كما كانت افتتاحية بطولات "الحرافيش" التي صاغ ملحمتها نجيب محفوظ الفتوة العملاق "عاشور الناجي" صاحب الحلم والنبوءة والنجاة، والذي صنعته حكايته أسطورة من العدل حلم بها الحرافيش حتى آخر عهد الفتونة، نشأ في البيت نفسه نقيضه "درويش"، الذي صاغه محفوظ لتتجسد فيه جميع المعاني الشيطانية، حتى أن الكثيرين ربطوا إسقاط الاسم بين "درويش" في الحرافيش و"إدريس" في "أولاد حارتنا"، ليُصبح كلاهما مُرادفًا للشيطان نفسه. "درويش" هو شقيق الشيخ "عفرة زيدان"، الأعمى الذي استقبل "عاشور" وهو لا يزال رضيعًا مُلقى أمام التكية فصار والده بالتبني، ونشأ مُدللًا فاسدًا رغم محاولات أخيه الصالح لتربيته كما نجح مع ربيبه عاشور؛ إلا أن إيثار أخيه وزوجته لليتيم الذي كان عضدهما بدلًا منه، كان دافعًا ليكره درويش عاشور، ويُلقي به في الشارع فور وفاة الشيخ عفرة، بعد أن فشل في إقناعه بمعاونته على السرقة. زاول درويش عمله الحرام وهو يضع ربيب أخيه نصب عينيه، مارس قطع الطريق وهو يتحاشى عاشور، الذي رآه يتوسع في أعمال الغرزة التي فتحها في الحارة، والتي شملت كذلك شرب البوظة والدعارة، ليُصبح مكان درويش هو بؤرة الفساد بالحارة التي جذبت إليها أبناء عاشور الرجال حتى منعهم عن ارتيادها بالقوة. وكانت نجاة عاشور الأسطورية من الوباء تتوازى مع دخول درويش السجن لينجو هو الآخر، ويلتقي كلاهما بعد أن أصبح عاشور هو سيد الحارة، وكأي شيطان يجد ثغرة للنفاذ ساوم درويش عاشور بأن يغض الطرف عن استيلاؤه على ممتلكات أحد الوجهاء في مقابل تركه لأعماله القذرة بالحارة، واستطاع أن يزج بعاشور في السجن، ليتولى الفتونة لفترة قصيرة حتى خروج عاشور. وكما جاءت شخصية درويش في افتتاحية ملحمة الحرافيش كمثال للشر المطلق، ونموذج للشخصية ذات البعد الواحد، وكرمز آخر لاستمرار الصراع، لم يذكر محفوظ كيفية موت درويش، وإنما جعله يختفي من الحارة فجأة وكأن لم يكن.