عندما قال يوسف صديق لجلال ندا: «أنا إمبراطور مصر» ناصر: كنا حوالى 90 ضابطًا بقوات قليلة وخطة لم تصل لحد الكمال ونجحنا بفضل العناية الإلهية لم أسعد برؤية أحد فى حياتى كما سعدت حين رأيت يوسف صديق يخرج من الظلام بعد أن تحرك مبكرًا و لو سبَقَنا الملك لذهبنا جميعًا إلى المشنقة فى يوليو حدثت الثورة، وقبلها بنحو أربع سنوات، حدثت مسببات النكبة العربية، فى يوليو أيضا، لا فى مايو كما يعتقد الذين أرخوا لها ببداية الحرب ومفاوضات الهدنة، فيما الأحداث كلها تشير إلى أن يوليو الذى كان شهرا للنكبة والهزيمة فى 1948، تحول بعد تشكيل اللبنة الأولى للضباط الأحرار بعدها، ليكون شهر الثورة التى غيرت مجرى الأحداث فى مصر.. فى هذه السلسلة من الحلقات نتحدث عن الحرب وذكرياتها، من خلال أوراق الراحل البكباشى جلال ندا الذى استودعها أمانة لدى الكاتب، وفيها أيضا الكثير من الوقائع التى ذكرها على لسانه باعتباره شاهدا على مجريات الأحداث، أو على ألسنة قادة الثورة أنفسهم، كاشفا ما غم على كثير ممن أرخوا للحدث العظيم فى تاريخ مصر الحديث، ومع تتابع الحلقات سنتعرف على ندا شخصيا مصحوبا بذكرياته عن الحرب التى شارك فيها، وكيف أنقذ جمال عبدالناصر من الموت، بينما هو قعيد مصاب لا يجد منفذا لعلاجه، وكيف كانت قيادة البطل أحمد عبدالعزيز للفدائيين، وعن الهدنة التى خربت التاريخ المعاصر للعرب، وتسببت فى هزيمتهم بالشكل الذى يؤرخ له المؤرخون باعتبارها النكبة العربية، ودور الإخوان المسلمين فى هذه الهزيمة، وخطة القائد عبدالعزيز لاحتلال القدس، ونتيجة رفض القيادة لها، وبعدها نستمع لشهادته عن بدء تشكيل تنظيم الضباط الأحرار، وكيف تشكلت علاقة محمد حسنين هيكل بعبدالناصر، ثم الحوارات التى أجراها مع بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة، وتحقيقنا لكثير مما ورد فيها، عبر شهادات أخرى لم ترد فى مذكراته، سعيا للبحث عن حقيقة ما حدث فى مصر منذ العام 1948 إلى قيام الثورة لنصل إلى ذهاب السادات إلى القدس، ورأى المعاصرين لعهده فى هذه المبادرة، كل هذا وأشياء أخرى ستمثل مفاجآت نتركها لوقتها. تعددت الروايات عن تفاصيل ليلة قيام الثورة، ونجاح الضباط الأحرار فى القبض على مقاليد السلطة فى مصر، إلا أن رواية جلال ندا عن تلك الليلة كانت قريبة من أبطال الحدث، مما يمنحها زاوية مغايرة لما رواه المؤرخون، رغم علمه بقيام الثورة من زميله وقتذاك محمد حسنين هيكل، الذى جاءه فى الثانية من صباح الثالث والعشرين من يوليو، ليخبره بأن «الانقلاب» وقع والدبابات تملأ الشوارع، وطلب منه ارتداء الزى العسكرى، فرفض باعتباره مدنيًا يعمل بالصحافة بعد إحالته للاستيداع، بالإضافة إلى أن معرفته بمن قاموا بالثورة تمنعه أن يضع نفسه موضعًا مخجلًا، وبحسب قوله: «قال هيكل بعد أن رآنى مرتديا ملابس عادية: إلبس رسمى، فقلت له: معقول يا هيكل انت بتقول حصل انقلاب والدبابات مالية الشوارع، ألبس رسمى وأدخل عليهم يقولوا إيه؟ لو كانوا عاوزينى معاهم كانوا قالوا لى». ويكمل: «نزلنا بالفعل، ولم أجد صعوبة فى الوصول لمبنى القيادة، لسابق معرفة الضباط بى، وعندما صعدنا للطابق الثانى، قابلنى يوسف صديق وتعانقنا وقال لى: «أنا إمبراطور مصر النهارده»، ثم جلسنا فى المكتب الخاص بالسكرتير العسكرى لرئيس الأركان، وحوالى الساعة الرابعة، دق جرس التليفون، وكان هيكل بجواره، فأجاب.. فإذا به يلتفت لى ويقول تليفون علشانك يا جلال، أمسكت بالسماعة فسمعت صوت مصطفى أمين يتحدث من الإسكندرية و يقول: «أنا مصطفى يا جلال.. مرتضى باشا «يقصد المراغى باشا» جنبى أهه وبيقول طلباتكم إيه؟ فاندهشت من السؤال، وقلت أنا ما أعرفش حاجة.. انتظر لما أدخل وأسألهم، واتجهت إلى مكتب رئيس الأركان، ومعى هيكل ومرسى الشافعى، فوجدت زكريا محيي الدين، وجمال حماد جالسين على المكتب، وأمامهما كشف الجيش وأوراق يكتبان فيها، فقلت لهما المراغى باشا يسأل طلباتكم إيه؟ فرد زكريا وقال لى: فى بيان الساعة 7 يسمعه.. ها يعرف كل حاجة، فقلت له بقى قايمين بثورة ومش عارفين طلباتكم إيه؟ فانتفض جمال حماد وجاء لى وأخذنى بين ذراعيه وهو يهمس: مش كده يا جلال قدام الملكية كده - يقصد هيكل ومرسى الشافعي - المهم عدت إلى التليفون وقلت لمصطفى أمين الكلام اللى قاله زكريا، وأضفت: رأيى الشخصى أن تفوض الحكومة مرتضى باشا، للتفاوض مع الثوار، ويأخذ طيارة الآن ويحضر للقاهرة لمقابلتهم». يستكمل ندا: «بالفعل جاء المراغى لكنه وصل فى الساعة التاسعة، وكان البيان قد صدر وفيه تكليف على ماهر بتشكيل الوزارة، ولما طلب لقاء محمد نجيب، قالوا له على ماهر ألف الوزارة خلاص، فوجد أنه لا فائدة من المقابلة فذهب إلى منزله». تعدد الروايات الحاصل أن الروايات تعددت حول تفاصيل ما جرى ليلة 23 يوليو 1952، لكن الأدق كما اتفق الجميع هى رواية عبدالناصر نفسه بعد عشر سنوات كاملة، من نجاح الثورة فى حديث صحفى لصحيفة «صنداى تايمز» البريطانية أجراه معه الصحفى الإنجليزى «ديفيد واين مورجان» ونشر فى 19 يونيو 1962.. قال عبدالناصر فى روايته لتفاصيل ليلة الثورة إنه فى نحو الساعة العاشرة من مساء 22 يوليو جاء إلى بيتى ضابط مخابرات عضو فى جماعتنا.. وإن كنا لم نخطره بما اعتزمنا القيام به، ليحذرنى من أن القصر قد تسرب إليه نبأ استعداد الضباط الأحرار للتحرك.. وأن الملك اتصل برئيس أركان حرب الجيش الذى دعا إلى عقد اجتماع عاجل فى الساعة الحادية عشرة لاتخاذ الإجراءات ضدنا. و كان لا بد من اتخاذ قرار فورى، فلو تركنا كل شيء ليتم فى ساعة الصفر المتفق عليها، وهى الواحدة صباحا فقد يدركوننا قبل أن ندركهم، ومن ناحية أخرى كانت الأوامر قد وزعت وكان من الصعب، الاتصال بكل من له صلة بالموضوع... وانضم إلينا أيضا ضابط المخابرات، وخرجت مع عبدالحكيم عامر لنجمع بعض القوات من ثكنات العباسية ووصلنا متأخرين، فوجدنا أن البوليس الحربى قد أغلق الثكنات... فمضينا إلى ثكنات الفرسان فوجدنا أنهم سبقونا، وكان البوليس الحربى يحرس كل المداخل وبدا للحظات أن خطتنا كلها فى خطر، ولم يبق على ساعة الصفر سوى تسعين دقيقة وبدا أن خطة الثورة كلها تدخل فى مرحلة من تلك المراحل الخطيرة، فى التاريخ عندما تتدخل قوى أكبر منا لتوجيه الحوادث، ولقد تأكد لى من تطورات الأمور أن عناية الله كانت معنا فى تلك الليلة. ويضيف: انطلقنا لنتوجه إلى ثكنات ألماظة كحل أخير، وكنت أسير بسيارتى الأوستين الصغيرة ومعى عبدالحكيم... وفى الطريق التقينا بطابور من الجنود قادم من نفس الطريق تحت الظلام، وخرج الجنود من السيارة وألقوا القبض علينا... لكنهم كانوا فى الحقيقة من قوات الثورة، ينفذون أوامرى بإلقاء القبض على كل الضباط فوق رتبة البكباشى دون مناقشة، ولم يكن الجنود يعرفون من أكون، فتجاهلوا كل كلامنا مدة عشرين دقيقة تقريبا... كل دقيقة منها أثمن ما يكون، ولم تصدر الأوامر فورا بإطلاق سراحى وعبدالحكيم عامر إلا حين تقدم البكباشى يوسف صديق قائد المجموعة وأحد زملائى المقربين ليستطلع سر الضجة. ويضيف عبدالناصر: لم أسعد برؤية أحد فى حياتى كما سعدت حين رأيت يوسف صديق يخرج من الظلام، فقد تحرك قبل الوقت المحدد له، وكان ينتظر حتى تحل ساعة الصفر المعينة ليبدأ الهجوم، وانضممنا إلى الطابور، وقررت ألا ننتظر واتجهنا فورا إلى القيادة.. كانت قواتنا لا تزيد على قوة سرية لكن عنصر المفاجأة كان فى جانبنا... واعتقلنا فى الطريق عددا من قادة الجيش، الذين كانوا يتوجهون لحضور الاجتماع فى القيادة لتوجيه الضربة ضدنا... حدثت مقاومة بسيطة خارج القيادة، ثم اقتحمنا مبنى القيادة نفسه ووجدنا رئيس هيئة أركان الحرب، وكان على رأس المائدة يضع مع مساعديه خطة الإجراءات، التى ستتخذ ضد الضباط الأحرار وقبضنا عليهم جميعا. وأوفدت من يأتى باللواء محمد نجيب الذى كنا قد فاتحناه قبلها بيومين، فى احتمال انضمامه إلينا إذا ما نجحت المحاولة، ولم نكن قد أطلعناه على أحداث الليلة، ولكن تبين لنا أنه كان له علم مسبق بما حدث... فقد اتصل به وزير داخلية الملك تليفونيا من الإسكندرية، قبل ذلك بنصف ساعة ليستفسر منه عما يجرى، وأمكنه أن يجيبه بأنه لا علم له بشيء دون أن يكون كاذبا فى كلامه... كان نجاحنا تاما فى الخطوات الأولى، وبقى أن نستوثق تماما من أن الملك لن يتمكن من تنظيم هجوم مضاد. الاتصال بأمريكا وفى الصباح أجرينا اتصالا بالسفارة الأمريكية أولا ثم السفارة البريطانية لإبلاغهما أن الضباط الأحرار استولوا على السلطة... وأن كل شيء يجرى فى نظام تام... وأن حياة الأجانب وممتلكاتهم ستؤمن ما لم يحدث تدخل خارجى... وفى الساعة السابعة صباحا، أعلنا على الشعب المصرى من محطة الإذاعة نبأ عزل الوزارة المصرية، وأن البلاد أصبحت أمانة فى يد الجيش، وأن الجيش أصبح الآن تحت إشراف رجال يستطيع الشعب أن يثق ثقة تامة بكفاءتهم ونزاهتهم ووطنيتهم وكان الملك قبل ذلك بنصف ساعة قد سأل قائد جيشه عما يجرى من أمور مفاجئة فأجابه قائلا: «إنها مجرد عاصفة فى فنجان يا صاحب الجلالة». وفى واحدة من الخطب التاريخية النادرة، بمناسبة ذكرى مرور عشر سنوات على قيام ثورة 23 يوليو 1952 حكى الرئيس جمال عبدالناصر تفاصيل قيام الثورة مرة أخرى، وتحركاته ليلة 22 يوليو، ودور كل فرد من أعضاء تنظيم الضباط الأحرار، فحكى ناصر قائلا: «قبل ما نخرج للثورة يوم 23 يوليو، أو تحديدًا يوم 22 يوليو، إذا كنا حسبنا العملية بالورقة والقلم، كنا سنجد أن النجاح احتماله ضعيف للغاية، ولكن كان كل واحد من الضباط الأحرار، وكل واحد من الناس الذين شاركوا فى الثورة فى هذه الأيام، كان بيقول إذا لم نستطع النجاح فى القضاء على هذا الظلم والاستعباد، فليس أقل من أن نضحى لنثبت للأجيال القادمة أن الجيل الذى كان يعيش فى عام 1952، لم يرض السكوت على الظلم، ولكنه قام وقاتل حتى استشهد». وقال ناصر: «عدد الضباط الأحرار الذين كانوا موجودين يوم 22 يوليو 1952 كان حوالى 90 ضابطًا، والقوات التى كانت معنا قليلة للغاية، والخطة الموضوعة لم تكن قد أبلغت لكل المشاركين، وفى هذا اليوم كنت أمر على الضباط المشاركين فى الثورة منذ الصباح، وكان كلى ثقة وإيمان فى الله وفى هذا الشعب وقدرته على النجاح». أضاف: «بعد صلاة الظهر، اجتمعت قيادة الثورة، وقررنا أن ننفذ فى هذا اليوم يوم 23 يوليو لأنه كان من المفترض أن يتم التنفيذ فى الليلة السابقة لهذه الليلة، ولكن لم يتم التنفيذ لأن الخطة لم تكن قد اكتملت بعد»، «قال أكثر من مؤرخ للثورة أن ناصر أجلها ليوم واحد ليستطلع رأى جماعة الإخوان قبل القيام بها»، وتابع: «سهر عبدالحكيم عامر، وكمال حسين، عندى فى البيت حتى الصباح، ولم نكن قد انتهينا من وضع الخطة كاملة، وعلى هذا قررنا أن نؤجل الثورة 24 ساعة، وحتى اليوم التالى مباشرة، وهو يوم 23 يوليو 1952». وقال: «فى مثل هذا اليوم من 10 سنوات، وتحديدًا فى يوم 22 يوليو، كان كل واحد يمر على الضباط المتصلين به، وكنت أنا أمر معهم وكنا على ثقة أن ربنا سيكون مع هذا الشعب لكى ينتصر». أضاف ناصر، «الساعة 11 مساءً، وقبل تنفيذ الثورة بساعتين، انكشفت الخطة وبلغ أحد أشقاء الضباط الأحرار قصر عابدين، أن الضباط أخذوا أخاه لكى يقوموا بالثورة ضد النظام، وفى الساعة 11.30 مساءً فى نفس اليوم، حضر لمنزلى أحد الضباط الأحرار العاملين بجهاز المخابرات، وقال لى إن الثورة اكتشفت، وإن الملك اتصل بقائد الجيش من الإسكندرية، وطلب القائد عقد مؤتمر لكبار الضباط فى كوبرى القبة، وقال لى إنه لا بد لنا من إلغاء كل شيء». لا تراجع تابع: «لم نكن نستطيع التراجع خاصة أن الساعة كانت 11.30 مساءً، وموعد التحرك للقيام بالثورة الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وكان الضباط وصلوا لوحداتهم بالفعل، وقلت له نصًا لن نستطيع التراجع «العجلة دارت ولن يستطيع أحد أن يوقف هذه العجلة». أضاف: «قلت له نحن نستطيع أن نتصرف ونستطيع أن نتحرك ونستطيع فى آخر لحظة أن نغير الخطة، وإن أمر قائد الجيش والملك لجمع كبار القادة فى قيادة كوبرى القبة يعطينا فرصة ذهبية لاعتقالهم جميعًا بعملية واحدة». وقال ناصر: «كان علينا فى هذا اليوم أن نقوم بهذه العملية، وأن نعدل خطتنا كاملة فى آخر وقت وآخر دقيقة، وبعدها نزلت من البيت وذهبت لبيت عبد الحكيم عامر، لنحصل على قوات إضافية من قشلاق العباسية، ولكن كان الطرف الآخر قد سبقنا، وكان البوليس الحربى قد أغلق مداخل القشلاق، فقررنا أن نذهب لكمال حسين فى ألماظة لنحضر من هناك جنودًا لاعتقال هؤلاء القادة بكوبرى القبة». تابع: «أثناء توجهنا له حدثت واقعة إن دلت على شيء فإنما تدل على التوفيق، حيث كان المفروض أن التحرك يكون الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، ولكن أحد ضباطنا الأحرار وهو يوسف منصور صديق، تحرك قبل الموعد بساعة كاملة فتحرك الساعة 12 منتصف الليل، قابلناه فى السكة فسألناه لماذا تحركت مبكرًا، فقال إن موعد الثورة المتفق عليه الساعة 12 فقلنا له لا الموعد المحدد الساعة الواحدة هو موعد الثورة، فقال أنا على العموم اتحركت الساعة 12 فاصطحبناه معنا واتجهنا من منتصف الطريق لمقر القيادة، واحتلينا القيادة، واعتقلنا الناس الموجودة هناك»، وقال ناصر: «ذلك إن دل على شئ فيدل على التوفيق، فكانت هذه القوة هى التى احتلت القيادة، وقبضت على جميع القادة فى هذا الوقت ومكنت للثورة أن تسير فى عملها بانتظام، وطبعًا كل وحدة مشتركة فى الثورة قامت بعملها، وهى تعتقد أنها تؤدى رسالتها كطليعة ثورية لهذا الشعب». هكذا قص قائد الثورة قصتها مرتين الأولى لمجلة أجنبية، والثانية فى خطاب عام أمام الجماهير، كانت تلك ليلة الثورة، أما فى صبيحتها فقد ألقى أنور السادات البيان الأول لها إلى الشعب وتم تكليف على ماهر بتشكيل الوزارة، بعد إقالة وزارة الهلالى التى لم يكن قد مضى على تشكيلها يوم واحد، ثم قام الضباط صباح الثالث والعشرين بالاتصال بالسفير الأمريكى لإبلاغ رسالة إلى القوات البريطانية، بان الثورة شأن داخلى وكان واضحا فى البيان الأول للثورة التأكيد على حماية ممتلكات الأجانب، لضمان عدم تدخل القوات البريطانية إلى جانب القصر ثم واصل الضباط بعد ذلك اتخاذ خطواتهم نحو السيطرة على الحكم. خروج الملك وعن خروج الملك فاروق من مصر تأتى شهادة الرئيس الأسبق محمد أنور السادات فى كتابه «قصة الثورة» فيقول: «بعد طرد فاروق رفض جمال ورفاقه أن يبقوا على دستور 1923 كونه دستورا وضع على أساس النظام الملكى الإقطاعى، ورفضوا البرلمان الذى يعمل لمصالح الأرستقراطية المصرية، ورفضوا أحزاب الإخوان والأحرار الدستوريين وغيرها».. ويعلق السادات على ذلك بقوله: بقى أن نعود إلى وحداتنا فى الجيش ونترك البلاد لنفس الأشخاص الذين حكموها قبل 23 يوليو.. أى أن ثورة الشعب العربى المصرى تسلم قيادتها هكذا ببساطة إلى النحاس وسراج والهضيبى وعبدالهادى، وكل أفاق يريد أن يصبح زعيما بخطبه ووعوده المعسولة؟. ويقول السادات: هل لو جاء هذا القطيع سيوافقون على تحديد الملكية وإعلان الجمهورية وإلغاء الألقاب ورفع مستوى العامل والفلاح وكفاح الاستعمار وعدم الدخول بأحلاف عسكرية! ثم أضاف: «قام الضباط الأحرار بمناورة مع الملك، فادعوا أن حركتهم تهدف لتطهير الجيش، وقد وافق فعلا، وأرسل ما يفيد ذلك ففوجئ بالتصعيد يأتى من الإسكندرية، وأن المطلوب رأس النظام نفسه! وهو ما شكل حالة إرباك كاملة للقصر وسفراء بريطانيا وأمريكا». ويحكى: لا أدرى كيف مرت الثورة بالرغم منا، فقد فاجأنا زكريا محيى الدين وكان قائد العمليات آنذاك، أن القوات لا يمكنها اقتحام قصر «رأس التين» بالإسكندرية فى 25 يوليو موعد طرد الملك! وقال أن مشاورات عنيفة جرت بين الضباط، فهناك من يرى محاكمته وإعدامه، ولكن الغالبية ذهبت لأولوية خروجه من البلاد ونجاح الثورة على محاكمته.