سيشهد النصف الأول من العام الجديد انتخابات مجلس الشعب، وإذا حدث ما يتوقعه كثير من المراقبين وحصل التيار الإسلامي كأحزاب ومقاعد فردية علي الأغلبية فإن نصف العام الثاني من 2013 سيشهد طفرة في تعديل قوانين وتشريعات ستضفي علي بعضها الصبغة الدينية وخصوصا قانون البنوك والذي سيشهد تعديلات ستؤثر إلي حد كبير علي شكل الجهاز المصرفي المصري، وهي التعديلات الخاصة برفع الحد الأدني لرؤوس أموال البنوك "حتي 2 أو 3 مليارات جم" وكذا السماح للبنوك الإسلامية بتملك العقار والمنقول للسماح وممارسة جميع أنشطتها المتوافقة مع الشريعة الإسلامية وأهمها نشاط بيع الأجل مع إنشاء هيئة شرعية مركزية للرقابة علي جميع البنوك التي تعمل وفق النظام الإسلامي للتأكد من التزامها بجميع أحكام الشريعة، وكذا الفصل في نقاط الخلاف التي قد تنشأ علي بعض المنتجات والخدمات المصرفية المقدمة من هذه البنوك. وهذه التعديلات سينشأ عنها عند التطبيق خلال عام 2013 ما يلي: * أغلب البنوك التي يقل رأس مالها عن 3 مليارات جم، ستقوم بتوزيع عيني لأرباحها "توزيع أسهم مجانية" بدلا من التوزيع النقدي. * سيتم تحويل الاحتياطيات العامة إلي رأس المال في بعض البنوك وهو ما يعني توزيع أسهم مجانية علي مساهميها. * سيتم بيع البنوك التي لم تستطع رفع رؤوس أموالها للحد الأدني المقرر بعد التعديل لبنوك عربية. * دخول بنوك عربية للساحة المصرفية المصرية وأغلبها ستكون مصارف تعمل وفق الشريعة الإسلامية. * انخفاض معدلات نمو قروض التجزئة المصرفية نتيجة لممارسة البنوك الإسلامية عمليات بيع الأجل. * زيادة الحصة السوقية للبنوك التي تعمل وفقا للشريعة الإسلامية. * بعض البنوك التجارية التي لها فروع إسلامية ستغلق هذه الفروع حتي تتخلص من رقابة الهيذة الشرعية المركزية وملاحظاتها. كما أن هناك احتمالات كبيرة لصدور قانون يحرم تقديم المشروبات الروحية في الأماكن العامة وهو قرار سيؤثر علي السياحة الترفيهية والتي لها الوزن النسبي الأهم في أنواع السياحة المفضلة لدي زائري مصر، إلا أن تنشيط الأنواع الأخري من السياحة مثل السياحة الثقافية والبحرية والرياضية وسياحة المغامرات والسفاري سيجعل تأثيرات إصدار هذا القانون أو القرار غير كبيرة علي قطاع السياحة بصفة عامة. * سيشهد عام 2013 استمرار أزمات السولار والبنزين وغاز البوتاجاز والتي تعاني الحكومة الحالية منها واستطاعت بصعوبة بالغة توفير الاحتياجات اللازمة منها حتي نهاية عام 2012 فقط من خلال تقديم علاوات سعرية مرتفعة لأن هناك مخاوف كبيرة من تحول ميزان البترول من فائض قدره 3.1 مليار دولار خلال نهاية العام المالي الماضي :إلي عجز يبدأ مع نهاية العام المالي الحالي ويستمر حتي نهاية عام 2013 وهو ما يؤثر سلبا علي الميزان التجاري والذي بلغ عجزه حدا تاريخيا بنهاية العام المالي الماضي إذا بلغ هذا العجز 7.31 مليار دولار. * كما سيشهد العام أيضا استمرار العجز في ميزان المدفوعات والذي وصل لحد تاريخي خلال العامين الماليين بعد الثورة، إذ بلغ فيهما العجز معاً 1.21 مليار دولار، فقد شهد العام المالي "2010/2011" عجزا بلغ 8.9 مليار دولار، وشهد العام المالي "2011/2012" عجزا بلغ 3.11 مليار دولار.. ولولا المنح والمساعدات العربية وبخاصة من السعودية وقطر لزاد هذا العجز وبدرجة كبيرة.. ورغم زيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج والتي بلغت 18 مليار دولار خلال العام المالي الماضي، واستطاعت استعواض الانخفاض في إيرادات قطاع السياحة وكذا الانخفاض في صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة، إلا أن عجز الميزان التجاري كان سببا في تفاقم عجز ميزان المدفوعات. وسيستمر هذا العجز خلال عام 2013 إلا أنه سيتقلص ومن المحتمل أن ينخفض ما دون "5 مليارات دولار" في ظل احتمالات استمرار المنح والمساعدات، وكذا تقلص الواردات والتي زادت وبشكل غير مبرر خلال العام المالي الماضي ووصلت لحد تاريخي، إذ بلغت 7.58 مليار دولار رغم حالة الكساد التي تسود الأسواق المصرية في ضوء استمرار حالة عدم الاستقرار والصراعات السياسية المستمرة.. وهو ما يشير لاحتمالات كبيرة لأن يكون قد تم خروج أموال من داخل مصر لخارجها عن طريق فتح اعتمادات مستندية للاستيراد. * اعتماد الحكومة علي المنح والمساعدات في تحقيق استقرار نسبي لاحتياطيات مصر من العملات الأجنبية والتي تدور منذ شهر فبراير 2012 في فلك الرقم 15 مليار دولار، رغم أنه يرفع من نسبة مخاطر "انهيارها" المفاجئ إلا أن حصول مصر علي قرض صندوق النقد رغم اختلافنا في الرأي حول هذا القرض وكذا باقي المنح والمساعدات من دول قطر وتركيا قد يكون دافعا لاستمرار الاستقرار النسبي للاحتياطيات.. غير أن العام سيشهد حلول أجل أذون خزانة مقومة بالدولار لأجل عام واحد والتي تم إصدارها عام 2011 وبداية عام 2012 لتعزيز الاحتياطيات، وهو ما يتعين معه علي الحكومة سداد أو مد أجل 3.4 مليار دولار من هذه الأذون خلال الفترة من نهاية نوفمبر 2012 وحتي 22 فبراير 2013 وهو ما نتوقع معه بقاء الاحتياطيات في دائرة المخاطر الداهمة وتغطيتها فقط ل 3 أشهر واردات سلعية رغم توقعاتنا لتقلص عجز ميزان المدفوعات واستمرار المنح والمساعدات من الدول الإسلامية ودول الاتحاد الأوروبي. تطور الاحتياطيات الدولية لمصر من العملات الأجنبية خلال عام 2011 * عجز ميزان المدفوعات وتراجع احتياطيات مصر من العملات الأجنبية يمكن لهما الحد من تدخل البنك المركزي للعمل علي استقرار سعر صرف الجنيه أمام الدولار وهو ما توقعناه خلال عام 2012 إلا أن المنح والمساعدات والقروض التي حصلت عليها مصر من بعض الصناديق العربية وكذا أذون الخزانة المقومة بالدولار والتي أصدرتها الحكومة لتدعيم الاحتياطيات، أسهم في دعم توفير البنك المركزي للدولار عند طلبه إلا أن الأحداث السياسية التي بدأت شرارتها عند إصدار الرئيس مرسي الإعلان الدستوري وما تبع ذلك من انقسام القوي السياسية إلي قوي معارضة للرئيس وقوي مؤيدة له.. قد أدت لارتفاع في سعر صرف الدولار أمام الجنيه لأسباب غير مبررة أهمها توقف البنوك عن ضخ موارد نقد أجنبي لشركات الصرافة، وتوقفها كذلك عن فتح الاعتمادات المستندية وتدبير العملات اللازمة لها مع تحديد أسعار صرف مرتفعة للدولار أمام الجنيه لشركات الصرافة، وهو ما جعل الجنيه المصري يتراجع لمستوي من التدني أمام الدولار لم يحدث منذ ثماني سنوات. * والواقع يؤكد أن استمرار برامج المساعدات العربية وخصوصا قطر والدول الصديقة وخصوصا تركيا لمصر سيكون عنصرا فعالا في منع تدهور سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية وخصوصا الدولار خلال عام 2013 إلي أن يتم اتخاذ إجراءات وحلول جذرية لمشكلة موارد مصر من العملات الأجنبية. * سيستمر خلال عام 2013 تردي أوضاع السيولة المتاحة بالبنوك لتمويل عجز الموازنة وهو ما سيدفع البنك المركزي المصري للاستمرار في مراجعة طلب المزيد من السيولة بالمزيد من طباعة النقد. وعلي الرغم من إصدار البنك المركزي المصري لبيان نشر بالصحف القومية يؤكد فيه علي أنه يطبع نقدية وفقا للقانون والمؤشرات الحاكمة لعملية الطباعة إلا أن البيان كتب بأسلوب أدي لنتائج عكسية وأثبت للجميع أن عملية طبع النقدية تتم لاستنفاذ السيولة الحالية في عمليات تمويل عجز الموازنة وهو ما أضعف من قدرة البنوك علي ضخ الائتمان بالصورة التي تؤدي لدفع الاقتصاد دفعاً نحو الانتعاش. رغم أن هناك مشكلات في الاستمرار في تمويل عجز الموازنة إلا أننا نتوقع أن يتجاوز الدين المحلي حاجز التريليون ونصف التريليون جنيه وهو ما قد يوازي تقريبا الربع تريليون دولار.. كما يشكل عبئا بالغاً علي الأجيال القادمة ولابد من بحث وسائل لكيفية سداد هذه الديون حتي ولو علي المدي الطويل، لأن بقاء الأمر علي ما هو عليه يشكل خطورة داهمة علي فوائض المصريين وكذا علي إمكانية إعلان إفلاس الدولة المصرية. بيان بتطور الديون المحلية بعد ثورة 25 يناير * علي الرغم من توقع صندوق النقد الدولي أن معدلات النمو الاقتصادي لمصر يمكن أن تتجاوز 3% خلال عام 2013 إلا أن هذا المعدل سيقل كثيرا في ضوء الأداء الاقتصادي الضعيف جدا للحكومة الحالية والتي تعتبر هي الأسوأ أداء فيما لو قورنت بحكومتي شرف والجنزوري. وقوع مصر في مرحلة القلق وعدم الاستقرار منذ ثورة 25 يناير وحتي أوائل النصف الثاني من عام 2012 في ظل وجود المجلس العسري وسعيه بكل الوسائل والأساليب للحفاظ علي امتيازات خاصة للمؤسسة العسكرية تعطيه اليد العليا في إدارة أمور البلاد بشكل غير مباشر علي غرار الوضع الخاص للجيش التركي لسنوات طويلة ماضية.. وهو ما كان واضحا في إصدار المجلس العسكري للإعلان الدستوري المكمل وقبلها وثيقة السلمي والمادتين 9 ، ،10 وهو ما كان يؤجج البلاد بالمظاهرات والمليونيات وبالتالي الاحتكاكات والتوترات إلا أن تسليم السلطة للرئيس المنتخب في أوائل النصف الثاني من عام 2012 ثم قيام الرئيس بإقالة المشير طنطاوي والفريق سامي عنان وتعيين وزير دفاع ورئيس للأركان من خارج الحرس القديم ثم تغيير قيادات الجيش قد قضي تماما علي هذه المرحلة.. ثم دخلت بعدها البلاد في مرحلة الفوضي المحدودة المستمرة وهي الحالة التي راهن عليها وعلي استمرارها ممثلو النظام القديم والمرتبطون به من رجال الأعمال ومن منظومة الحكم القديم المستمرين في أماكنهم القيادية. وعلي الرغم من الهدوء النسبي بعد إتمام الاستفتاء علي الدستور وإقراره إلا أن انتخابات مجلس الشعب القادمة وعدم قبول تيار المعارضة لنتيجة الاستفتاء وحشدهم لانتخابات مجلس الشعب القادمة، وكذا حشد التيار الإسلامي للانتخابات يمكن معه أن تستمر حالة القلق وعدم الاستقرار وهو ما سيؤثر علي الوضع الاقتصادي المتردي لمصر ولو انتهت انتخابات مجلس الشعب بلا مشكلات وأمكن هيكلة جميع القطاعات الاقتصادية من بنوك وبورصة ووزارة المالية ووزارة الاستثمار وقتها فقط يمكن لمصر أن تنتقل إلي مرحلة الاستقرار وإعادة البناء وهو ما يمكن معه بدء تغيير جميع المؤشرات السلبية للاقتصاد المصري للأفضل خلال عام 2014 وهو ما يجعل عام 2013 هو الأصعب لأنه يمثل مرحلة انتقال إما إلي الاستقرار أو إلي استمرار حالة القلق وعدم الاستقرار والتي يمكن أن تنقلب إلي فوضي شاملة فيما لو استمر الأداء السياسي والاقتصادي علي ما هو عليه.