مثل أعاصير الهريكين العاتية، تجتاح سماوات واشنطن هذه الأيام أجواء الانتخابات الساخنة.. سواء انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي تجري نهار الثلاثاء 7 نوفمبر المقبل.. أو انتخابات الرئاسة أول أيام الثلاثاء في نوفمبر 2008! تحت شعار "استعادة أمريكا" عقد الحزب الديموقراطي مؤتمرا في أحد فنادق واشنطن.. افتتحته هيلاري كلينتون بكلمة استغرقت 25 دقيقة.. يهمنا هنا ما قالته عن العراق، عظمة الظهر في السياسة الأمريكية هذا العام وكل عام.. قالت: "لا أظن أنها استراتيجية ذكية للرئيس بوش أن يواصل التزاماته المفتوحة في العراق.. أو أن يضع تاريخا محددا للانسحاب".. قاطعها الجمهور بغضب: "ولماذا لا؟!".. علا صوت هيلاري فوق صراخ الحضور: "أنا لا أوافق علي تحديد موعد محدد للانسحاب.. لأن ذلك ليس في مصلحة قواتنا هناك، ولا في صالح أمريكا"!.. وقف العشرات يهتفون: "أعيدوا قواتنا إلي الوطن"! تلاها السناتور جون كيري، مرشح الرئاسة السابق واللاحق، بكلمة استغرقت 35 دقيقة، كلها عن العراق.. وسط ترحيب حماس من الجمهور زاوج كيري بين حربي العراق وفيتنام.. الأولي ضد الإرهاب، والثانية ضد الشيوعية.. والهدف في الحربين مصطنع.. وقد طال أمد الحربين، لأن القيادة في واشنطن لم تقتنع بفشل سياسة كل منهما! وأضاف كيري: "انهما أكثر الخيارات السياسية فشلا في التاريخ الأمريكي"! وواصل كيري انه يسعي بدأب هو والسناتور فينجولد لدفع الديموقراطيين في مجلس الشيوخ لاتخاذ قرار بتحديد موعد نهائي للانسحاب من العراق! ورغم موقفها غير الحاسم من حرب العراق، فإن هيلاري كلينتون تتمتع بمركز متقدم عن جون كيري بين المرشحين للرئاسة الأمريكية، نوفمبر 2008.. شعبيتها داخل الحزب الديموقراطي أقوي.. وقد جمعت لتمويل حملتها في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس ما يكفي، وما يفيض لتمويل حملتها الرئاسية بعد عامين! في قياس أخير للرأي العام أجرته مؤسسة جالوب، أجاب 36% من الديموقراطيين أنهم سوف يدلون بأصواتهم لصالح هيلاري كلينتون في انتخابات الرئاسة المقبلة.. مقارنة ب 11% لجون كيري، و16% لآل جور، و12% لجون إدواردز رفيق تذكرة جون كيري في انتخابات الرئاسة الماضية! إنما لهيلاري كلينتون مشكلة مع الناخبين تعوق موقفها الانتخابي.. ذلك أنهم يعتبرونها مفرطة في الليبرالية، وهي "سبة سياسية"!.. وكذلك موقفها المتلولب "Tack" من حرب العراق.. وإن كان آخرون يعتبرونه موقفا داهية! دقائق عرضة للخطر! العراق.. العمود الفقري للسياسة الأمريكية الراهنة.. هذا العام، ولأعوام! وزيارة الرئيس بوش المفاجئة لبغداد الأسبوع الماضي تجسم هذا النظر.. وقد جاءت في توقيت تعالت فيه أصوات الحزب الديموقراطي تطالب بتحديد موعد نهائي للانسحاب من العراق.. وسرت عدوي الانسحاب إلي الحزب الجمهوري الحاكم، وبدأت رموزه تتحدث عن انسحاب تدريجي يبدأ مع نهاية هذا العام! وكان لابد أن يطمئن بوش بنفسه علي الموقف في العراق.. وينقل طمأنينته وثقته إلي نوري المالكي رئيس الوزراء الجديد.. لهذا طار خلسة من كامب ديفيد إلي بغداد.. وقضي 6 دقائق في طائرة هليكوبتر نقلته من المطار إلي حصن المنطقة الخضراء في قلب العاصمة العراقية.. وكانت أكثر دقائق الرحلة كلها تعرضا للخطر! شد بوش علي يد نوري المالكي وهو يقول بانفعال: "إني متأثر بقوة شخصيتك ورغبتك الأكيدة في النجاح.. ولدي انطباع جيد عن استراتيجيتك في العمل السياسي"! كان دعم الرأي العام الأمريكي للحرب في العراق ينهار ويتحات بمعدلات آسية.. ثم جاء مصرع أبو مصعب الزرقاوي فأوقف الانحدار.. وتزامن معه تشكيل حكومة المالكي الجديدة، فكان خبرا سارا يثير الثقة ويشحذ الهمة.. الجنرال باري ماكافري القائد السابق بالجيش الأمريكي يعيد ترتيب الأحداث وتقييمها: "تشكيل الحكومة الجديدة هو نقطة التحول الرئيسية.. وليس ضرب الزرقاوي ضربة الموت"! لكن خبرة الأحوال في العراق تؤكد انه كلما تقدمت الخطوات الأمنية، علت تفجيرات المقاومة وازدادت عنفا.. وتهاوي بفعلها دعم الرأي العام الأمريكي للحرب! أضف إلي ذلك أن حكومة المالكي حكومة هشة ولم تختبر.. وحشد الإدارة الأمريكية لكل عضلاتها الدبلوماسية والإدارية وراءها قد يكون مغامرة جسيمة تحتمل الفشل.. وفشل الرهان العراقي، في مثل هذا التوقيت الانتخابي شديد الحرج، قد تنجم عنه هزيمة كاملة في انتخابات الكونجرس الوشيكة!! اقطع الحبل.. واهرب! علي أن زيارة بوش لبغداد الثلاثاء 13 يونية جاءت في توقيت موات تماما للبيت الأبيض.. كارل روف، رئيس المستشارين السياسيين، تم إعلانه قبل الزيارة بيوم واحد بإسقاط الاتهام الموجه إليه في قضية إفشاء سر إحدي عميلات المخابرات المركزية.. وتحرير روف من قيد الاتهام، أطلق قواه للهجوم علي الحزب الديموقراطي المعارض.. وقد هاجم بالفعل موقف الحزب من الحرب في العراق في برنامج تليفزيوني اخباري.. قال ساخرا: "هذا الحزب النمطي القديم.. الذي يعتنق في الحرب مبدأ: اقطع الحبل.. واهرب"! دان سينور المستشار السابق لقوات التحالف في العراق، يرسم بفرشاته أهمية قضية العراق الاستراتيجية للرئيس الأمريكي ورئاسته: "ليست هناك قضية أخري أكثر أهمية للرئاسة الأمريكية من مسألة العراق.. وأية نجاحات في السياسة الداخلية أو الخارجية يحققها الرئيس بوش، سوف تتلاشي إذا قدم مسألة العراق لخليفته في 20 يناير 2009.. في صورة قطعة من الفوضي"! وبعبارة أكثر تحديدا، يقول كنيت دوبر شتاين رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض في عهد الرئيس رونالد ريجان: "حقيقة مؤكدة أن العراق بالنسبة للرئيس بوش قضية مركزية.. ليس فقط بالنسبة لرئاسته الراهنة.. وإنما أيضا بالنسبة لتراثه السياسي his legacy"! في طريق عودته من بغداد إلي كامب ديفيد، كشف الرئيس بوش عن خواطره الدفينة لجمع الصحفيين المرافقين له علي متن الطائرة الرئاسية.. بنص كلماته: "اعترف تماما بأن هناك أناسا يهتمون بالتاريخ في زمنه القصير.. لكني في كل ما أفعل أهتم بالتاريخ في زمنه الطويل.. واعتقد ان كل ما نفعله ضروري وصحيح"!!