عندما نتحدث عن العولمة لا يتبادر الي ذهنه معظم الناس سوي حركة انتقال السلع والبضائع من الشرق الي الغرب وحركة الدولارات بالعكس من الغرب الي الشرق ولكن العولمة صارت تعني ايضا انتقال الافكار. وتقول مجلة "الايكونوميست" ان البرنامج البرازيلي لمحاربة الفقر الذي يعمل تحت اسم صندوق استثمار الاسرة والذي يعد الاكبر من نوعه في العالم كله صار الآن موضوعا مهما للعولمة حيث يحاول البنك الدولي نشره في اماكن متعددة من العالم تشمل المكسيك ومصر والعديد من بلدان امريكا اللاتينية وحتي الاحياء الفقيرة من مدينة نيويوركالامريكية. وفي رطانة او لغة التنمية يعرف هذا البرنامج باسم "التمويل النقدي المشروط" وقد بدأ البرنامج في البرازيل اولا ثم جري نقله بصورة معدلة الي المكسيك، وبعد تجربته علي نطاق واسع في العديد من دول امريكا الجنوبية جري تطبيقه اخيرا علي فقراء مدينة نيويورك في محاولة لتحسين فرص الحياة امام اطفال الاسر الفقيرة. كذلك استقبلت مصر في الاسابيع الماضية وفد رسمي برازيلي للاستفادة منه بخبرة البرازيل في هذا المجال. وتقول كاثي لينورت مندوبة البنك الدولي في البرازيل ان حكومات العالم كله صارت تتطلع الي هذا البرنامج البرازيلي وانه سيبدأ قريبا العمل ببرامج مثيلة له في بلدان شرق اوروبا. وطبقا لبرنامج محاربة الفقر البرازيلي يتم منح الاسرة التي يقل دخلها عن 68 دولارا في الشهر 54 دولارا كمعونة شهرية بشرط ان يذهب اطفال هذه الاسرة الي المدارس وان يتم تطعيمهم طبقا لبرامج التطعيم الحكومية ضد مختلف الامراض التي تصيب الاطفال. وتقوم السلطات المحلية بجمع المعلومات عن احقية كل اسرة في المعونة ومدي التزامها بالشروض بعد حصولها علي تلك المعونة ولكن توزيع المعونات علي الاسر هو من اختصاص السلطات الفيدرالية حيث تحصل كل اسرة علي بطاقة ذكية يتم شحنها بمبلغ المعونة شهريا ما لم يفقد المتلقي احد شروط الاستحقاق. وفي حالة فقد شروط الاستحقاق يوجه الي الاسرة المعنية لفت نظر او تحذير مرتين وفي المرة الثالثة تسحب البطاقة وتمنع المعونة. وتقول الارقام ان هناك 11 مليون اسرة برازيلية تتلقي هذا النوع من المعونات الآن اي نحو 25% من جملة تعداد السكان في البرازيل. وفي ولاية ألاجواز الاشد فقرا في شمال شرق البرازيل تحصل اكثر من نصف اسر الاقليم علي هذه المعونة في حين تتلقي معظم الاسر الباقية معاشات من الدولة طبقا لنظام آخر لمحاربة الفقر. ويقول احد اساتذة الاقتصاد في جامعة ألاجواز الفيدرالية ان نظام المعاشات المذكور يشبه ما هو مطبق في بلد متقدم كالسويد. وتجدر الاشارة الي ان 70% من سكان ولاية ألاجواز إما أميون او لم يكملوا دراسة المرحلة الابتدائية في التعليم وان متوسط الاعمار في الاقليم 66 عاما اي اقل 6 سنوات عن متوسط الاعمار العام في البرازيل كلها. ويقول سيرجيو مورايرا وزير التخطيط في حكومة الولاية ان ألاجواز بمعايير التنمية البشرية أقرب الي موزامبيق منها الي ان تكون جزءا من البرازيل وان شراء الاصوات في الانتخابات ظاهرة شائعة في الاقليم وفي آخر انتخابات لحاكم الولاية كان ثمن الصوت في حدود 28 دولارا. ويقول رئيس محكمة الانتخابات في الولاية ان الناس كانت تأتي الي المحكمة لتقول انها باعت اصواتها الي مرشح معين ولكنه لم يدفع لهم الثمن المتفق عليه. ومشروع محاربة الفقر في البرازيل لا يستهدف فقط سد الحاجات العاجلة للفقراء وانما هو بإصرار علي تعليم الاطفال يريد ان يكون مستقبلهم افضل من والديهم. وهناك مؤشرات ايجابية لايمكن تجاهلها مثل تناقص نسبة التسرب من التعليم. كما يستهدف البرنامج دعم النمو الاقتصادي في شمال شرق البلاد وتقليل عدم المساواة في الدخل بين ابناء البرازيل. ومن الملاحظات المهمة ان 30% فقط من قوة العمل في ألاجواز البالغ عددها 1.3 مليون شخص هم فقط الذين لديهم اعمال رسمية ومع ذلك فإن 1.5 مليون شخص من سكان الاقليم يقتنون التليفون المحمول حسب ارقام العام الماضي. والمؤكد ان تحويل هؤلاء الفقراء الي مستهلكين أمر يدعم الطلب الداخلي ويزيد من معدلات النمو الاقتصادي. وليس معني ذلك ان برنامج محاربة الفقر البرازيلي بلا مشاكل وانما هو يعاني كما تقول مجلة "الايكونوميست" من ثلاث مشاكل هي عدم دقة التقارير التي تقدمها احيانا بعض السلطات المحلية التي قد يتقاضي بعض موظفيها رشوة لقيد الناس كمستحقين في البرنامج ومع ذلك فقد اثبتت دراسات البنك الدولي ان 70% من اموال البرنامج تدخل جيوب أفقر 20% من سكان البرازيل. اما المشكلة الثانية او العيب الثاني هو الخشية من تحول برنامج محاربة الفقر الي نظام دائم وليس مجرد دعم مؤقت للفقراء ولكن البرنامج الذي بدأ عام 2003 اي منذ نحو 5 سنوات فقط لايزال الوقت مبكرا للحكم عليه من هذه الناحية. العيب الثالث هو ان البرنامج نفسه احيانا يوصم بانه رشوة انتخابية لأنه مرتبط بإسم الرئيس البرازيلي الحالي لولا داسيلفا ولكن هذا اتهام غير عادل حيث يكفي ان نذكر ان البرازيل تحصل علي نتائج جيدة اقتصاديا واجتماعيا مقابل اقل من 1% من اجمالي ناتجها المحلي سنويا هي كل تكلفة هذا البرنامج الطموح لمحاربة الفقر.