«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
حديث آخر جاد مع الدكتور البرادعي‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 04 - 2010

سألني كثير من الزملاء والقراء وحتي الجمهور في محاضرة ألقيتها علي مسرح سيد درويش بالإسكندرية عما أقصده بضرورة الحديث الجاد عن ومع الدكتور محمد البرادعي‏.‏ وبينما ذهب البعض من المتشككين إلي أن ذلك يعني اتهاما لآخرين بأنهم لا يتحدثون عن ومع صاحبنا بالجدية اللازمة‏;‏ فإن آخرين كانوا بالفعل يريدون تعريفا للمقصود فربما كان في الكلمات والمفاهيم ما يغني ويفيد‏.‏ ولمن لهم خلفية أكاديمية مثلي فإن التعريف بالأمر‏,‏ وتعريف المقاصد‏,‏ هو من أول فرائض العلم الذي هو في النهاية وسيلة الاقتراب من الحقيقة‏.‏
وهكذا فإن المقصود بالجدية هنا هو أن نبدأ أولا في معاملة الدكتور البرادعي وكأنه واحد منا‏;‏ وثانيا أن نعامله كسياسي نزل إلي الساحة السياسية المصرية مقدما فكرا يتطلب المناقشة والمساءلة‏,‏ ومقدما سلوكا يجب أن يوضع موضع التقييم استنادا إلي فكره الليبرالي من ناحية‏,‏ وارتكانا إلي مصلحة البلاد وتقدمها من ناحية أخري‏.‏ فحتي هذه اللحظة حصل الدكتور البرادعي علي معاملة خاصة باعتباره واحدا من المكرمين المصريين لحصوله علي جائزة نوبل للسلام‏,‏ وقلادة النيل العظمي‏,‏ وكلتاهما كانتا شهادة علي تاريخ طويل من الإنجاز والنجاح الذي لم يحسب له فقط‏,‏ ولكنه حسب لمصر أيضا‏.‏ مثل هذه الشخصية فيها الكثير من البطولة والنموذج‏,‏ وبعض من الهالة التي ترتبط بالمتميزين‏.‏ ومرة أخري حصل الدكتور البرادعي علي معاملة خاصة عندما قرر الولوج إلي ساحة السياسة المصرية بشعار مهم هو التغيير‏,‏ وهو شعار دائما ما يثير آمالا وتوقعات كبري‏,‏ وعندما يرتبط بتحقيق الديمقراطية الكاملة فإن الأحلام تطاول عنان السماء‏.‏ وفي الحالتين الشخصية والموضوعية بات الدكتور البرادعي كما لو كان ذلك البطل جودو في المسرحية الشهيرة ليس الذي لم يأت أبدا وإنما الذي أتي إلي المدينة ذات صباح وإذا به يريد تغييرها وقلبها رأسا علي عقب سواء كانت المدينة تريد ذلك أو لا‏,‏ أو أن شعب المدينة يريد ذلك النوع من التغيير أم لا‏.‏
وأخذ الدكتور البرادعي بالجدية الكاملة بالمعني المشار إليه يبدأ من النقطة التي بدأ منها وهي أنه علي استعداد للترشح لمنصب رئيس الجمهورية إذا ما طلب الشعب ذلك‏,‏ وإذا ما قام هذا الشعب بإجراء التغييرات الدستورية المطلوبة لكي يترشح مستقلا دون مرور بالإجراءات التي يطلبها الدستور الحالي‏.‏ هذا المنطق فيه قدر من الغموض‏,‏ وقدر من التناقض الذي لا أدري لماذا لم يكتشفه أحد من مؤيدي الدكتور البرادعي أو حتي خصومه‏;‏ حيث إن ما يطلبه رجلنا هنا هو خروج علي الدستور الحالي بتعديلات في مواد أساسية عن طريق لم يأت في الدستور أصلا من ناحية‏,‏ ومن ناحية أخري فإنه يطلب من المؤسسات القائمة التي تستند إلي هذا الدستور أن تقوم بهذا التعديل الذي يطلبه فقط بناء علي رغبته‏.‏ هنا فإنك لا تعرف علي وجه التحديد عما إذا كان صاحبنا يريد الخروج علي النظام أو الدخول فيه وتعديله‏;‏ فهو لا يتحدث عن دستور في بلاد القمر‏,‏ وإنما يتحدث عن دستور عام‏1971‏ المعدل في أعوام‏1980‏ و‏2005‏ و‏2007,‏ وعن مواد محددة هي‏76,‏ و‏77,‏ و‏88,‏ وبعد ذلك قائمة أخري من المطالب‏;‏ وهو في نفس الوقت لا يتحدث عن مؤسسات قائمة في مصر‏,‏ بل أنه كثيرا ما يتحدث عن كونه لا يريد الاعتراف بشرعية القوانين القائمة لأن النظام نفسه ليس شرعيا‏,‏ فما هي يا تري تلك الطريقة التي يتم بها تغيير المواد الدستورية من قبل مؤسسات في نظر الدكتور البرادعي وصحبه غير شرعية؟‏!‏
الجدية هنا أيضا تقتضي أن نأخذ حل التناقض السابق الذي يقدمه الدكتور البرادعي ونضعه موضع المساءلة‏;‏ فعندما بدأ النزول إلي حلبة السياسة المصرية كان المثال الذي قدمه للتغيير هو أن نقابة الأطباء إذا ما أرسل منها‏10‏ آلاف طبيب مطالبين بتغيير الدستور‏,‏ وكذلك فعلت بقية النقابات المختلفة من محامين وصحفيين وتجاريين وعمال وفلاحين‏,‏ فلا بد أن يستجيب النظام لاحظ هنا أنه لا يوجد أي حديث عن المؤسسات القائمة لمثل هذا الضغط‏.‏ وما حدث فعليا هو أن النقابات المصرية لم تلب النداء المطلوب منها‏,‏ ولم ترسل آلاف البرقيات إلي أي من المؤسسات المصرية المنوط بها القيام بالتغيير‏,‏ ومن ثم انتقل الدكتور البرادعي إلي الوسيلة الأخري وهي مطالبة أنصاره بجمع توقيعات خمسة ملايين مصري يطالبون بتغيير مواد الدستور المطلوب تغييرها حتي يلبي الدكتور البرادعي نداء الترشيح لرئاسة الجمهورية‏.‏ وفيما نقله والعهدة علي الناقل من حضر الاجتماع مع رجلنا فإن الأعداد نزلت إلي‏2‏ مليون توقيع أصر البرادعي عن حق تماما أن تكون توقيعات ليست علي شبكة المعلومات الدولية‏,‏ إنما من خلال مواطنين يكتبون أسماءهم‏,‏ ويضعون أرقامهم القومية‏,‏ ثم بعد ذلك يوقعون برغبتهم في التغيير أو التعديل الدستوري‏.‏ مثل ذلك كان سيعد نوعا من التوكيل‏,‏ أو حتي التصويت‏,‏ علي وجود هذه الرغبة لا يمكن تجاهله‏;‏ ولكن ما حدث فعلا أن الملايين لم تأت‏,‏ ولم توقع‏,‏ وما حصل عليه الأنصار لا يزيد علي عشرة آلاف‏,‏ أو أكثر قليلا‏,‏ من المواطنين رغم المقابلات الصحفية الممتدة مع كل البرامج التليفزيونية في الداخل والخارج‏,‏ والتركيز الصحفي والإعلامي علي تحركات جماعة لم يكن بمقدورها حشد أكثر من ألف‏,‏ أو حتي ثلاثة آلاف‏,‏ مواطن في أي اجتماع جماهيري حشدته‏.‏
الجدية هنا تقتضي منا القول للدكتور البرادعي‏,‏ طالما صار واحدا منا‏,‏ وسياسيا بيننا‏,‏ إن القضية ليست شرعية المؤسسات المصرية القائمة‏,‏ إنما شرعيته هو‏,‏ وشرعية ما يطالب به من أن يكون مع حركته قادة التغيير في مصر‏.‏ هنا فإن المنطق الليبرالي والوطني يؤكد بالضرورة أن يكون التغيير عملية مؤسسية تجري في البلد المعني‏,‏ وليس من خلال فرد‏,‏ أو مجموعة أفراد‏,‏ يقررون دون تداول ونقاش وأخذ وعطاء وفي الشكل والمضمون مع من بيدهم التغيير‏,‏ وأن تلم كل المؤسسات أوراقها‏,‏ وتلبي نداء جماعة لا يوجد دليل واحد علي أنها تمثل الشعب‏.‏ ولا يجوز في هذه الحالة القول إن الملايين لم توقع‏,‏ أو إن النقابات لم ترسل البرقيات‏,‏ لأنها خائفة حتي ولو قيل بعد ذلك علي سبيل المباهاة أن الجماهير أسقطت حاجز الخوف‏,‏ أو أن الأمن يمنعها وهي التي تمارس الاحتجاج يوميا أمام مجلس الشعب ومجلس الوزراء وتظهر كل ساعة علي المحطات التليفزيونية المختلفة معارضة ومختلفة‏,‏ تسب وتلعن‏,‏ وفي بعض الأحيان تتخصص في مهاجمة الوزراء والمحافظين وحتي رئيس الجمهورية شخصيا‏.‏
شرعية الدكتور البرادعي إذن بها مشكلة كبري‏,‏ أظن أن ليبراليا مثله لا بد أن يدركها‏,‏ ولو أن الأمر في مصر سوف يتم حله عن طريق التوقيعات والبرقيات‏,‏ فماذا سيكون الحال لو أن جماعة الإخوان المسلمين أو أيا من الجماعات الأصولية جمعت مثل هذه التوقيعات‏,‏ وبعضها له قدرة أكبر بكثير من المجموعة التي التفت حول صاحبنا‏,‏ وأرادت تطبيق برنامج الإخوان المسلمين الذي ينادي بولاية الفقهاء ولم يحدث تراجع واضح وصريح عنه حتي الآن‏,‏ أو أيا من البرامج السلفية المنتشرة في البلاد؟‏!‏ وليس معني ذلك بالطبع أنه ليس من حق الدكتور البرادعي‏,‏ بل وواجبه في الحقيقة‏,‏ أن يعبر عن رأيه في كل القضايا التي طرحها‏,‏ والتي أتعاطف مع بعضها وأختلف وأتفق مع بعضها الآخر‏,‏ ولكن الفارق هنا هو أن العمل من خلال المؤسسات يظل الطريق الآمن للتغيير حتي ولو كان يأخذ وقتا أطول مما يريد الجميع‏.‏
ومن المؤكد أنه من حق الدكتور البرادعي أن يأخذ الطريق الذي يراه مناسبا لتحقيق أهدافه سواء لتغيير الدستور أو للوصول إلي منصب رئيس الجمهورية‏,‏ ولكنه وهو علي الطريق ينبغي أن يكون حريصا ومتمسكا بالمبادئ الليبرالية والديمقراطية التي ينادي بها‏.‏ وفي هذا المجال فإنه لا ينبغي له أن يبقي صامتا‏,‏ أو يعطي كلمات التأييد‏,‏ لجماعة لا تتعدي العشرات‏,‏ وتريد العبث بالنظام العام عن طريق التظاهر في ميدان التحرير وليس غيره‏.‏ فالحقيقة هي أنه لا يوجد ما يمنع التظاهر في مصر‏,‏ وخلال السنوات الماضية جرت في مصر مظاهرات واحتجاجات ارتفعت من‏202‏ في عام‏2004‏ إلي‏690‏ في عام‏2009,‏ وفي كل مرة جرت فيها هذه الاحتجاجات جري استدعاء كل الشبكات التليفزيونية والصحفية والإذاعية المحلية وهي كثيرة‏,‏ والأجنبية وهي غزيرة أيضا‏.‏ ولكن عندما تصر جماعة مرتبطة بالدكتور البرادعي الآن أن يكون التظاهر في ميدان التحرير فهو دعوة لشل العاصمة‏,‏ ومن ثم الاصطدام بالشرطة التي عليها واجب حماية النظام العام وسلامة حركة المواطنين‏.‏ ويبدو من الوقائع أن مسألة الاصطدام هذه مقصودة حتي تتكون كرة ثلج من الصدام لم يكن يريدها أحد تتدحرج وتكبر بحيث تأخذ البلاد إلي الفوضي وليس إلي التغيير‏.‏
والحقيقة أنني لا أظن قطعيا أن الدكتور البرادعي يريد ذلك‏,‏ ولكن مشكلته الأساسية أنه لا يري الديمقراطية أكثر من سلسلة من الأساليب والأدوات الانتخابية بينما هي في جوهرها أمر عضوي في المجتمعات والأمم‏.‏ وخلال الفترة الأخيرة حصلت العراق علي انتخابات نزيهة وديمقراطية‏,‏ ولكن انتهي الحال‏,‏ بالإضافة إلي الشلل السياسي والاقتصادي‏,‏ إلي درجات عالية من العنف تقرب مجتمعا بأسره من الحرب الأهلية‏.‏ وقبل ذلك حصلت موريتانيا علي انتخابات رئاسية نزيهة‏,‏ وانتهي الأمر بانقلاب عسكري آخر‏.‏ ليس معني ذلك أبدا ألا يحاول الدكتور البرادعي كما فعل كثيرون داخل وخارج الحزب الوطني الديمقراطي‏,‏ وفي كل الأحزاب المدنية المصرية العمل علي تعديل الدستور وإنهاء حالة الطوارئ وحتي وضع دستور جديد كلية‏;‏ ولكن عليه أن يفعل كل ذلك وهو ينظر إلي مصر بنظرة سياسية وليس نظرة إعلامية‏.‏ والفارق بين هذا وذاك هو الفارق بين الموقف والسياسة‏,‏ حيث الأول يحدد رفضا أو قبولا لأمر ما‏,‏ أما الثاني فيضع إجراءات للتغيير والانتقال من حالة إلي أخري من خلال توافق يجمع ولا يفرق‏,‏ ويضم ولا يستبعد‏;‏ وببساطة يجعل التغيير المطلوب استمرارا وتطويرا للتغيير الجاري بالفعل علي أرض البلاد‏.‏
وبصراحة‏,‏ ومع كل الاحترام لشخصه الكريم‏,‏ فإن مصر لم تولد ساعة وصول الدكتور البرادعي بعد غياب طال‏,‏ وعلي مدي أكثر من قرنين لم تتوقف مصر عن التطور والتغيير بأشكال شتي‏,‏ وخلال العقود الأخيرة قام التطور المصري علي خطط خمسية للتنمية جري تنفيذها عاما بعد عام‏.‏ مثل هذه البرامج قائمة ومتاحة لمن يريد المعرفة‏,‏ ومعها سياسات حكومية مشهرة وتتم مناقشتها في الصحافة والمؤسسات‏,‏ ولا يمكن أن ينتهي موقف صاحبنا بمجرد رفض كل ما هو موجود‏,‏ وبعد ذلك يصفه بالفساد‏,‏ ثم يكرر أقوال مجموعة من المصريين والأجانب لا تستند إلي حقيقة إنما إلي أرقام غير دقيقة أو مصطنعة كلية‏.‏ وبصراحة أيضا فإن الأحوال في مصر ليست في المقام والمكانة التي يتمناها أصحاب الطموح والأمل‏;‏ ولكن الوصول إلي ذلك يحتاج إلي أفكار في التعليم والصحة وأساليب التنمية والتطور التكنولوجي تتجاوز ما هو مطروح الآن وتتعداه‏,‏ ومثل ذلك لا يحدث أبدا بمجرد ترديد الأقوال وإعادة صياغتها في قوالب جديدة‏.‏
خذ مثلا‏,‏ والكلام جاد للدكتور البرادعي‏,‏ الحديث الكثير عن الفساد في مصر‏,‏ وهنا فإن السياسي وليس الإعلامي‏,‏ عليه أن ينظر للمسألة من الناحية العملية‏,‏ حيث يبحث في القوانين القائمة والمؤسسات المنوط بها مكافحة الفساد لكي يبحث عن الثغرات التي يأتي منها الفساد‏,‏ والقوانين والسلطات التي ينبغي تعديلها حتي نعيد الاتزان لنزاهة المؤسسات العامة في مصر‏.‏ وربما قبل ذلك وبعده يبحث عن حقيقة هذا الفساد الذي تأتينا أنباؤه من تقارير دولية تعتمد علي مدركات رجال أعمال ووجهات نظرهم‏.‏ ومنذ فترة قصيرة نشرت واحدة من الصحف المستقلة تقريرا من وزارة الخارجية الأمريكية عن الفساد في مصر‏,‏ وبعد العنوان العريض الذي يشير إلي استشراء الفساد في مصر نجد أن نص التقرير كما نشرته الصحيفة نفسها يقول إنه رغم وجود الفساد في مصر بالنسبة للموظفين الصغار فإن ذلك لا يشكل عقبة أمام الاستثمار الأمريكي في مصر وفقا لرأي المستثمرين‏.‏
وبالطبع يمكن ترديد أمثلة أخري تطرح علي الدكتور البرادعي بكل الجدية أسئلة كثيرة‏,‏ ولا أدري شخصيا ما هو رأي الدكتور البرادعي في القوانين التي طرحت علي مجلسي الشعب والشوري منذ عودته إلي مصر‏,‏ وهل لديه‏,‏ وفريقه‏,‏ رأي محدد في قانون ضريبة العقارات أو المعاشات‏,‏ أو سياسة ربط الصعيد بالبحر الأحمر‏,‏ أو حتي عرض فيلم إسرائيلي في مهرجان للسينما يقيمه المركز الثقافي الفرنسي؟‏.‏ الديمقراطية والليبرالية التي يعرفها الدكتور البرادعي جيدا هي في النهاية ليست فقط أساليب حتي ولو كانت الأساليب ونزاهتها في غاية الأهمية‏,‏ ولكنها أيضا سياسات خارجية وداخلية وهي في النهاية التي تحدد مضمون النظام السياسي كله‏.‏ وأخشي ما أخشاه أن الدكتور البرادعي يتجنب الحديث عن السياسات العامة إما لأنه لا يعرف ومن ثم فإنه يحتاج بعض الوقت لكي يعرف قبل أن يدخل إلي القضايا الكبري مثل الدستور وتعديلاته‏;‏ أو أنه يتجنب اتخاذ المواقف حتي لا يسبب انقساما بين أنصاره وهم الذين لديهم قدرة فائقة علي الانقسام ؟
‏..‏وآخر الكلمات الجادة للدكتور البرادعي هي أنه أما وقد غابت التوقيعات والبرقيات‏,‏ ومن ثم غابت الشرعية الافتراضية‏,‏ فإن الشرعية الباقية هي حق المواطن في التعبير عن آرائه‏,‏ ودخول أبواب الانتخابات العامة من أبوابها مستقلا أو من خلال حزب له الحق والشرعية‏.‏ وما عدا ذلك سوف تتحول الحركات الأيديولوجية إلي ميليشيات سياسية تعطل المواصلات العامة‏,‏ وتعطي لجماعات كهنوتية حقوقا وشرعية لتمهيد الطريق لخلق دولة دينية‏,‏ وهي ذات الخطيئة التي ارتكبها الليبراليون الإيرانيون من قبل‏,‏ حيث انتهي الأمر بإعدامهم بعد قيام دولة الملالي‏,‏ ولا أظن أن صاحب نوبل للسلام يريد أن يكتب ذلك في كتاب تاريخه‏!.‏
السفارة اليونانية تعلق علي مقال د‏.‏عبد المنعم سعيد
تلقيت تعليقا جادا من السفارة اليونانية بالقاهرة علي المقال الذي نشرته في منتصف مارس بعنوان المصير اليوناني‏,‏ وننشر هنا النص الكامل له‏.‏
ع‏.‏ س
السيد الفاضل‏/‏ رئيس مجلس ادارة مؤسسة الاهرام
د‏.‏ عبدالمنعم سعيد
تحية طيبة‏,‏ وبعد‏...‏
ايماء إلي ما جاء بالمقالة التي نشرت بجريدتكم الموقرة بتاريخ‏2010/3/15‏ تحت عنوان المصير اليوناني‏!!‏ وكانت بقلم سيادتكم‏,‏ أود أن أذكر النقاط الآتية‏:‏
‏-‏ العلاقات التاريخية والمتميزة بين دولة اليونان ودول الشرق الأوسط تدل علي وجود تعاون مثالي علي المستوي الدولي والاقليمي‏,‏ وعلي التواجد التاريخي لليونانيين في دول الشرق الاوسط‏.‏
‏-‏ قد أثبتت اليونان مرارا وتكرارا دعمها الفعال وتعاطفها مع الشعب الفلسطيني سواء في المجال السياسي أو المجال الانساني‏.‏ فاليونان لديها سياسة ثابتة فيما يخص القضية الفلسطينية‏,‏ وتعد من أوائل الدول التي كرست جهودها لايجاد حل عادل وشامل علي أساس إنشاء دولتين مستقلتين مع شركائهم الأوربيين‏,‏ وعن طريق اللجنة الرباعية‏,‏ وستظل اليونان تعمل جاهدة نحو هذا الاتجاه‏.‏
‏-‏ الصداقة المصرية اليونانية تم تدعيمها عن طريق تواجد جاليات عربية كبيرة‏,‏ من بينها آلاف المصريين الذين يقيمون بصفة دائمة في العديد من المدن اليونانية حيث يعملون هناك ويطورون من علاقات الصداقة الوطيدة بين دولتي اليونان ومصر‏.‏
‏-‏ كانت اليونان من أوائل المؤيدين لوجود تكامل يورو متوسطي يهدف الي توطيد علاقات الصداقة بين دول حوض البحر المتوسط ودول الاتحاد الأوربي عن طريق برامج إنمائية لمنطقة البحر المتوسط‏.‏
‏-‏ أتت العولمة بسرعة رهيبة وكانت للأزمة الاقتصادية العالمية آثار سلبية علي اقتصاديات جميع الدول ولكن بدرجة حدة متفاوتة‏.‏
‏-‏ اليونان كانت من الدول التي تأثرت كثيرا بسبب هذه الأزمة التي أصبحت بمثابة كابوس اقتصادي يؤثر سلبيا ليس علي اليونان فقط ولكن علي دول الاتحاد الأوربي ككل‏.‏
‏-‏ لمواجهة هذه الأزمة أعلنت الحكومة اليونانية عن تطبيق إجراءات تقشفية حازمة‏,‏ من بينها تقليص الإنفاق وزيادة إيرادات الدولة حتي يتم خفض نسبة العجز الموجودة بمعدل‏4%‏ حتي نهاية العام الحالي‏.‏ وتهدف هذه الإجراءات إلي مواجهة مشاكل الاقتصاد اليوناني بهدف تحسين المنافسة ودفع عجلة التنمية علي المدي الطويل‏.‏
‏-‏ وتندرج هذه الإجراءات تحت برنامج الاستقرار والتنمية الذي يتم تفعيله في تعاون وطيد مع لجنة الاتحاد الأوربي وشركاء اليونان في منطقة اليورو‏.‏
‏-‏ في نفس الوقت تبذل اليونان قصاري جهدها لخدمة احتياجاتها التمويلية في إطار الأسواق المالية العالمية بشرط عادلة‏.‏
‏-‏ الشاغل الأساسي للحكومة اليونانية أثناء في تجهيز هذه الإجراءات كان تأكيد علي العدالة الاجتماعية والحقوق الأساسية للمواطنين اليونانيين الذين تفهموا حجم الأزمة وأهمية تفعيل الإجراءات التقشفية وهم مقتنعون تماما بأن هذه الإجراءات ستساهم في تحسين وضع الاقتصاد اليوناني‏.‏
‏-‏ إن الخروج من هذه الأزمة سيأتي عن طريق التضحيات التي سيقدمها الشعب اليوناني وفي جميع الحالات لن يتم بيع أي أراض أو جزر يونانية تحت أي ظروف‏.‏
‏-‏ خلال مواجهة اليونان لهذه الأزمة تحاول الحكومة اليونانية أن تبقي وتطور من علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع شركائها التاريخيين‏.‏
‏-‏ في هذا الإطار‏,‏ وصل حجم التبادل التجاري بين مصر واليونان في الفترة من‏2002‏ إلي‏2008‏ من‏241‏ مليون يورو الي‏480‏ مليون يورو‏.‏ كما أنه من الملاحظ أن الاستثمارات اليونانية في مصر تتزايد سنويا حتي وصلت الي مبلغ‏800‏ مليون يورو‏.‏
‏-‏ تعتمد اليونان علي روابط الصداقة وعلاقة الثقة والتعاون والدعم المتبادل مع مصر وتهدف إلي توطيد هذه الروابط التي تربط بين الشعبين‏.‏ بهدف تحقيق النمو وتحسين مستوي معيشة الشعبين‏.‏
وتفضوا بقبول فائق الاحترام وجزيل الشكر‏,,,‏
سفارة اليونان بالقاهرة
القائم بالأعمال
ديمترريوس زيفيلاكيس
[email protected]

المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.