محافظ الغربية يؤكد استمرار حملات إزالة التعديات ومخالفات البناء بالمرحلة الثانية للموجة 26    الحكومة الإيرانية: الحرب فُرضت علينا.. والرد سيكون مختلفا    انقلاب سيارة محملة بمادة ك أو ية على طريق السنطة - طنطا دون حدوث إصابات (صور)    التعليم تعلق على وقائع غش جماعي بسوهاج واستبعاد رئيس اللجنة بالثانوية العامة    ضبط سائق استخدم إضاءة تُعرض حياة المواطنين أعلى الدائري| فيديو    جامعة أسوان تنظم ورشة عمل لمناهضة العنف ضد المرأة    رئيس البرلمان منتقدًا غياب "نواب": أقول أسماء الغائبين بصوت عال لأهمية الجلسة وليس لإحراجهم    العربية: إيران تعتقل عشرات الجواسيس المرتبطين بإسرائيل    زيلينسكي يزور فيينا للمرة الأولى منذ بداية الحرب الروسية - الأوكرانية    إسرائيل تستعد لإطلاق رحلات جوية لاستدعاء العسكريين والعاملين في الصناعات الدفاعية من الخارج    سفير إيران لدى الكويت: لسنا بصدد توسيع الحرب ولن نتوانى في الدفاع عن سيادة بلادنا بحزم    ترتيب مجموعة الأهلي فى كأس العالم للأندية قبل مواجهة بالميراس البرازيلي    «خيالكم مريض».. رئيس تحرير الأهلي يشن هجوما ضد هؤلاء بسبب تريزيجيه    محافظ المنوفية ورئيس الجامعة يفتتحان المعهد الفني للتمريض الجديد بمنشأة سلطان    النائب حازم الجندي: مبادرة «مصر معاكم» تؤكد تقدير الدولة لأبنائها الشهداء    تنسيق الجامعات.. 6 أقسام متاحة لطلاب الثانوية ب حاسبات حلوان    مصرع طفل أسفل عجلات قطار الصعيد عند مزلقان دماريس بالمنيا    اليوم .. محاكمة 15 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية في مدينة نصر    وزير الثقافة: لا مساس بحرية الإبداع.. والتوصيات تركز على جودة المحتوى ودعم الإنتاج والتوزيع الدرامي    إيراد فيلم ريستارت فى 16 يوم يتخطى إيراد "البدلة" في 6 شهور    «وحشتنا القاهرة».. إلهام شاهين تعلن عودتها من العراق    انطلاق برنامج «مصر جميلة» لاكتشاف ودعم الموهوبين بقصر ثقافة أبوسمبل (صور)    «حسبي الله في اللي بيقول أخبار مش صح».. لطيفة تكشف تفاصيل اللحظات الأخيرة قبل وفاة شقيقها    ما هي علامة قبول الطاعة؟.. أستاذ بالأزهر يجيب    كيف تنظم المرأة وقتها بين العبادة والأمور الدنيوية؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    «الصحة»: الدولة تسير في مسار مالي لتحفيز الأطباء وتحسين بيئة العمل بالمستشفيات الحكومية منذ 11 عامًا    محافظ المنوفية يدشن قافلة طبية متكاملة بمنشأة سلطان ضمن احتفالات العيد القومي    رئيس الوزراء يستعرض خطوات تنفيذ برنامج الطروحات بقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات    المصرف المتحد سابع أكبر ممول لإسكان محدودي ومتوسطي الدخل ب3.2 مليار جنيه    بعد هروبها.. أب يقيد ابنته في أحد شوارع حدائق أكتوبر    «هيئة الدواء» تقدم.. نصائح لتقليل الإصابة بمرض النقرس    رئيس مجلس النواب يعلن قواعد مناقشة الموازنة العامة    توقيع عقد ترخيص شركة «رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري»    عميد «علوم سياسية الإسكندرية» يُكرّم الملحقين الدبلوماسيين الجدد من خريجي الكلية (صور)    شوبير يكشف سبب تبديل زيزو أمام إنتر ميامي وحقيقة غضبه من التغيير    الصحة: لا نعاني من أزمة في أعداد الأطباء.. وبدء تحسين أوضاع الكوادر الطبية منذ 2014    الدخول ب 5 جنيهات.. 65 شاطئًا بالإسكندرية في خدمة المصطافين    القبض على 3 متهمين بسرقة كابلات من شركة بكرداسة    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    أحمد السقا يرد برسالة مؤثرة على تهنئة نجله ياسين بعيد الأب    معلق مباراة الأهلي: الحماس سبب تريند «تعبتني يا حسين».. والأحمر كان الأفضل (خاص)    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    الاثنين 16 يونيو 2025.. البورصة المصرية تعاود الارتفاع في بداية التعاملات بعد خسائر أمس    أسعار الفراخ اليوم.. متصدقش البياع واعرف الأسعار الحقيقية    الينك الأهلي: لا نمانع رحيل أسامة فيصل للعرض الأعلى    إيران تنفذ حكم الإعدام فى مدان بالتجسس لصالح إسرائيل    أحمد فؤاد هنو: عرض «كارمن» يُجسّد حيوية المسرح المصري ويُبرز الطاقات الإبداعية للشباب    الرئيس الإيراني: الوحدة الداخلية مهمة أكثر من أي وقت مضى.. ولن نتخلى عن برنامجنا النووي السلمي    انتصار تاريخي.. السعودية تهزم هايتي في افتتاحية مشوارها بالكأس الذهبية    "عايزة أتجوز" لا يزال يلاحقها.. هند صبري تشارك جمهورها لحظاتها ويكرمها مهرجان بيروت    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    عمرو أديب: كنت أتمنى فوز الأهلي في افتتاح كأس العالم للأندية    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    النفط يرتفع مع تصاعد المخاوف من تعطل الإمدادات    مجموعة الأهلي| شوط أول سلبي بين بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    إيران تعلن اعتقال عنصرين تابعين للموساد الإسرائيلى جنوب طهران    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كثير من البيزنس‏..‏ قليل من التانجو‏!‏

من بيونس إيرس وسان باولو 33‏ ألف كيلو متر‏,36‏ ساعة طيران‏,14‏ ساعة ترانزيت‏,‏ أكثر من عشرين لقاء واجتماعا مع رؤساء جمهوريات ورجال دولة ورجال أعمال ورؤساء شركات كبري‏. هي خلاصة رحلة عمل مصرية شاقة إلي أمريكا اللاتينية‏!‏. وقد يتبادر سؤال إلي الذهن‏:‏ ياه‏..‏ولماذا كل هذا التعب والترحال والمفاوضات مع قارة أمريكا الجنوبية في آخر الدنيا بالنسبة لنا‏!‏
أسف السؤال خطأ من أساسه لم يعد العالم يعترف بمسافات أو عوائق أو لغات مختلفة‏,‏ العالم القديم انتهي إلي الأبد ولن يعود‏,‏ ثورة الاتصالات الجديدة طوت الدنيا تحت جناحيها ومزجتها فصارت كيانا متصلا متواصلا‏..‏وكما يقولون‏'‏ المحتاج يركب الصعب‏'..‏خاصة أن‏'‏ المصالح‏'‏ هي طاقة التشغيل في التنمية والتطور وحركة الإنسان حتي لو كانت في نهاية العالم‏!‏
ومصر لها مصالح في أمريكا اللاتينية‏..‏ سوق كبيرة تقدر ب‏300‏ مليون مستهلك وهي سوق سوف تتسع كل يوم لأن مستوي المعيشة يرتفع والدخل القومي يزداد ونمط الاستهلاك الكبير بدأ بالفعل‏..‏
ومصر تسعي أن ترفع رقم صادرتها من‏98‏ مليار جنيه سنويا إلي‏200‏ مليار جنيه وهو رقم ضخم لا تستطيع الأسواق التقليدية للسلع المصرية استيعابه ولا بد من طرق أبواب جديدة‏..‏
والأخطر أن مصر دولة مستهلكة للغذاء‏..‏وأمريكا اللاتينية صارت أكبر منتج للغذاء في العالم‏,‏ أرض زراعية لا أول لها ولا آخر‏,‏ البرازيل وحدها فيها ما يقرب من‏600‏ مليون فدان‏..‏
بالقطع‏..‏أسباب كثيرة دفعت المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة إلي أن يعد وفدا رسميا بصحبة رجال أعمال مصريين وشركات ويشد الرحال إلي الأرجنتين والبرازيل‏..‏
وبالفعل كانت رحلة مثيرة‏..‏
‏-1-‏
لا يمكن أن تري بونيس أيرس عاصمة الأرجنتين دون أن تقع في هواها‏,‏ التراث والعراقة تبدو في معمارها الكلاسيكي فائق الجمال ولا ينتقص منه العشوائيات التي تصادفك علي طريق المطار الدولي وانت تدخل المدينة‏,‏ فهي عشوائيات مبان قديمة دون قبح‏,‏ فقيرة في كبرياء‏,‏ رثة في نظافة‏..‏فالفساد قد يطول المال والثروة في عمولات ومقاولات‏..‏ الخ‏,‏ لكنه لا يعبث مع نظام البناء فلا تجد ناطحات سحاب منتصبة تشوه قلب المدينة ولذا تبدو المباني متراصة بنظام صارم كما لو كانت في طابور عسكري‏!‏
الشوارع الرئيسية واسعة أو كما يقولون عندنا في الأرياف‏'‏ برحة جدا‏'120‏ مترا عرض الشارع مثل‏9‏ مايو طريق المطار‏..‏ والشوارع الأضيق‏..‏ السير فيها في اتجاه واحد‏..‏
الهواء فيه لسعة برد محبب تخفف عنك عناء سفر طويل سبع ساعات ونصف الساعة طيرانا إلي جوهانسبرج خمس ساعات ترانزيت منها ثلاث ساعات داخل طائرة تعطلت وهي علي وشك الإقلاع فأصلحوها والركاب محبوسون في مقاعدهم ثم أكثر من‏10‏ ساعات طيرانا ثم ما يقرب من الساعة دون أن تفتح الأبواب فراكب من الدرجة الأولي أصيب بحمي وأغمي عليه فكان لابد من إبلاغ السلطات الصحية في المطار فاستقبلونا وهم يشكون أن الراكب مريض بإنفلونزا الخنازير وعلي باب الطائرة‏..‏هاتك سين وجيم قبل أن يسمحوا لنا بالخروج واحدا وراء الآخر‏.‏
‏-2-‏
كان جدول أعمال الوزير رشيد محمد رشيد مشحونا بالمقابلات والمفاوضات مع رئيسة الأرجنتين السيدة كريستينا كريشنار ورئيس الوزراء أنيبال فرنانديز ووزير الخارجية والتجارة الدولية هيكتور تييرمان ووزير الاقتصاد أمادو بودو ووزيرة الصناعة والسياحة ديبورا جيورجي‏.,‏ ناهيك عن رجال الأعمال الأرجنتينيين وجماعة من المثقفين‏:‏ أدباء وصحفيين ومفكرين وفنانين‏.‏
كانت المقابلات الرسمية ناجحة إلي أبعد حد ممكن‏,‏ الأرجنتينيون ولعون بمصر ومكانتها في منطقة الشرق الأوسط والمدهش أنهم يرون فينا ما لا يراه البعض منا ويقولون إن مصر هي بوابة المنطقة وهم يخططون للدخول إليها تجارة وسلعا وسياسة‏,‏ ورؤيتهم مستندة إلي دراسات وأبحاث عن‏'‏ القيمة‏'‏ و‏'‏الدور‏'‏ وفرص النمو الممكنة والموارد البشرية بينما البعض منا هنا‏'‏ يولول‏'‏ علي دور مصر الذي تراجع‏!‏
وبالرغم من أن السيدة كريستينا كريشنار وحكومتها اتخذت قرارا بإغلاق أبواب تصدير اللحوم الأرجنتينية الشهيرة إلي الخارج فإنها في لقائها مع المهندس رشيد قالت‏:‏ بالنسبة لمصر سوف نضع احتياجاتها في الاعتبار‏.‏
وحرص رشيد علي لقاءات متعددة مع رجال أعمال مصريين مصاحبين له يشرح لهم‏'‏ أسباب الزيارة‏'‏ وماذا تريد مصر منها‏..‏ ولهذا ضم الوفد لأول مرة رجال أعمال من شركات صغيرة ومتوسطة وعددا من المصدرين الجدد ليعرفوا كيفية الاستفادة من الاتفاقية التي وقعتها مصر مع الميركسور والتي تمنح الصادرات المصرية ميزات تنافسية للنفاذ إلي أسواق أمريكا الجنوبية‏,‏ والميركسور رابع أكبر تجمع اقتصادي علي ظهر كوكب الأرض‏(‏ البرازيل والأرجنتين وأوروجواي وباراجواي‏)‏ بعد الاتحاد الاوروبي والآسيان الذي يضم دول آسيا والنافتا في أمريكا الشمالية‏..‏
وقال‏:‏ أولا‏..‏مصر تريد ان تؤمن خطوط إمداد لاحتياجاتها من السلع الغذائية لسنوات طويلة‏..‏
ثانيا‏..‏جلب استثمارات لاتينية إلي مصر في شركات مشتركة توسع قدرة مصر الإنتاجية والتصديرية وتفتح أبواب زرق جديدة أمام المصريين‏.‏
وعاد رشيد إلي رجال الأعمال المصريين وروي لهم نتائج مباحثاته وتحدثوا هم واحدا وراء الآخر عن مشكلات تصادفهم داخل مصر او مع الدول التي لها اتفاقات تجارية معنا‏..‏ فرد في نهاية الجلسة‏:‏ كلها صعوبات يسهل حلها عند العودة إلي القاهرة أو بالاتصالات مع الجانب الأجنبي‏.‏
بعدها‏..‏ وفي قاعة متوسطة الحجم التقي رجال الأعمال المصريون مع نظرائهم من الارجنتين في جلسة رسمية غلب علي كل طرف فيها تقديم نفسه وفرص الاستثمار المتاحة في بلاده‏,‏ محاولا أن يجذب أموال الآخر إلي سوقه وصناعته وزراعته‏.‏
وعقب استراحة قصيرة‏..‏جرت حوارات ثنائية بين رجال الأعمال في البلدين حسب قطاعات البزنس‏,‏ رجال الدواء معا‏,‏ رجال الزراعة معا‏..‏وهكذا ونجح البعض في الوصول إلي اتفاقات مثل رجل الأعمال رياض أرمانيوس وهو صيدلي علي تصنيع مصري ل‏'‏ دواء أرجنتني‏'‏ يعالج بعض أمراض السرطان بعد أن اكتشف أن الأرجنتين لها باع وأبحاث جديدة في هذا المضمار‏..‏والبعض الآخر فتح خطوط اتصال جيدة تستكمل في المستقبل حول مشروعات زراعية وحيوانية بعينها‏.‏
وفي اليوم التالي كرر رشيد جلسته مع رجال الأعمال المصريين وسألهم‏:‏ ماذا فعلتم‏!..‏أبدي الجميع تفاؤلا فقال لهم‏:‏ التعرف علي سوق أي بلد يبدأ بالناس ولن يستطيع أي رجل أعمال التعامل مع هذه السوق دون أن يتعرف علي ثقافة الشعب وعاداته الإستهلاكية ومزاجه العام‏..‏ وابدأوا من مشاهدة عروض التانجو‏!‏
‏-3-‏
التانجو في الأرجنتين ليس مجرد عرض راقص‏,‏ وكلمة الأرجنتين مشتقة من الفضة وأطلق عليها الأسبان هذا الاسم بسبب كثرة الفضة التي كان يتحلي بها الهنود عند اكتشافهم هذه البلاد‏..‏قد يبدو أن ثمة علاقة بين الفضة والتانجو وهذا غير صحيح فهما يجمعان‏'‏ مزاجا فنيا شعبيا‏'‏ والتانجو في الأرجنتين‏'‏ حالة شعب‏'‏ وليس مجرد رقص‏.‏ فقد ولد في الأحياء الفقيرة بالعاصمة بيونيس إيرس وعلي نهر ريو دو لا بلاتا بإرجواي في منتصف القرن التاسع عشر‏,‏ ويقال إن بائعات الهوي هن أول من رقصن مع الرجال‏,‏ فالتانجو هو ثالث رقصة مشتركة بين الرجال والنساء في العالم‏.‏
وأصل الكلمة لها نظريتان في التفسير‏,‏ الأولي انها قادمة من لغة‏'‏ نايجر كونجو‏'‏ الإفريقية‏,‏ والنظرية الثانية أنها كلمة عامية الاستخدام في الأندلس لوصف نوع من الموسيقي‏..‏
ثم انتقل التانجو من الأحياء الفقيرة التي ترقص في مواجهة الأحباط والظروف المعيشية الصعبة والاستبداد إلي المجتمعات المتوسطة والراقية ومنها إلي أوروبا في أوائل القرن العشرين وصار‏'‏ رقصة قومية‏'‏ وكان الجميع يرقص التانجو إما في المسارح والاندية وصالات السهر أو في الهواء الطلق مجانا في عطلات نهاية الأسبوع‏..‏
وفي منتصف الخمسينيات من القرن الماضي منعت الديكتاتوريات العسكرية‏-‏ التي انقلبت علي الزعيم الشعبي بيرون‏-‏ رقص التانجو في الأماكن العامة وفي الشوارع خوفا من تجمعات الناس فتحول الناس إلي الرقص سرا إلي عام‏1983!‏
وعموما الحالة السياسية في الأرجنتين تشبه كثيرا الحالة المصرية حزب قوي يحكم وعشرات الأحزاب الضعيفة‏.‏
لكن الحالة الاقتصادية مختلفة تماما‏,‏ فنحن نتحدث عن ثروات طبيعية طائلة وناتج قومي يتجاوز نصف تريليون دولار سنويا ومعدل دخل للفرد لا يقل عن سبعة آلاف دولار أي مائة جنيه في اليوم‏!‏
‏-4-‏
الرحلة من بيونيس إيرس إلي ساو باولو في البرازيل ساعتان ونصف الساعة بالطائرة وهي مسافة زمنية قصيرة‏,‏ لكن المسافة الحضارية بين المدينتين كبير‏,‏ فساو باولو مدينة عصرية ناطحات سحاب في كل مكان تسحب من المدينة أي عراقة وتاريخ زحام في كل شارع‏,‏ لكن الشوارع نظيفة للغاية والنظافة هي أول ما يلفت نظر أي مصري قادم من القاهرة ثم تكدس سخيف في المرور لا يقل عن سخافته في القاهرة وربما أزيد الفارق الوحيد أن الناس هناك تلتزم ولا تعبث في الطريق ومع الإشارات بالرغم من أن عددهم يتجاوز العشرين مليون نسمة‏.‏
لا شيء يميز المدينة أو يشعرك بأنك في البرازيل إلا اللغة البرتغالية التي تسمع إيقاعها المختلف والتحذيرات التي تصب علي رأسك‏:‏ احذر من المشي وحيدا في أي شوارع جانبية أو في المساء وإذا خرج عليك احد بسكين أو مطواة فأعطيه كل ما معك دون مناقشة أو مقاومة وأرجوك لا تحمل في جيبك أكثر من‏30‏ إلي‏50‏ ريالا‏,‏ والريال هو العملة البرازيلية وقيمته ثلاثة جنيهات مصرية‏.‏
في مساء يوم الوصول كنا مدعوين إلي حفل استقبال نظمه كارلوس منصور صاحب أكبر بنك صناعي في البرازيل بالطبع برازيلي من أصل لبناني في الطريق إلي الحفل قادتنا كتيبة من رجال المرور بالموتسيكلات احيانا نعبر إلي الطريق العكسي لتفادي التكدس الرهيب في المرور مع أن الساعة قاربت علي الثامنة مساء وهو زحام يستحيل أن تصادفه في أي مدينة أوروبية‏!‏
الاستقبال كان ودودا للغاية‏..‏ رجال أعمال كثيرون من أصل عربي موجودون يتحدثون عن مصر بحب ورغبة في التعاون مع رجال الأعمال المصريين في الوفد دخلوا معهم في حوارات عن البيزنس من أول لحظة‏..‏مشروعات مشتركة استيراد‏..‏ استثمار‏..‏
البرازيليون من أصل عربي في حدود‏12‏ مليون نسمة‏,‏ أي أكبر من نصف عدد الدول العربية علي الأقل لهم نفوذ كبير وتأثير كبير من أول وجود الأصناف الشرقية في قائمة طعام في المطاعم‏:‏ فلافل وتبولة وشيش كباب والكبة إلي‏5‏ وزراء في الحكومة و‏10%‏ من نواب البرلمان والمجالس المحلية‏.‏
والخير في البرازيل بالزوفة‏12%‏ من مياه العالم‏,‏ أراض زراعية‏,‏ ثروة حيوانية‏,‏ معادن‏..‏الخ فهي ثامن أكبر اقتصاد في العالم وتخطط أن تقفز إلي المرتبة الخامسة خلال خمس سنوات فقط‏.‏
كانت البرازيل واحدة من أفقر الدول إلي‏20‏ سنة مضت وما حدث فيها في السنوات العشر الأخيرة يشبه المعجزة خاصة تحت رئاسة لولا دي سيلفا الرئيس القادم من قاع المجتمع كان عاملا نقابيا‏..‏واشتغل وهو صبي ماسح أحذية‏,‏ فقاد البرازيل إلي نمو سريع دائم بقواعد السوق الحرة علي النمط الأوروبي‏..‏وسوف يغادر منصبه بعد خمسة أشهر ولا خوف علي سياسات البرازيل الاقتصادية من أي تغيير‏,‏ فالمجتمع قد توافق عليها‏..‏ولا يمكن التراجع فيها مهما يكن اسم رئيس البرازيل القادم‏.‏
‏-5-‏
ضيق الوقت في البرازيل لم يمنحا فرصة لمشاهدة رقصات الصلصا أو الرومبا أو الايقاعات البرازيلية الساخنة وإن كانت مختلفة وليس لها‏'‏ خصوصية التانجو‏.‏
فالوقت كله ضاع في البيزنس‏..‏الوزير رشيد وطاقمه شديد الكفاءة والحيوية غادر ساوباولو إلي العاصمة بارازيليا للمقابلات الرسمية مع الرئيس ووزير الخارجية ووزير التجارة‏..‏الخ
أما رجال الأعمال فقد كان لديهم مواعيد في الغرقة التجارة العربية البرازيلية أو مع رجال أعمال برازيليين‏..‏ كان لها نتائج مهمة‏..‏
أولا‏..‏نال عماد السويدي رئيس مجلس الأعمال المصري البرازيلي دفعة قوية وهو يبني مصنع‏'‏ عدادات كهرباء‏'‏ في البرازيل وكانت هيئة المواصفات القياسية‏'‏ تعاند‏'‏ في بعض الأمور بضغط من المنافسين‏..‏وقد يبدأ المصنع في الإنتاج مع بداية العام‏..‏والبرازيل ستعيد تغيير كل عددات الكهرباء فيها خلال الأربع سنوات القادمة‏(‏ أكثر من‏60‏ مليون عداد‏).‏
ثانيا‏:‏ نجح رجل الأعمال حازم عمر في إقناع‏'‏ كوزان‏'‏ ثاني أكبر مجموعة لإنتاج السكر في البرازيل في الاستثمار المشترك في مصر وقد يقام مصنع هنا بطاقة‏360‏ الف طن سنويا‏..‏ولن تقل نسبة كوزان عن‏40%‏ من رأس المال المطلوب الذي قد يصل إلي‏600‏ مليون جنيه‏.‏
ثالثا‏:‏ جرت مباحثات مع مجموعة بترو براس أكبر شركة بترول برازيلي وهي أول شركة في العالم تنتج الوقود من فول الصويا ودارت المفاوضات علي إنتاج هذا الوقود من مخلفات الصرف الصحي‏.‏
وعلي فكرة نصف سيارات البرازيل تسير بالإيثانول المستخرج من قصب السكر‏.‏
‏-6-‏
طوال المقابلات التي تمت سواء في الارجنتين أو البرازيل أبدي رجال الاعمال هنا إعجابهم الشديد بنظام الضريبة المصري لأنه بسيط واضح ومحدد‏20%‏ علي الارباح‏,‏ بينما الضرائب هنا أو هنا ضعف هذا الرقم‏.‏ ونظام الضريبة من عناصر جذب الاستثمارات‏..‏
باختصار‏..‏الرحلة اللاتينية إلي آخر الدنيا كانت ضرورية ومفيدة وما حدث من روسيا وإيقاف تصدير قمحها هو أكبر دليل علي أهميتها بالرغم من بعد المسافة والإرهاق‏..‏لكن كما قلت‏:‏ المضطر يركب الصعب‏..‏
أهلا بكم في القاهرة‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.