قبل أكثر من 50 عاما وعلى اثر أزمة مارس 1954 بين مجلس قيادة الثورة والإخوان المسلمين بعد عامين من ثورة يوليو، تلاقي فكريا عددا لابأس به من كبار المثقفين للتنديد بفكر وسياسية جماعة الإخوان المسلمين آنذاك ، مقررون كشف أفعالها أمام الرأى العام ، وفى هذا الإطار نشرت مجلة المصور كتاب بعنوان (رأى هولاء فى الإخوان ) تضمن عدد من مقالات كبار الكتاب الذين سنوا أقلامهم لسرد نقاط بعينها في تاريخ الجماعة ، من بينهم عميد الادب العربى الدكتور طه حسين وأمير الصحافة محمد التابعى والأستاذ على أمين والشاعر كامل الشناوى . و مرة أخري وليس للمصادفة دخلا في خلق توأمة الحالة بين موقف المثقفين بعد ثورة يوليو بعامين وموقفهم الآن قبل أن تنهي ثورة يناير عامها الثاني بأشهر قليلة ، يجتمع المبدعين للتعبير عن بالغ قلقهم و إنزعاجهم إزاء الإجراءات التي صدرت مؤخرا و نالت كثيرا من حرية الصحافة و الإعلام ، وخالفت كافة المواثيق الدولية و التشريعات الوطنية ، و إنتقصت كثيرا من قيمة حرية الصحافة و الإعلام بإعتبارها مقياسا لديمقراطية الأنظمة السياسية ، فضلا عن كونها مؤشرا ذو دلالة قوية يؤكد جدية المخاوف من الإنقضاض علي الحريات العامة نتيجة وصول الإسلامين لمقاعد السلطة في مصر. حيث تمثل حرية الرأي والتعبير أحد أهم الآليات في دعم وبناء النسق الديمقراطي داخل أي مجتمع ولا يمكن الحديث عن هذه الحرية دون التعرض لحرية الصحافة بإعتبارها الإستحقاق الأكثر إشتمالا لحرية الرأي والتعبير والصورة الأمثل لممارستها بما تحتويه من نشر للأنباء والآراء والأفكار وما تتيحه من تداول للمعلومات وتمكين الأفراد من الإطلاع عليها وهو ما يتأكد وحق الإنسان في المعرفة وما يستتبعه من تدفق للمعلومات وتداولها، وعلى هذا فإن الحق في المعرفة يعتبر الوجه المكمل لحرية التعبير إذ أن هذه الأخيرة تعني حق الإنسان أن يعبر عن آرائه وأفكاره وهو ما يحتوي ضمنا على حق متلقي هذه الآراء والأفكار والمعلومات في وجود سبل ومنافذ تتدفق من خلالها.
رخص الحياة فتنة...! محاكمة الجماعة يبدأها عميد الأدب العربي طه حسين ،و بسرد رما جاء في مقاله ( رخص الحياة فتنة..! ) يتضح ومع قليلا من التحري ومزيدا من الإمعان أن أطوار التغيير برمتها لم تلحق نضجا بفكر الجماعة لأكثر من نصف قرن مر علي كتابة هذا المقال ، والذي يستنكر فيه عنف الجماعة وتخطيطها للقتل ، الأمر الذى يشتبه مع كثير من القرارات و الخطط المعلنة قبل وبعد تولي الإسلامين حكم مصر في بداية يوليو 2012 ، فكتب عميد الأدب يقول: " نصبح ذات يوم فنكتشف فريقا منا كانوا يهيئون الموت والهول والنكر لإخوانهم فى الوطن ولإخوانهم فى الدين ولإخوانهم فى الحياة التى يقدسها الدين كما لا يقدس شيئا اخر غيرها من أمور الناس ، ما هذه الأسئلة وما هذه الذخيرة التى تدخر فى بيوت الأحياء وفى قبور الموتى .. لم كل هذا الشر ولم كل هذا النكر ولم رخصت حياة المصريين ؟! يقال ان حياة المصريين إنما رخصت على المصريين بأمر الإسلام الذى لم يحرم شيئا كما حرم القتل .)
"الإخوان" وباء يجتاح النفوس و يصفهم بالوباء فيقول (والخير كل الخير هو أن نطب لهذا الوباء كما نطلب لغيره من الأوبئة التى تجتاح الشعوب بين حين وحين . وقد تعلم الناس كيف يطبون للأوبئة التى تجتاح الأجسام وتدفعها إلى الموت دفعا فمتى يتعلمون الطب لهذا الوباء الذى يجتاح النفوس والعقول فيغريها بالشر ويدفعها إلى نشره وإذاعته ويملاء الأرض فسادا وجورا ).
الخروج علي الدين في سبيل المنافع و المطامع وكأنه يعلم جيدا أن لا سلاح له سوي الكتابة مقابل كل هذه الأسلحة لجماعة تحترف الإتجار بالإسلام وإلباس قراراتها عباءة الدين بحرفة بالغة تسمح و حشد كل هؤلاء المساكين حولهم ، ينتقد الدكتور طه حسين خروج الحاكم علي الدين والقوانين " الحياة لا يجرؤا علي إطفائها إلا من حرم من شعور الرفق والرحمة ، فالعزل الوادعين الذين لا يريدون حربا ولا قتالا ، يحتملون أعباء الحياة ما خف منها وما ثقل ، لايؤذون أحدا ولا يحبون أن يريدهم أحد بالأذي ، وما دام السلطان نفسه يستبيح الخروج علي الدين والقوانين في سبيل المنافع والمطامع فلا علي الأفراد ولا علي الجماعات أن يستبيحوا الخروج علي الدين والقوانين في سبيل المنافع والمطامع أيضا" ومن الدين وقبل أن ينهي مقاله يذكرهم " لم يأمر الله بشئ كما أمر بالتعاون علي البر و التقوي ولم ينه عن شئ كما نهي عن التعاون علي الأثم والعدوان ، ولم يرغب في شئ كما رغب في العدل والإحسان والبر ، ولم ينفر من شئ كما نفر من الفحشاء والمنكر والبغي " خيار وفقوس فى موازين الثورة يكتب أمير الصحافة محمد التابعى أكثر من مقال فى الكتيب لعل أقربها إلى واقعنا مقاله المعنون ب (خيار وفقوس فى موازين الثورة ) فيخاطب مجلس قيادة الثورة "المجلس العسكرى" بحبر مازال ساخنا جدا فيقول (صحيح خاصمكم مع جماعة الإخوان المسلمين أم انه مثل كل مرة سابقة خصام أحباب سوف يعقبه عتاب ثم تبادل أحضان وقبلات فما كان ينبغى أن يكون فى موازين الثورة ميزان للخيار وميزان للفقوس مجاملة ومودة للخيار - جماعة الإخوان - وجفاء للفقوس -بقية الأحزاب - فمنذ قامت ثورة 23 يوليو وبإمتداد الخط علي إستقامته حتي ثورة 25 يناير وجماعة الإخوان وحدهم المدللون دون سائر الهيئات والأحزاب .
طاعة ولي الأمر من حسن الهضيبي ل محمد بديع ويسرد التابعى موقف الإخوان الحقيقى من الثورة فيقول لقد جزع مرشد الإخوان حسن الهضيبى لقيام الثورة لأنها قلبت حسابه رأسا علي عقب وأفسدت عليه خططه وسياسته وكان حسابه وكانت سياسته منذ تولى أمر الجماعة أن يحالف فاروق وأن يصل لحكم مصر عن طريق ولى أمره ونعمته فاروق ومن هنا كانت مقابلته الكريمة للملك الكريم وكانت زيارته المتكررة للقصر الملكى وتسجيل اسمه فى دفتر التشريفات فى كل مناسبه وإعلانه فى الصحف عن وجوب طاعة ولى الأمر فاروق ، ويتعجب التابعى من عدم صدور قرار بحل الجماعة لأنها لا شأن لها بالسياسية وإنها جماعة تزاول نشاطا دينيا وثقافيا وإجتماعيا .. نعم كانما إغتيال النقراشى كان عملا دينيا و إغتيال المستشار الخازندرا كان عملا ثقافيا و محاولة نسف محكمة إستئناف القاهرة عملا إجتماعيا.
الإفراج عن كوادر الجماعة.. كلاكيت ثاني مرة ويتحدث التابعى واصفا قانون تبرئة الإخوان من جرائمهم فيقول " لقد صدر قانون أخر بالعفو عن طائفة من المحكوم عليهم فى جرائمهم السياسية ولقد أحسست يوم صدور قانون العفو المذكور انه مثل السترة قد فصل خصيصا لكى يلائم جسم الإخوان المسلمين وفتحت السجون وخرج منها الإخوان المحكوم عليهم فى قضايا القتل والنسف والإغتيال وقوى شأن الجماعة وإزداد خطرها وأمن من لم يكن قد امن أن الثورة هى فعلا من صنع جماعة الإخوان.
حقيقة الإخوان في ثلاث نقاط ويذكر التابعى بعض حقائق عن الاخوان فيقول : اولا: إن اقطاب هذه الجماعة التى تزعم انها قامت لنشر تعاليم الإسلام وتبصير المسلمين بأمور دينهم الحق لا يعرفون شيئا من أصول دينهم. ثانيا: كلما ارتفع مقام الأخ فى الجماعة كلما هبط نصيبه من الشجاعة والصراحة وإزداد نصيبه من الجبن والمراوغة والنفاق ثالثا: تبين من التحقيقات التى أجريت مع أعضاء الجماعة أن نظامها قام على أسس مقتبسه من نظم البوليس السرى فى روسيا (الاوجيو ) وفى المانيا (الجستابو ) وفى ايطاليا (الاوفرا)
السعادة في عهد الإخوان أما الأستاذ على أمين ، فكتب متخيلا حكم الإخوان لمصر ، سيملأ الهضيبي " مرشد الجماعة آنذاك" وزرات الحكومة برجال مكتب الإرشاد وسيغضب مائة عضو لم يجد لهم وزرات ، مؤكدا على إغلاق البنوك و كل الشركات الأجنبية لأنها لايمكن ان تتعامل من قوانين عمرها اكثر من الف عام ، وستمتلئ الشوارع بالعاطلين والبطالة ولن توجد سياحة ولا نساء بعد الزامهن البيوت ، وسوف تلغى تعليم اللغات الأجنبية ويضيف سوف تغلق محلات الحلاقون وسوف تغلق عيادات أطباء العيون وعيادات الأنف والأذن والحنجرة ، لان السعداء فى عهد الإخوان المسلمون هم الذين لايبصرون ولايسمعون ؟؟؟
الشعب يقول " لا" أما في مقال " الشعب الذي يقول لا "قبل الاستفتاء بخمسين عاما كتب الأستاذ جلال الدين الحمامصي وفي تماثل بالغ الشبه بين ما دار في ثورة يوليو 1952 وثورة يناير 2011 " ان من الخطأ القول بأن الثورة قد قضت تماما علي العقلية القديمة التي كانت تركع بآرائها للزعامات والقيادات ، فما زال الإنصياع الأعمي قائما ومازالت هناك زعامات تسعي الي اذلال الناس و جبرهم علي الاذعان لارائهم الخاطئة المضللة .. نريد شعبا يقول لا وبغير هذا ما قيمة الحرية ؟" الإرهاب وصناعة الموت وفى شاعرية راقية يكتب الشاعر الرائع كامل الشناوى مقالا بعنوان " الإرهاب" يقول فيه "اننى حزين ان يوجد انسان واحد ، لاجماعة منظمة ،يصنع الموت للناس ويحترف التخريب والتدمير، وان قلبى ليقطر حزنا اذا كانت هذه الجماعة ترتكب جرائمها باسم الاسلام وتجد من يصدقون دعواها، أن الإسلام الذي يدعو الي المحبة والسلام برئ من كل هذه الأسلحة لانه ابدا لم يقر الجدل بالمسدسات والمدافع و المتفجرات.