لا يوجد من ينكر الدور الثقافى الذى قام به أتيليه القاهرة فى تشكيل الوعى الثقافى الجمعى لمعظم المصريين، ودوره فى تجميع المثقفين من كل الاتجاهات والأيديولوجيات المختلفة، فرأينا فى هذا المكان التاريخى يوسف إدريس إلى جوار يحيى الطاهر عبد الله، وأمل دنقل، وغالى شكرى، ولويس عوض، وغيرهم الكثيرون من أعلام الثقافة المصرية الذين كانوا يجتمعون فى هذا المنبر الثقافى الذى ضمهم واحتضنهم، وظل الأتيليه يقوم بدوره الثقافى حتى اليوم رغم انحسار الأضواء عنه، ورغم الكثير من المؤامرات التى نُسجت حوله من أجل إبطال نشاطه الثقافى. لا ننكر أن الأتيليه فى الآونة الأخيرة انحسرت عنه الأضواء كثيرا، ولم يعد يستطيع القيام بدوره التنويرى والثقافى المهم الذى لعبه منذ عشرات السنين، ولكن الحفاظ على هذا المكان يُعد من الأمور المهمة لاستعادة الدور الثقافي الذى لعبه، فما يدور فى أتيليه القاهرة هذه الأيام يُعد بالفعل شيئا مُريبا وداعيا للكثير من التساؤلات حول ما يحدث تحت وصاية وزارة التضامن الاجتماعى التابع لها هذا المكان العريق. أرسلت محافظة القاهرة ووزارة التضامن الاجتماعى فى نهاية 2015م قرارها إلى جمعية الفنانين والأدباء رقم 11714 لعام 2015م تقرر من خلاله: عزل مجلس إدارة جمعية أتيليه القاهرة المقيدة برقم 448 لسنة 1967م التابعة لإدارة غرب القاهرة، وذلك للأسباب التالية: - عدم تحصيل الاشتراكات من الأعضاء المعزولين بقرار محافظ القاهرة رقم 2716 لسنة 2009م، - عدم قيام الجمعية العمومية المنعقدة فى 29/6/2014م باعتماد الحسابات الختامية لعام 2010م - عدم موافاة الإدارة بالحسابات الختامية عن أعوام 2011م، 2012م، 2013م، 2014م - عدم قيام مجلس الإدارة بالإسقاط الأول والثانى منذ انتخاب مجلس الإدارة بالكامل فى 29/10/2010م - عدم عقد جمعية عمومية لعامى 2013م، 2014م - عدم موافاة الإدارة بتقارير النشاط عن أعوام 2012م، 2013م، 2014م. كما نص قرار المحافظ على تعيين محمد عبد العال من العاملين بإدارة الشئون الاجتماعية كمفوض للجمعية، على أن تكون له اختصاصات مجلس الإدارة للدعوة لعقد جمعية عمومية عادية لانتخاب مجلس إدارة جديد خلال ستين يوما، وتنتهى مهمة المفوض بانتهاء انتخاب مجلس إدارة جديد. من خلال هذا القرار الذى أرسلته وزارة التضامن الاجتماعى ومحافظة القاهرة يبدو للجميع أن مجلس إدارة الأتيليه برئاسة الفنان أحمد الجناينى هو مجلس إدارة فاسد، أو يتستر على الفساد، وبالتالى لا بد من عزله بالفعل وإلغاء عضويتهم كأعضاء لجمعية الفنانين والأدباء تبعا للائحة الداخلية للأتيليه التى تنص مادة 17 منها على: «نزول صفة العضوية فى حالة الاستبعاد أو العزل من عضوية الجمعية: إذا أتى عملا من شأنه أن يلحق بالجمعية ضررا ماديا أو أدبيا جسيما، أو إذا استغل انضمامه للجمعية لغرض شخصى»، وبناء على هذه المادة من اللائحة الداخلية، وبناء على قرار محافظة القاهرة السابق يكون مجلس إدارة الأتيليه قد أضر به ضررا جسيما، وبالتالى لا بد من عزله، بل وشطب عضويته أيضا من كشوف أعضاء الجمعية العمومية، ولكن ما جاء فى قرار المحافظ كان مخالفا تماما لما يحدث على أرض الواقع ،ويُعد افتراءً على أعضاء مجلس الإدارة، ومخالفا لكل ما حدث بالفعل. فى عام 2009م تم عزل مجلس الإدارة الذى كان يرأسه الفنان وجيه وهبة بقرار من وزارة التضامن الاجتماعى، وذلك بعدما تبينت الأضرار الجسيمة التى سببها هذا المجلس بشكل عمدى للأتيليه، وكان من أهم هذه المخالفات: التأخر فى دفع إيجار مقر الجمعية منذ يوليو 2005م بما يوازى أربع سنوات، الأمر الذى أدى إلى لجوء ورثة المقر للقضاء من أجل استرداد المكان من الجمعية، كما استلم مجلس الإدارة شيكا بمبلغ 1000 يورو كجائزة للجمعية من السفارة الإيطالية، ولم يتم إيداع الشيك فى البنك، ولم يتم ذكره فى محاضر مجلس إدارة الجمعية إلا بعد مرور عام من تاريخ صدور الشيك، حيث كان الشيك بتاريخ 11/7/2007م، وتمت مناقشته فى المحضر رقم 246 بتاريخ 13/7/2008م، كما أنه لم يُذكر فى ميزانيات الجمعية لعام 2007م أو 2008م، وغيرها من المخالفات الجسيمة التى فعلها المجلس السابق، وبناء على هذه المخالفات تم عزل المجلس وتعيين الروائية سلوى بكر كمفوضة للجمعية لحين انتخاب مجلس إدارة جديد، وبالفعل خاطبت وزارة التضامن الاجتماعى سلوى بكر بشأن المجلس المعزول بأحقية الجمعية العمومية فى إسقاط العضوية عن جميع أعضاء المجلس، وهو ما تم فى يوم الأربعاء الموافق 7/10/2009م، حيث انعقدت الجمعية العمومية بحضور عدد 143 عضوا، وقد بدأ الاجتماع بالتصويت على: استبعاد جميع أعضاء المجلس المعزول من كشوف المرشحين، وإزالة عضويتهم طبقا للمادة 17 من لائحة النظام الأساسى للأتيليه، وذلك بإجماع الحاضرين، ولعل هذا القرار الذى وافق عليه جميع أعضاء الجمعية العمومية، كما وافقت عليه وزارة التضامن الاجتماعى يدل على أن الأعضاء بالفعل لا يحق لهم أن يكونوا أعضاء فى أتيليه القاهرة، كما أنه لا يمكن تحصيل الاشتراكات منهم؛ لأنهم قد سقطت عنهم العضوية قانونيا، فإذا نظرنا إلى القرار الأول الذى وجهته محافظة القاهرة فى نهاية 2015م والذى ينص على عزل المجلس الحالى بسبب عدم تحصيل الاشتراكات من الأعضاء المعزولين بقرار محافظ القاهرة رقم 2716 لسنة 2009م، يكون هذا القرار لا معنى له قانونا، بل هو افتراء على المجلس الحالى، ولعلنا إذا انتبهنا إلى نص القرار لوجدناه يقول «الأعضاء المعزولين» أى أن المحافظ يعترف نصا من خلال قراراه أنهم معزولون، وبالتالى لا يمكن تحصيل الاشتراكات منهم. النص الثانى لسبب عزل المجلس الحالى ينص على: «عدم قيام الجمعية العمومية المنعقدة فى 29/6/2014م باعتماد الحسابات الختامية لعام 2010م»، وهو قرار لا معنى له، لأن مجلس إدارة الأتيليه لم يعقد أى جمعية عمومية فى 2014م، فى حين أن القرار ينص على أن الجمعية تم انعقادها بالفعل فى 29/6/2014م، فكيف يحاول التضامن الاجتماعى ومحافظ القاهرة طلب حسابات على جمعية لم تنعقد بالفعل فى هذا العام؟ وإذا ما لاحظنا السبب الخامس للمحافظة الذى ينص على: «عدم عقد جمعية عمومية لعامى 2013م، 2014م»، بالتأكيد لا بد أن تصيبنا الدهشة، لأنه يؤكد فى «خامسا» عدم انعقاد الجمعية فى 2014م، فى حين أنه سبق التأكيد على أن الجمعية انعقدت فى 2014م، فكيف تمت إدانة المجلس مرة لانعقاد الجمعية فى هذا العام، فى حين يعود لإدانتها مرة أخرى لأنها لم تنعقد فى نفس العام؟ ينص القرار فى «ثالثا» أن من أسباب العزل: «عدم موافاة الإدارة بالحسابات الختامية عن أعوام 2011م، 2012م، 2013م، 2014م»، وهذا السبب غير حقيقي، لأن الجمعية بالفعل أرسلت حساباتها الختامية إلى التضامن الاجتماعى عن هذه الأعوام، بل وتمت مناقشة هذه الحسابات بين الجمعية ووزارة التضامن، كما كان للتضامن بعض الملاحظات التى وجهتها للجمعية عن هذه الأعوام، وهنا يكون قرار المحافظ والتضامن مُنكرا للحقيقة التى تؤكد وصول هذه الحسابات لهم. ينص السبب الأخير من حيثيات عزل مجلس الإدارة الحالى على: «عدم موافاة الإدارة بتقارير النشاط عن أعوام 2012م، 2013م، 2014م»، وهذا غير صحيح، حيث قامت الجمعية بالفعل بموافاة التضامن بتقارير النشاط الفعلية للجمعية. من خلال النظر إلى جميع حيثيات العزل للمجلس الحالى، وتفنيدها والرد عليها يتضح لنا أن التضامن الاجتماعى وقرار محافظ القاهرة مخالف للقانون تماما، الأمر الذى دفع مجلس إدارة أتيليه القاهرة إلى مقاضاتهما، ودفع الفنان أحمد الجناينى للتساؤل عن مصلحة التضامن ومحافظ القاهرة فى اتخاذ مثل هذا القرار، وعن السبب الذى يصرون من أجله على عودة جميع أعضاء مجلس إدارة وجيه وهبة المعزول فى 2009م مرة أخرى، وهو المجلس الذى كاد أن يُسلم العقار الكائن فيه الأتيليه إلى ورثته مرة أخرى وحلّ الجمعية العمومية بالكامل حتى لا يكون هناك أى تواجد لها، لا سيما أن اللائحة تنص على أنه إذا ما كانت المخالفات التى يرتكبها المجلس متعمدة بالفعل؛ فإنه لا بد من حلّ الجمعية العمومية. يبدو الأمر فى مجمله محاولة لعودة أعضاء مجلس إدارة 2009م المعزول بالمخالفة للقانون، كى يكون لهم الحق فى ترشيح أنفسهم مرة أخرى، والعودة إلى مجلس الإدارة بعد عزل المجلس الحالى، وهنا يمكنهم فعل ما فشلوا فيه من قبل فى تسليم المقر إلى الورثة وحل جمعية الفنانين والأدباء تماما لتصفيتها، بمساعدة المحافظ والتضامن.