حجازي: انتخاب مرشح الإخوان طاعة لله.. والمحلاوي: واجب شرعي.. ومرسي: ترشحت خوفا من الله! القائلون بوجوب التصويت لمرسي.. لم يذكروا في أي آية بالقرآن وأي حديث شريف ورد اسم مرشح الإخوان!
إقحام الشرع في مسألة انتخاب مرسي يكشف أن قرار ترشحه من البداية لم يكن شرعيا!
إن كان انتخاب مرسي واجب شرعي يأثم السلفيون.. وإن كان انتخاب غيره واجب شرعي.. يأثم الإخوان!
سؤال فقهي: ما حكم الشرع في انتخاب الدكتور محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية؟
هذا ليس سؤالا تهكميا معاذ الله، بل هو سؤال جاد لا مفر من طرحه، في خضم المعركة الرئاسية التي تجري رحاها في مصر هذه الأيام، والتي نسأل الله أن يخرجنا منها سالمين.
الدكتور الداعية صفوت حجازي يجيبنا على سؤالنا، حيث أفتى، أن تأييد الدكتور محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين والذي صفته أنه يبلغ من العمر 61 عاما وله خمس أبناء و3 أحفاد يعمل مهندسا ويرأس حزب الحرية والعدالة، هو "طاعة وتعبد لله"، وزاد عليه الشيخ المحلاوي إمام مسجد القائد إبراهيم، أن انتخاب مرسي "واجب شرعي"!
إجابة حجازي والمحلاوي، تفرض سؤالا ثانيا منطقيا: وما حكم الشرع في انتخاب أي مرشح آخر خلاف الدكتور محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية؟
ورغم أن إجابة حجازي والمحلاوي عن السؤال الأول، تحتوي ضمنيا على إجابة السؤال الثاني، إلا أن حجازي تحديدا لم يكتف بذلك، بل أكد صراحة أن انتخاب أي شخص خلاف مرسي، هو محاربة للحق، وخشية من تطبيق شرع الله! متناسيا، أن اسم "مرسي" لم يرد لا في كتاب الله ولا سنة رسوله، وهو ما يعتبر إقحام للدين الحنيف في شأن سياسي بحت، وتضليل لعامة المسلمين، وهو ما لا يرضاه الله ورسوله.
الأصل، أن نبحث في السياسة عما يخدم أهداف الشريعة ونسعى لتحقيقه، إلا أن حجازي والشيخ المحلاوي فعلا العكس، حيث بحثا في الشريعة عما يخدم أهدافهما السياسية والحزب الذي يؤيدانه، ليسبغا على الشريعة الصفة السياسية، وخطورة ذلك، تكمن في أن أهم ما يميز "اللعبة السياسية"، هو التقلب، لأنها قائمة على المصالح، مصالح الجماعة والحزب والفرد، والمصلحة الانتخابية، وكلها مواقف ديناميكية لا تتوقف عن الحركة وتغيير الأماكن، وهو ما لا يمكن انطباقه على الشريعة الغراء التي حملت إلينا ثوابت وأصول، من بدل منها حرفا، موعود بأن يتبوأ مقعده من النار.
وهذا هو لب أزمة الإسلام السياسي، أو السياسة المتأسلمة، والتي تعتبر، مواقف كل من الشيخ المحالوي الداعية صفوت حجازي الأخيرة، أوضح مثالا، على هذه الأزمة، خاصة، مواقفهما من تأييد مرشح جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية، ومؤازرتهما لمرسي، في مواجهة غيره من المرشحين الإسلاميين أو المدنيين.
فقد انبرى حجازي تحديدا، للدفاع عن تأييد مرسي بشراسة "سياسية" منقطعة النظير، مستخدما في ذلك كافة الوسائل، الدينية، والثورية، وحتى الإنسانية – حيث حرص حجازي على دعوة والدة أحد شهداء ثورة يناير لتظهر أمام الكاميرات بأحد مؤتمرات مرسي بدعوى أن مرشح الإخوان هو من سيأتي لها بحق ابنها غير مستنكف من الإتجار بدماء الشهداء في معركة انتخابية رخيصة ونسي إخبارنا بحكم الشرع في ذلك – حتى أنه، ومن فرط مغالاته في التأييد، يخيل للمرء أن ثورة الخامس والعشرين من يناير، لم تقم إلا ليأتي مرسي رئيسا لمصر!
اندفاع حجازي في تأييد مرسي، جعله ينسب لمرشح الإخوان أفعالا ويرسم له صورا تخيلية وهمية أسطورية، ويطلق العنان لخياله عن الإنجازات التي سيحققها مرسي إذا ما وصل إلى سدة الحكم، مثل فك الحصار عن غزة، وإعادة المجد لمصر والإسلام، وإعادة زمن صلاح الدين والعزة والكرامة، وأنه سيصلي بالمسلمين في القدس، وأن مرسي لن يكون إلا "شرع الله"! مستندا إلى قوة مرسي التي يستمدها من وقوف جماعة بحجم الإخوان المسلمين وراءه، في الوقت الذي يعلم فيه حجازي، أن هذه الإنجازات يعجز مجلس الشعب بكافة نوابه الإخوان عن تحقيق واحد على مائة منها، ويعلم أن البرلمان ذي الأكثرية الإخوانية بأكمله، فشل فيما نجحت فيه "مليونية" واحدة بميدان التحرير بعدما أقالت حكومة أحمد شفيق، في الوقت الذي يكاد يبكي فيه سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب ليعطف عليه المشير حسين طنطاوي ويقيل حكومة الجنزوري! فإما أن حجازي يخدع نفسه، وإما أنه يتعمد خداع المصريين.
مغالاة حجازي والمحلاوي غير المبررة الأسباب - حتى الآن على الأقل – أوقعتهما في أزمة خلط ما هو سياسي بما هو ديني، ولي ذراع الشريعة، لتناسب مرشحهما، خاصة، بعدما هاجم حجازي حزب النور والدعوة السلفية، بعد إعلان تأييدهم لدكتور عبد المنعم أبو الفتوح مرشحا رئاسيا، موجها لهم انتقادات حادة، واتهامات خطيرة، ومزايدات دينية، عن مخالفة قرار السلفيين للشرع، مع العلم بأن من أهم أسباب الخلاف بين الإخوان والسلفيين، هو أن الجماعة تعيب على الدعوة تشددها وعدم مرونتها في الالتجاء إلى الشرع، وهو ما يكشف، أن موقف حجازي وهجومه، لم يكن من منطلقات شرعية، وإنما من منطلق سياسي بحت، يقبل الاجتهاد والاختلاف، والأخذ والعطاء، والصواب والخطأ.
الطريف، أن الأخذ بمقياس حجازي والمحلاوي في تأييد مرشحي الرئاسة من عدمه، يورطهما في أزمة شرعية جديدة، حيث أن البحث عن شرعية انتخاب مرسي، يدفعنا إلى النظر في شرعية ترشيحه من الأساس، ولنتسائل: ما حكم الشرع في ترشيح الإخوان لمحمد مرسي رئيسا للجمهورية؟!
إجابة هذا السؤال، نجدها بالنظر إلى المبررات التي قالها الإخوان عندما أعلنوا نكوصهم عن الوعود التي أطلقوها بعدم تقديمهم لمرشح رئاسي، حيث أكدوا أن ترشيح المهندس خيرت الشاطر ومن بعده مرسي ما هو إلا استجابة للتغيرات والمقتضيات التي طرأت على الساحة، أي أنه اعتراف منهم بأنه قرار وقتي اتخذوه بعد بناء على المستجدا، وبالتالي فهو قرار قابل للنقد والتحليل والرفض، إلا أن مرسي، زاد على ذلك، عندما صرح بأن ترشحه جاء "خوفا" من الله، الذي يأمرهم بعدم التخلي عن حل المشكلات التي يستطيعون حلها فعلا، وهو رأي، وإن ألصق بالشرع وطاعة الله، إلا أن مرتكزاته يمكن الرد عليها، كونها قابلة للتغيير، فقد تختلف قدرة الإخوان في التصدي للمشكلات، وبالتالي قد لا يكونوا ملزمين بترشيح أحدهم إذا ما فقدوا تلك القدرة.
ولكن بما أن حجازي والمحلاوي، غالا وزادا على الأمر، أكثر من أصحابه أنفسهم – ملكيون أكثر من الملك – فإننا يجب أن ننظر للقاعدة التي يستمد منها المحلاوي وحجازي حكمهما الشرعي بوجوب انتخاب مرسي، والتي اتفقنا مسبقا أنها ما هي إلا "المصلحة السياسية" – وإن لم يعترفا بذلك - وسنفاجأ، أن حكم ترشيح مرسي قد لا يكون شرعيا على الإطلاق!
حيث أن ترشيح الجماعة لرئيس حزبها، جاء متأخرا على غيره من المرشحين الإسلاميين، حتى إنه يتذيل قائمة المرشحين، كونه آخر مرشح تقدم للمنصب - من الباب الخلفي للجنة العليا للانتخابات الرئاسية! – ولو أن ترشيح مرسي له أساس شرعي، لكان من الأولى على الجماعة أن تعلن تأييدها لأحد المرشحين الإسلاميين الموجودين بالفعل، أما أن تقدم مرشحا إسلاميا إضافيا، يفتت أصوات الإسلاميين، ويضعف من فرص فوزهم وبالتالي فرص تطبيق الشريعة والنظام الإسلامي – حسب ظنهم – فهو ما لا يصب في مصلحة الأهداف الشرعية – حسب قياس حجازي والمحلاوي – وبالتالي فهو قرار مخالف للشريعة، وعليه، يصبح التصويت لمرسي مخالفا للشريعة أيضا من باب عدم إعانة الظالمين على ظلمهم، ويصبح التصويت لأي مرشح إسلامي آخر خلاف مرسي تحديدا هو واجب شرعي!
استغلال الدين فى المعركة الانتخابية هذه الأيام، أكثر شبهًا بما حدث فى شهر مارس عقب الثورة، وفى أثناء المشاركة فى استفتاء الإعلان الدستورى، والتى اعتبرها العديد من التيارات الإسلامية، جهادا فى سبيل الله، وغزوة صناديق، قبل أن يكتشفوا أن فتواهم كانت في غير صالح الشريعة والمسلمين والمصريين كافة!
الإخوان "مسلمون"، والسلفيون "مسلمون"، ولكن هؤلاء يؤدون مرشحا، وأولائك يؤدون آخر، فإن كان تأييد مرشح الإخوان واجب شرعي، فإن السلفيين آثمون، وإن كان تأييد مرشح السلفيين واجب شرعي، فإن الإخوان آثمون، وهذه هي المعضلة، التي أوقع الشعب المصري فيها دعاة الإسلام السياسي وأنصارهم أمثال حجازي والمحلاوي، والتي تكشف أن استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية ومكاسب انتخابية، هو أخطر ما يمكن أن تواجهه مصر بعد الثورة، وعلى الجميع، أن يواجهنا بحقيقته، وحقيقة أهدافه، ويعلنها صراحة: إنها المصلحة يا عزيزي!