رئيس جمعية المدارس الخاصة يكشف نسب زيادة المصروفات    محافظ البنك المركزي ووزير التعليم العالي يشهدان توقيع اتفاقيتي شراكة مع جامعتي القاهرة وسوهاج    خارطة طريق للمؤسسات الصحفية والإعلامية    عمر الشافعي سكرتيرًا عامًا وإيهاب مكاوي سكرتيرًا مساعدًا بجنوب سيناء    الائتلاف المصري يستعد لمراقبة انتخابات الإعادة: خطط عمل وأدوات رصد للتنافسية داخل 5 محافظات    صوت وطنى مهم فى لحظات فارقة    «جيانجسو زيونج» الصينية تنشئ مصنعاً في مصر باستثمارات 85 مليون دولار    سعر الأسمنت اليوم الخميس 14- 8-2025.. بكم سعر الطن؟    إي إف جي القابضة تواصل مسيرة النمو الاستثنائية بأداء قوي خلال الربع الثاني من عام 2025    اللجوء لمبادرة حكومية.. لماذا لم تنخفض أسعار السلع مع تراجع الدولار؟    3 قرعات علنية لتسكين «توفيق أوضاع» مدن العبور الجديدة    الرقابة المالية تصدر معايير الملاءة المالية للشركات والجهات العاملة في أنشطة التمويل غير المصرفي    الإيجار القديم.. ننشر ضوابط عمل لجان حصر المناطق بالمحافظات    رئيس الوزراء يصدر 6 قرارات جديدة اليوم    بالصور| حرائق في سوريا ودول جنوب أوروبا والبلقان بسبب موجة الحر    جنوب السودان ينفي عقد محادثات مع إسرائيل لإعادة توطين سكان غزة    بيان رسمي.. توتنهام يدين العنصرية ضد تيل بعد خسارة السوبر الأوروبي    شقيقة زعيم كوريا الشمالية: لا نرغب فى تحسين العلاقة مع الجنوب.. وتنفي إزالة مكبرات الصوت    كومان إلى النصر.. تفاصيل الصفقة ومدة العقد    قرار قاسي في انتظاره.. تفاصيل عفو الزمالك عن فتوح وشرط جون إدوارد    انطلاق منافسات نصف نهائى السيدات ببطولة العالم للخماسى الحديث تحت 15 عاما    الأهلي يتحرك مبكرا للحكام الأجانب قبل مواجهة بيراميدز    البنك المركزي يعلن تجديد وديعة الكويت لعام قادم    الفاصل المداري يتقدم داخل مصر.. رياح حارة وأتربة وسحب رعدية وأمطار    الداخلية: ضبط 12 سائقا بالإقليمى لتعاطيهم المخدرات    وفاة سيدة وإصابة 20 أغلبهم فتيات.. أسماء ضحايا حادث سيارة العمال في الإسماعيلية    "تعليم أسيوط" تعلن جاهزية لجان امتحانات الدور الثاني للثانوية العامة    بسبب خلافات أسرية.. الإعدام شنقاً للمتهم بقتل زوجته وإضرام النيران في مسكنهما بالشرقية    ⁠إغلاق المتحف المصري الكبير من 15 أكتوبر حتى 4 نوفمبر 2025    معرض مؤقت للآثار الغارقة بالإسكندرية الأسبوع المقبل    حين امتدّ السيف الورقى من المجلة إلى الجريدة    القاهرة تعلن تشغيل نافورة النيل الراقصة (صور)    الليلة.. انطلاق فعاليات الدورة الثالثة من «مسرح الغرفة والفضاءات» بالإسكندرية    السيسي يوجّه بتحويل تراث الإذاعة والتلفزيون المصري إلى وسائط رقمية    ملك زاهر تعلق على حادث مطاردة 3 سيارات لفتاة على طريق الواحات    تطورات الحالة الصحية للفنانة الكويتية حياة الفهد.. جلطة وممنوع عنها الزيارة    ما حكم اللطم على الوجه.. وهل النبي أوصى بعدم الغضب؟.. أمين الفتوى يوضح    إحالة عدد من المتغيبين بمستشفى تمى الأمديد في الدقهلية للتحقيق    مع ارتفاع درجات الحرارة، نصائح لمرضى حساسية الصدر والجيوب الأنفية    طريقة عمل الفراخ في الفرن في خطوات سريعة    حصول معملي الوراثة الخلوية ووحدة المناعة بالمعهد القومي للأورام على الاعتماد الدولي    الداخلية تضبط عدة تشكيلات عصابية تخصصت في السرقات بالقاهرة    فرنسا ترسل تعزيزات لدعم إسبانيا في مكافحة الحرائق    منتخب السلة يواجه السنغال في ثاني مبارياته ببطولة الأفروباسكت    موعد مباراة ليفربول وبورنموث في الدوري الإنجليزي    ريبيرو يراجع خطة مواجهة فاركو في المران الختامي للأهلي    رئيسة القومي للطفولة تزور الوادي الجديد لمتابعة الأنشطة المقدمة للأطفال    ضبط موظف بمستشفى لاختلاسه عقاقير طبية ب1.5 مليون جنيه    قرار جمهوري جديد للرئيس السيسي اليوم الخميس 14 أغسطس 2025    مع اقتراب موعد المولد النبوي 2025.. رسائل وصور تهنئة مميزة ب«المناسبة العطرة»    100 منظمة دولية: إسرائيل رفضت طلباتنا لإدخال المساعدات إلى غزة    خالد الجندي: حببوا الشباب في صلاة الجمعة وهذه الآية رسالة لكل شيخ وداعية    أمين عام حزب الله يشكر إيران على دعمها للبنان ومقاومته ضد إسرائيل    «100 يوم صحة» تُقدم 45 مليونًا و470 ألف خدمة طبية مجانية في 29 يومًا    أدعية مستجابة للأحبة وقت الفجر    التايمز: بريطانيا تتخلى عن فكرة نشر قوات عسكرية فى أوكرانيا    في ميزان حسنات الدكتور علي المصيلحي    الاختبار الأخير قبل مونديال الشباب.. موعد المواجهة الثانية بين مصر والمغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كثير من البيزنس‏..‏ قليل من التانجو‏!‏

من بيونس إيرس وسان باولو 33‏ ألف كيلو متر‏,36‏ ساعة طيران‏,14‏ ساعة ترانزيت‏,‏ أكثر من عشرين لقاء واجتماعا مع رؤساء جمهوريات ورجال دولة ورجال أعمال ورؤساء شركات كبري‏. هي خلاصة رحلة عمل مصرية شاقة إلي أمريكا اللاتينية‏!‏. وقد يتبادر سؤال إلي الذهن‏:‏ ياه‏..‏ولماذا كل هذا التعب والترحال والمفاوضات مع قارة أمريكا الجنوبية في آخر الدنيا بالنسبة لنا‏!‏
أسف السؤال خطأ من أساسه لم يعد العالم يعترف بمسافات أو عوائق أو لغات مختلفة‏,‏ العالم القديم انتهي إلي الأبد ولن يعود‏,‏ ثورة الاتصالات الجديدة طوت الدنيا تحت جناحيها ومزجتها فصارت كيانا متصلا متواصلا‏..‏وكما يقولون‏'‏ المحتاج يركب الصعب‏'..‏خاصة أن‏'‏ المصالح‏'‏ هي طاقة التشغيل في التنمية والتطور وحركة الإنسان حتي لو كانت في نهاية العالم‏!‏
ومصر لها مصالح في أمريكا اللاتينية‏..‏ سوق كبيرة تقدر ب‏300‏ مليون مستهلك وهي سوق سوف تتسع كل يوم لأن مستوي المعيشة يرتفع والدخل القومي يزداد ونمط الاستهلاك الكبير بدأ بالفعل‏..‏
ومصر تسعي أن ترفع رقم صادرتها من‏98‏ مليار جنيه سنويا إلي‏200‏ مليار جنيه وهو رقم ضخم لا تستطيع الأسواق التقليدية للسلع المصرية استيعابه ولا بد من طرق أبواب جديدة‏..‏
والأخطر أن مصر دولة مستهلكة للغذاء‏..‏وأمريكا اللاتينية صارت أكبر منتج للغذاء في العالم‏,‏ أرض زراعية لا أول لها ولا آخر‏,‏ البرازيل وحدها فيها ما يقرب من‏600‏ مليون فدان‏..‏
بالقطع‏..‏أسباب كثيرة دفعت المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة إلي أن يعد وفدا رسميا بصحبة رجال أعمال مصريين وشركات ويشد الرحال إلي الأرجنتين والبرازيل‏..‏
وبالفعل كانت رحلة مثيرة‏..‏
‏-1-‏
لا يمكن أن تري بونيس أيرس عاصمة الأرجنتين دون أن تقع في هواها‏,‏ التراث والعراقة تبدو في معمارها الكلاسيكي فائق الجمال ولا ينتقص منه العشوائيات التي تصادفك علي طريق المطار الدولي وانت تدخل المدينة‏,‏ فهي عشوائيات مبان قديمة دون قبح‏,‏ فقيرة في كبرياء‏,‏ رثة في نظافة‏..‏فالفساد قد يطول المال والثروة في عمولات ومقاولات‏..‏ الخ‏,‏ لكنه لا يعبث مع نظام البناء فلا تجد ناطحات سحاب منتصبة تشوه قلب المدينة ولذا تبدو المباني متراصة بنظام صارم كما لو كانت في طابور عسكري‏!‏
الشوارع الرئيسية واسعة أو كما يقولون عندنا في الأرياف‏'‏ برحة جدا‏'120‏ مترا عرض الشارع مثل‏9‏ مايو طريق المطار‏..‏ والشوارع الأضيق‏..‏ السير فيها في اتجاه واحد‏..‏
الهواء فيه لسعة برد محبب تخفف عنك عناء سفر طويل سبع ساعات ونصف الساعة طيرانا إلي جوهانسبرج خمس ساعات ترانزيت منها ثلاث ساعات داخل طائرة تعطلت وهي علي وشك الإقلاع فأصلحوها والركاب محبوسون في مقاعدهم ثم أكثر من‏10‏ ساعات طيرانا ثم ما يقرب من الساعة دون أن تفتح الأبواب فراكب من الدرجة الأولي أصيب بحمي وأغمي عليه فكان لابد من إبلاغ السلطات الصحية في المطار فاستقبلونا وهم يشكون أن الراكب مريض بإنفلونزا الخنازير وعلي باب الطائرة‏..‏هاتك سين وجيم قبل أن يسمحوا لنا بالخروج واحدا وراء الآخر‏.‏
‏-2-‏
كان جدول أعمال الوزير رشيد محمد رشيد مشحونا بالمقابلات والمفاوضات مع رئيسة الأرجنتين السيدة كريستينا كريشنار ورئيس الوزراء أنيبال فرنانديز ووزير الخارجية والتجارة الدولية هيكتور تييرمان ووزير الاقتصاد أمادو بودو ووزيرة الصناعة والسياحة ديبورا جيورجي‏.,‏ ناهيك عن رجال الأعمال الأرجنتينيين وجماعة من المثقفين‏:‏ أدباء وصحفيين ومفكرين وفنانين‏.‏
كانت المقابلات الرسمية ناجحة إلي أبعد حد ممكن‏,‏ الأرجنتينيون ولعون بمصر ومكانتها في منطقة الشرق الأوسط والمدهش أنهم يرون فينا ما لا يراه البعض منا ويقولون إن مصر هي بوابة المنطقة وهم يخططون للدخول إليها تجارة وسلعا وسياسة‏,‏ ورؤيتهم مستندة إلي دراسات وأبحاث عن‏'‏ القيمة‏'‏ و‏'‏الدور‏'‏ وفرص النمو الممكنة والموارد البشرية بينما البعض منا هنا‏'‏ يولول‏'‏ علي دور مصر الذي تراجع‏!‏
وبالرغم من أن السيدة كريستينا كريشنار وحكومتها اتخذت قرارا بإغلاق أبواب تصدير اللحوم الأرجنتينية الشهيرة إلي الخارج فإنها في لقائها مع المهندس رشيد قالت‏:‏ بالنسبة لمصر سوف نضع احتياجاتها في الاعتبار‏.‏
وحرص رشيد علي لقاءات متعددة مع رجال أعمال مصريين مصاحبين له يشرح لهم‏'‏ أسباب الزيارة‏'‏ وماذا تريد مصر منها‏..‏ ولهذا ضم الوفد لأول مرة رجال أعمال من شركات صغيرة ومتوسطة وعددا من المصدرين الجدد ليعرفوا كيفية الاستفادة من الاتفاقية التي وقعتها مصر مع الميركسور والتي تمنح الصادرات المصرية ميزات تنافسية للنفاذ إلي أسواق أمريكا الجنوبية‏,‏ والميركسور رابع أكبر تجمع اقتصادي علي ظهر كوكب الأرض‏(‏ البرازيل والأرجنتين وأوروجواي وباراجواي‏)‏ بعد الاتحاد الاوروبي والآسيان الذي يضم دول آسيا والنافتا في أمريكا الشمالية‏..‏
وقال‏:‏ أولا‏..‏مصر تريد ان تؤمن خطوط إمداد لاحتياجاتها من السلع الغذائية لسنوات طويلة‏..‏
ثانيا‏..‏جلب استثمارات لاتينية إلي مصر في شركات مشتركة توسع قدرة مصر الإنتاجية والتصديرية وتفتح أبواب زرق جديدة أمام المصريين‏.‏
وعاد رشيد إلي رجال الأعمال المصريين وروي لهم نتائج مباحثاته وتحدثوا هم واحدا وراء الآخر عن مشكلات تصادفهم داخل مصر او مع الدول التي لها اتفاقات تجارية معنا‏..‏ فرد في نهاية الجلسة‏:‏ كلها صعوبات يسهل حلها عند العودة إلي القاهرة أو بالاتصالات مع الجانب الأجنبي‏.‏
بعدها‏..‏ وفي قاعة متوسطة الحجم التقي رجال الأعمال المصريون مع نظرائهم من الارجنتين في جلسة رسمية غلب علي كل طرف فيها تقديم نفسه وفرص الاستثمار المتاحة في بلاده‏,‏ محاولا أن يجذب أموال الآخر إلي سوقه وصناعته وزراعته‏.‏
وعقب استراحة قصيرة‏..‏جرت حوارات ثنائية بين رجال الأعمال في البلدين حسب قطاعات البزنس‏,‏ رجال الدواء معا‏,‏ رجال الزراعة معا‏..‏وهكذا ونجح البعض في الوصول إلي اتفاقات مثل رجل الأعمال رياض أرمانيوس وهو صيدلي علي تصنيع مصري ل‏'‏ دواء أرجنتني‏'‏ يعالج بعض أمراض السرطان بعد أن اكتشف أن الأرجنتين لها باع وأبحاث جديدة في هذا المضمار‏..‏والبعض الآخر فتح خطوط اتصال جيدة تستكمل في المستقبل حول مشروعات زراعية وحيوانية بعينها‏.‏
وفي اليوم التالي كرر رشيد جلسته مع رجال الأعمال المصريين وسألهم‏:‏ ماذا فعلتم‏!..‏أبدي الجميع تفاؤلا فقال لهم‏:‏ التعرف علي سوق أي بلد يبدأ بالناس ولن يستطيع أي رجل أعمال التعامل مع هذه السوق دون أن يتعرف علي ثقافة الشعب وعاداته الإستهلاكية ومزاجه العام‏..‏ وابدأوا من مشاهدة عروض التانجو‏!‏
‏-3-‏
التانجو في الأرجنتين ليس مجرد عرض راقص‏,‏ وكلمة الأرجنتين مشتقة من الفضة وأطلق عليها الأسبان هذا الاسم بسبب كثرة الفضة التي كان يتحلي بها الهنود عند اكتشافهم هذه البلاد‏..‏قد يبدو أن ثمة علاقة بين الفضة والتانجو وهذا غير صحيح فهما يجمعان‏'‏ مزاجا فنيا شعبيا‏'‏ والتانجو في الأرجنتين‏'‏ حالة شعب‏'‏ وليس مجرد رقص‏.‏ فقد ولد في الأحياء الفقيرة بالعاصمة بيونيس إيرس وعلي نهر ريو دو لا بلاتا بإرجواي في منتصف القرن التاسع عشر‏,‏ ويقال إن بائعات الهوي هن أول من رقصن مع الرجال‏,‏ فالتانجو هو ثالث رقصة مشتركة بين الرجال والنساء في العالم‏.‏
وأصل الكلمة لها نظريتان في التفسير‏,‏ الأولي انها قادمة من لغة‏'‏ نايجر كونجو‏'‏ الإفريقية‏,‏ والنظرية الثانية أنها كلمة عامية الاستخدام في الأندلس لوصف نوع من الموسيقي‏..‏
ثم انتقل التانجو من الأحياء الفقيرة التي ترقص في مواجهة الأحباط والظروف المعيشية الصعبة والاستبداد إلي المجتمعات المتوسطة والراقية ومنها إلي أوروبا في أوائل القرن العشرين وصار‏'‏ رقصة قومية‏'‏ وكان الجميع يرقص التانجو إما في المسارح والاندية وصالات السهر أو في الهواء الطلق مجانا في عطلات نهاية الأسبوع‏..‏
وفي منتصف الخمسينيات من القرن الماضي منعت الديكتاتوريات العسكرية‏-‏ التي انقلبت علي الزعيم الشعبي بيرون‏-‏ رقص التانجو في الأماكن العامة وفي الشوارع خوفا من تجمعات الناس فتحول الناس إلي الرقص سرا إلي عام‏1983!‏
وعموما الحالة السياسية في الأرجنتين تشبه كثيرا الحالة المصرية حزب قوي يحكم وعشرات الأحزاب الضعيفة‏.‏
لكن الحالة الاقتصادية مختلفة تماما‏,‏ فنحن نتحدث عن ثروات طبيعية طائلة وناتج قومي يتجاوز نصف تريليون دولار سنويا ومعدل دخل للفرد لا يقل عن سبعة آلاف دولار أي مائة جنيه في اليوم‏!‏
‏-4-‏
الرحلة من بيونيس إيرس إلي ساو باولو في البرازيل ساعتان ونصف الساعة بالطائرة وهي مسافة زمنية قصيرة‏,‏ لكن المسافة الحضارية بين المدينتين كبير‏,‏ فساو باولو مدينة عصرية ناطحات سحاب في كل مكان تسحب من المدينة أي عراقة وتاريخ زحام في كل شارع‏,‏ لكن الشوارع نظيفة للغاية والنظافة هي أول ما يلفت نظر أي مصري قادم من القاهرة ثم تكدس سخيف في المرور لا يقل عن سخافته في القاهرة وربما أزيد الفارق الوحيد أن الناس هناك تلتزم ولا تعبث في الطريق ومع الإشارات بالرغم من أن عددهم يتجاوز العشرين مليون نسمة‏.‏
لا شيء يميز المدينة أو يشعرك بأنك في البرازيل إلا اللغة البرتغالية التي تسمع إيقاعها المختلف والتحذيرات التي تصب علي رأسك‏:‏ احذر من المشي وحيدا في أي شوارع جانبية أو في المساء وإذا خرج عليك احد بسكين أو مطواة فأعطيه كل ما معك دون مناقشة أو مقاومة وأرجوك لا تحمل في جيبك أكثر من‏30‏ إلي‏50‏ ريالا‏,‏ والريال هو العملة البرازيلية وقيمته ثلاثة جنيهات مصرية‏.‏
في مساء يوم الوصول كنا مدعوين إلي حفل استقبال نظمه كارلوس منصور صاحب أكبر بنك صناعي في البرازيل بالطبع برازيلي من أصل لبناني في الطريق إلي الحفل قادتنا كتيبة من رجال المرور بالموتسيكلات احيانا نعبر إلي الطريق العكسي لتفادي التكدس الرهيب في المرور مع أن الساعة قاربت علي الثامنة مساء وهو زحام يستحيل أن تصادفه في أي مدينة أوروبية‏!‏
الاستقبال كان ودودا للغاية‏..‏ رجال أعمال كثيرون من أصل عربي موجودون يتحدثون عن مصر بحب ورغبة في التعاون مع رجال الأعمال المصريين في الوفد دخلوا معهم في حوارات عن البيزنس من أول لحظة‏..‏مشروعات مشتركة استيراد‏..‏ استثمار‏..‏
البرازيليون من أصل عربي في حدود‏12‏ مليون نسمة‏,‏ أي أكبر من نصف عدد الدول العربية علي الأقل لهم نفوذ كبير وتأثير كبير من أول وجود الأصناف الشرقية في قائمة طعام في المطاعم‏:‏ فلافل وتبولة وشيش كباب والكبة إلي‏5‏ وزراء في الحكومة و‏10%‏ من نواب البرلمان والمجالس المحلية‏.‏
والخير في البرازيل بالزوفة‏12%‏ من مياه العالم‏,‏ أراض زراعية‏,‏ ثروة حيوانية‏,‏ معادن‏..‏الخ فهي ثامن أكبر اقتصاد في العالم وتخطط أن تقفز إلي المرتبة الخامسة خلال خمس سنوات فقط‏.‏
كانت البرازيل واحدة من أفقر الدول إلي‏20‏ سنة مضت وما حدث فيها في السنوات العشر الأخيرة يشبه المعجزة خاصة تحت رئاسة لولا دي سيلفا الرئيس القادم من قاع المجتمع كان عاملا نقابيا‏..‏واشتغل وهو صبي ماسح أحذية‏,‏ فقاد البرازيل إلي نمو سريع دائم بقواعد السوق الحرة علي النمط الأوروبي‏..‏وسوف يغادر منصبه بعد خمسة أشهر ولا خوف علي سياسات البرازيل الاقتصادية من أي تغيير‏,‏ فالمجتمع قد توافق عليها‏..‏ولا يمكن التراجع فيها مهما يكن اسم رئيس البرازيل القادم‏.‏
‏-5-‏
ضيق الوقت في البرازيل لم يمنحا فرصة لمشاهدة رقصات الصلصا أو الرومبا أو الايقاعات البرازيلية الساخنة وإن كانت مختلفة وليس لها‏'‏ خصوصية التانجو‏.‏
فالوقت كله ضاع في البيزنس‏..‏الوزير رشيد وطاقمه شديد الكفاءة والحيوية غادر ساوباولو إلي العاصمة بارازيليا للمقابلات الرسمية مع الرئيس ووزير الخارجية ووزير التجارة‏..‏الخ
أما رجال الأعمال فقد كان لديهم مواعيد في الغرقة التجارة العربية البرازيلية أو مع رجال أعمال برازيليين‏..‏ كان لها نتائج مهمة‏..‏
أولا‏..‏نال عماد السويدي رئيس مجلس الأعمال المصري البرازيلي دفعة قوية وهو يبني مصنع‏'‏ عدادات كهرباء‏'‏ في البرازيل وكانت هيئة المواصفات القياسية‏'‏ تعاند‏'‏ في بعض الأمور بضغط من المنافسين‏..‏وقد يبدأ المصنع في الإنتاج مع بداية العام‏..‏والبرازيل ستعيد تغيير كل عددات الكهرباء فيها خلال الأربع سنوات القادمة‏(‏ أكثر من‏60‏ مليون عداد‏).‏
ثانيا‏:‏ نجح رجل الأعمال حازم عمر في إقناع‏'‏ كوزان‏'‏ ثاني أكبر مجموعة لإنتاج السكر في البرازيل في الاستثمار المشترك في مصر وقد يقام مصنع هنا بطاقة‏360‏ الف طن سنويا‏..‏ولن تقل نسبة كوزان عن‏40%‏ من رأس المال المطلوب الذي قد يصل إلي‏600‏ مليون جنيه‏.‏
ثالثا‏:‏ جرت مباحثات مع مجموعة بترو براس أكبر شركة بترول برازيلي وهي أول شركة في العالم تنتج الوقود من فول الصويا ودارت المفاوضات علي إنتاج هذا الوقود من مخلفات الصرف الصحي‏.‏
وعلي فكرة نصف سيارات البرازيل تسير بالإيثانول المستخرج من قصب السكر‏.‏
‏-6-‏
طوال المقابلات التي تمت سواء في الارجنتين أو البرازيل أبدي رجال الاعمال هنا إعجابهم الشديد بنظام الضريبة المصري لأنه بسيط واضح ومحدد‏20%‏ علي الارباح‏,‏ بينما الضرائب هنا أو هنا ضعف هذا الرقم‏.‏ ونظام الضريبة من عناصر جذب الاستثمارات‏..‏
باختصار‏..‏الرحلة اللاتينية إلي آخر الدنيا كانت ضرورية ومفيدة وما حدث من روسيا وإيقاف تصدير قمحها هو أكبر دليل علي أهميتها بالرغم من بعد المسافة والإرهاق‏..‏لكن كما قلت‏:‏ المضطر يركب الصعب‏..‏
أهلا بكم في القاهرة‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.