ما جري للصحفية الايطالية جوليانا سجرينا من قبل القوات الأمريكية في العراق واطلاق الرصاص عليها بعد تحريرها كرهينة من قبضة احدي المنظمات العراقية أثار ومازال الكثير من التداعيات والأحداث. وبعيدا عن العلاقات الأمريكية الايطالية واضطرار سلفيو برلسكوني رئيس وزراء ايطاليا والذي يعتبر أقرب الحلفاء الأوروبيين إلي إدارة الرئيس جورج بوش، وتحت الضغط الجماهيري المكثف إلي الاعلان عن بدء انسحاب القوات الايطالية في العراق ابتداء من سبتمبر ثم اشتراط تنفيذ ذلك موافقة الحلفاء - بوش وبلير.. فذلك كله يدخل في إطار العلاقات الأوروبية الأمريكية والايطالية بشكل خاص ولكن اطلاق الرصاص الأمريكي علي الصحفية الايطالية أثار حفيضة وشجون واحتجاج الصحفيين ورجال الاعلام بشكل خاص ليس في ايطاليا وحدها بل في العالم كله بما في ذلك الاعلام الأمريكي نفسه. وأصدرت المنظمات الصحفية العالمية بيانات شديدة اللهجة تشجب وتدين وتحذر من استهداف الصحفيين من جانب القوات العسكرية الأمريكية ومن جانب الأنظمة القاهرة والكابتة للحريات، وفقا لبيان منظمة "صحفيون بلا حدود" في العام الماضي 2004 سجل أعلي رقم في ضحايا وقتل الصحفيين. - مقتل 57 صحفيا كان في العام السابق ،2003 53 صحفيا. وتقول الاحصائيات أن 26 من الصحفيين الذين قتلوا في العراق وغالبيتهم برصاص أمريكي، كما أن هناك أكثر من 145 صحفيا يعانون من الحبس والسجن والفصل نتيجة عملهم الصحفي، وذهبت هذه الاحصائيات إلي أنه أثناء الغزو الأمريكي البريطاني للعراق 2003 قتل ثلاثة صحفيين أما الذين قتلوا في العراق بعد إعلان الرئيس بوش انتهاء المعارك العسكرية فبلغ عددهم حوالي 40 قتلوا بعد ذلك بينما تم اختطاف 27 صحفيا قتل منهم اثنان وتم الافراج عن الباقي، ومازالت هناك صحفية فرنسية مختطفة وهي فلورنس أديناس كما قتل كذلك 18 من العاملين مع الصحفيين من مترجمين وسائقين. وتؤكد هذه الأرقام الخطيرة استهداف قوات الاحتلال للصحفيين والمراسلين كذلك بعض المنظمات الارهابية، لتعاظم الدور الذي تلعبه الصحافة والتليفزيون والدش في كشف وفضح الجرائم التي ترتكب وتقديم الصورة الحقيقية أول بأول من خلال الصحف أو من خلال شاشات الفضائيات. وبينما تعلن الصحفية الايطالية التي تعرضت لرصاص القوات الأمريكية بعد الافراج عنها بأن ذلك قد تم عن عمد مع سبق الاصرار من قبل تلك القوات، فإن صحفيا أمريكية شهيرا كان يعمل في محطة CNN الاخبارية ويقوم بتغطية أحداث العراق والشرق الأوسط "ايسون جوردان" قد أكد هذه الاتهامات وضرب أمثلة كثيرة علي ذلك مؤكدا أن هناك علي الأقل 9 صحفيين قتلوا في العراق بعد أن تعرضوا لنيران صديقة!! وقد أدي ذلك إلي استقالة الصحفي الأمريكي من المحطة الاخبارية أو بمعني أدق دفع إلي الاستقالة الجبرية وقد أدت تداعيات هذه الأحداث من اطلاق الرصاص علي الصحفيين والنشطين والاكفاء منهم بشكل خاص إلي أن معظم المراسلين الأجانب أصبحوا أسري غرفهم في الفنادق الكبري التي يقيمون فيها في بغداد خاصة بعد أن قامت القوات الأمريكية منذ فترة بقصف فندق فلسطين الذي يقيم فيه الصحفيون الأجانب مكاتبهم كما أن بعض التنظيمات التابعة للزرقاوي استهدفت الفندق أكثر من مرة. وقد أدي هذا الأمر إلي بعض الحقائق الواضحة، منها أن معظم الصحفيين الذين قتلوا أثناء تأدية عملهم في العراق في الشهور الأخيرة هم عراقيون كما أن بعض مراسلي وكالات الأنباء ومحطات التليفزيون العالمية فضلوا الانتقال إلي عمان والكويت وتغطية الوقائع من هناك وذلك بحثا عن أماكن أكثر أمنا وأمانا وقد أدي ذلك إلي ملاحظة بعض المراقبين أن الحكايات والأحداث التي تنقل من العراق قد أصبحت أقل دقة وأكثر غموضا كشف الحقائق التي تجري نتيجة لهذا المناخ غير الصحي للعمل الصحفي الحر. ويشرح التقرير الدولي أسباب ازدياد المخاطر بالنسبة لمهنة الصحافة حيث تقوم الصحف والفضائيات ووسائل الاتصال الحديث بنقل ما يجري في العالم، خاصة في المناطق الساخنة في التو واللحظة وبالصوت والصورة الأمر الذي عظم كثيرا من دور الصحفي والصحافة خاصة المراسلين في مناطق الصراعات والحروب وجعله أكثر أهمية وخطورة. ولم يعد الأمر يتعلق فقط بالحكومات الدكتاتورية الكابتة والكابحة للحريات وعلي رأسها حرية الصحافة والتي تقوم بتأديب الصحفيين الخارجين علي قوانينهم الخاصة، وزاد من مخاطر الصحافة ومتاعب الصحفيين الثورة العلمية والتكنولوجية الحديثة خاصة في مجال الفضائيات والمعلومات والانترنت ومحاولة نقل ما يجري في كل أرجاء الدنيا في التو واللحظة خاصة في مناطق الحروب والصراعات والأحداث الساخنة مثل العراق وفلسطين والكنغو وأفغانستان وساحل العاج ودارفور. أيضا الدور المتزايد الذي تلعبه الصحافة في كشف الفساد السياسي والاقتصادي الأمر الذي اكسبها عداء المافيا وجماعات الجريمة المنظمة وشرائح رجال الأعمال الفاسدين والمرتشين وما أكثرهم في ظل استبداد الرأسمالية الفجة والمتوحشة وقوانينها في الاسواق المفتوحة بلا حدود أو سدود والمنافسة المفتوحة بلا قيود حيث تسود قيم البقاء للأقوي. وإذا كانت صاحبة الجلالة تحمل تاجا من الاشواك في كل أنحاء العالم فهي في العالم الثالث، وفي عالمنا العربي بشكل خاص مهنة محفوفة بالمخاطر ومن شاء التفاصيل فليرجع إلي التقرير السنوي الذي نشرته منظمة "صحفيون بلا حدود" حول حرية الصحافة والصحفيين في العالم العربي. وأشار التقرير هذا العام ولأول مرة إلي أن المخاطر التي تهدد حرية الصحافة والصحف في العالم العربي لا تأتي فقط من جانب الحكومات المدعمة بترسانة من القوانين المكبلة لحرية الرأي والتفكير والتعبير بل وهناك أيضا عاملان أساسيان جديدان يلعبان دورا مهما في محاصرة حرية الصحافة العربية بما في ذلك بل وعلي رأس ذلك الفضائيات العربية، هما الاتجاهات الأصولية المتطرفة من ناحية والاحتلال العسكري الأمريكي للعراق الذي يصفه التقرير بأنه كان ومازال يمثل عدوانا سافرا ضد حرية الصحافة والصحفيين.