"إذا كانت تحركات السياسة يستلزم الأمر معها أن تواكبها تحركات اقتصادية خصوصا أن الحاجة تقتضي سلة عملات متنوعة وحقيقية متواكبة مع التوجهات الخارجية لمصر والصفحة الجديدة التي يرغب الرئيس مرسي في افتتاحها مع العالم الخارجي، ويضاف إلي ذلك التقلبات التي يشهدها الاقتصاد العالمي وتلك الاضطرابات المنتظرة مع تعمق أزمة الغذاء العالمي وعلاقته الوطيدة بعملات خط المواجهة الدولار واليورو.. ورغم حديث البنك المركزي دوما عن تنوع المحفظة الخاصة بالعملات فإن الخبراء يؤكدون أن التنوع ليس حقيقيا بما تعنيه الأمور. فالمناورات السياسية وتغير الخارطة الاقتصادية العالمية والسياسية علي حد سواء يستلزمها أيضا في ذات الوقت مناورات اقتصادية تزيد من حصة عملات أخري، ووفقا لمقولة "لا تضع البيض كله في سلة واحدة" يصبح من الضروري توزيع الاحتياطي بين عدد من العملات إضافة إلي الذهب الذي من المتوقع أن يصبح العملة الرسمية للعالم لعام 2019 من أفول نجم الدولار واليورو. الأحداث تؤكد حقيقة ثابتة ومؤكدة أن تركز العملات وإدخال عملات أخري من باب التصريح فقط بوجود تنوع سلات العملات في منطقة الخليج والأزمة التي تعانيها الآن من مرور الوقت دون وجود خطوات كافية تحقق هدف توحيد عملاتها جاء بسبب ربط العملات الخليجية بالدولار وبالتالي صعوبة امتصاص الأزمات وبالتالي فإن ميلاد أي عملة قوية بميراث من المعوقات يجعل بدايتها لصيقة "للوهن". فالأزمة المالية التي واكبتها نداءات تنويع سلة العملات في جميع أنحاء العالم عام 2008 أثرت بشكل سلبي واضح في الاقتصادين الأمريكي والعالمي، حيث فقدت بسببها 8 ملايين وظيفة وهو أمر في المقابل أثر أيضا بشكل سلبي في الاستهلاك وأغلقت فيه العديد من المصانع الكبري.. وعدد علي سبيل المثال: مصانع الحديد والألومنيوم والأسمنت وغيرها من تلك التي لها علاقة بالبناء والتشييد ونتج عنها خسارة الصين أكثر من 20% من احتياطياتها النقدية. ويرجع أحد الأسباب الرئيسية للأزمة المالية إلي عدم تمكن البنوك المركزية من إدارة الأزمة ومعالجة التضخم بالشكل الأمثل بهدف تحقيق التوازن والاستقرار الاقتصادي، وضاعف من الأزمة ضعف الاستهلاك العالمي للسلع وما نجم عنه من تقلص الصادرات من جهة وهروب رءوس الأموال الاستثمارية إلي الخارج في بلدان خط المواجهة حيث إن هناك دولا نجحت في تعزيز صادراتها ومعالجة الأزمة بشكل متوازن. تراجع الدولار بات أمرا مرجحا بقوة مع فرط أزمة الغذاء التي سيزداد وطيسها خلال الأرباع القادمة من العام الحالي والعام المقبل فالدراسات تؤكد ضرورة اتخاذ تدابير مشددة علي المصارف للحد من عودة تدفقات السيولة القائمة علي المضاربة وتنامي الضغوطات التي نشهدها في مراحل الأزدهار والتضخم في أسعار الأصول ومن بين المقترحات فرض ضريبة علي الأرباح الرأسمالية علي الاستثمارات في العقارات والأسهم، كما دعت الدراسة إلي اعتماد أطر شاملة تركز علي تعزيز وضمان استقرار النظام المالي بشكل عام ومواجهة المخاطر المتعلقة بالمراكز المالية الخارجية (الأوفشور). شواهد الانهيار مئات التحليلات سواء في جميع أنحاء العالم أو داخل عقر دار العملة الخضراء المترنحة أيدت رأي أن الدولار الأمريكي في طريقه للانهيار أو عند أحسن الأحوال فإنه سوف يفقد قيمته كعملة احتياطي نقدي استراتيجي علي مستوي العالم لأول مرة منذ 1971 بعد استبداله بالذهب كاحتياطي نقدي، ليصبح العملة المجمع عليها في تسعير والاتجار في النفط وبقية السلع، الأمر الذي أعطي الولاياتالمتحدةالأمريكية ميزة اقتصادية كبري مكنتها من تبادل البضائع والخدمات مع بقية دول العالم دون مقابل تقريبا سوي أنه تقوم بطباعة المزيد من الورق الأخضر. ورغم الاتفاق علي الآراء اسابقة فإن هناك اختلافا في شيء واحد فقط وهو الإطار الزمني المتوقع لهذا الانهيار، فالبعض يراه أوشك علي الحدوث بشكل كبير جدا خصوصا لما تشهده الولاياتالمتحدة من حالات العجز المالي الكبير والتي أفصحت عنها الأرقام بأنها قد سجلت 14،3 مليار دولار، في حين أشار البعض أن قيمة العجز الحقيقي وغير المعلن قد تجاوز حاجز ال20 تريليون دولار وهو ما يساوي عشرات أضعاف الميزانية السنوية للولايات المتحدة، إلي جانب إنهاك الاقتصاد الأمريكي في الحروب وهو ما يسهم في اقتراب نهاية الدولار. ومزيد من المؤشرات التي تؤكد اقتراب نهاية الدولار، هو التحذير الذي نشرته وكالة رويترز في يونية 2011 علي لسان الأممالمتحدة التي حذرت فيه من أزمة ثقة محتملة بالدولار وربما تؤدي إلي انهياره إذا واصلت قيمته الهبوط أمام العملات الأخري نتيجة تراجع الاحتفاظ بالدولار وقد أشارت الأممالمتحدة في تقرير سابق لها إلي أن سعر صرف الدولار وصل إلي أدني مستوي له منذ سبعينيات القرن الماضي .. يذكر أنه في أكتوبر 2009 أعلنت الأممالمتحدة في اجتماع البنك الدولي في تركيا قولها بأنه علي العالم أن يتبني عملة جديدة لتصبح عملة الاحتياطي الاستراتيجي العالمي بدلا من الدولار الذي أتاح للولايات المتحدة تراكم عجز تجاري هائل. ومن جانب آخر، فقد قام البنك الدولي في مطلع 2011 بإصدار أول سندات مقومة باليوان الصيني بغرض جمع 500 مليون يوان بما يوازي 76 مليون دولار، وذلك في محاولة لتشجيع استخدام العملة الصينية في الأسواق العالمية، وهو ما يعد مؤشرا قويا علي قرب أفول نجم الدولار حيث اعتبر البعض أن هذا الإجراء من قبل البنك الدولي يعد بمثابة العد التنازلي لنهاية الدولار كعملة رئيسية. الكشف عن السلة! من جانبه يؤكد الدكتور محمد النجار الخبير الاقتصادي أن المركزي مطالب بالكشف عن هيكل العملات داخل محفظة الاحتياطي بصفة دورية معتبرا أن تطبيق مفهوم سلة العملات بهذه النسب التي كشف عنها قد لا يكون سليما لأن وجود 80% من السلة للدولار أمر غير جيد فسلة العملات بمفهومها الأشمل تشمل عددا كبيرا من العملات مثلما تطبق في دول كثيرة التي تسعي لتجنب آثار الأزمات وامتصاصها بأقل الأضرار فتكون السلة بها عدد كبير من العملات بنسب متفاوتة وليس بالنسبة التي تم الكشف عنها مؤخرا. وتابع النجار قائلا إن الأمر مازال ضعيفا ويحتاج إلي مزيد من التنويع وبأوزان نسبية مناسبة جيدة ممثلة لعملات كثيرة ذات ثقل علي الساحة وقال إنه مهما بلغت درجة التنبؤ بتقلبات سعر الصرف فإن الأحري هو مزيد من التنويع وعدم التركيز علي عملتين فقط وإهمال عملات أخري فيجب زيادة حصة عملات أخري مثل الفرنك السويسري والين الياباني واليوان الصيني لدول أصبحت شريكا اقتصاديا كبيرا لمصر. مضيفا أن المركزي لابد أيضا أن يقوم بنشر هيكل العملات في الاحتياطي النقدي في نشراته الدورية وذلك في إطار مزيد من الشفافية والإفصاح حتي تكون هناك مصداقية. المخاطر وقال الدكتور أشرف البيومي الخبير المصرفي أن التعامل ضمن سلة عملات لا يعني بأي حال من الأحوال التخلي عن الدولار إذ أنه سيظل العملة المهيمنة بسبب ارتباط أسعار النفط بالدولار واعتبر الارتباط الوثيق بالدولار محفوفا بالمخاطر لجميع دول المنطقة بسبب عدم استقرار العملة الأمريكية والاحتمال الكبير لانخفاضها مع هبوب ريح أزمة الغذاء، فإذا كان الحديث في الوقت الراهن يدور عن فقدان الدولار نحو 35% من قيمته أمام العملات الصعبة الأخري فهناك احتمال كبير بأن يتقهقر أكثر مما يعني خسائر أكبر أمام عملة الجنيه وبقية العملات الخليجية. لكن أشرف قال عندم يتقهقر أمام الجنيه سيقول الجميع عملتنا قوية وبخير وهزمت الدولار وهذا خطأ! وأشار إلي أن السياسة الحالية المتبعة في الولاياتالمتحدة هي الاقتراض من أجل خدمة الدين وهي سياسة تعمل علي زيادة معدل التضخم والعملات الورقية غير المدعومة بعائد انتاجي. خارطة جديدة وبشكل أكثر تدقيقا يقول الخبير الاقتصادي عاطف الخوانكي في ذات السياق لتبسيط الصورة فإن الإدارة الأمريكية تقوم بالاقتراض لسداد المستحقات المترتبة عليها من القروض السابقة، إذ إنها تقوم بإصدار أذونات خزانة يستخدمها مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي) كأصول لمنح القروض وهذا من شأنه أن يضعضع قيمة الدولار. وقال إن الأمر أقرب ما يكون إلي أن شخصا استنفد الحد الأقصي من بطاقة الاقتراض فقام بإصدار بطاقة جديدة لتسديد الدين المترتب عليه من البطاقة السابقة دون وجود عوائد مالية حقيقية. وأوضح أن السياسة الاقتصادية الحالية لمصر في عهد الرئيس الجديد الدكتور محمد مرسي وفقا لما أعلنه في أعقاب زيارته للصين وإيران تقوم علي الانفتاح الاقتصادي علي الدول الأخري وتشجيع الاستثمارات الخارجية، وهذان الأمران بحاجة إلي استقرار نقدي ورؤية اقتصادية واضحة وهو ما يتحقق بوجود سلة عملات حقيقية. التضخم المستورد ويقول الدكتور سمير الشيخ أستاذ الاقتصاد الإسلامي إن دول المنطقة جميعها الآن علي المحك والأمر يستدعي ضرورة تنويع سلة العملات علي مستوي المنطقة ككل وأكد ضرورة إصلاح الميزانيات العمومية للمؤسسات وزيادة أسهم رأس المال وحجم التمويل متوسط الأجل، حتي وإن كانت تكلفة ذلك أكبر من الوقت الراهن، بغية إعطاء دفعة للثقة وتجنب مزيد من الإضعاف لقناة الائتمان. وتابع قائلا إن سبب الغلاء المحلي يعود إلي حقيقة انخفاض قيمة الدولار عالميا، وما ترتب عليه من انخفاض قيمة الجنيه وعملات المنطقة فانخفاض العملة المحلية يغذي التضخم المستورد علي الرغم من أن سعر صرف الجنيه مقابل الدولار يكاد يكون ثابتا ولم يتغير، ممايعني أن للغلاء أسبابا رئيسية أخري إضافة إلي السابق ومنها الانفاق الحكومي التوسعي وضعف الرقابة والاحتكار والغلاء العالمي. واختتم قوله "كل الشواهد تقودنا إلي ضرورة أن يكون اقتصادنا قويا ومرنا وقادرا علي امتصاص الصدمات بشكل حقيقي بعيداً عن التصريحات المرسلة من خلال سلة عملات قوية وكبيرة تستحق أن تحمل لقب سلة عملات وليست سلة يستحوذ الدولار فيها علي 85% ثم نتحدث عن سلة عملات اعتقد أن هذا أمر خطأ ومضحك.