قال الشاعر الكبير الأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي إن المصريين خرجوا في مظاهرات عارمة يوم 30 يونيو (فانقشع الوباء عن مصر) في إشارة واضحة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين كانت بمثابة وباء ابتليت به مصر المحروسة، ومعه الحق كله في ذلك. جاءت هذه العبارة ضمن سياق الكلمة التي ألقاها أمس الأحد 29 سبتمبر في الاحتفالية التي أقيمت في المجلس الأعلى للثقافة احتفالاً بالشاعرة الإيرانية سيمن بهبهاني التي نالت أرفع جائزة أدبية في المجر. والسؤال.. هل حقاً انقشع الوباء عن مصر يا أستاذ حجازي؟ صحيح أن حكم الإخوان قد أسقطته الملايين في 3 يوليو الماضي، وصحيح أيضاً أن كثيرًا من قاداتهم باتوا أسرى السجون في انتظار تقديمهم إلى المحكمة جراء التهم الموجهه إليهم، وصحيح كذللك أن مظاهراتهم صارت محدودة وباهتة، لكن ألا ترى أن الأفكار المسمومة التي غرزها الإخوان وكل تجار الدين مازالت ترعى في صدور كثير من أتباعهم ومناصريهم؟ ومازالت الثمرات المعطوبة لهذه الأفكار تجد من يعرضها للبيع، والأدهى ترى من يتسابق عليها لشرائها؟ ألا تتفق معي أن القضاء على الوباء الذي دمر الخلايا العقلية للكثيرين لا ينتهي فقط عند إزاحة الإخوان من عرين السلطة؟ وأن إيداع المرشد ومرسي السجن لا يعني بالضرورة أن الغمة انزاحت وأن الوباء مُحقَ تمامًا؟ أعرف أنك تعرف يا أستاذ حجازي أن وباء التيارات المتأسلمة مبثوث في مفاصل الدولة ومنتشر في عظام المجتمع منذ عقود، وأدرك أن كلمتك الارتجالية أمس كانت احتفاء بالحرية والشعر أكثر منها توصيفاً للوضع الاجتماعي الحالي في مصرنا العزيزة، ومع ذلك دعنا نحاول إيجاد الحلول الملائمة للقضاء فكريًا، وأكرر فكريًا، على هذه الأفكار البغيضة التي تخلط الدين بالسياسة وتمزج المقدس السماوي بالدنيوي الأرضي، فنخسر الاثنين .. الدين والسياسة، ولا نربح رضا السماء أو قبول الأرض! ألا ترى كتابهم المشاهير يعرضون رؤاهم الخبيثة في الصحف كل يوم، يلوون الحقائق ويحرفون الكلم عن مواضعه؟ ويتعامون عن الملايين الذين خرجوا منددين بحكم المرشد، إذ يصر هؤلاء الكتاب على إهانة مشاعر المصريين ووصف ثورتهم بالانقلاب؟ ألا تتفق معي على أن أولئك المتاجرين بالدين أزاحونا من خارطة الحضارة الحديثة فأصبحنا عالة على هذه الحضارة، وأنت أدرى الناس بأننا لم نخترع شيئاً مذ طُردنا من الأندلس قبل ستة قرون تقريبًا، حيث أضحى كل ما نستخدمه في حياتنا يوميًا من أجهزة تكنولوجية متنوعة قد اخترعها الغرب وما نحن لها سوى مستهلكين. ومن عجب يا أستاذ حجازي أن هؤلاء المتأسلمين بملامحهم الجهمة والمخيفة والذين هبطوا علينا من القرن الثامن عشر (أكثر القرون المصرية جهلاً وتخلفاً).. أقول إن هؤلاء قد جرّونا طوال سنوات إلى مناقشة قضايا عقيمة لا تهم سوى أجداد أجدانا ولا تسهم في تطوير البلد ولا تساعد في تجاوز الجهل والفقر والمرض.. هذا الثلاثي البائس الذي يكابد أوجاعه أغلب المصريين! أستاذ حجازي.. أجل.. أزحنا الوباء من السلطة.. لكن كيف نزيحه من عقول الناس؟