حذر مرصد الدراسات الجيوسياسية بباريس من الاتفاق النووي الإيراني الذي توصلت إليه طهران ومجموعة "5+1" يوم 14 يوليو الجاري بفيينا والقاضي بإزالة العقوبات المفروضة علي إيران مقابل فرض قيود على برنامجها النووي. وانتقد مدير المرصد الدكتور شارل سان برو- في مقال تحت عنوان (الاتفاق النووي الإيراني ميونخ جديد) - قوى المجتمع الدولي في سعيها مجددا الى طرح اتفاق على أنه انتصار للمنطق السليم بينما هو في واقع الأمر ليس إلا تنازلا لصالح نظام غير موثوق فيه، مضيفا أن الهتافات التي قوبل بها اتفاق إيران النووي مشابهة لتلك التي واكبت "اتفاقا تاريخيا آخر" تم في ميونخ في 30 سبتمبر 1938 بين ألمانيا النازية وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وافقت فيها القوى العظمى على إشباع أطماع أدولف هيتلر التوسعية في أوروبا ، وكانت نتيجة هذه المعاهدة تقسيم تشيكوسلوفاكيا بين كل من ألمانيا وبولندا والمجر. وأضاف الدكتور سان برو أنه في الوقت الذي يؤكد فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن اتفاق فيينا يوفر كل الضمانات لمنع ايران من امتلاك القنبلة النووية لمدة عشر سنوات من خلال عمليات تفتيش مفاجئة لكل مواقعها النووية، إلا أنه لا أحد يمكنه استبعاد بجدية أن يكون هناك نوع من الازدواجية وخرق للالتزامات من قبل النظام الإيراني الذي ظل دائما يخفي عن المجتمع الدولي امتلاكه مواقع لتخصيب اليورانيوم. وأشار إلى تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني التي أكد فيها أن بلاده لن تسعى أبدا لامتلاك سلاح نووي، في حين أنه ثبت أن إيران ضاعفت تقريبا عدد أجهزة الطرد المركزي في الفترة ما بين 2008 و 2014 ، وازداد -بشكل كبير- احتياطها من اليورانيوم وتريد مضاعفة قدراتها على التخصيب. وأضاف "إن القادة الإيرانيين في الواقع لم يخفوا إصرارهم في هذا الشأن ، فأحد مفاوضيهم عباس عراقجي صرح بأن بلاده لن تقبل قيودا لأكثر من عشر سنوات". ولفت الى أن الحلم الذي يراود واشنطن منذ عام 1979، هو استعادة موطئ قدم في إيران لأسباب تجارية بحتة وتنفيذا لرؤيتها الجيوسياسية في إعادة تشكيل الشرق الأوسط الجديد. وتابع قائلا: " إن فرنسا بالطبع كانت أكثر إدراكا للرهانات الخاصة بهذا الاتفاق وأكثر ولاء لصداقتها في العالم العربي ، وبذلت جهودا لجذب الانتباه إلى الخطر الإيراني والتحذير من أي تهاون ، لكنها لم تستطع منع عملية إرادتها في آن واحد كل من واشنطن وموسكو وبكين ، فضلا عن ألمانيا التي انحازت للموقف الأمريكي". كما نوه بمحاولات تقويض التصميم الذي أبدته الحكومة الفرنسية خلال اثني عشر عاما من المفاوضات من قبل مجموعات الضغط الموالية لإيران التي سعت لإقناع الشركات الفرنسية بأن هناك فرصا واعدة للاستثمار في السوق الإيراني وأن إيران هي أفضل حليف ضد الجماعات السياسية الدينية التطرف في الشرق الأوسط. ومن ناحية أخرى ، اعتبر مدير المرصد أن تبني فرنسا للرؤي الإستراتيجية الأمريكية لم يجلب لها يوما شيئا، مستشهدا بمشاركة فرنسا في الحرب الأمريكية على العراق عام 1991و التي لم تجن منها أي ثمار. وقال " إن الإفراج عن أرصدة إيران المجمدة والتي تقدر ب 120 مليار دولار ، وكذلك العائدات التي ستجنيها من صادراتها سيسمح لها بتمويل أهدافها في الهيمنة الإقليمية والنزاعات الطائفية ولن تجد طهران أي صعوبة في شراء السلاح من الأسواق الموازية في أوكرانيا أو عن طريق دول مارقة مثل كوريا الشمالية التي سبق وأمدتها بصواريخ باليستية ، وعلاوة على ذلك فإن الإيرانيين يطورون برنامجهم الخاص والذي يشمل صواريخ باليستية يصل مداها أكبر من 2000 كم وطائرات بدون طيار وتوربيدات" على حد قوله. واختتم مدير مرصد الدراسات الجيوسياسية بباريس قائلا: "إن الاتفاق النووي الإيراني سيعطي دينامية جديدة لإيران ويجعلها أكثر قدرة على إلحاق الضرر مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات في المنطقة".