى للاتجاه لا يكفى أن يكون أساسًا للتطبيق، وهنا عملت كتابًا في هذا الموضوع لمعالجة هذا الخلل وهو كتاب «حكمة الدعوة». انضم فيما بعد سرور إلى تنظيم الجهاد، وكان من المفترض أن يكون هو قائد التنظيم بالكامل، لكنه اعتذر، واكتفى أن يكون مرشدًا دينيًا، وأستاذًا لقيادات التنظيم ومنهم عبود الزمر، الذي ربطتهما علاقة كبيرة معًا. بعد الإفراج عنه من قضية الجهاد (رقم، 462، لسنة 1981م، حصر أمن دولة عليا)، عكف سرور على تأليف بعض الكتب، ومنها: (التصور السياسي للحركة الإسلامية - عندما ترعى الذئاب الغنم - علامات الساعة)، إلا أنه في أواخر حياته، قد اهتم بتأليف الكتب التي تواجه الليبرالية والعلمانية، والدين المسيحى، ومنها كتبه «مفهوم الرمزية بين الإسلام والنصرانية»، «الأقانيم دراسة منهجية»، «حماية الدين من التحريف»، و«المسيح وحقائق الحكمة». كان يرى سرور أن السلفية هي الحل ويقول: «الفهم السلفى للصراع القائم على الأساس الدينى، والذي تتحدد ملامحه بقوة في الواقع القائم الآن، تنشأ ضرورة التمسك بالتصور السلفى كمضمون منهجى للأمة المسلمة، التي تمثل الطرف الأساسى المقابل لكل أطراف هذا الصراع، وخصوصًا عندما يحرص الأعداء على تحويل المسلمين عن سلفيتهم التي تمثل أصل دينهم». رفاعى سرور لم يدخل أي كلية، ووصل في تعليمه إلى المرحلة الثانوية فقط، لكنه تزوج خريجة كلية، أرشدها كما تقول إلى زوجة (يحيى هاشم) فضيفتها في منزلها، وقرأت معها كتبًا ل(سيد قطب، ومحمد قطب، والولاء والبراء) فكانت نقلة بالنسبة له، فتحجبت ووافقت على الزواج منه. أنجب سرور منها 6 أبناء أكبرهم «يحيى رفاعى» وهو كأبيه جل اهتمامه يدور حول الرد على العلمانيين وأصحاب الفكر الليبرالى، والمهندس «عمر»، وكان أحد أعضاء جماعة بيت المقدس بسيناء، وهو الآن مفتى تنظيم القاعدة، وهارب في مدينة درنة بليبيا، وابنته ولاء رفاعى التي من مؤلفاتها كتاب «زوجة المعتقل». عقب قيام ثورة 25 يناير، أقام الجهاديون مجموعة من الخيم في ميدان التحرير، وكانت هناك خيمة مخصصة لرفاعى سرور يتلقى فيها البيعات، ومعه ابنه عمر، المفتى الشرعى لتنظيم القاعدة بليبيا، ورفيق هشام عشماوى بدرنة، ولما رشح حازم نفسه في الانتخابات الرئاسية، دعا رفاعى لانتخابه، وقال: واقع الحالة الثورية الآن هو الشيخ حازم، لأنه وصل لمرحلة الرمزية، أي أصبح الرمز للقضية الثورية الإسلامية، ولأنه وفق قوله، تبنى القضية بأبعادها الكاملة وعبر عنها بأكمل صياغة سياسية، وكان جريئًا، وجهر وواجه ونجح. في يوم 21 فبراير 2012، وهو ذاهب إلى صلاة العصر، توفى سرور فجأة، واجتمع في جنازته كل قيادات الجماعات الجهادية، وكانت فرصة لالتقاء قادة السلفية الجهادية، وتم نشر هذه الجنازة على اليوتيوب، وألقى ساعتها حازم أبوإسماعيل كلمة على قبره، وكانت مؤشرًا واضحًا على النقلة التي وصلت إليها السلفية القاهرية في مصر. اعتنقت الجبهة السلفية أفكار رفاعى سرور، واعتبرت نفسها امتدادًا له، بينما كانت كل المجموعات المسلحة، التي تم القبض عليها في الوراق والجيزة، وضواحى القاهرة، هي نتاج حقيقى لأفكار الرجل، وهذا ما اتضح في تحقيقاتها، التي اطلعنا عليها فيما بعد.