حين يدقُ ناقوسُ الزمنِ إيذانًا بقدومِ العامْ تقومُ الدنيا من أدناها إلى أقصاها لتعيشَ أفخمَ أيامْ في كلِ بيتٍ زيناتٌ في كلِ طريقٍ راياتٌ في كلِ مكانٍ حفلاتٌ وفي أجهزةِ الإعلامْ الكلُ يزينُ شجرَ العيدِ بأقصى مهارةْ أو يصنعُ في البيتِ مغارةْ تحكي الميلادَ بدونِ كلامْ نفسُ البرنامجُ يتكررُ في كلِ كنائسِنا وعظاتٌ باتتْ تتكررُ عبرَ الأعوامْ وبعدَ قليلٍ يمضي العيدْ وتُطرحُ أشجارُ العيدْ تتسخُ أثوابُ العيدْ يصيرُ العيدُ كأنْ ما كانْ ويروحُ سريعًا كي يقبعَ حتى العامَ القادمَ في سجنِ النسيانْ ويمضي العيدْ من غيرِ أن يسألَ أحدٌ لماذا هذا العيدُ كانْ؟ ولماذا يأتي ربُ المجدِ ويُولدُ في دنيا الإنسانْ؟ قد جاءَ ربُ المجدِ لهذي الأرضِ كي يزرعَ حبًا وصفاءْ حبًا لله ولكلِ قريبٍ وبعيدٍ حبًا حتى للأعداءْ قد جاءَ الفادي كي يمحو من قلبِ العالمِ كلَ عَداءْ وليزرعْ في كلِ الدنيا أشجارَ ودٍ وإخاءْ ونحن إن كنا نريدْ أن نحيا بهجةَ هذا العيدْ فلنحيا الحبَ بدونِ رياءْ كيف نحتفلُ بالعيدِ؟ كيف نتهللُ والقلبُ ما زالتْ تسكنهُ البغضاءْ لكنْ إنْ كنا نريدْ أن نحتفلَ بهذا العيدْ في شكلِ جديدْ فلنعطِ الحبَ بكلِ سخاءْ نحبُ الله في عظمتهِ نحبُ الكونَ بجملتهِ نحبُ حتى مياه البحرِ ونحبُ رمالَ الصحراءْ حبًا يتخطى حدودَ الدولِ والأجناسِ ويمسُ قلوبَ البؤساءْ حبًا يُعطي لكلِ البشرِ فالحبُ بذلٌ وعطاءْ حبًا تفرزهُ إرادتنا ليستْ تحكمهُ عاطفةٌ لا يخضعُ أبدًا للأهواءْ حبًا ليس يعرقلهُ شرٌ أو ألمٌ وشقاءْ بالحبِ نذكرُ ربَ الحبِ إذ بالحبِ الصادقِ جاءْ بالحبِ نرتفعُ دوامًا لنحلقَ في أعلى سماءْ قد جاءَ ربُ المجدِ لهذي الأرضِ كي يرفعَ من شأنِ الإنسانْ ليخففَ آلامَ البائسْ وليعطِ أملًا لليائسْ وليمسحَ كلَ الأحزانْ جاءَ للميتِ والأبرص جاءَ للمُقعد والأخرسْ ليعيدَ البصرَ إلىِ العميانْ وعاشَ حياتَه بين الناسْ يسعى بإخلاصْ ليقدمَ للبشرِ الإحسانْ وجالَ كي يصنعَ خيرًا ويحاربَ أجنادَ البؤسِ في كلِ مكانْ قد جاءَ ليبني ملكوتًا يرتفعُ فيه الإنسانْ ويكونُ الناسُ ملوكًا فيه بغيرِ تيجانْ ملكوتُ اللهِ يحتاجُ أن يعملَ كلُ الأخوانْ يحتاجُ مَن ينقذ شخصًا من بئرِ الفاقةِ والحرمانْ مَن يبسطُ يدهُ برغيفٍ يُسكتُ أمعاءَ الجوعانْ مَن يحملُ نبراسَ الأملِ مَن يَهدي الناسَ إلى الإيمانْ مَنْ يحملُ بالحق ضميرًا يدينُ الظلمَ والطغيانْ ويناصرُ حقَّ الضعفاءِ في كلِ مكانٍ وزمانْ هيا إخواني كي نعملَ فمالملكوتُ لكسلانْ فصوتُ الربِ يدعونا وزمانُ النومِ ليس زمانْ قد جاءَ الربُ كي يُعلنَ لجميع ِالناسْ طريقَ الربِ الحقيقيةْ وليعلنَ أن الدينَ حياةٌ ليس أمورًا شكليةْ وليرفعْ ناموسَ الرحمةْ فوق النواميس الطقسيةْ فليس تيوسٌ أو ثيرانْ ليس غسلاتٌ للأبدانْ لا شئ يبذله الإنسانْ يساوي الطاعةْ القلبيةْ والسبتُ لخيرِ الإنسانِ ليس قيودًا أو عبوديةْ والصومُ ليس إذلالًا أو إظهارًا ليس فرضًا أو إجبارًا الصومُ عبادة شخصيةْ وصلاةُ الفردِ في المَخدعْ يناجي ربَه في المضجعْ فليس سوى الآبُ يسمعْ خلجاتِ القلبِ المخفيةْ والصدقةُ ليست كسبَ مديحْ بل حبًا لله صحيحْ وحبًا للناسِ صحيحْ ليستْ أوسمةَ شرفيةْ قد جاءَ الربُ كي يعطي للدينِ حياةَ عمليةْ واليومَ ما زلنا نحيا الدينَ طقوسًا بشريةْ فنعيشَ المظهرَ لا الجوهرْ ننشغلُ تمامًا بالمنظرْ وجمودِ حياةٍ حرفيةْ مَن صلّى.. يصلّي لأجلِ الناسْ مَن صام..َ يصومُ بحسبِ الناسْ مَن أعطى.. يرجو مديحَ الناسْ فالناسُ قد عبدوا الناسْ من دونِ الذاتِ الإلهيةْ نحتاجُ دينًا في الداخلْ لا في الخارجْ نحتاجُ ديانةْ قلبيةْ حتى نتقدمَ للهِ بذبائحَ شكرٍ مرضيةْ فلنفرحْ في هذا العيدْ ولنلبسْ أثوابَ العيدْ لنعلقْ أضواءَ العيدْ لنُقم ما شئنا من الزيناتْ ولنجعلْ كلَ الدنيا تغنى معنا نشيدَ العيدْ لننظمْ أفخمَ حفلاتْ لكنَّ علينا أن نتذكرَ أنَّ ميلادَ الربِ ليس ذكرى سوف تدومُ بضعَ ساعاتْ بل نتفهمُ بالتدقيقِ ما في الذكرى من آياتْ ذكرى الميلادِ تعلّمنا أن الحبَ طريقُ الله وهو لكلِ الناسِ حياةْ ذكرى الميلادِ تعلّمنا أن نسعى بكلِ إخلاصٍ كي نرفعَ عن صدر العالم كل الضيقاتْ ذكرى الميلادِ تعلّمنا أن عبادةَ ربِ الكونِ ليس مجردَ شكلياتْ في مثلِ هذا اليومْ قد جاءَ الربُ حتى يعبرَ بالإنسانِ بحرَ الحزنِ والظلماتْ قد نزلَ الربُ كي يرفعَ معه الإنسانْ ويضعه في أعلى الدرجاتْ فليت العيدُ يحفّزنا كي نتركَ كلَ الأحقادِ وننقّي القلبَ والنياتْ وليت الذكرى تجعلنا أن نعملَ من أجلِ الناسِ ونجففَ كلَ العَبراتْ وليعدُ الربُ هذا العيدْ على الإنسانْ في كلِ مكانْ بكلِ الحبِ والبركاتْ ْ