يعرف بالداعشية.. يزوره المتسلفون والوهابيون من كل مكان.. انضم نجل مؤسسه لتنظيم داعش الإرهابى فى سوريا.. هو مسجد «العزيز بالله» فى منطقة حلمية الزيتون. فى منطقة قريبة من كنيسة العذراء بالزيتون ذات المكانة الخاصة فى قلوب الأقباط. ومن هناك كانت المحطة الأولى التى انطلقنا منها نحو مسجد العزيز بالله لرصد ما يدور بداخله، وآراء سكان المنطقة فى تصنيفه هكذا، وفى زوار المسجد من كل صوب وحدب. بمجرد أن تصل إلى شارع العزيز بالله حتى تجد كتباً عن يمينك متراصة داخل مكتبات صغيرة متلاصقة، يتصدرها كتاب «معالم فى الطريق» لسيد قطب، المرجع الأول للتكفيريين وعناوين أخرى لكتب معروضة: «كقصص الأنبياء» لابن كثير، و«تنبيه الغافلين» لأبى الليث، و«كيف تنتصر على الشيطان»، و«أنذرهم يوم الحسرة»، و«لهيب النار ورياح الجنة»، فضلاً عن بعض كتب السحر والجان، وبعض الكتب التى ترد على المسيحية. هذا إلى جانب محلات تبيع ملابس باكستانية، يسمونها الزى الإسلامى، وتنشط هناك تجارة بول ولبن الإبل والقباقيب والبخور والحجامة والأعشاب الطبية.. روائح مختلفة تفوح من حولك وعن يسارك تجد مسجداً شهد ميلاد أجيال من التكفيريين منذ سبعينيات القرن الماضى، يحمل اسم «العزيز بالله» معقل الدعوة السلفية وأكبر بؤرة سلفية متشددة، وذاع صيت المسجد خاصة مع نوعية الخطب التكفيرية التى عرفت عنه واعتاد المصلون فى هذا المسجد سماعها. ومن داخل المسجد تجد ساحته الداخلية واسعة للغاية حتى إنها تسع أكثر من ألفى شخص فى صلاة الجمعة وغيرها من الأيام التى تقدم فيها دروس دينية أغلبهم من الشباب السلفيين، ويشمل المسجد عيادات طبية وجمعيات لمساعدة الأسر الفقيرة وغيرها من الأعمال الخيرية، التى تعلن إدارة المسجد عنها فى لوحاتهم الإعلانية المعلقة على المسجد، وكما يضم مكتبة صوتية تحتوى على العديد من الشرائط المسجلة بالمسجد للفيف من العلماء والدعاة، ومكتبة مرئية تحوى العديد من شرائط الفيديو والأقراص المدمجة، وكذلك يضم المركز مكتبة مقروءة. ووفقا لخريطة المساجد السلفية فى مصر يأتى مسجد العزيز بالله بمنطقة الزيتون كأكبر تجمع سلفى على مستوى القاهرة الكبرى للتواجد المستمر للدعاة محمد حسان، ومحمود المصرى، ومسعد أنور. عمرو عبدالمنعم - أحد رواد المسجد والخبير فى شئون الحركات الإسلامية - قال يعود تأسيس المسجد إلى الدكتور محمد جميل غازى فى عام 1968 بهدف نشر الفكر السلفى فى مصر، ومنه انطلق الدكتور عمر عبدالرحمن أمير الجماعة الإسلامية السابق والمحكوم عليه بالسجن مدى الحياة فى أمريكا، ومع الوقت أصبحت منطقة الزيتون معقلاً لهم لوجود المركز الإسلامى لدعاة التوحيد والسنة والذى يعد همزة الوصل الأساسية بين المكتبات والمساجد والزوايا، وكانت خطب محمد حسان والمصرى ويعقوب من المسجد الأكثر إقبالا من قبل مريدى السلفية من المحافظات. ونوه إلى أن الكثير من العاملين فى بيع الكتب الإسلامية مرشدون لأجهزة أمنية، ضاربًا بذلك مثال لشخص يدعى الشيخ أحمد السهيرى فى الثمانينيات «1988» وكان عمره وقتها 45 عاماً من قاطنى عزبة النخل ومن قيادات التكفير، زرعته أجهزة الدولة وقتها أمام المسجد لبيع الكتب، وكان يبيع كل كتب الإخوان وسيد قطب والجماعات الإسلامية، ليعرف أسماء من يقرأون لأصحاب الفكر التكفيرى، وعن طريقه يسهل إلقاء القبض عليهم فيما بعد، مؤكداً أن السهيرى كان متهماً فى قضية فيديوهات الشيخ عبدالله السماوى وهو صاحب فكرة حرق نوادى الفيديو التى تؤجر أجهزة الفيديو لسماع الأفلام فى الثمانينيات حيث حرقوا ما يقرب من 20 نادياً فى ذلك الوقت، وختم حديثه أنهم كانوا يرفضون خطباء الأزهر لكن الأمن أحكم سيطرته على هذا المكان الآن. أحد رواد المسجد - طلب عدم ذكر اسمه - قال إن أحمد محمد جميل غازى نجل الداعية الراحل محمد جميل غازى اتهم فى عدة قضايا إرهابية فى أواخر التسعينيات وأفرجت السلطات الأمنية عنه بعد قضاء 19 عاما خلف القضبان، منها 5 أعوام بحكم فى محكمة أمن الدولة، متهما بالانتماء لمنظمة غير شرعية، و14 عاما معتقلا لأسباب أمنية، وظل معتقلا حتى ثورة يناير ثم أفرج عنه، بعدها سافر إلى سوريا، وله منزل فى حى الزيتون وهو فى عمر الأربعينيات ويقاتل حاليا مع داعش. وأضاف أنه كان على اتصال ب «عمر رفاعى سرور» الملقب ب«أبو عبدالله المصرى»، نجل الشيخ رفاعى سرور، أحد مؤسسى السلفية الجهادية فى مصر، بعد انقلابه على تنظيم «أنصار بيت المقدس» المعروف ب«ولاية سيناء»، وانفصاله عنه وإعلان بيعته للقاعدة، وطالبت داعش برصده لقتله والتخلص منه بعد أن اعتبروه مرتداً يحارب أفكارهم. الداعية الإسلامى الشيخ نشأت زارع قال إن هناك بعض أوجه الشبه بين الفكر السلفى وداعش، فكلاهما يكفر المسيحيين العلمانيين والليبراليين، ومنهم من يعتبر الديمقراطية كفرا، مضيفاً أنه لو أتيح للسلفيين الفرصة أو السلطة فسوف يطبقون الجزية على المسيحى، حيث دعا الدكتور ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية إلى فرض الجزية على المسيحيين واليهود، رغم اختلاف الزمان وأسباب النزول، حيث قال «برهامي» فى كتابه «فقه الجهاد» صفحة 29 «اليهود والنصارى والمجوس يجب قتالهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وصاغرون أى أذلاء». وأوضح أن برهامى أفتى قبل ذلك بجواز قتل المسلم السنى الذى يقاتل فى صفوف الجيش السورى النظامى بسوريا، وقال إن هدم الكنائس غير حرام شرعًا، وسبب موافقتنا على بنائها من خلال مواد الدستور الخاصة بدور العبادة وعدم أخذ الجزية من النصارى، هو أن المسلمين فى العصر الحالى معلوم حالهم بالنسبة لدول العالم بالضعف وتدهور المنزلة بين الناس، وأوضح برهامى أن هدم الكنائس جائز شرعًا ما لم يكن هناك ضرر واقع على المسلمين من الهدم، متسائلاً من الذى قتل الشيخ الذهبى وزير الأوقاف 1977؟ ومن قتل السادات؟ ومن قتل الكاتب الصحفى فرج فودة؟، مؤكدا أن السلفية الجهادية هم فرع من داعش ويتفقون معهم فى أفكار كثيرة، ويروجون أن العلمانية كفر وضد الإسلام ولا يعرفون مقاصدها. وأشار إلى أن داعش انضم إليها الكثير من متطرفى الفكر السلفى من مصر والسعودية وفلسطين والمغرب وتونس وليبيا والشيشان، ويتفقون فى تحقيق الخلافة وهدم التماثيل، وتحريم الموسيقى، رافضين لكل مبادئ الدولة المدنية. وأكد هشام النجار - الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية - أن الدولة قاومت نشر الأفكار الجهادية وتم القبض على الكثيرين، لكن لا يزال الأمر يحتاج إلى المزيد من الجهود من أجل تجفيف منابع هذا الفكر المتطرف، وشدد على أن خطورة هذه التنظيمات الإرهابية تكمن فى أنها لم تعد جماعات تقوم بأعمال إرهابية فقط، وإنما أصبحت تحتل مناطق جغرافية كاملة فى الدول العربية ولديها جيوش تواجه بها الدول، وبالتالى منع الانضمام إليها أصبح قضية أمن قومى. وأكد عبدالغنى هندى - منسق حركة استقلال الأزهر- أن وزارة الأوقاف لم تسيطر على المساجد أو المناهج التى تدرس فيها، وأن المنهجية التى تحكم الناس فى المساجد هى الفكر، موضحاً أن الفكر السلفى قريب من الفكر الداعشى الذى ينادى بالبراء والحاكمية والولاية والخلافة، ويعتبر فكراً أصولياً يواجهه منهج الأزهر الذى يقوم على التواصل والوسطية والتسامح لكنه غير قوى فى المساجد، وأضاف إن الأوقاف قصّرت فى تقوية المنهج الأزهرى عن طريق أئمتها فى المساجد، وتركت الساحة لغير الأزهريين بمناهجهم المختلفة، وأن داعش ليس خطراً بقدر ما هى منهجية فكرية تنتشر فى المساجد، وضرب مثالاً لقضايا الأضرحة والنقاب والتى إذا تمت مناقشتها وسط عامة الناس سنجد ردود أفعال من الشعب الفقير تتفق مع الفكر الداعشى. وأشار إلى أن أبو مسلم المصرى قاضى القضاة فى دولة داعش هو رأس التكفيريين فى مصر ومطور جماعة الشوقيين فى الفيوم، وكان يشتغل فى مصلحة السجون ثم فصل وتم اعتقاله. من ناحية أخرى أكد الشيخ محمد عبدالرازق - رئيس القطاع الدينى بوزارة الأوقاف - أن مساجد الأوقاف تتبع الوزارة لا غيرها، وأن مسجد العزيز بالله بالزيتون يعد من أكبر منابر الوسطية بالوزارة، حيث يخطب به إمامان معينان من قبل الأوقاف، وأضاف إن جميع مشتملات المسجد تابعة للوزارة، وتخضع لرقابتها ولا علاقة للمسجد بادعاءات داعش أو غيره، رافضاً المزايدة على الوزارة فى هذا الأمر، وأوضح أن مساجد الأوقاف مفتوحة للجميع، وأئمتها وعمالها التابعين للوزارة يقومون بعملهم فى نشر الوسطية دون أى ضجيج.