أمين «البحوث الإسلامية» يستقبل رئيس جامعة الشارقة والوفد المرافق له    «الهجرة» تكشف عن «صندوق طوارئ» لخدمة المصريين بالخارج في المواقف الصعبة    رئيس الوزراء يتابع جهود إقامة مركز جوستاف روسي لعلاج الأورام بمصر    مركز ريادة الأعمال يشارك في حفل ختام مسابقة تطوير مصر للابتكار    "الخارجية" تستضيف جلسة مباحثات موسعة مع وزير الهجرة واللجوء اليوناني    تفاصيل مشروع تطوير عواصم المحافظات برأس البر.. وحدات سكنية كاملة التشطيب    إعلان شومان.. ماذا نعرف عن الاتفاقية التي أصبحت نواة تدشين الاتحاد الأوروبي؟‬    حسين الجسمي ينعى الشيخ هزاع بن سلطان بهذه الكلمات    إصابة 11 شخصا بسبب انحراف طائرة بوينج 737 عن المدرج عند إقلاعها في مطار داكار    مواصلة العمليات العسكرية في رفح الفلسطينية واستمرار غلق المعابر من الجانب الفلسطيني.. مراسلنا يوضح    رئيس الوزراء: سلوفينيا ستعترف بالدولة الفلسطينية بحلول منتصف يونيو    أزمة بين الأهلي واتحاد الكرة بسبب مباراة الألومنيوم في الكأس    الهلال يُجهز للإحتفال بدوري روشن على حساب الحزم    الطقس غدًا .. أجواء مائلة للحرارة نهارًا والعظمى على القاهرة 34°    إصابة 5 عمال في حادث انقلاب سيارة نقل بالطريق السياحي بالفيوم    30 مايو الحكم على حسين الشحات في التعدي علي لاعب نادي بيراميدز    مصرع سائق في انقلاب سيارتين نقل على الصحراوي الشرقي بسوهاج    انطلاق المؤتمر الصحفي لمهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بحضور إلهام شاهين    "فاصل من اللحظات اللذيذة" يتجاوز حاجز ال 49 مليون جنيه إيرادات    مصطفى غريب يتسبب في إغلاق ميدان الإسماعيلية بسبب فيلم المستريحة    صابر الرباعي يطرح أغنية الباشا    لمواليد برج العقرب والسرطان والحوت.. توقعات الأسبوع الثاني من مايو لأصحاب الأبراج المائية    خالد الجندي: الذكر والتسبيح على وضوء يزيد الأجر والثواب    هل من زار قبر أبويه يوم الجمعة غُفر له وكُتب بارا؟.. الإفتاء تجيب    رئيس الوزراء يتابع جهود إنشاء مركز جوستاف روسي لعلاج الأورام فى مصر    متحور كورونا الجديد «FLiRT» يرفع شعار «الجميع في خطر».. وهذه الفئات الأكثر عرضة للإصابة    وزير الصحة يشهد فعاليات المؤتمر العلمي السنوي لهيئة المستشفيات التعليمية    محافظ الشرقية: الحرف اليدوية لها أهمية كبيرة في التراث المصري    قوات الدفاع الشعبى تنظم ندوات ولقاءات توعية وزيارات ميدانية للمشروعات لطلبة المدارس والجامعات    مساعد وزير الصحة: تسليم 20 مستشفى نهائيا خلال العام الحالي    فصائل عراقية: قصفنا هدفا حيويا في إيلات بواسطة طائرتين مسيرتين    بعد قرار سحبه من أسواقها| بيان مهم للحكومة المغربية بشأن لقاح أسترازينيكا    على معلول يحسم مصير بلعيد وعطية الله في الأهلي (خاص)    انعقاد برنامج البناء الثقافي بمديرية أوقاف البحيرة    نشرة «المصرى اليوم» من الإسكندرية: تأجيل محاكمة المتهمين بأحداث سيدي براني وسموحة يصطدم ب«زد»    بعد ظهورها مع إسعاد يونس.. ياسمين عبد العزيز تعلق على تصدرها للتريند في 6 دول عربية    "الخشت" يستعرض زيادة التعاون بين جامعتي القاهرة والشارقة في المجالات البحثية والتعليمية    وزير الصحة: دور القطاع الخاص مهم للمساهمة في تقديم الخدمات الطبية    حكم هدي التمتع إذا خرج الحاج من مكة بعد انتهاء مناسك العمرة    محافظ الغربية يوجه بتسريع وتيرة العمل في المشروعات الجارية ومراعاة معايير الجودة    بعد أسبوع حافل.. قصور الثقافة تختتم الملتقى 16 لشباب «أهل مصر» بدمياط    وزيرة التضامن تشهد انطلاق الدورة الثانية في الجوانب القانونية لأعمال الضبطية القضائية    "العمل": تحرير عقود توظيف لذوي الهمم بأحد أكبر مستشفيات الإسكندرية - صور    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية فساد التموين ل 8 يوليو    ما حكم قطع صلة الرحم بسبب الأذى؟.. «الإفتاء» تُجيب    السيسي يستقبل رئيس وزراء الأردن    برلماني: توجيهات الرئيس بشأن مشروعات التوسع الزراعى تحقق الأمن الغذائي للبلاد    مستشفى العباسية.. قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة جانيت مدينة نصر    القبض على المتهمين بغسيل أموال ب 20 مليون جنيه    21 مليون جنيه.. حصيلة قضايا الإتجار بالعملة خلال 24 ساعة    دفاع حسين الشحات يطالب بوقف دعوى اتهامه بالتعدي على الشيبي    جهاد جريشة يطمئن الزمالك بشأن حكام نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    مصدر عسكري: يجب على إسرائيل أن تعيد النظر في خططها العسكرية برفح بعد تصريحات بايدن    معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية يسجل 31.8% في أبريل الماضي    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يحل ضيفًا على «بوابة أخبار اليوم»    دعاء الامتحانات مستجاب ومستحب.. «رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري»    موعد مباراة الإسماعيلي والداخلية اليوم الخميس بالدوري    تامر حسني يقدم العزاء ل كريم عبدالعزيز في وفاة والدته    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زيارة إلى أرض النار وآخر قطار وآخر مطعم فى العالم!
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 03 - 2009

خلال شهرى يناير وفبراير يغرق العالم فى الشتاء، وتعرف مصر البرد، وتعرف أوروبا الأمطار، وتعرف روسيا الجليد، أما الأرجنتين فتنعم خلال الفترة من ديسمبر إلى أبريل بصيف مشمس فى معظم أرجائها باستثناء أقصى الجنوب الواقع قرب القارة المتجمدة الجنوبية «أنتركتيكا Antarctica» والمعرف بمقاطعة «تيرا ديل فيجو Tierra del Fuego أو أرض النار» باللغة الإسبانية. ويبلغ عدد سكان تيرا ديل فيجو ما يقرب من 60 ألف نسمة، وهى جزيرة تفصلها مضايق ماجلّان عن أراضى قارة أمريكا الجنوبية. وتشرف عاصمة الإقليم مدينة «أوشوايا Ushuaia» على مضايق كثيرة منها ماجلّان، وأطلق بحارة ماجلّان اسم أرض النار على هذه الجزيرة عندما رأوا نارا يشعلها السكان المحليون من «الهنود الحمر» قبائل يامانا Yamana على الساحل فأطلقوا عليها هذا الاسم عام 1520. وتعرف «أشوايا» 3 أنواع فقط من درجات الحرارة وهى (بارد شديد البرودة متجمد)!.
آخر كل شىء فى العالم:
الأرجنتين بعيدة عن كل العالم، عن مصر وعن اليابان وفرنسا وعن الولايات المتحدة، سافرت إلى جنوب الأرجنتين من واشنطن فى رحلة استغرقت ما يقرب من 15 ساعة حتى وصلت إلى مدينة «أشوايا»، التى تقع فى أقصى جنوب العالم، لذا يحب أن يطلق عليها سكانها أنها «آخر مدينة فى العالم»، ويتباهى سكان مدينة أوشوايا الواقعة فى أقصى جنوب الأرجنتين بذلك، وترى فى المطار لوحة مكتوبا عليها «أنت فى آخر مطار فى العالم». ونفس الشىء يطلق على كل شىء هناك! والعجيب أن ذلك الادعاء حقيقى! فأوشوايا هى آخر مدينة فى العالم، لا يوجد بعدها إلا القارة المتجمدة الجنوبية الخالية من أى مدينة. وهى آخر ميناء فى العالم، وبها آخر مكتب بريد فى العالم وآخر شارع فى العالم وآخر مطعم فى العالم وآخر كنيسة فى العالم وآخر ملعب كرة قدم فى العالم وآخر فندق فى العالم، وحتى الشهرين كان بها آخر بار فى العالم! إلا أنها فقدت هذا الشرف بسبب إنشاء البعثة الأوكرانية العلمية فى القارة المتجمدة الجنوبية بارا صغيرا لخدمة أعضائها العشرين.
وأوشوايا محطة مهمة للراغبين فى زيارة القارة المتجمدة الجنوبية التى يبلغ عدد سكانها صيفا 5000 نسمة و1200 نسمة فقط فى الشتاء. وتقلع من هناك المراكب السياحية الضخمة متجهة للقارة الجنوبية التى تبعد مئات الأميال فقط. وخلال عام 2008 وصل عدد السياح الزائرين للقارة الجنوبية ما يقرب من 33 ألف.
وتشرف أوشوايا على «قناة بيجل» شديدة الجمال، وهى قناة مشتركة تفصل بين شيلى والأرجنتين، وبها مطار صغير ولكنه منظم ونظيف. الطقس بارد جدا فى عز الصيف، والرياح شديدة والنهار طويل (من الخامسة صباحا حتى الحادية عشرة مساء). وتحتضن المدينة قاعدة عسكرية صغيرة بسبب النزاعات المستمرة بين شيلى والأرجنتين على ملكية هذه المناطق فى الماضى. وتقع شمال مدينة أوشوايا مدينة «ريو جاليوس» مقر العسكرية الأرجنتينية خلال حرب فوكلاند! ويطلق الأرجنتينيون على جزر فوكلاند جزر «مالفيناس»، وإذا ذكرت لهم كلمة «فوكلاند» ستحصل على نظرة سخيفة.
وتبذل الحكومة الأرجنتينية مجهودات كبيرة من أجل إعمار المنطقة الجنوبية من خلال برامج لجذب رجال الأعمال والشركات، وتشجيع المواطنين على الانتقال للعيش هناك بتوفير إعفاءات ضريبية لقطاع الأعمال، وكذلك إعفاء مواطنى أوشوايا من دفع أى ضرائب على الدخول. إلا أن طبيعة المناخ القاسية لم يفلح معها إلا وجود ما يقرب من 50 ألف نسمة فى المدينة الجميلة. وتعتمد الحياة هناك على تربية الخراف والماشية، والصيد البحرى. ولا تستغرق رحلة مشاهدة معالم المدينة أكثر من 10 دقائق، وهناك شارع رئيسى صغير واحد يسمى «سان مارتن»، وهناك عادة غريبة، حيث تقطعه السيارات فى عشر دقائق، حيث إنها تسير بسرعة تقترب من 15 كيلو فى الساعة فقط، كى لا يشعر الركاب بالملل من صغر مدينتهم، وصغر أكبر شارع بها.
وبسبب بُعد المدينة عن العالم يصعب جدا تشييد أى شىء هناك! ولا يوجد شىء اسمه قطاع للبناء مثلا، فالبيوت معظمها يتم شحنه من العاصمة بيونس آيرس ويتم تركيبه بعد ذلك، وتصمم البيوت الخشبية بصورة معقدة لتقاوم الشتاء القارص والرياح الشديدة. وتبلغ درجات الحرارة فى الصيف «شتاؤنا» ما يقرب من الصفر وتنخفض كثيرا فى الشتاء إلى ما دون ذلك بكثير. إلا أن أهم ما يميز مناخها هو الرياح الشديدة، ويظهر هذا واضحا فى شكل أشجار غابتها التى يطلق عليها شجر الأعلام حيث يتمايل الشجر هناك تماما مثل ما يحدث مع الأعلام.
قطار نهاية العالم أو «إذا كنت شاطر أهرب»!
تبنت الحكومة الأرجنتينية فكرة شديدة القسوة تتمثل فى إنشاء سجن فى أقصى جنوب العالم فى نهايات القرن التاسع عشر فى عام 1884 وتحديدا فى هذه البقعة القاسية من العالم. وبسبب بُعد المدينة عن كل شىء، وعن كل عمران رأت الحكومة الأرجنتينية أن هذه البقعة اختيار جيد لموقع سجن كبير لأكثر المجرمين خطورة، ووجدت المدينة لاحقا حول هذا السجن. وكان الهروب من سجن الجزيرة مستحيلا! وبالمصرى «تهرب تروح فين»؟!.
وبسبب ذلك تبنى المسجونون أسلوب المستعمرين أو المستكشفين الجدد، ومع استحالة فكرة الهرب، قطع المساجين الأشجار وجمعوا أصواف الحيوانات، وقاموا ببناء خط سكة حديد عام 1903 عُرف باسم «قطار نهاية العالم End of the World Train». لتسهيل مهمتهم فى نقل الأخشاب، والصخور من الجبال والغابات المحيطة بالمدينة. وتعرض الكثير من المساجين والمجرمين للتهلكة أثناء عملية البناء، ولكن لم يجرؤ أحد على الهرب!.
وفى عام 1947 أغلق السجن وتحول لقاعدة للأسطول الأرجنتينى، ثم أغلقت القاعدة وتحول القطار للخدمة السياحية وأصبح مزارا عام 1978 ثم أوقف عن العمل، ولاحقا عاد القطار للخدمة لكن للخدمة السياحية فى عام 1994 لكن هذه المرة كقطار فخم تم استيراده من انجلترا ويسمى ب«كاميلا»! وطول الخط الحديدى 8 كيلو مترات. وأصبحت رحلة القطار من أهم البرامج الترفيهية فى أوشوايا.
ومن أهم المزارات السياحية هناك «محمية تيرا ديل فيجوا الوطنية» و«خليج لاباتايا»، ويوجد بالمحمية العديد من الحيوانات المعروفة لنا وغير المعروفة، والحياة البرية بالمحمية شديدة الجمال والتنوع وتمتلئ بطائر البطريق Penguins الجميل، الذى لا يزيد طوله على نصف المتر ووزنه على 4 كيلو جرامات. ويوجد من هذا الطائر الذى لا يطير بين مليونى وثلاثة ملايين طائر فى هذه المنطقة. وتنشر بالمنطقة أيضا العديد من مناطق التزلج على الجليد على سفوح الجبال الجليدية مبهرة فى الجمال.
ويوجد معهد صغير فى المدينة يركز فى دراساته على العلوم البيئية ودراسات الغابات والانحباس الحرارى وتغير المناخ.
الفرعون الأول!
سألت بعض ساكنى أوشوايا عن رأيهم فى الصراع العربى الإسرائيلى، أو مستقبل غزة، نظروا لى باستغراب كبير! الاهتمامات هناك مختلفة تماما، وطريقة النظر للعالم وللحياة مختلفة. الشئون البيئية والحفاظ على الجمال الطبيعى للمنطقة هما أكثر الاهتمامات عند غالبية السكان. وتعرفت على عائلة ريكاردو أثناء رحلة القطار السياحية وسط جبال غابات ماجلّان، ولم يُظهر الرجل فقط دهشته لرؤية مصرى هناك! بل قام بتصوير زوجته التى تعشق مصر منذ طفولتها معى أنا وزوجتى، وذكر ريكاردو أن أهم حلم فى حياة زوجته هو زيارة مصر، والآن قطعت لورا نصف الطريق بمقابلتها أول فرعون وأول كليوباترا فى حياتها. وعندما سألت بنتا لريكاردو إذا ما كانت ترغب فى الانتقال للدراسة والعيش فى العاصمة بيونس آيرس؟، فكان الرد «لا»، أنا سعيدة هنا فى أجمل مكان فى العالم. وريكاردو نفسه انتقل لأوشوايا من العاصمة منذ أكثر من عشر سنوات ولا يفكر أبدا فى العودة.
وسألت عن الإسلام وإذا ما كان هناك مسجد فى هذه البقعة من العالم؟، فكان الرد أن هناك عائلة تركية واحدة فى المدينة. ويشير الأرجنتينيون إلى المسلمين «بالأتراك»، حيث حدثت هجراتهم أثناء وجود الدولة العثمانية، حين لم يكن هناك وجود بعدُ لدول سوريا ولبنان وفلسطين، وكان لدى الشوام «معظم المسلمين فى أمريكا الجنوبية من دول الشام» جوازات سفر تركية!.
وعندما سألنى البعض من أين قدمت؟ رددت بأننى سافرت من أمريكا! كان رد الفعل غير مرحب بإجابتى، واعتقدت أن العداء لأمريكا وصل إلى هناك، إلا أننى كنت مخطأ! وعدم الترحيب كان سببه أنهم يرون أنفسهم أيضا «أمريكا»، وكانت إجابتى خاطئة! وصححوها بالقول، نحن أيضا أمريكا! أنت قادم من أمريكا الشمالية! وليس أمريكا.... وبعد زيارة أوشوايا انتقلت إلى إقليم باتاجونيا.
باتاجونيا وعجائب العالم الجديد
تشمل إقليم باتاجونيا Patagonia مناطق شاسعة من جنوب الأرجنتين وجنوب شيلى. وهى صحراء واسعة غير رملية تتخللها أنهار ومضايق مائية وجبال جليدية وجبال غير جليدية، وتعتمد الحياة أساسا هناك على تربية الماشية والخراف. وأعتقد أن أسعار اللحوم هناك هى الأرخص على وجه الأرض. فسعر شريحة اللحم «ستيك» يتراوح بين خمسة جنيهات وثلاثين جنيها مصريا.
ويعرف عن مزارع الأبقار والأغنام أن مساحتها تجعل مثيلتها فى تكساس أو كاليفورنيا شديدة الصغر، ف5 آلاف فدان هى حجم المزرعة متوسطة المساحة. وباتاجونيا منطقة صعبة المعيشة، لذا تبدو خالية من السكان رغم وجود ملايين الأبقار والخراف بها، وذلك يرجع لقسوة مناخها.
وأجمل ما بها هو جبالها، والتى يطلق عليها جبال «آلب» باتاجونيا وهى آخر جزء فى سلسلة جبال الأنديز التى تمتد فى عدة دول فى قارة أمريكا الجنوبية.
وعند وصولنا لمدينة «كالافاتا Calafate» سميت بهذا الاسم نسبة لانتشار فاكهة التوت المعروفة بهذا الاسم، وهذه المدينة الصغيرة تقع على حدودها ثالث أكبر بحيرة فى أمريكا الجنوبية «اسمها كالافاتا» أيضا. وهى مدينة سياحية بالدرجة الأولى ورغم عدم قدوم أعداد كبيرة من السياح الأجانب بسبب بعدها الجغرافى والتكلفة المالية الباهظة لزيارتها.
ويبلغ عدد سكانها ما يقرب من 12 ألف نسمة فقط، ومازالت المدينة تنعم بروح الغرب الأمريكى، حيث مازال العديد يمتطى الحصان كوسيلة مواصلات رئيسية رغم انتشار الطرق الممهدة للسيارات وازدياد الفنادق والمنتجعات.
وسبب شهرة المدينة الأساسية وجود بانوراما شديدة الجمال من الجبال الجليدية والأنهار المتجمدة تعرف باسم «بريتو مورينو Perito Moreno» ذات ألوان بيضاء وزرقاء خلابة. وهى الكتل الجليدية الوحيدة الموجودة على الأرض والتى ما زالت تزداد مساحتها مع مرور الوقت! وتتحرك الجبال الجليدية بها 30 مترا كل عام. وهذه الكتل الجليدية توجد وتفصل بين نهرين هما نهر «أرجانتينو» ونهر «برازو ريكو».
وسبب لون الثلج شديد «الزرقة» هو تركز غاز الأوكسجين عندما يسقط مع الأمطار وعدم تبخره. وجمال المنظر الطبيعى لا يعادل جماله شىء آخر على وجه الأرض، وللغرابة لا تعد هذه الظواهر الثلجية من عجائب الدنيا! ولا أعتقد أن هناك أمتع من المشى على هذه الكتل الجليدية التى يستعمل لها أحذية خاصة ويتم إلباس الشخص الراغب فى المشى على هذه البانوراما ملابس خاصة تغطى كل الجسم بسبب الخوف من الإصابات رذا سقط أو لمس الجلد الجليد الشديد الصلابة.
وتحدث انهيارات جبلية جليدية صغيرة هناك، وذكر المرشد السياحى أن ذلك بسبب ظاهرة الاحتباس الحرارى!.
وبعد ذلك غادرت للعاصمة بيونس آيرس.
الإله مارادونا وحمى بوكا جونيور
الأرجنتين دولة متنوعة الثقافة والاهتمامات، وتجمع بين الكثير من الهويات الإثنية، ولا يوحد الأرجنتينيون شيئا مثل كرة القدم. ولدييجو أراماندو مارادونا وضعية شبه مقدسة فى الأرجنتين، وهو بمثابة إله! ولا تحتاج أن تكون خبيرا فى كرة القدم لإدراك إلهيته، ولا يختلف أرجنتينيان على ما قدمه للأرجنتين ولكرة القدم العالمية. وتكفى زيارة لمنطقة النادى الأشهر فى العاصمة «بوكا جونيور» الموجود فى منطقة تسمى «بوكا» لإدراك ما تعنيه كرة القدم. وحول ملعب الفريق المعروف باسم «بامبونيرا» تصطف المقاهى والبازارات التى تبيع منتجات النادى والمنتخب الأرجنتينى من ملابس وكرات وأحذية وأعلام وهدايا. وتماثيل وصور مارادونا تحيط بك من كل جانب. سألت سائق التاكسى الذى أخذنا من المطار للفندق فى وسط العاصمة، وتجرأت وقلت: ما هو فريق كرة القدم المفضل لديك؟ فقال مقتضبا فى كلمة واحدة: «بوكا»، ورديت، وما أفضل ثانى فريق؟ فظهرت علامات عدم الرضا على وجهه وقال: «بوكا» وقلت أفهم أن بوكا جونيور فريقك المفضل، لكن ما هو ثانى أفضل فريق؟ وقال: «لا يوجد فريق ثان.»
ويعرض التليفزيون الأرجنتينى مباريات كرة قدم طوال الوقت، وخلال أربعة أيام فى بيونس آيرس شاهدت مباراتى نهائيات كأس العالم اللتين شارك فيهما مارادونا مرة فى نهائى عام 1986 فى المكسيك وفازت بها الأرجنتين على ألمانيا 3-2، ونهائى عام 1990 حين خسرت من ألمانيا أيضا بضربة جزاء غير صحيحة أمام يوم أن بكى الإله مارادونا أمام ملايين البشر. وما زال الأرجنتينيون يسألون عن رأيك فى ضربة الجزاء الظالمة التى حرمت مارادونا من ثانى كأس عالم.
وقبل مغادرتى لاحظت عدم ذكر وسائل الإعلام الدولية الأساسية مثل BCC وCNN أى خبر عن الأرجنتين، وسألت بعض الأرجنتينيين عن غياب بلدهم عن نشرات الأخبار الأساسية، إلا أنهم عبروا عن سعادتهم بغيابهم عن الأخبار العالمية، حيث إن آخر مرة تصدروا الأحداث الدولية كان بسبب الانهيار الاقتصادى الكامل عام 2000.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.