يدور الآن في البرازيل حوار قومي حول الاصلاح الحكومي تأخر عن موعده المناسب كثيرا.. وهناك ما يشبه الاجماع علي ان الادارة الحكومية البرازيلية صارت اداة مريضة او هي بالاحري منتفخة ومتلافة وجائرة وقاسية في آن واحد.. فشعب البرازيل يئن تحت معدلات ضرائب عالية جدا تمثل حصيلتها 40% تقريبا من اجمالي الناتج المحلي، وهو معدل يفوق مثيله في اية دولة متوسطة الدخل ويكفي لبناء دولة رفاه "علي النمط الأوروبي" ولكن ذلك للاسف غير متحقق. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية في البرازيل اكبر منها في اية دولة اخري من ذات الحجم ومستوي التعليم اسوأ من مستواه في اية دولة اخري من ذات الدخل المتوسط.. وقد بدأ التذمر في ارتفاع معدل الضرائب ينتج بعض الآثار حيث اضطرت حكومة يسار الوسط التي يقودها الرئيس لولا داسيلفا الي التخلي عن خطتها لسد العجز في موازنة المعاشات والبالغ 2% من اجمالي الناتج المحلي عن طريق فرض ضرائب اضافية علي الاجور.. وقد اعتبرت الصحف البرازيلية هذا التراجع بمثابة عقد اجتماعي جديد يقتضي خفض الضرائب لا زيادتها ولكن خفض الضرائب يتطلب خفض الانفاق العام وهذا صعب جدا في البرازيل خصوصا ان الناس صارت تري الدولة كائنا ضخما وشريرا ومصابا بفقر الدم في آن واحد.. ويري البعض ان الحل يكمن في التخلص تماما من بيروقراطية هذه الدولة المتضخمة واقامة دولة حارسة لا تهتم إلا بالأمن ولكن كثيرين من رجال الرئيس لولا يرفضون هذه الفكرة ويقولون ان "ترشيق" الدولة أي جعلها دولة رشيقة يكفي. وتتحدث حكومة البرازيل كثيرا الان عن تحسين جودة الانفاق العام من دون ان تفعل شيئا ذا بال، وتعد وزارة المالية بقصر الدعم علي الفقراء ولكن المسئولين عن برامج محاربة الفقر يطلبون المزيد من الاموال.. اما اليسار فانه يلقي باللوم كله علي اعباء خدمة وسداد الديون البرازيلية الهائلة. ومما يزيد الامور صعوبة ان الخيارات المتاحة امام الحكومة محدودة لان معظم الايرادات العامة تنفق علي خدمة الدين، والاجور، والمعاشات والخدمات الضرورية مثل التعليم والصحة، كما ان نصف ايرادات الضرائب تذهب الي حكومات الولايات والمجالس البلدية.. وقد دأبت الحكومات منذ الثمانينيات علي زيادة الضرائب لسد الفجوة بين الايرادات والانفاق علي المستوي الفيدرالي وتقليص حجم الاستثمارات.. وكانت هناك 3 أهداف وراء هذه السياسة هي رفع مستوي ملاءة البرازيل كدولة، ودعم المساواة، وانعاش الفيدرالية ولكن الهدفين الاخيرين لم يتحققا بالشكل المناسب. وتقول "الايكونوميست" ان البرازيل تنفق علي سبيل المثال 10% من اجمالي الناتج المحلي علي البرامج الاجتماعية، وبعض هذا الانفاق يمثل شبكة امان حقيقية للفقراء ولكن اغلبه يذهب الي جيوب الاغنياء وغير المستحقين.. يصدق هذا علي انظمة المعاشات والانفاق علي التعليم وحتي التأمين ضد البطالة.. ويذكر المعهد البرازيلي لتخطيط الضرائب ان ثلث الاموال العامة إما تتم سرقته او انفاقه بصورة متلافة وغير مثمرة. ويشير الخبراء الي ان اية محاولة لمعالجة سوء الانفاق العام بخفضه سوف تبوء بالفشل وهذا رأي يعتنقه حتي اعداء فكرة الدولة المتضخمة مثل انطونيو ديلفيم نيتو عضو البرلمان المؤيد لحكومة الرئيس لولا داسيلفا ولذلك فهم ينادون بالدولة الرشيقة كخطوة مهمة الي الامام. وعلي اية حال فان بعض الاصلاحات بدأت بالفعل وبالذات في نظم المعاشات ولكن تأثيرها محدود، فمع هذه الاصلاحات سيزيد عجز المعاشات من 2% حاليا ليصبح 4.3% فقط بدلا من ان يكون 5% من اجمالي الناتج المحلي ولكنها علي اية حال بداية يجب ان يكون لها ما بعدها.. وفي ذات الوقت فان الحكومة تقوم بدمج برامج محاربة الفقر ورفع كفاءتها وتوسيع شبكاتها وضمان وصولها الي المستحقين دون غيرهم وعموما فان حكومة البرازيل لديها الكثير من افكار الاصلاح وفي مختلف المجالات والمهم هو ان تسارع الي البدء في تنفيذها قبل فوات الأوان.