نحن نتعرض لأكبر عملية ابتزاز انتخابي لا مثيل لها في أية انتخابات أجريت في أي دولة في العالم! فهم يقولون لنا: إذا انتخبتم هذا المرشح وفاز في انتخابات الرئاسة فسوف نقوم بثورة جديدة وسنرفضه ولن تهدأ البلاد! والمعني واضح، وهو أنه يجب انتخاب مرشح تيار معين وإلا فالفوضي واستمرار عدم الاستقرار؛ بالعودة إلي الميدان. وكل يوم هناك تهديدات من هذا النوع تتردد في كل المؤتمرات الانتخابية الجماهيرية بشكل أصبحت معه هذه التهديدات تقول نفس ما قاله مبارك قبل عزله: إما أنا وإما الفوضي، إما نحن وإما الثورة! وحتي المرشح الدبلوماسي عمرو موسي الرجل الذي نكن له كل احترام وتقدير لتاريخه المهني الطويل المشرف راح يلعب علي نفس الوتر ولكن هذه المرة ذهب إلي مدي أبعد في التحذير من انتخاب أحمد شفيق أو انتخاب محمد مرسي، معتبرا أن انتخاب شفيق إعادة انتاج للنظام القديم وأن انتخاب محمد مرسي سيعني سيطرة التيار الديني، وفي الحالتين سيكون هناك رفض وثورة! وإذا كان الأمر كذلك، والكل يرسل تهديداته ويحذر ويعلن من الآن رفضه للإرادة الشعبية فلماذا تجري الانتخابات غدا، ولماذا نتوجه إلي صناديق الانتخاب، ولماذا نختار رئيسا وما قيمة الديمقراطية والصوت الانتخابي إذن؟! إن هذه التهديدات المتداولة والمتطايرة التي أقحم فيها علماء الدين أنفسهم بإصدار الفتاوي بالتفصيل والتركيب تؤكد عدم اعتراف البعض بالديمقراطية إلا إذا كانت تعني وصولهم إلي الحكم والسلطة وتعكس أيضا قصورا في الفهم والإدراك السياسي وغيابا كاملا لمفاهيم الحريات والديمقراطية. إن من حق الشعب أن يختار من يشاء دون وصاية أو ابتزاز أو تهديدات، ومن حق الشعب إذا رأي أن من اختاره قد ضل الطريق أو عاد لأسلوب الحكم القديم في الانفراد والاستئثار بالسلطة أن يعلن رفضه وأن يقف في الميدان مطالبا برحيله ولن يكون في مقدور أي حاكم لمصر بعد أن شاهد مصير مبارك أن يرفض قرار الشعب أو أن يقف ضد مصلحته أو أن يعمل بعيدا عن رغبات الشعب وتطلعاته. لقد مررنا بعام ونصف من الفوضي والغياب الأمني وتراجع الاقتصاد وهروب الاستثمارات وتزايد معدلات البطالة وانتشار العاطلين مع البلطجية في كل مكان، ولمسنا كيف تكون الأمور في غياب الدولة ومؤسساتها وهيبتها، ورأينا كيف تحولت ميادين وشوارع مصر إلي أسواق عشوائية منتشرة هنا وهناك، وتسرب الخوف واليأس إلي قلوبنا جميعا، وبدأنا نفقد الأمل في الأمن والأمان والإصلاح.. ولكن الفرصة تأتينا مرة أخري بالتصويت لمنصب الرئيس، واكتمال مؤسسات الدولة المدنية وانتهاء الفترة الانتقالية لحكم المجلس العسكري.. وهي فرصة يجب عدم إهدارها إذا كانت كل القوي السياسية المتصارعة تعمل من أجل مصر، والحفاظ علي هذه الفرصة لن يكون إلا بقبول حكم الشعب وقراره والتعامل مع الرئيس القادم علي أنه رئيس مصر كلها، ومنحه الفرصة كاملة لاكمال مسيرة التحول الديمقراطي وهدوء الأوضاع! الجميع يجب أن يعلن الوقوف مع الرئيس القادم أيا كان اسمه أو انتماؤه.. فالرئيس لن يكون وحده صاحب القرار؛ القرار ملك الشعب الآن.