إذا كان ما يتردد صحيحا بشأن النية لتعديل التعرفة الجمركية الأخيرة أو ضافة ملحق لها فسيكون هذا أمرا محيرا ومخيبا للآمال علي نحو بعيد ليس فقط بسبب أن هذا الاجراء لم يحدث من قبل في تاريخ اصدار التعرفات الجمركية ولكن وفي الاساس فإن هذا الامر ان حدث سوف يكشف ان التعرفة الجديدة جري اعدادها علي عجل ولم تسبقها دراسات كافية بشأن تأثيراتها علي السوق في مختلف المجالات والأنشطة. وخطورة التعديل السريع أنه ينسف الفكرة التي كانت محل اشادة الجميع وهي أن هناك فكرا جديدا بدأ في الظهور ومن شروط نجاح هذا الفكر الجديد أن يكون مرتكنا إلي أسس قوية ومتماسكة ومستندا الي تصور مسبق شامل يعرف اهدافه وكيفية تحقيقها، ومن ابسط قواعد النجاح ان تظهر القوانين واللوائح التي تصدر في اطار هذا الفكر الجديد قوية ومبسطة وقادرة علي الدفاع عن نفسها في مواجهة اية مقاومة أو انتقادات متوقعة بسبب مصالح قد تتضرر من جراء صدور قواعد جديدة تنظم الاحوال الاقتصادية. ونحن هنا امام حالين لا ثالث لهما، أولهما أن هذه المصالح مشروعة ولم تؤخذ في الاعتبار عند اعداد التعرفة الجديدة وهذا خطأ اداري فادح، أو أن هذه المصالح لها طلبات مبالغ فيها ولا تنسجم مع الأولويات الاقتصادية التي تسعي التعرفة لتحقيقها وحينئذ سوف يفسر التعديل ان حدث بأنه استجابة لضغوط مصالح وقوي وهذا أيضا خطأ كبير سوف يحسب بلا شك علي من كانوا وراء اصدار هذه التعرفة وربما علي الحكومة الجديدة كلها. وخلال الأيام القليلة الماضية والتي تلت تطبيق التعرفة الجمركية الأخيرة ظهرت ردود افعال ايجابية بشأن تأثيرها علي السوق وعلي الأسعار غير أن بعض ردود الافعال جاءت سلبية ومنتقدة خاصة من بعض الصناعيين الذين اعتبروا دون الدخول في التفاصيل أن التخفيضات الأخيرة تخدم المنتج النهائي المستورد من الخارج علي حساب مثيله المصنع محليا في السيارات مثلا وبعض السلع الهندسية وحتي الغذائية وخلال الندوات التي عقدها هؤلاء لتدارس التعرفة الجديدة ظهرت شائعات أن وزارة المالية قد تلجأ لاصدار ملحق اضافي لعلاج التشوهات التي ظهرت رغم أن التعرفة الجديدة روج لها بأنها صدرت لعلاج التشوهات الجمركية المزمنة! القضية إذا مهمة وتتجاوز التعامل مع إجراء مالي متمثل في إصدار تعرفة جمركية جديدة لتصبح شبه أزمة في صناعة القرار الاقتصادي تواجه حكومة يعقد عليها الناس آمالا كبيرة في اصلاح المسار الاقتصادي، ومن هنا كانت خطورة الشائعات التي تتردد حول ملحق التعرفة. وفي هذا السياق وربما بسبب هذه الشائعات لاحظ الخبراء والدوائر التجارية ان هناك حالة من التجمد في حركة السوق ان لم نقل "هرجلة" خاصة في الاسعار تمتد من تجارة السيارات مرورا بالسلع الهندسية واجهزة الحاسب وحتي الهواتف المحمولة وغيرها من السلع حيث انكمش المعروض واضطربت الاسعار وتفاوتت من مكان إلي آخر وقد يقال إن هذه ظاهرة طبيعية في ضوء ان السلع المتداولة جري طرحها قبل صدور التعرفة المخفضة ويجري تداولها في سوق متأثر بخفض الجمارك خاصة ان مسألة الانخفاض هذه لم يتعود عليها السوق فلسنوات طويلة كانت التعرفات الجمركية المعدلة تأتي بنودها مرتفعة عن سابقتها وهو ما كان يؤدي الي رفع الاسعار وتحقيق التجار لمكاسب كبيرة بسبب فروق الاسعار للسلع المتداولة عند صدور التعرفة الآن الموقف معكوس وهو ما دعا البعض لأن يردد انه تعرض لخسائر جسيمة بسبب تراجع الاسعار في تجارة السيارات مثلا ومع ذلك فإن الحديث المتواتر عن اعتزام وزارة المالية اصدار ملحق للتعرفة يخفض بعض بنود مستلزمات الانتاج ومكونات السلع بأكثر مما ظهر في التعرفة الأخيرة من شأنه أن يزيد الأمور ارتبا كا علي ما هي فيه من ارتباك وهنا ومرة أخري نري انه لا حل سوي دعم الشفافية بأن يتم الاعلان بوضوح ان هذه هي التعرفة التي سيتم تطبيقها خلال الفترة القادمة.. أو القول صراحة إن الوزارة تدرس بالفعل امكانية اجراء تعديل سريع علي تعرفتها الأخيرة.. وليكن ما يكون.