من المهم جدًا أن نتعرف على الخلفيات الاجتماعية لقيادات الجماعات الجهادية، إن مناقشة الحياة الخاصة وخلفياتها لهم تفتح لنا طاقات مظلمة، لأن الناس لا يولدون إرهابيين.. فحياتهم أشبه بمزارع يحضر الحقل للزرع، فإما يخرج نباتًا طيبًا، وإما يخرج نكدًا. أكبر مثل ل«لص» استحل السرقة، والقتل، واختبأ فى لباس الدين، والدعوة، والإسلام، هو المهندس شوقى الشيخ، مؤسس عصابة الشوقيين، التى قامت بأحداث قرية كحك بمدينة الفيوم فى التسعينيات. شوقى الشيخ، هو خريج جامعة القاهرة كلية الزراعة، قبل تخرجه فيها تشبع بأفكار الجماعات السلفية، وأعجبته جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهى جماعة أسسها الشيخ يوسف البدرى فى التسعينيات، كان كل همها هو الخروج فى صفوف، لتغيير المنكر فى الشوارع. عاصر شوقى جماعة يوسف البدرى، وكان يركب حصانًا ويحمل فى يده سيفًا، ويخرج فى شوارع القاهرة من أجل تغيير المنكرات!!. عمل بعد التخرج فى الجامعة مهندسًا زراعيًا، وتم تعيينه فى الفيوم، وفى هذه الفترة تعرف على طارق الزمر، الذى كان منتميًا لجماعة الجهاد، وانضم فيما بعد للجماعة الإسلامية التى يقودها عمر عبدالرحمن. أصبح شوقى الشيخ عضوًا فى جماعة الجهاد واعتقل معها فى أحداث اغتيال السادات عام 81، لكنه فى هذه الفترة التقى جماعة التوقف والتبين داخل الزنازين، وكانت هذه الجماعة تعتقد أن مجهول الحال يجب أن يتم التوقف به، ولا يجوز الحكم بإسلامه أو إيمانه، حتى إقامة الحجة عليه. أعجبت شوقى الشيخ الفكرة، لكنه اعتقد أن مجهول الحال لا يجوز التوقف بحاله، ولا بد من الحكم عليه ابتداءً بالردة والكفر، حتى يثبت للجماعة إسلامه. خرج شوقى من المعتقل بعد قضية حرق محال الفيديو التى كان على رأسها طه السماوى، وشرع فى بناء وتكوين جماعته الجديدة التى تحكم على الناس بالردة، والبداية كانت من قرية «سنرو». شوقى وفق أحد من أتباعه كان يسير فى شوارع القرية بسيارته بسرعة ويخرج رأسه من نافذتها صارخًا بأعلى صوته ابتعدوا عن الطريق يا كفار. معظم سكان مصر من وجهة نظر شوقى كفرة مرتدون، إلا أنه كان لا يؤمن بالعزلة، وكان يرى أنه لا بد من الدعوة، والسيطرة على المساجد، والإمامة فيها كان فى هذه الآونة ضابط أمن الدولة أحمد علاء، يرى أن أسلم وسيلة للقضاء على جماعة عمر عبدالرحمن، ترك الفرصة لشوقى الشيخ أن يفعل ما يشاء، فتركوه يسيطر على مساجد الفيوم، وحرضوه على مناظرة أفراد الجماعة، ومحاولة اغتيال عمر عبدالرحمن، وبالفعل قام بذلك لكن المحاولة باءت بالفشل. كان أتباع شوقى 99٪ منهم أميون لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، وقد التقيت بجلّ الجماعة بسجن الوادى الجديد، وكانوا فى هذه الأثناء كلهم يتعلمون القراءة والكتابة، ما عدا أميرهم الحاصل على ثالثة كلية الحقوق، وكان شوقى قد منعهم من مناقشة الناس وفى إحدى المرات أوقع على أحد أتباعه عقوبة التعزير، بأن جعله يجرى بمحاذاة السيارة التى يقودها لأنه شوهد وسمع وهو يتناقش أو يتجادل مع أحد سكان القرية. وفق تصريح القيادى شافعى مجد، قيادى الجماعة بالقاهرة، تليفونيًا لى، بأن أتباع شوقى بدأوا يستحلون أموال الناس بحجة أنهم مرتدون، حتى أن شوقى نفسه فى مرة، طلب من أتباعه أن يذهبوا إلى رجل غنى، ويطلبوا منه مالًا بحجة الدعوة إلى الله، ولما رفض الرجل، قال لهم بهدوء: اذهبوا الى بيته ليلًا واستولوا على ما تجدونه من بقر وأغنام. «الاستحلال» هو البدعة التى ابتدعها شوقى، حيث كان الشوقيون يستحلون أموال كل الناس، وكانوا يستحلون نساءهم، لكنهم لم ينفذوا ذلك، بحجة أن الأمة لا بد أن يستطيع مولاها أن يحميها، وللعلم فداعش تؤمن بالاستحلال، ولا تتوقف لا فى نساء ولا فى غير. أذكر فى سجن الوادى، كان هناك تنبيه على كل المعتقلين من كل الجماعات، أن ينتبهوا لأى عضو فى جماعة الشوقيين، لأنه يمكن أن يسرق أى شيء، سواء كان طعاما، أو حتى ملابس داخلية، إلى غيرها من الأشياء الموجودة مع أى سجين، لأنهم يحكمون عليهم بالردة، وأنه يجب استحلال ممتلكاتهم!!. يروى أحد أتباعه: أن أحد أهالى قرية كحك، اعتاد فتح دكانه فى الصباح للبيع والشراء، وهو فى ذات الوقت يسمع القرآن من الراديو تحديدا إذاعة القرآن الكريم، وهذا الدكان كان فى مواجهة المسجد الصغير، مقر اجتماع شوقى وجماعته.. شوقى أزعجه صوت القرآن من الراديو، يعتبر المقرئين من غير الجماعة مرتدين، لذا طلب من أحد أتباعه الذهاب إلى صاحب الدكان وأمره بغلق الراديو، فقالوا للرجل: يا كافر أغلق الراديو وإلا ضربناك، الرجل غضب وأخرج حديدة فى يده ضربهم بها، لكن شوقى لما وجد ثلاثة من أتباعه تم ضربهم، تصرف بهدوء، وسحب مسدسه، وأطلق طلقة واحدة على الراديو فأسكته للأبد. شوقى لص فى صورة شيخ، حيث شكل مجموعة من أهم أتباعه، منهم مصطفى عمر، ورمضان وميهوب، سطوا على محلات الذهب بحجة استخدامها فى الدعوة، وكانت العملية الأولى التى نفذوها عندما سرقوا محل حكيم فى قرية بشتيل. كما شكل مجموعة أخرى، سرقت محل ذهب بمنطقة الزيتون بالقاهرة، وهى نفس المجموعة التى اغتالت ضابط أمن الدولة أحمد علاء فى الفيوم، وتخصصت تلك المجموعة بعد ذلك فى سرقة محلات الذهب وسرقت ما يقرب من 6 محلات فى إمبابة والزيتون والخصوص وعزبة النخل، وفق شافعى مجد فى تصريح خاص. كان ل«شوقى» فتاوى غريبة، منها أن المرأة التى تنتمى للجماعة، عليها ترك زوجها المرتد، والزواج مباشرة من أى عضو فى الجماعة، وأنه يحق للمرأة التى غاب عنها زوجها ستة أشهر أن تمارس الجنس سواء مع أخ الزوج، أو أحد الأقرباء، أو مع أحد من جماعة شوقى، وقد شوهدت بالفعل امرأة فى شوارع القرية تسير وهى حامل، رغم أن زوجها كان فى السجن منذ سنة، وعندما سألها أهل القرية عن ذلك أجابت فى ثقة وارتياح «إن الشيخ الله يطول فى عمره سمح لى بكدة!». فى إحدى المرات استشير شوقى لحل مشكلة عائلية تخص أم أحد أتباعه من الشباب، حيث تقدم للمرأة رجل ليتزوجها، لكن أفراد العائلة ومنهم تابع شوقى كانوا ضد الزواج، وفى المساء اصطحب الفتى شوقى إلى منزلهم بعد أن اجتازوا عدة حقول وشوارع ضيقة، وجلسوا وتناولوا طعاما بعد ذلك جاءت الأم التى اشتكت ابنها وباقى أفراد أسرتها للشيخ من منطلق أنها لاتزال صغيرة، ويحق لها الزواج، فوقعت المرأة فى نفسه فقال بهدوء وثقة: «أنا عندى حل يريح الجميع، لقد عزمت وتوكلت على الله أن أتزوجها، وبذلك نحل المشكلة وأعتقد أنكم لن تعترضوا». حادثان جعلا الأمن ينتبه لشوقى وخطورته، الأول، هو أن أتباعه حاولوا سرقة مفتشى تموين، كانا فى قرية كحك، ولما فشلوا قتلوهما، وحفروا حفرة عميقة، أسفل ترعة، ثم وضعوا الجثتين فى الحفرة، وغطوهما، وجعلوا ماء الترعة يمشى فوقهما، حتى لا يعرف أحد بالجريمة، لكنه تم اكتشاف الواقعة. الحادث الثانى، حينما اتهم شوقى وجماعته أحد شباب القرية بسرقة مسدس من الجامع خاص بشوقى، فأمر اثنين من جماعته بالذهاب إلى بيت الشاب وانتزاع المسدس منه، وعندما ذهبا لم يجداه، فتوجها للحقل، وكان المساء قد هبط، ومن عادة أهل القرية أن يقضوا ليالى الصيف فى حقولهم خاصة إذا كان هناك محصول فواكه أو خضروات.. قابلا الشاب وكان والده بجواره، فسألاه عن مسدس الشيخ، فقال إنه لا يعرف شيئًا عن هذا الأمر كما لا يعرف أن الشيخ شوقى يخبئ مسدسات أو قنابل فى الجامع، استحال النقاش إلى شد وجذب، فأمسك أحد أتباع شوقى بسكين وطعن به الشاب على مرأى من والده، وفر أحدهما هاربًا، بينما أمسك الرجل بقاتل ابنه من رقبته ولم يتركه إلا جثة هامدة، ثم استدعى الأهالى والشرطة. شوقى الشيخ هو ابن عم أمين الحزب الوطنى المنحل فى الفيوم محمد أحمد عبداللطيف، وكان كلما وقع فى ورطة، لجأ لابن عمه فأنقذه منها، إلا هذه المرة حيث طلب القبض عليه، ادعى شوقى لأتباعه، أن الضابط أحمد علاء أخذ امرأتين من أتباع الجماعة رهينة، وأفتى لهم بقتله، فقتلوه بالفعل، وهو فى طريقه لمكتبه. فى إبريل 1990 جاءت قوات مدرعة، ومعها المئات من الجنود، حاصروا قرية كحك، وحكى لى «سيد. س» من قيادات الجماعة، فى حديث خاص، أنهم ساعتها كانوا مستعدين للمواجهة، واعتلوا أسطح المنازل، والنخيل بالأسلحة، وضربوا على قوات الأمن فأصابوا عددًا كبيرًا، لكن الشرطة نجحت فى قتل عدد منهم، وقتل شوقى الشيخ. شوقى الشيخ مهندس زراعى، كان لديه مرض السرقة، واستحلال أموال الناس بالباطل، فاستطاع أن يفعل ذلك عن طريق الدين والشرع، رغم أنه لم يدرس فقهًا أو شريعة، واعتنق فكر جماعة التكفير، بعد أن دخل السجن فى قضية حرق محال الفيديو مع طه السماوى.