في واحدة من الخطب التاريخية النادرة، بمناسبة ذكري مرور عشر سنوات علي قيام ثورة 23 يوليو 1952 يحكي الرئيس الراحل الزعيم جمال عبدالناصر تفاصيل قيام الثورة، وتحركاته ليلة 22 يوليو، ودور كل فرد من أعضاء تنظيم الضباط الأحرار. ويحكي ناصر فيقول: "قبل ما نخرج للثورة يوم 23 يوليو، أو تحديداً يوم 22 يوليو، إذا كنا حسبنا العملية بالورقة والقلم كنا سنجد أن النجاح احتماله ضعيف للغاية، ولكن كان كل واحد من الضباط الأحرار، وكل واحد من الناس الذين شاركوا في الثورة في هذه الأيام، كان بيقول إذا لم نستطع النجاح في القضاء علي هذا الظلم والاستعباد، فليس أقل من أن نضحي لنثبت للأجيال القادمة أن الجيل الذي كان يعش في عام 1952 لم يرض السكوت علي الظلم، ولكنه قام وقاتل حتي استشهد". وقال ناصر: "عدد الضباط الأحرار الذين كانوا موجودين يوم 22 يوليو 1952 كان عددهم حوالي 90 ضابطاً، والقوات التي كانت معنا قليلة للغاية، والخطة الموضوعة لم تكن قد بلغت لكل المشاركين، وفي هذا اليوم كنت أمر علي الضباط المشاركين في الثورة منذ الصباح، وكان كلي ثقة وإيمان في الله وفي هذا الشعب وقدرته علي النجاح". أضاف: "بعد صلاة الظهر، اجتمعت قيادة الثورة، وقررنا أن ننفذ في هذا اليوم الثورة يوم 23 يوليو لأنه كان من المفترض أن يتم التنفيذ في الليلة السابقة لهذه الليلة، ولكن لم يتم التنفيذ لأن الخطة لم تكن اكتملت بعد". تابع: "سهر عبدالحكيم عامر، وكمال حسين، عندي في البيت حتي الصباح، ولم نكن قد انتهينا من وضع الخطة كاملة، وعلي هذا قررنا أن نؤجل الثورة 24 ساعة، وحتي اليوم التالي مباشرة، وهو يوم 23 يوليو 1952". وقال: "في مثل هذا اليوم من 10 سنوات، وتحديداً في يوم 22 يوليو، كان كل واحد يمر علي الضباط المتصلين به، وكنت أنا أمر معهم وكنا علي ثقة أن ربنا سيكون مع هذا الشعب لكي ينتصر". أضاف ناصر، الساعة 11 مساءً، وقبل تنفيذ الثورة بساعتين، انكشفت الخطة وبلغ أحد أشقاء الضباط الأحرار قصر عابدين أن الضباط الأحرار أخذوا أخاه لكي يقوموا بالثورة ضد النظام، وفي الساعة 11.30 مساءً في نفس اليوم، حضر لمنزلي أحد الضباط الأحرار العاملين بجهاز المخابرات، وقال لي إن الثورة اكتشفت، وإن الملك اتصل بقائد الجيش من الإسكندرية، وطلب قائد الجيش عقد مؤتمر لكبار الضباط في كوبري القبة، وقال لي إنه لابد لنا من إلغاء كل شيء". تابع: "لم نكن نستطيع التراجع خاصة أن الساعة كانت 11.30 مساءً، وموعد التحرك للقيام بالثورة الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وكان الضباط وصلوا لوحداتهم بالفعل، وقلت له نصاً لن نستطيع التراجع "العجلة دارت ولن يستطيع أحد أن يوقف هذه العجلة". أضاف: "قلت له نحن نستطيع أن نتصرف ونستطيع أن نتحرك ونستطيع في آخر لحظة أن نغير الخطة، وإن أمر قائد الجيش والملك لجمع كبار القادة في قيادة كوبري القبة يعطينا فرصة ذهبية لاعتقالهم جميعاً بعملية واحدة". وقال ناصر: "كان علينا في هذا اليوم أن نقوم بهذه العملية، وأن نعدل خطتنا كاملة في آخر وقت وآخر دقيقة، وبعدها نزلت من البيت وذهبت لبيت عبدالحكيم عامر، لنحصل علي قوات إضافية من قشلاق العباسية، ولكن كان الطرف الآخر قد سبقنا، وكان البوليس الحربي قد أغلق مداخل القشلاق، فقررنا أن نذهب لكمال حسين في ألماظة لنحضر من هناك جنوداً لاعتقال هؤلاء القادة بكوبري القبة". تابع: "أثناء توجهنا له حدثت واقعة إن دلت علي شيء فإنما تدل علي التوفيق، حيث كان المفروض أن التحرك يكون الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، ولكن أحد ضباطنا الأحرار وهو يوسف منصور صديق، تحرك قبل الموعد بساعة كاملة فتحرك الساعة 12 منتصف الليل، قابلناه في السكة فسألناه لماذا تحركت مبكراً، فقال إن موعد الثورة المتفق عليه الساعة 12 فقلنا له لا الموعد المحدد الساعة الواحدة هو موعد الثورة، فقال أنا علي العموم اتحركت الساعة 12 فاصطحبناه معنا واتجهنا من منتصف الطريق لمقر القيادة، وحتللنا القيادة، واعتقلنا الناس الموجودة هناك". وقال ناصر: "ذلك إن دل علي شئ فيدل علي التوفيق، فكانت هذه القوة هي القوة التي احتلت القيادة، وقبضت علي جميع القادة في هذا الوقت ومكنت للثورة أن تسير في عملها بانتظام، وطبعاً كل وحدة مشتركة في الثورة قامت بعملها وهي تعتقد أنها تؤدي رسالتها كطليعة ثورية لهذا الشعب".