سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تباين آراء المثقفين حول حرق الكتب في مدرسة الجيزة.. "توفيق": عمل همجي وعدواني.. "صالح": يذكرني بمحاكم التفتيش.. "عبد الرحيم": ردة للثقافة.. و"يونس": "فرقعة إعلامية"
بعد حرق إحدى المدارس بالجيزة 75 كتابًا من الكتب الموجودة في مكتبة المدرسة، منها كتب "منهج الإصلاح الإسلامي" للدكتور عبدالحليم محمود، رئيس مشيخة الأزهر الأسبق، و"جمال الدين الأفغاني" لعثمان أمين، و"الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرازق، وحرقها في فناء المدرسة، أمام التلاميذ والطلاب، في سيناريو أشبه بجرائم حرق الكتب التي قام بها الحُكام الديكتاتوريين على مر التاريخ، اعتبر العديد من المثقفين ما حدث عودة لعصر محاكم التفتيش، وردة للثقافة، في حين رأى البعض أنها فرقعة إعلامية. واستنكر الدكتور سعيد توفيق، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة، ما حدث بإحدى المدارس بالجيزة من حرق 75 كتابًا، بدعوى أنها "تحرض على العنف والإرهاب". وقال توفيق إن فكرة حرق الكتب في الأساس لا توجد إلا في مجتمع متخلف، وتلك الفكرة تعود بنا إلى فترة بداية وصول الحضارة الإسلامية، عندما أحرقت كتب ابن رشد. وأوضح توفيق، أنه حتى لو استشعرت المدرسة أن بعض الكتب تحمل أفكار متطرفة، تقوم باستبعادها وليس حرقها، كما أن الكتب تحوي أفكارا والفكر لا بد أن يواجه بفكر، وكان من الممكن قيام المدرسة بتوفير كتب بديلة تكون ملائمة للطلاب، حيث إن فكرة الحرق مرفوضة. وأشار توفيق إلى أن حريق الكتب عمل همجي وبربري وعدواني، ويعيدنا إلى مرحلة التخلف التي كانت موجودة في بعض فترات الحضارة الإسلامية. وقالت الناقدة الدكتورة هويدا صالح: "أنا ضد حرق الكتب بكل تأكيد مهما كان محتوى هذه الكتب، ولا يمكن أن نسمح للناس أن تنصب من نفسها كمحاكم تفتيش تحاكم الفكر، مهما كان المحتوى حتى لو أن هذه الكتب فيها أفكار على غير هوى البعض". وطالبت هويدا، من وزارة التربية والتعليم تشكيل لجنة وفرز الكتب التي تريد، وتستبعد ما تريد لكن أن تحول مديرة مدرسة من نفسها وصيّا على الفكر فهذا مرفوض تمامًا، وعلى الوزارة أن تحاسب المسئول. وأضافت هويدا "لو تركنا الناس تنفذ ما تراه صوابًا دون الخضوع جميعًا للقانون لأصبحنا في غابة القوى يقضي فيها على الضعيف، ولا نقبل أية مصادرة أو حرق أو تفتيش عن الكتب وللكتب هؤلاء يجب أن يحاسبوا لأننا في دولة قانون". وأشار الروائي ناصر عراق إلى أن من حرقوا الكتب يبدو أنهم يعيشون خارج إطار الزمن الذي نعيش ونحيا فيه، لأن بمنتهى البساطة الوسائل الإلكترونية الحديثة قضت تماما على فكرة الحرق أو المنع التي كانت تمارس في عصور قديمة، وبالتالي لن يستفيد من هذا السلوك الجاهل سوى أصحاب الأفكار المتخلفة والمتشددة وتجار الدين. من جانبه، قال الكاتب المسرحي الدكتور كمال يونس، إن ما حدث من قيام إحدى المدارس بحرق 75 كتابًا من بينها كُتب صادرة عن الهيئة العامة للكتاب والمركز القومي للترجمة بدعوى أنها تحمل فكر متطرف، واصفا الحادث ب"عبارة ضجة خائبة" وتصرف أرعن لا ينم عن بصيرة بل لفرقعة إعلامية لا أكثر. وأضاف يونس "من المضحك المبكي أن مكتبات المدارس لا يذهب إليها الطلاب ولا يرتادونها إلا نادرا، وفي الواقعة كان يمكن جرد الكتب ببساطة وإقصاءها والتخلص منها في هدوء بعد مراجعة وجرد الكتب، وما حدث حركة رخيصة قام بها متهورون بغية السعي للشو الإعلامي". وأوضح يونس أن الطلاب بشكل عام لا يقرأون الآن أي كتاب حتى كتبهم الدراسية التي تقررها الوزارة بل مذكرات الدروس الخصوصية وكتب الأسئلة والأجوبة، وتساءل: "أين المشرفون على النشاط المدرسي؟ وأين معلم اللغة العربية والتربية الدينية الراشد؟، مضيفًا: "اختفوا للأسف بعد اختفاء الطلاب من المدارس التي لا يحضر إليها الطلاب إلا للامتحانات، وأين نشاط الكشافة والمسرح والمسابقات الثقافية والوعى القومي؟". وتابع يونس: "القول بأن هناك اتفاقيات بين وزارة الثقافة ووزارة التعليم، فهي غير مفعلة وعلى طريقة اتلم المتعوس على خاب الرجا لافتقاد القائمين عليها الحماسة لتطبيقها". وقال الكاتب حسين عبدالرحيم، إن ما حدث يعيدنا لعصر محاكم التفتيش؛ حيث التفتيش في العقول والضمائر، وما حدث ليس بجديد، ومن قبل رحيل مبارك، هناك مأساة تعانيها الثقافة من حرق للكتب وحرق المجمع العلمي ومصادرة الكتب ومطاردة الكتاب، وهذا استبداد يعيدنا لعصر محاكم التفتيش وفكرة الانحطاط التي شملت كل شيء في مصر وعدم الشفافية. وأضاف عبدالرحيم "هناك فئة تقول إن الكتب التي أحرقت تحمل فكرًا متطرفًا، وفئة أخرى تقول إنها كتب تنويرية، وأعتقد أن كل ما يحدث، يعد "ردة ثقافية" وأحداث مقصودة على أساس عودة "البروبجندا" في مصر من أجل معرفة ردود أفعال الناس هل مع التنوير والثقافة أم ضدها؟ حيث إن الدولة لا تهتم بالثقافة، وللأسف فإن الثقافة والتنوير دائما في آخر أولويات الدولة. وتساءل عبدالرحيم: "أين موقف الدولة من الثقافة المصرية، ومما حدث من حرق للكتب؟ وأين موقفها من سجن ومطاردة الكتاب في مصر؟، والحقيقة أن موقف الدولة من التنوير غير واضح وملتبس. وتابع عبد الرحيم "لا بد أن يكون هناك موقف واضح من الدولة حيال التنوير؛ حيث إن المثقفين كان لهم دور في الوقوف ضد الفكر الإخواني، وكانوا في مقدمة ثورة يونيو، وينبغي أن تقف الدولة معهم من أجل الاستنارة والتنوير، ولكن الدولة لا تستغل الثقافة، إلا لغرض سياسي". وطالب عبدالرحيم بموقف رسمي وشعبي حول مفهوم الثقافة والتنوير، وأن يعلن مسئولو الدولة عن موقف حيال ما يحدث، وأن يعلن وزير الثقافة رسميًا عن موقفه حيال حرق الكتب، حيث إن الرجل الذي جاء لتولي وزارة الثقافة، لأنه جمع مادة عن ثورة يناير، أو لأنه تبنى مشروعًا، وكل ما يعرف عنه بين المثقفين أنه الرجل الثالث في دار الكتب والوثائق، ونحن لا نعرفه ولم يقدم للثقافة أو المثقفين جديدًا، مصر تعود للخلف لعدم الاهتمام بالثقافة. وأكد الروائي حمدي البطران، إنه ضد مبدأ حرق الكتب، مؤكدًا انها ظاهرة تنم عن قصور في الفهم والاستيعاب ما لا تستوعبه لا تحرقه ولا يجب أن نغلقه أو نمنعه ربما جاء يوم نحتاجه. وأضاف البطران في تصريحات صحفية، أن الغريب في المر أن من حرقت كتبهم اليوم، هم من أحرقوا كتب الآخرين بالأمس القريب والبعيد، وينبغي أن نتذكر، أن الأفكار الهمجية فقط هي التي تحرق الكتب وتهدم التراث. ولفت البطران إلى أن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى ضياع الكتب في العالم العربي عبر عصوره المختلفة، منها أسباب نفسية بحتة، وأخرى الخوف من اقتناء الكتب في بعض العصور باعتبارها محرمة وممنوعة وخاصة كتب الفلسفة والكتب العلمية التي يلاحق أو يسجن أو يقتل من كان يقتنيها.