90دقيقة وأنا منهمك في متابعة لعبة "ذراع من حديد" بين الرئيس بوش ومنافسه السناتور كيري، في جامعة ميامي بفلوريدا، فجر الجمعة الماضية.. استمتعت بعبارات كيري ذات الانياب، وقفشاته السياسية التي ضبطت بوش في حالة "تلبس عقلي" بجرائمه، وألزمته الصمت والعجز عن استدعاء الكلمات!.. الموقف شديد الارباك، وبوش كرئيس اعتاد ان يجد من حاشيته كل عون عند الاحتياج ومددا بالافكار والصياغات.. لكنه في المناظرة وحيد بين رحي المساءلة والاعتصار! تاليا قرأت النص الكامل للمناظرة، في 17 صفحة، لكن المتعة كانت أقل.. فرق بين أن تري الفيلم ساخنا كرغيف الخبز، وبين ان تسمع من يحكي لك قصته ويصور مناظره! كانت المناظرة في مجملها صدامية.. شكسة.. وعدوانية.. كيري يلتزم حد الهجوم بذهن بارد، بينما يتقوقع بوش في خندق الدفاع.. يسوق المبررات السقيمة لحربه في العراق: "العدو هاجمنا".. قاطعه كيري: "لم يكن العدو هو صدام حسين!".. بوش يتدارك بارتباك: "بالطبع.. اني اعرف.. اسامة بن لادن هاجمنا"! يلاحقه كيري مؤكدا له انه قاد البلد الي هزيمة كاملة (debacle) في العراق.. وأن الوقت قد حان لبداية طازجة، وصدقية جديدة في السياسة الخارجية لأمريكا.. بلد الأحرار! والحق أن بوش كانت تنتابه نوبات قوة وقسوة طاغية وهو يرد لطمات كيري له بانه تهاون في حماية الامة في اعقاب احداث 11 سبتمبر، مؤكدا انه استعمل كل القدرات الممكنة لحماية امريكا وتأمين شعبها.. واحيانا كانت لا تسعفه الكلمات لدحض الاتهامات، فينظر الي الكاميرا، بملء عينيه، ويزم شفتيه تعبيرا عن السخط المبين.. ثم يتمتم بضعف: "الناس يعرفون بالضبط موقفي"! وتلاقي الغريمان بالتوافق في بعض المواقف السياسية.. من ذلك: ان الاسلحة غير التقليدية في حيازة الدول الشاردة خطر يهدد كلا منهما كرئيس للولايات المتحدة.. وان صدام حسين بدا وكأنه يمثل هذا الخطر!.. وان القوات الامريكية لا ينبغي ان تنسحب من العراق علي نحو مندفع أو متهور (precipitately)! لكنهما اختلفا تماما فيما عدا ذلك من قضايا! ما اسموه حرب الإبادة في دارفور والانتشار النووي عند كل من كوريا الشمالية وإيران!. بوش الحزين.. متفائل! الاتهام الذي يلاحق كيري كذيل القط من انه متقلب ومتغير الرأي (Fickle Flip - Flopper).. بسبب موافقته علي الحرب ضد العراق كعضو في مجلس الشيوخ، ثم اعتراضه تاليا علي تخصيص 87 مليار دولار للعمليات العسكرية وإعادة الاعمار في كل من افغانستان والعراق.. كان دفاعه في المناظرة هشا وركيكا.. "عندما اعترضت علي الاعتماد المالي كان ذلك خطأ في التعبير عن الحرب.. لكن الرئيس بوش اخطأ في غزوه للعراق.. أي الخطأين أكثر سوءا؟!" لكنه في تجريمه لحرب العراق، كان حصيفا ومقنعا.. بعبارته: "بوش الاب بعد تحريره للكويت لم يشأ ان يجتاح العراق.. والسبب كما جاء في مذكراته انه لم يكن هناك مخرج استراتيجي ينهي تلك الحرب".. واضاف: "هذا بالضبط هو موقف القوات الامريكية الآن، كقوة احتلال في أرض شديدة العداء"! ................. اختلفت الرؤي في تقويمها للمناظرة.. كل وصف الفيل بصورة جزئية تعكس ما تلمسه يداه.. البعض قال انه "أذنان كبيرتان"، والبعض قال انه "مجرد زلومة"! جون إدواردز المرشح نائبا للرئيس علي تذكرة كيري، قال مباهيا: "لقد بدا وكأنه قائد أعلي.. هذا الرجل جاهز لحماية أمريكا وتأمين شعبها"!. جولو كهارت، كبير مستشاري كيري: "كان الرئيس بوش في منتهي التشوش والارتباك.. وكأنه يناظر نفسه في مونولوج داخلي". الرئيس بوش: "لقد أدينا مناظرة رائعة ليلة أمس".. بعض النقاد: "بوش كان مقنعا وهو ينظر الي الكاميرا بامتعاض تعبيرا عن رأيه في انتقادات كيري له"! وقد خالف المصورون الاتفاق الاساسي علي استبعاد تسجيل ردود فعل اي طرف علي ما يقوله الطرف الآخر أثناء الحوار.. لكن تعبيرات الوجهين معا علي الشاشة، كصورة مدمجة مسروقة، كانت نبضا ممتعا! السناتور الجمهوري جون ماكين امتلك الجرأة وهو يقف الي جوار بوش.. ليقول: "هذه اكثر لحظات جون كيري لمعانا، خلال الاسابيع ال 6 الأخيرة من حملته الانتخابية".. السناتور ماكين صديق صدوق لكيري، عملا معا في أهم القضايا التي نوقشت في مجلس الشيوخ، من حرب فيتنام حتي حرب العراق! روب واتسون، مراسل ال (BBC): "لقد وجه كيري ضربات خطيرة لبوش في اطار ادارته لحرب العراق"! صحيفة الجارديان البريطانية: "أداء كيري كان قويا، لدرجة ان بوش كان يعبس ويقطب الجبين.. وتهرب من شفتيه الكلمات"! تورونتو جلوب آند ميل الكندية: "اعترف بوش بضراوة المقاومة في العراق.. وتقارير الخسائر البشرية التي يطالعها كل يوم.. ورغم ذلك قال كاذبا: إنه متفائل"! أبواب التزوير .. مفتوحة! يوم الانتخاب، كما يحدده الدستور الامريكي، الثلاثاء الأول من شهر نوفمبر في عام الانتخابات.. ويصادف هذا العام: 2 نوفمبر.. ومن الممكن أن يتم الانتخاب قانونا قبل ذلك، إن توافر عذر قوي! لكن عددا كبيرا من الولاياتالامريكية فتحت أبواب الانتخاب المبكر دون اي عذر.. وبالتحديد: 35 ولاية.. وقد بدأ التصويت بالفعل في ولايتي أيوا ومين، وخلال ايام تفتح ولايات اخري صناديق الانتخاب ومكناته لمن يشاء! ويقدر الخبراء عدد اصحاب الاصوات المبكرة هذا العام بحوالي 25% من عدد الناخبين! ويخشي خبراء الانتخابات من ان يفتح التصويت المبكر ابواب الغش والتزوير.. مثلما انه يفوت علي الناخب مزايا تقويم صلاحية المرشحين كما تجسمها المناظرات.. وكذلك الاحداث غير المتوقعة التي قد تؤثر في اختيار الناخب: تزايد العنف في العراق.. ارتفاع اسعار البترول.. هجوم ارهابي كحادث فجائي.. الي غيره! واحد مثل جون كيري يخطط استراتيجية حملته الانتخابية علي ان تتسارع الي اقصاها في الاسابيع الاخيرة قبل يوم الانتخاب.. والتوسع في الانتخاب المبكر يقوض جدوي مثل هذه الاستراتيجية! وتحذر توفاوانج خبيرة الانتخابات في مؤسسة سنشري فاونديشن بنيويورك من ان التوسع في التصويت المبكر قد يحرم الناخب من صوته تماما (completely disenFranchised) مثلما حدث للناخبين في ولاية مينيسوتا سنة 2002.. عندما اعطوا اصواتهم المبكرة للسناتور بول ويلستون.. ثم بطلت تلك الاصوات بسبب حادث فجائي: موت المرشح في حادث طائرة.. ليلة الانتخاب!!