كان نبى الله شعيب فصيح الكلام، يرد الاستهزاء بنصح رشيد، حيث قال لهم، إنه يريد الإصلاح ما استطاع، وحذرهم أن يصيبهم مثل ما أصاب أقوام الأنبياء السابقين، عندما كفروا بما جاءت به الأنبياء. لم تكن دعوة نبى الله شعيب دعوة الناس إلى عبادة الله وحده فحسب، بل كان يقوّم سلوكهم في تعاملاتهم اليومية التجارية ويقوّمها إلى العدل، والقسط في الميزان وتعتبر قصته عبرة إلى جميع العالم التجارى، ورمزًا للدلالة على وجوب القسط في ميزان الشراء والبيع التجارى بين جميع المتعاملين. نسبه شعيب بن ميكائيل بن يشجر بن مدين، من ذرية إبراهيم الخليل عليه السلام، وقيل إنه ابن بنت نبى الله لوط عليه السلام، وهو من الأنبياء الأربعة العرب المرسلين، حيث قال رسول الله «صلى الله عليه وسلم» لأبى ذر الغفارى رضى الله عنه عند ذكر الأنبياء والرسل: «أربعة من العرب: هود، وصالح، وشعيب، ونبيك يا أبا ذر» رواه ابن حبان. وكان لدى شعيب ابنتان، حينما بلغ به الكبر، كانتا ترعيان الغنم بدلًا منه، وهاتان الفتاتان هما اللتان ذُكرتا في قصة سيدنا موسى، حينما لجأ إليه موسى عندما هرب من فرعون ملك مصر، وساعد ابنتيه في الرعى وسقاية الغنم، حينها عرض عليه شعيب تزويجه إحداهما نظير مساعدته وعونه لمدة عشر سنوات، وبالفعل تزوج موسى من ابنته صفّورا. كان نبى الله شعيب مشهورًا بالفصاحة والبلاغة، حسن المنطق ومعسول الكلام، وكان يقرع الحجة بالحجة ويبين لقومه بلسان عربى مبين لما هم فيه من الضلالة، ويبين ما يدعوهم إليه من الحق. لذلك لقبه رسول الله محمد «صلى الله عليه وسلم» بخطيب الأنبياء، بناءً على ما نزله الوحى من آيات القرآن الكريم في قول سيدنا شعيب وأسلوبه في دعوة قومه لعبادة لله وحده. أرسل سيدنا شعيب إلى أهل مدين، وكانوا من عرب شمال الحجاز وأطرافها، وقيل إنهم بنى مدين ابن نبى الله إبراهيم الخليل عليه السلام وقد سميت المدينة باسمه، ويعرف بعض الباحثين موقعها الحالى في جنوب الشام في دولة الأردن. وتميزت مدين بحكم موقعها الجغرافى، حيث تقع في منطقة تلتقى فيها الطرق التجارية بين كل من اليمن والشام والعراق ومصر، وكان لذلك أكبر الأثر في قوة ونفوذ وكثرة مال أهل مدين، نتيجة للتبادل التجارى الجارى. ويقول المؤرخون إن الله بعث شعيب بعد بعثه ب لوط بوقت ليس كبيرًا، استشهادًا بما ذكر في القرآن من قول شعيب لقومه حينما ضرب مثلًا عن القوم الكافرين الذين انزل فيهم العذاب: «وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ». قصته ذكر الله جل وعلا قصة سيدنا شعيب عليه السلام في القرآن الكريم في أربع سور، منها ثلاث سور الأعراف وهود والعنكبوت، قال تعالى: «وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا» أي بعثنا إلى مدين أخاهم شعيبًا، وهذا دليل على قرب النبى من القوم المرسل إليهم مكانًا وقيمة، ولكن في الشعراء قال تعالى: « كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ» حيث فرق الله تعالى بين القوم الكافرين، والرسول فلم يقل أخاهم مرة أخرى. وتروى قصة شعيب أن قومه أهل مدين كانوا يعبدون الأصنام، ويبخسون الميزان على الرغم من المكانة التجارية الرائجة التي حظى بها التجار في هذا الوقت، إلا أنهم استغلوا ذلك سلبًا بالبخس في ميزان الشراء والبيع، وقطع الطرق. وكان قوم مدين جهروا بالكفر، وكانوا يعبدون الأيكة، وهى نوع من الشجر، حيث إنهم تقربوا لها بالعبادة والتبرك والدعوات، ولذلك سموا بأصحاب الأيكة. وأرسل الله شعيب بدعوة قومه، وذكرهم بنعم الله عليهم، وكيف أصبحوا كثرة بعد أن كانوا قلة، وكيف أكرمهم الله، وأمدهم بالنسل، وحفظهم من الأمراض والأوبئة، وطالبهم بعبادة الله وحده والرجوع عما هم فاعلون، إلا أنهم استمروا على عنادهم وتكذيبهم. وكان شعيب يرغبهم تارة ويرهبهم وخوفهم من عذاب الله تارة أخرى، وأخبرهم أنه لا مفر لهم من اللجوء إلى الله، وأنه هو التواب الرحيم. إلا أن قوم مدين أصحاب الأيكة قابلوا دعوته بالاستهزاء والسخرية منه، ومن عذاب الله، وأخذوا يقولون له باستهزاء: «هل صلاتك يا شعيب تأمرك أن نترك ما عبد آباؤنا وأجدادنا»، ويقولون له: «إنك أنت الحليم الرشيد»، استهزاء منهم. وكان نبى الله شعيب فصيح الكلام، يرد الاستهزاء بنصح رشيد، حيث قال لهم إنه يريد الإصلاح ما استطاع، وحذرهم أن يصيبهم مثل ما أصاب أقوام الأنبياء السابقين، عندما كفروا بما جاءت به الأنبياء، مثل: نوح، وهود، وصالح، ولوط، خاصة أن تلك الأقوام قريبة العهد والمكان بأهل مدين. لكن قوم شعيب قرروا الدخول بمرحلة جديدة من التهديد، فهددوه بالقتل، والطرد من قريته، وخيروه بين التشريد، أو العودة إلى ديانتهم وملتهم التي تعبد الأشجار، وكانوا يضايقون كل من أتبع شعيب في دعوته، لكن نبى الله شعيب ومن اتبعوه كان دين الله وعبادته أحب لديهم، وأفهموا قوم مدين أن عودتهم في ملتهم مسألة مستحيلة مستنكرين سؤالهم الرجوع للكفر بعد الإيمان بالله. ولما رأى شعيب استمرار قومه في العناد والبعد عن الله وعبادته، خاصة بعد دعوتهم أن يريهم عذاب ربه فيهم كما يقول فراحوا يطالبونه بأن يسقط عليهم كسفا من السماء إن كان من الصادقين. حين إذا دعا شعيب ربه أن ينصره ومن آمن معه، فأوحى الله إليه أن يخرج المؤمنين ويخرج معهم من القرية. وانزل الله عز وجل العقاب على الكافرين كما ورد في بعض آيات القرآن أنهم أهلكوا بعذاب يوم الظلة، وورد أنهم أهلكوا بالصيحة، وورد أنهم أهلكوا بالرجفة. فكانت تلك نهاية القوم الظالمين، ونجى الله نبيه شعيبا ومن آمن معه. مدفنه وآثاره يقال إن سيدنا شعيب عليه السلام ولد في القرن ال16 قبل الميلاد، ويعتقد أنه عاش 242 سنة، وأن له مقامًا وضريحًا في جبل يسمى باسمه جبل النبى شعيب، وهو أحد الجبال المقدسة، ويقع جبل النبى شعيب في مدينة صنعاء باليمن، ويعتبر من أعلى الجبال في الوطن العربى، ويصل ارتفاعه إلى نحو 3700 متر، ممّا يجعل درجات الحرارة فيه منخفضة جدًا في فصل الشتاء والتي قد تصل إلى تحت الصفر. ويوجد الضريح في غرفة صغيرة مغلقة طُليت جدرانها باللون الأبيض إضافة إلى وجود البخور الذي تمّ وضعه فوق القبر قديمًا، إلا أن الأثر يقول إن هناك أضرحة أخرى توجد في لبنان، والأردن، وفلسطين مقامات لسيدنا شعيب عليه السلام غير المقام الموجود في اليمن.