التقارير حذرت من الاستغلال السياسي للأزمة وتصديرها شعبيًا.. أوصت ب«حوار مباشر» مع الأطباء لأنها ليست مشكلة بين فئتين.. رصدت انضمام «فئات إسلامية» للنقابة وتضامن محامين وصحفيين وشددت على ضرورة التدخل السريع.. «السيسى» تابع المشكلة منذ بدايتها من خلال تقارير «الأمن العام» تستحق الأزمة المشتعلة بين نقابة الأطباء ووزارة الداخلية أن نرجع قليلًا إلى الوراء لنقدم «كشف حساب» حول موقف كل طرف. ما بين امتناع عن التدخل ممثلًا في موقف مؤسسة الرئاسة، وإنكار ثم اعتذار ممثلًا في وزارة الداخلية، وتصعيد باسم الدفاع عن الكرامة تبدى في أقصى صوره في العمومية الأخيرة لنقابة الأطباء، لا تزال الأزمة تراوح مكانها. طرفا الأزمة الأساسيان متمسكان بموقفيهما، فالنقابة صعدت بأقصى الصور في التصويت بالإجماع على تعليق العمل في الأقسام الاقتصادية بالمستشفيات، والامتناع عن تقديم أي خدمة بأجر للمواطن في المستشفيات الحكومية وتحويل الخدمة الطبية بالكامل بالمجان، والتسمك بإقالة وزير الصحة، فيما الداخلية لم تتخذ أي إجراءات حقيقية لوأد الفتنة. أما على الصعيد الرسمى فلم تسجل مؤسسة الرئاسة موقفها بشكل معلن في بيان على لسان متحدثها. هنا في «البوابة» يمكن أن تقول إننا نحقق وراء الأزمة، نرصد بداية موقف مؤسسة الرئاسة ونعرض لتقارير سيادية حذرت من تداعياتها، وهو الجانب الذي لم يلتفت إليه أي أحد، ونقدم، كما ذكرنا مقدما، كشف حساب لمواقف نقابة الأطباء ووزارة الداخلية. الملاحظ في هذه الأزمة أنه برغم اشتعالها منذ أكثر من 15 يومًا فإن مؤسسة الرئاسة التزمت – رسميًا - بالصمت دون إصدار أي بيانات، أو الإشارة إلى توجيهات الرئيس في هذا الشأن، فيما كانت تتابع عن كثب تطوراتها خطوة بخطوة من خلال تقارير الجهات الأمنية وبخاصة تقارير جهاز الأمن العام. لم تفتح مؤسسة الرئاسة قنوات تواصل مباشرة مع الأطباء واكتفت بانتظار نتائج تدخل أطراف أخرى منها البرلمان لإنهاء الأزمة. كما لم تدرك أيضًا أن ترك وزارة الداخلية تحل المشكلة لن يؤتى ثماره فهى خصم وطرف غير محايد بالنسبة إلى الأطباء الطرف الآخر للأزمة. تقارير سيادية قدمت للجهات المعنية حذرت من أن هذه الأزمة يمكن أن تستغل في التصعيد السياسي، وأنها «ليست مجرد خلاف بين فئتين بالمجتمع»، فيما كان رأى الرئاسة أنه «لا تورط بشكل معلن ولا انحياز لأى طرف لحين انتهاء التحقيقات». وفق ما تقوله مصادر رفيعة المستوى فإن هناك حالة من الاستغلال السياسي للأزمة: «الهدف الأول لمؤسسة الرئاسة كان إجهاض الأزمة وإعادة حق الأطباء والدفاع عن كرامتهم من الاعتداء عليهم أثناء تأدية عملهم، وإعادة حقهم المعنوى والأدبى والجنائى، إلا أن هناك حالة من الاستغلال الواضح لتحقيق مكاسب سياسية، واستخدام الواقعة كورقة ضغط للحشد الأمر الذي قد يتسبب في فوضى كبرى». المصادر، التي فضلت عدم ذكر أسمائها، قالت إن المؤسسة تحركت بشكل سريع منذ تلقى تقرير بحدوث الأزمة يوم الخميس 29 يناير، إذ وجه الرئيس وزير الداخلية بمحاسبة المخطئين، الأمر الذي تم تنفيذه سريعا يوم الجمعة بإيقاف أمناء الشرطة عن العمل وإحالتهم إلى محاكمة تأديبية، مشيرة إلى أنه فور ورود معلومات باتهام «الأطباء» ل«الداخلية» بالضغط عليهم للتنازل عن المحضر المحرر حول الواقعة صدرت تعليمات بإعادة فتح التحقيق مرة أخرى. كما تم تشكيل ثلاث لجان من وزارة الداخلية للتواصل مع نقابة الأطباء ومراجعة الموقف، وطلبت النقابة الاطلاع على محاضر تحريات المباحث - التي تم تقديمها إلى النيابة - للتأكد من عدم الانحياز إلى أمناء الشرطة، وهو ما تم الاستجابة له، حيث تمت مراجعتها وحازت على رضا الأطباء لما تضمنته من ذكر لحقيقة الواقعة. بعدها تم التوجيه بمحاولة عقد مصالحة بين الطرفين وتنقية الأجواء بدعوة من وكيل مجلس النواب الذي قام بالتنسيق لعقد اجتماع في البرلمان بحضور عدد من النواب، وممثلين لنقابة الأطباء، وممثل عن وزارة الصحة هو رئيس قطاع مكتب وزير الصحة، وممثل آخر عن وزارة الداخلية هو مساعد وزير الداخلية، وذلك لبحث تسوية الموقف، إلا أن الأمر باء بالفشل. كانت تقارير سيادية قد رفعت إلى الرئيس حول الأزمة منذ بدايتها، مرورا بكافة التطورات، شملت تقديرا للموقف على الأرض وحذرت من التطور السريع واتخاذه بعدا سياسيا من قبل بعض الأطراف بمجلس نقابة الأطباء، واستخدامها في حشد واسع، فضلا عن تضامن فئات أخرى من المحامين والصحفيين وتقديم مطالب شعبية خاصة بإصلاح المنظومة الطبية، الأمر الذي قد يؤدى إلى استقطاب فئات شعبية فقيرة مما يساهم في عملية توسعة وخروج الأزمة عن النطاق الفئوى إلى النطاق العام. وحذرت التقارير من استغلال الأزمة من قبل اأطراف أخرى تعمل على تصعيدها، حيث رصدت تضامن بعض من الأحزاب السياسية المحسوبة على التيار الإسلامى، وأطباء مصنفين ضمن المتعاطفين مع جماعة «الإخوان»، فضلا عن إصدار حزب مصر القوية بيانا حول الأزمة. وأوصت هذه التقارير بضرورة التدخل السريع لإخماد الأزمة وفتح قنوات للحوار مع أعضاء مجلس النقابة. أما على صعيد مجلس الوزراء فقد جاء الرد متأخرًا، فبعد عقد الجمعية العمومية للأطباء، أكد رئيس مجلس الوزراء، شريف إسماعيل، أهمية استكمال التحقيقات الجارية في هذه الواقعة، ومعاقبة المخالفين والمدانين فيها، مشددًا على اهتمام الحكومة بالحفاظ على كرامة المواطن المصرى ومنع أي اعتداء عليه. الحديث عن هذه الأزمة يتطلب العودة قليلًا إلى الوراء بالنسبة إلى موقف وزارة الداخلية. تمسكت الوزارة في بداية الأزمة بأن الواقعة لا تخرج عن كونها خطأ فرديا، وأنه خطأ متبادل من الطرفين على حد سواء. وفى أول رد لوزارة الداخلية على الواقعة، كذبت رواية الأطباء والنقابة بشأنها وقالت على لسان اللواء أبوبكر عبدالكريم، مساعد وزير الداخلية للعلاقات العامة والإعلام، إن تفاصيل المشادة التي وقعت بين أمناء الشرطة وأطباء مستشفى المطرية هي أن أحد أمناء الشرطة أصيب أثناء مشاركته في ضبط أحد المجرمين، ثم توجه إلى مستشفى المطرية للعلاج ويقال إن الأطباء تأخروا في الفحص والبعض رأى أن الإصابة بسيطة لا تستوجب إجراء جراحة تجميلية، مما نتج عنه مشادة كلامية بين الأطباء والمصاب حتى تطورت لتشابك بالأيدي. وأضاف أن ذلك التشابك أدى لاتخاذ الأطباء بعض الإجراءات القانونية فقاموا بتحرير محضر بالواقعة، فاتخذت الداخلية الإجراءات القانونية الواجبة لتؤكد أنها لا تتستر ولا تحمى أي شخص يخالف القانون ويتعدى على المواطن، واصفا الواقعة بالمؤسفة و«لو أن الضباط أخطأوا أو تجاوزا فنحن نأسف لهذا التصرف ولكن الإجراءات القانونية والإدارية اتخذت اتفاقًا مع سياسات وزارة الداخلية». التطور الثانى للأزمة كان بتحرير أمناء الشرطة محضرًا ضد طبيبى المطرية، اتهموهما فيه بضربهما وإحداث أذى جسدى لهم، وهو كسر قدم أحد الأمناء، وكان ذلك في مقابل المحضر الذي تم تحريره ضد الأمناء. وأكد أحد الأطباء المعتدى عليهم، مؤمن عبدالعظيم، أن الأمناء توجهوا لمستشفى هليوبوليس ونسقوا مع طبيب عظام بها لكتابة تقرير يفيد إصابتهم بكسور جراء الاعتداء عليهم، وأن إحدى تلك الإصابات الموصوفة بالتقرير كانت كسر مضاعف بالساق، وكانت تخص أمين الشرطة الذي قام بالاعتداء عليهم وضربهم بكعب الطبنجة، فضلا عن صدور التقرير مختوما بخاتم المستشفى، على حد قوله. وأرسلت وزارة الصحة، خطابا إلى اللواء مجدى عبدالغفار وزير الداخلية، حول واقعة كسر أحد الأطباء بمستشفى المطرية التعليمى لقدم أمين شرطة إثر مشاجرة تمت بينهما في المستشفى، لكن وزارة الداخلية تمسكت بحقها كما يتمسك أعضاء نقابة الأطباء بحق زميلهم في عدم القبض عليه، وأكدوا أن المحضر أُحيل للنيابة. وبعد توجه الطبيبين إلى النيابة واطلاعهما على تقارير مستشفى هليوبوليس والتي أفادت أن الطبيبين قاما بالاعتداء على أمناء الشرطة وبالكشف عليهما اتضح أنهم مصابون بعدة كسور وبمواجهة الطبيبين وجه لهما ضابط التحقيق حرية الاختيار بين التنازل عن البلاغ المقدم ضد الأمناء، أو حبسهما 4 أيام بتهمة الاعتداء عليهم الذي أدى إلى كسور، فيما أكد أحد الأطباء في الواقعة أن شريط الفيديو الموضح لاعتداء أمناء الشرطة عليه وعلى زميله قد اختفى، فقرر كل من مؤمن عبدالعظيم وزميله أحمد محمود السيد التنازل عن بلاغهما المقدم ضد أمناء الشرطة في واقعة سحلهما. وبعد التنازل عن المحضر، وجه أحد الأطباء المعتدى عليهم، أسفه لنقابة الأطباء وزملائه من الأطباء الذين تضامنوا معه وحاولوا استرجاع جزء من كرامتهم كأطباء، قائلا إنه تنازل لشعوره بالخوف لأنه سيتم إهانته والتنكيل به إذا لم يتنازل عن البلاغ. ثارت نقابة الأطباء متهمة وزارة الداخلية بالضغط على الأطباء للتنازل عن المحضر، مهددين باتخاذ خطوات تصعيدية الأمر الذي جعل وزارة الداخلية تتخذ أول خطوة في اتجاه تهدئة الأوضاع حيث أكد وزير الصحة أنه قام بالتواصل مع وزير الداخلية، الذي أكد أنه تم إيقاف هؤلاء الأمناء عن العمل، وتحويلهم إلى مجلس تأديب. المتحدث الرسمى باسم الداخلية، اللواء أبوبكر عبدالكريم، أعلن أن الوزارة قررت وقف ثمانية من أمناء الشرطة عن العمل وإحالتهم للتحقيق، في واقعة الاعتداء على طبيبين في مستشفى المطرية التعليمى، وأن مدير أمن القاهرة قد أحال الواقعة للتحقيق. وفى محاولة لاحتواء الموقف تم التنسيق لعقد اجتماع في مجلس النواب بحضور عدد من النواب، وممثلين لنقابة الأطباء، وممثل عن وزارة الصحة رئيس قطاع مكتب وزير الصحة، وممثل آخر عن وزارة الداخلية مساعد وزير الداخلية، وذلك لبحث وتسوية الموقف. وقدم اللواء جمال السعيد حكمدار القاهرة ممثل وزارة الداخلية اعتذارا شخصيا، مؤكدا أنه تم إيقاف أمناء الشرطة المعتدين على طبيبى مستشفى المطرية التعليمى، فيما رفض ممثلو نقابة الأطباء على رأسهم الدكتورة منى مينا، ونقيب الأطباء، الاعتذار، متمسكين بعدم فتح قسم الاستقبال بمستشفى المطرية التعليمى لحين الاحتكام للجمعية العمومية للنقابة. بعدها قامت وزارة الداخلية بإجراء تحريات عن الأمناء في واقعة الاعتداء، وتم تسليم نتائج هذه التحريات إلى النائب العام الذي قام باستدعاء 9 أمناء شرطة، وقررت النيابة العامة إخلاء سبيل هؤلاء الأمناء بعد سماع أقوالهم وذلك بضمان وظيفتهم، وهم قيد التحقيق حتى الآن مع استمرار إيقافهم عن العمل لحين انتهاء التحقيقات. على الطرف الآخر صعدت نقابة الأطباء الأزمة وهو ما ظهر بوضوح في البنود التي صوتت عليها الجمعية العمومية، حيث قررت الجمعية امتناع الأطباء بالمستشفيات العامة والمركزية والمراكز والوحدات الصحية، والمستشفيات التابعة لهيئة التأمين الصحى والمؤسسة العلاجية وهيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية والمراكز الطبية المتخصصة عن تقديم أي خدمة طبية أو فحوصات أو عمليات مقابل أجر، على أن يتم تقديم جميع الخدمات والفحوصات الطبية لجميع المواطنين مجانا دون تحصيل أي رسوم تحت أي مسمى، ويتم تقديم جميع الخدمات بموجب تذكرة الاستقبال المجانية، ومطالبة وزير الصحة وجميع مديرى الإدارات والمستشفيات بصرف الأدوية المطلوبة بتذكرة الاستقبال المجانية، وتكليف مجلس النقابة بوضع بروتوكول لذلك، على أن يبدأ التنفيذ اعتبارا من يوم السبت الموافق 27 فبراير 2016، ومطالبة جميع الأطباء بإغلاق العيادات الخاصة يوم السبت 19 مارس (بعد يوم الطبيب مباشرة)، أو جعل هذا اليوم للكشف المجانى على المواطنين. تصويت الجمعية العمومية على مجانية الخدمات يخرج الأمر من كونه وقفة لاستعادة الكرامة إلى قفزة لإصلاح منظومة الصحة على الرغم من كونها مطالبات قديمة ومشروعة إلا أن الضغط بها في تلك الأزمة يبدو تسيسا للأزمة وضغطا على الدولة بضم فئات من البسطاء للمواجهة. وفى نفس السياق فإن التمسك بتنفيذ قرار عمومية الأطباء دون دراسة يؤدى إلى تبعات اقتصادية سلبية، خاصة مع زيادة عجز الموازنة بشكل عام، وموازنة الصحة بشكل خاص، لأن زيادة الموازنة بالعجز ستزيد نسبة التضخم، ونسبة العجز في الموازنة خطر داهم سيؤثر في النهاية على تقديم الخدمة الصحية. كما انخرط الأطباء في صراع على الهامش مع وزير الصحة الدكتور أحمد عماد الدين، حيث وافقت الجمعية العمومية للأطباء بالإجماع على المطالبة بإقالة وزير الصحة وتحويله للتحقيق بلجنة آداب المهنة بالنقابة، نظرا لعدم اتخاذه إجراءات حقيقية لحماية الأطباء أثناء تأدية عملهم، ونظرا لاقتراحه إصدار القرار الخاص بإنشاء هيئة التدريب الإلزامى للأطباء، دون عرضه على مجلس نقابة الأطباء، متهمين الوزير بعدم الدفاع عن الأطباء. رد الوزير بأنه اتصل بالمهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، في أزمة مستشفى المطرية للتأكيد على حقوق الأطباء وطلب لقاء الأطباء، ولكن رفضوا التواصل معه، مؤكدا أن الحكومة ووزارة الصحة لم تقصر في أزمة أطباء المطرية، ولا يعرف سبب التصعيد، قائلًا: «أنا كوزير قمت بدوري والقضاء يقوم بدوره حاليا». وتابع: «كنت عميد طب عين شمس، وفى فبراير 2015، تم اعتداء مرضى على الأطباء وأصدرت قرارا بإغلاق المستشفى، ولم تظهر وقتها النقابة في الصورة». حالة الاشتباك بين النقابة والوزير ظهرت في التراشق الإعلامي بين الطرفين وتبادل الاتهامات، حيث ردت الدكتورة منى مينا على تصريحات الوزير بأنها «مسيسة»، قائلة: «كلام الوزير هو اللى مسيس، وكل اللى اتكلموا في النقابة أكدوا على عدم رفع شعارات سياسية، لأنها مشكلة مهنية، والنقابة منحازة للمرضى طول عمرها، وقراراتها غير مسيسة». كما هاجمت مينا قرار وزير الصحة والسكان بإنشاء هيئة التدريب الإلزامى للأطباء، مشيرة إلى أن الوزير اتخذ قرارات في ظل أزمة الأطباء، وكأنه يستغل فرصة انشغالهم. وأضافت أن قرار التدريب الإلزامى الذي أصدره الوزير هو اعتداء آخر على الأطباء، لأنها ضريبة لتحصيل الأموال، وتخط لقانون النقابة، و«هو قرار معيب سوف يسقط مع الطعن الدستورى»، لافتة إلى أن «الأطباء غاضبون بسبب عدم وقوف الوزير معهم واتخاذه قرارات ضدهم». وأكدت أن أفعال الوزير كانت السبب في الإجماع على إقالته، فقد تحرك الوزير في أزمة المطرية متأخرا بعد الواقعة ب15 يوما.