إنشاء كليات وجامعات جديدة.. أبرز قرارات مجلس الجامعات الخاصة مايو 2025    فى ختام التعاملات.. أسعار الذهب فى مصر اليوم    الصحة العالمية: تكدس الناس حول شاحنات الإغاثة سببه إسرائيل    محمد صلاح: ضغط الجمهور ساهم فى التجديد لليفربول.. وكنت قريبا من الرحيل للسعودية    مانشستر يونايتد يحسم صفقته الصيفية الأولى    صلاح: أشعر بأن فرصة الحصول على الكرة الذهبية باتت أقرب حاليًا    يوفنتوس إلى دوري الأبطال وفينيزيا يودّع الدوري الإيطالي    نماذج امتحانات البلاغة والصرف والنحو لالثانوية العامة الأزهرية 2025 بنظام البوكليت    مصرع 3 عمال في بيارة صرف صحي بالإسماعيلية    مصابان بحروق في حريق مصنع طوب بالبدرشين    ختام مثير للدورة الثامنة والسبعين لمهرجان كان السينمائى    بحضور تامر حسني وكزبرة.. 20 صورة من العرض الخاص لفيلم "ريستارت"    توقعات الأبراج ليوم الإثنين 26 مايو 2025    محمد صلاح: أستطيع اللعب حتى سن ال40 والريال وبرشلونة مش فى الصورة    تكريم نجوم وفريق عمل "لام شمسية" في حفل جوائز كأس إينرجي للدراما    وكيل صحة بالمنوفية يتفقد أعمال التدريب بالمركز الصحي بأشمون    بعد اعتباره فائزًا.. ماذا يحتاج النصر للتأهل لدوري أبطال آسيا للنخبة؟    كيف أطاحت نكتة بوزير ياباني من منصبه؟    قادة "آسيان" يعقدون قمتهم ال 46 في ماليزيا غدًا الاثنين    شهباز شريف وأردوغان يؤكدان تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين باكستان وتركيا    حفل كأس إنرجي للدراما يكرم نجوم موسم رمضان 2025    الملك عبد الله الثاني يوجه كلمة للأردنيين بمناسبة ذكرى الاستقلال ويثير تفاعلا    تنفيذ أضخم مشروع جينوم بالشرق الأوسط وتسليم عينات جينوم الرياضيين    «نقل البرلمان»: توافق على موازنة جهاز تنظيم النقل البري الداخلي والدولي    تامر حسني يصل العرض الخاص لفيلمه الجديد «ريستارت» | صور    أحكام الحج (1).. علي جمعة يوضح ما هو الحج وحكمه وفضل أدائه    ما حكم سيلفي الكعبة المشرفة؟ عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى تجيب    وزير المالية الألماني يبدي تفاؤلا حذرا حيال إمكانية حل النزاع الجمركي مع واشنطن    ماذا قال "سفاح المعمورة" أمام جنايات إسكندرية؟    تطوير خدمات طب العيون بدمياط بإمداد مستشفى العيون بجهاز أشعة مقطعية متطور    قريبًا.. انطلاق برنامج "كلام في العلم" مع دكتور سامح سعد على شاشة القناة الأولى    رئيس نابولي يؤكد اهتمام ناديه بضم دي بروين    هل السجود على العمامة يبطل الصلاة؟.. الإفتاء توضح الأفضل شرعًا    قبل أيام من قدومه.. لماذا سمى عيد الأضحى ب "العيد الكبير"؟    أبوتريكة يحدد الأندية الأحق بالتأهل لدوري أبطال أوروبا عن إنجلترا    وزير الخارجية والهجرة يلتقى مع وزير الخارجية النرويجي    دليلك لاختيار الأضحية في عيد الأضحى 2025 بطريقة صحيحة    المفتي: يوضح حكم التصرف في العربون قبل تسليم المبيع    خلال المؤتمر الجماهيري الأول لحزب الجبهة الوطنية بالشرقية.. عثمان شعلان: ننطلق برسالة وطنية ومسؤولية حقيقية للمشاركة في بناء الجمهورية الجديدة    «الإسماعيلية الأزهرية» تفوز بلقب «الأفضل» في مسابقة تحدي القراءة العربي    "عاشور ": يشهد إطلاق المرحلة التنفيذية لأضخم مشروع جينوم في الشرق الأوسط    إصابه 5 أشخاص في حادث تصادم على الطريق الإقليمي بالمنوفية    نائب رئيس الوزراء: زيادة موازنة الصحة ل406 مليارات جنيه من 34 مليار فقط    5 سنوات على مقتل جورج فلوريد.. نيويورك تايمز: ترامب يرسى نهجا جديدا لخطاب العنصرية    وزارة الداخلية تواصل تسهيل الإجراءات على الراغبين فى الحصول خدمات الإدارة العامة للجوازات والهجرة    جدول مواعيد الصلاة في محافظات مصر غداً الاثنين 26 مايو 2025    النواب يوافق نهائيا على مشروع تعديل قانون مجلس الشيوخ    محافظ المنوفية: تقييم دوري لأداء منظومة النظافة ولن نتهاون مع أي تقصير    الصحة العالمية تشيد بإطلاق مصر الدلائل الإرشادية للتدخلات الطبية البيطرية    محافظ بني سويف يلتقي وفد القومي لحقوق الإنسان    محافظ الشرقية: 566 ألف طن قمح موردة حتى الآن    انتظام كنترول تصحيح الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالشرقية    بعد افتتاح الوزير.. كل ما تريد معرفته عن مصنع بسكويت سيتي فودز بسوهاج    لخفض البطالة.. كلية الاقتصاد جامعة القاهرة تنظم ملتقى التوظيف 2025    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عدة قرى وبلدات في محافظة رام الله والبيرة    استعدادًا لعيد الأضحى.. «زراعة البحر الأحمر» تعلن توفير خراف حية بسعر 220 جنيهًا للكيلو قائم    «ليلة التتويج».. موعد مباراة ليفربول وكريستال بالاس والتشكيل المتوقع    أول رد من «الداخلية» عن اقتحام الشرطة لمنزل بكفر الشيخ ومزاعم تلفيق قضية لأحد أفراد العائلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرحيم علي يكتب: الطريق إلى 25 يناير (4).. الصاعدون فوق رُكام الفوضى
نشر في البوابة يوم 28 - 12 - 2015

«الإخوان» في «فراش الأمريكان» لتدمير المنطقة العربية
لا يمكن أن نبدأ حديثا عن 25 يناير وما حدث في مصر وعدد من الدول العربية بعد ذلك دون أن نتطرق إلى الحديث عن الأجندة الغربية تجاه الشرق الأوسط، والحديث هنا ليس حديثًا ثانويًا يمكن تجاهله أو تناوله بمعزل عما حدث ويحدث في المنطقة منذ سنوات، خاصة تلك التحولات والأحداث التي رسمت خرائط ما عرف ب«الربيع العربى»، فأمريكا ودول الغرب تعلن صراحة عن رغبتها في مزيد من التفتيت للأمة العربية في ضوء اعتبارين، الأول: يتعلق بإدراكها لقدرات الجيوش العربية وقوتها، ومدى الخطر الذي يحيط بإسرائيل منذ حرب أكتوبر 1973 والموقف العربى الموحد إبانها.. خاصة قوة الجيش المصرى التي ظهرت بوضوح أثناء الحرب، والثانى: هو قيام الدول العربية بتوظيف سلاح النفط للضغط على أمريكا في موقفها تجاه إسرائيل، الأمر الذي مثل دافعًا مهمًا للسيطرة على تلك الثروات.
ولم يختلف الحال كثيرًا في المغرب التي سار فيها الحزب الإسلامى «العدالة والتنمية أيضًا»! على نفس المنوال، وبدا في موقعه من صفوف المعارضة أنه ليست لديه أي مشكلة بنيوية تجاه الغرب والأمريكان بصفة خاصة، ولم يتردد في التواصل مع المؤسسات الأمريكية المختلفة، وعلى رأسها سفيرها في الرباط الذي لا يرى الحزب حرجًا في استقباله ولقائه علنًا.
وإذا أضفنا لهذين النموذجين الإسلاميين المقبولين -في السلطة والمعارضة- نموذج الحزب الإسلامى العراقى الذي كان الحركة السنية الوحيدة التي قبلت بالمشاركة في مجلس الحكم الانتقالى الذي أسسه ورأسه بول بريمر ممثلًا عن سلطة الاحتلال الأمريكى، أمكن لنا أن نؤكد وجود مبررات قوية لأمريكا تدفعها لتغيير موقفها من الإسلاميين، بما يسمح لأن تجيب عن السؤال: هل تقبل أو تسمح بوصول الإسلاميين إلى السلطة في مصر والعالم العربى؟ لتقول: ولم لا؟
إن مأزق الأنظمة العربية أنها فقدت أهميتها لدى الأمريكان، ولم تعد فزاعة الإسلاميين التي كانت ترفعها ذات أهمية، ولم يعد هناك جدوى من تخويف الأمريكان بالنموذج الجزائرى أو من شرور الإسلاميين الذين ربما صاروا الحل الأمثل والرهان الذي يوشك أن يلعب عليه الأمريكان في المنطقة، وهو ما يمكن أن يبينه أي متابع لتقارير جهات بحثية مؤثرة في رؤية الإدارة الأمريكية، مثل مؤسسة «راند» أو «كريسس جروب»، فهى تكاد تشير صراحة إلى أهمية النظر بعين الاعتبار إلى مشاركة الإسلاميين في اللعبة السياسية.
وإذا كانت العقبة في ذلك هي موقف الإسلاميين من إسرائيل، فإننا هنا نميز بين موقفين للإسلاميين: الأول خاص بالحركات الإسلامية في البلاد البعيدة نسبيًا عن المشكلة مثل تركيا والمغرب، وسنلاحظ أن إسلاميى هذه البلاد ليست لديهم حساسية كبيرة تجاه المشكلة الإسرائيلية بما يضر بالسياسات الأمريكية أو يهددها، فهى لم تبنِ شعبيتها في الشارع السياسي على العداء لإسرائيل ولم تربط مشروعها -يومًا ما- بالقضاء على إسرائيل، وأقصى ما كانت تفعله هو التجاوب مع مشاعر الشارع السياسي والتعبير عنها.
ويمكن فهم هذا في ضوء الموقف الذي وقفته حكومة الإسلاميين الأتراك من إسرائيل، باستدعاء رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان للسفير التركى في «تل أبيب»، احتجاجًا على تصعيد إسرائيل لعمليات تصفية ناشطى الانتفاضة. برجماتية الإسلاميين الأتراك لم تتركنا طويلًا للتعجب، فقد وضح بما لا يدع مجالا للشك أن الموقف التركى ما هو إلا ورقة لم تكلفهم شيئًا في مقابل فوز مرشحهم، أكمل الدين إحسان أوغلو، بمنصب رئيس منظمة المؤتمر الإسلامى، فقد اكتسح الرجل انتخابات المنظمة التي أجريت بعد استدعاء أردوغان للسفير الإسرائيلى بيومين فقط، وهو ما تكرر لاحقًا في رسالة الرئيس المعزول مرسي في خطابه لشيمون بيريز «عزيزى وصديقى العظيم»، فما هي إلا مجرد عناوين تختبئ خلفها أقنعة زائفة (1).
أما الثانى، فهو موقف الإسلاميين في مصر وليبيا وغيرهما، فهو موقف يعتمد على إظهار العداء مع ممارسة عكس ذلك، من أجل الحصول على دعم شعبى واتخاذ صورة المدافع والمناضل عن حقوق الشعوب، من أجل اكتساب قاعدة جماهيرية، وفى سبيل الوصول للحكم، وهى ورقة يعرف الأمريكان جيدًا، كيف يلعبون بها.
العودة لخيار الإخوان
بدءًا من عام 2004، بدأ المحافظون الجدد في إدارة بوش الابن، استعادة حماستهم لتشكيل خريطة «الشرق الأوسط الكبير»، والتفكير الجاد في الاستعانة بالإخوان مجددًا، وهكذا حافظ تغيير الرئيس الأمريكى القابع في البيت الأبيض (من بوش إلى أوباما) على هدف واحد، وهو بناء «الشرق الأوسط الكبير» وهذا ليس مفاجئًا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن أعضاء فريق السياسة الخارجية ل«بوش الابن» المسئولين عن سياسة التقارب مع الإخوان يمسكون بمناصب مهمة في إدارة أوباما (2).
ولهذا، قررت إدارة باراك أوباما أن الإخوان هم الذين يجب أن يحكموا في كل البلدان العربية بعد سقوط حكامها، ففى الواقع يفيد وجود الإخوان الراديكاليين مصالح واشنطن في جعل منطقة «الشرق الأوسط» أكثر حيوية، فنظام الحكم العسكري المصرى الذي ترأسه حسنى مبارك لا يفيد لتحقيق مثل ذلك الغرض، فقد بات «لينًا»، وكفّ عن أن يكون قوة إقليمية ضاربة رئيسية.
التحولات الدولية
عقب الحرب العالمية الثانية، وانتقال السيادة والزعامة للولايات المتحدة الأمريكية التي ورثت السيادة على دول النفوذ الإنجليزى، ومن بينها مصر وفلسطين والأردن ودول الخليج العربى، ظهرت ملامح الصراع العربى الإسرائيلى، وتكشفت بمرور الوقت محاولات دفع مصر إبان فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر، فيما عرف آنذاك بخطة «اصطياد الديك الرومى»، إلى معارك وبطولات وهمية، مما دفع القوات المسلحة المصرية إلى التورط في المستنقع اليمنى، وإفشال مشروع الوحدة مع سوريا، وكان من نتائجه نكسة عام 1967، وازدياد الضغط الأمريكى على كل من الأردن وفلسطين وباقى دول الخليج العربي، مع بوادر الظهور الأولى للثروات العربية، وارتباطًا بذلك، استمرت السياسات الغربية في زرع بذور الفتنة والخلاف بين مصر وباقى دول المنطقة إبان عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، فضلًا عن تدخلها السافر في شئون تلك الدول، من خلال بث بذور الفتنة لإثارة النزاعات الطائفية والدينية والانفصالية بدول المنطقة.
وفى إطار ذلك المخطط «الصهيوأمريكى» انطلقت القوى الاستعمارية الجديدة لتنفيذ مخططاتها من خلال الضغط على الحكومات العربية والإسلامية واستقطابها في آن واحد وتشجيعها سرا على ممارسة الأنشطة الديكتاتورية، وقمع الحركات الإسلامية، فضلًا عن استقطابهم للعناصر الشبابية من تلك الدول من خلال أعمال استخباراتية، بعضها معلن كشبكة المعلومات الدولية «الإنترنت»، وبعضها غير معلن من خلال تجنيد العملاء من تلك الدول، في إطار معلن هو تعليم الأجيال والشباب ثقافة نشر الديمقراطية بدول المنطقة.
كما استمرت السياسات الغربية تجاه تفتيت عضد الدول العربية والإسلامية من خلال التخويف المستمر من النشاطات الإيرانية والمد الشيعى في الدول السنية، دونما اتخاذ أي إجراءات دولية ضد إيران، على الرغم من التصريحات الساخنة الإيرانية والأمريكية والإسرائيلية المتبادلة بينهما منذ أكثر من (15) عامًا.
وكان من أبرز ملامح النظام الدولى بعد الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار الاتحاد السوفييتى، تعاظم الدور الأمريكى الغربى في العالم أجمع، وبصفة خاصة بمنطقة الشرق الأوسط، وذلك بعد انهيار الاتحاد السوفييتى ودول الكتلة الشرقية في مطلع التسعينيات.
قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه الميزانيات التي كانت مخصصة لتفكيك الاتحاد السوفييتى إلى تمويل المنظمات والمؤسسات العلمانية بمنطقة الشرق الأوسط، في إطار محاصرة التيار الإسلامى المتنامى من خلال نشر ثقافة منظمات المجتمع المدنى ومراكز حقوق الإنسان، من خلال تعظيم الأدوار الحقوقية والقانونية للأمم المتحدة بالتواطؤ مع النظام الأمريكى.
قصور دور المنظمة الدولية (الأمم المتحدة) وخضوعها للنفوذ الأمريكى والغربى
تصاعدت الأدوار الغربية بشكل عام، وبصفة خاصة الدور الألمانى في ظل تولى الحزب المسيحى مقاليد الحكم بدولة ألمانيا (وهو ما يفسر التقارب الأمريكى الألمانى خلال السنوات الأخيرة ووجود عدد كبير من منظمات المجتمع المدنى الألمانية في مصر كمنظمة فريد رتش ناومن، ومنظمة فريد رتش أبر).
قيام الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام أطرافها في المنطقة والمتمثلة في دول (قطر - إيران - إسرائيل) والمؤسسات والعناصر الموالية لها.
وتخفيفًا للأعباء التي وضعت على كاهل الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تم تفعيل آليات مختلفة لمواجهة التحديات في الشرق الأوسط، خاصة بعد التطورات الطبيعية في النظام العالمى الجديد الذي يتجه حاليًا إلى التعددية، ويلغى فكرة الأحادية، ومن هذه التطورات:
عودة العافية لروسيا الاتحادية بعد معاناة سنوات التفكيك، ومحاولاتها احتلال موقع الاتحاد السوفييتى القديم، واستعادة قوتها وارتباطاتها بالعديد من الدول في مناطق إستراتيجية على مستوى العالم، منها الشرق الأوسط، وربما تكون مساندة روسيا للنظام السورى في مواجهة قوى المعارضة في هذا البلد الذي يمثل منطقة مهمة في الشرق الأوسط، هذا إلى جانب مساندة روسيا للبرنامج النووى الإيرانى، والوقوف سياسيًا ضد توجهات الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على المنطقة، كذلك فإن معارضة روسيا لتدخل حلف شمال الأطلنطى إبان الثورة الليبية دليل على عدم ترك أمور المنطقة للغرب، بل إن سياسة روسيا الحالية هي إحداث توازن عسكري، لإيقاف التغلغل الأمريكى في العالم.
صعود القوى الناشئة بفاعليتها على مستوى العالم ومحاولاتها الوجود في مناطق إستراتيجية مهمة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وأهم هذه القوى الصين التي تحقق أكبر مستوى تنمية على مستوى العالم، كما تتجه إلى تحديث قدراتها العسكرية من خلال تكنولوجيا متقدمة في نفس الوقت، ومن خلال القوة الناعمة تمكنت من ربط المصالح الصينية مع قطاعات واسعة في أفريقيا وآسيا، من خلال الاستثمارات الاقتصادية الكبيرة، وفى هذا المجال أيضًا تأتى الهند والبرازيل وتركيا وغيرها كقوى ناشئة تحاول توسيع مجالات نفوذها في العالم، وبما يتطلب رسم سياسات جديدة للنظام العالمى الجديد، بدأته الولايات المتحدة الأمريكية بالفعل بالتوجه باستراتيجيتها العسكرية نحو بناء قدرات متفوقة في جنوب شرق آسيا والمحيط الهندى، على أن تعتمد في استمرار السيطرة على الشرق الأوسط من خلال حلف شمال الأطلنطى كقوة سياسية عسكرية يلعب فيها الاتحاد الأوروبي دورًا رئيسيًا، كذلك على إسرائيل كقوة ردع تنفذ تعليمات الولايات المتحدة الأمريكية، والمحاربة بالوكالة عنها.
إذن، كل الشواهد تدل على أن منطقة الشرق الأوسط ستعود إلى ما كانت عليه إبان مرحلة الحرب الباردة، تلعب فيها الاستقطابات دورًا رئيسيًا، ويبحث كل طرف قديم أو جديد على مصالحه الذاتية التي تحقق له استراتيجياته، وأهم إستراتيجيات الولايات المتحدة في المنطقة هي: أمن إسرائيل، تدفق البترول، أمن قناة السويس وارتباط القوى الرئيسية في المنطقة بها.
في المقابل، فما يعنى وروسيا الاتحادية في المنطقة هو الوجود بالقدر الذي يؤثر على مصالح الولايات المتحدة، وترنو إلى أن تعود العلاقات القديمة على نمط الاتحاد السوفييتى القديم، بما يجعل مصر مفتاحًا لوجودها في شرق المتوسط، بينما الصين كقوة صاعدة تهدف إلى المنافسة الحقيقية والانتشار في عالم يسوده صراع القوى، وهى تعلم أن أفريقيا هي قارة المستقبل بإمكانياتها والطفرات التي تسود شعوب القارة، وبما يحقق للصين مستقبلًا زاهرًا في تحقيق مصالحها في القارة، واقتسام المصالح مع القوى الأخرى، أما الدول الأوروبية -دول الاستعمار القديم- فهى تسعى بدورها لتثبيت أقدامها في المنطقة فرادى أو من خلال المؤسسة الجامعة، وهى الاتحاد الأوروبي.
حرب الشرق الأوسط
هنا يأتى السؤال المهم، أين نحن سائرون؟ والإجابة يضعها المفكر الأمريكى «والتر هيبمان»، أمام أعيننا، حين يقول: «إن الدولة تكون آمنة عندما لا تتنازل عن حقوقها من أجل تفادى الصراع، بل إنها يجب أن تلوح بالحرب عندما تتفاوض من أجل تحقيق مصالحها»، وهذا هو مختصر ما يجب أن تسير عليه إستراتيجيات دول المنطقة إذا أرادت لنفسها تأكيد مكانها ومكانتها على خريطة العالم، وربما تكون ثورات الربيع العربى وما أفرزته من قيم ومتغيرات حادة عاملًا رئيسيًا يقود السياسات إلى أن تجد لنفسها المكان المناسب، حيث إن دول الشرق الأوسط لها تاريخها وحضارتها وتعتبر الحضارة المصرية والبابلية والأشورية والفينيقية التي ظهرت على أرض هذه المنطقة هي أقدم الحضارات التي علمت العالم، ويجب أن تعود مرة أخرى لكى تكون المنطقة منطقة إشعاع حضارى مرة أخرى، بما تمتلكه من إمكانيات كبيرة، وهو ما يتطلب بناء القوة الذاتية لكل دولة من دول المنطقة، مع إيجاد صيغة لتجمع إقليمى حاشد، يضم هذه الدول التي تعد مساحتها أكبر من مساحة أوروبا نفسها، في نفس السياق، فإن بناء القوة يحتاج إلى إستراتيجيات مدروسة تخالف تمامًا ما تسير عليه المنطقة حاليًا، خاصة في المجالين الاقتصادى والاجتماعى، بحيث تكون التنمية وامتلاك التكنولوجيا وبناء الاقتصاديات القوية هي الوازع الرئيسى في إستراتيجيات الشرق الأوسط وحتى تقاوم كل ما يقال عن إستراتيجيات الغرب في تفتيت دول هذه المنطقة أو تغيير أيديولوجيتها، لذا، فإن مصر لا بد أن تسارع في العمل لاستعادة قدراتها، حيث إنها القائد الفعلي لمنطقة الشرق الأوسط في نظام جديد مشرف على الأبواب، وهو نظام متعدد القوى، ولو اختلفت قدراتها، ولكنه سوق له استراتيجياته وآلياته التي يجب أن نكون مستعدين لها من الآن.
على الجانب الآخر، بات واضحًا أن جزءًا من النخبة السياسية للولايات المتحدة يسعى لدفع «الشرق الأوسط» للسقوط في حرب واسعة النطاق طويلة الأمد في زمن الأزمة الاقتصادية العالمية... والهدف هو حل مشكلاتها الخاصة، وتحويل اهتمام الرأى العام في الغرب بعيدًا عن مشكلة انخفاض مستوى المعيشة ونوعية الحياة، لأنه بات من المستحيل المحافظة على «مجتمع الاستهلاك» بحالته السابقة بعد الآن.
إن حربًا طويلة الأمد في الشرق الأوسط يمكن أن تعطى دفعة لازدهار الصناعة العسكرية للولايات المتحدة، وعندها يمكن لشركات الأسلحة الأمريكية التي تمارس تقليديًا تأثيرًا كبيرًا على واشنطن، أن تبيع الأسلحة للمتحاربين، وبدورها يمكن لحكومة الولايات المتحدة أن تصبح وسيطًا في محادثات السلام التي تقوى مواقفها في المنطقة.
وبذلك، فإن مجيء الإخوان للسلطة في مصر سيؤدى إلى قلبها ضد روسيا والصين والقوقاز الشمالى، وما وراء القوقاز، وآسيا الوسطى، ومقاطعة شينجيانغ (اليوغور) الصينية المستقلة سوف تصبح كلها أهدافًا للإسلاميين الراديكاليين.
إن إضعاف الصين هو الأولوية الأولى للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في المستقبل القريب، وأى وسائل يمكن تبنيها لتحقيق الهدف، ولسوف تركز الجهود الأساسية على مد وجود الولايات المتحدة إلى منطقة آسيا- المحيط الهادى، ولهذا ستقوم الولايات المتحدة بالانسحاب تدريجيًا من «الشرق الأوسط»، لكن الدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة لا تريد أن تتركه وحده، خوفًا من أن تقوم الصين التي تكثف جهودها لتعزيز نفوذها في المنطقة من ملء الفراغ بسرعة، وإذا كان هدف الولايات المتحدة الأمريكية هو ملء فراغ النفوذ السياسي على المستوى الإقليمى، فليست ثمة أداة أفضل من الإخوان لتنفيذ مُخططات الولايات المتحدة لخلق «شرق أوسط كبير» (3).
هوامش
(1) (حسام تمام، هل تقبل أمريكا فعلا بالإسلاميين؟ 12/04/2005، موقع أون إسلام)
http://www.onislam.net/arabic/newsanalysis/analysis-opinions/rowak-alafkar/84089-2005-04-12٪2000-00-00.html
(2) (خريطة الشرق الأوسط الجديدة.. ماذا تعني؟ هل نضجت الطبخة؟ العمانية)
HYPERLINK «http://www.alomaniyah.com/print.cfm?id=24785» http://www.alomaniyah.com/print.cfm?id=24785
(3) (إيغور إيغاتشنكو، د. إبراهيم علوش «ترجمة»، الصراع المميت في أرض الفراعنة، شبكة البصرة)
انظر أيضًا: إيهاب شوقى، الشرق الأوسط الجديد بين الإشاعة والحقيقة وواقعية التنفيذ، شبكة الأخبار العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.